هذا التاريخ الذي كان مطمورا تحت الغبار زمن الرحامنة المغبر والمواسم والخيل والبارود والعربات المجرورة بالدواب، والسحنات المدموغة بالخبز والشاي، و في زمنها الراهن، زمن "البوليتيكنيك" والمدينة الخضراء ومركز الطاقة الخضراء والمدينة الذكية ومهبط الوحي الفؤادي واستمرار العربات المجرورة بالدواب أو المدفوعة باليد، وفقر الهوامش وصراع شعب الهامش من أجل مشفى وماء نقي ذي صبيب عال، واختناق أزقة مدينة الهامش بالأوحال في الزمن الماطر، وتتطاير الزوابع في الزمن القائظ، هذا التاريخ المنسي لابد له أن يجعل له الهمة ويستفيق من أنقاض الرماد. هذا التاريخ وذلك التاريخومثله الذي سيأتي، لابد أن يستعيد شرائطه الجيل السابق إن كان قد نسي أو تناسى، ويطلع عليه الجيل الجديد، ليعرف أن للحرية كلفة، وأن للعدالة كلفة، وأن للديمقراطية كلفة، وأن هذا الهامش الضيق من الحريات، نؤكد ونجدد التأكيد أنه لم يأت مجانا أوهبة أو منة من أحد.
فكما خرج الفقيد محمد الموفق من أحد الدواوير القريبة من ابن جرير، سيخرج غير بعيد عنه شاب آخر يدعى عبد الكريم الدرقاوي، الذي سيرى النور هناك سنة 1953 في دوار الصوالح الرمل الذي يشتهر بوجود مقالع للرمل. بدأ السي الدرقاوي مساره التعليمي الابتدائي بمراكش في الموسم الدراسي 59/ 60، ليعود إلى ابن جرير ليكمله بالمدرسة الابتدائية التي تشغل الثانوية التأهيلية عبد الله إبراهيم، ذلك الحيز المتكون من تلك الحجرات الثلاث المبنية بالحجر، والتي لازالت تقاوم الزمن وتقلباته المناخية على الرغم من مرور أكثر من ستين سنة.
سيدرس قسم الملاحظة (CO) الذي يسمى اليوم بالسنة السابعة إعدادي بابن جرير. بعدها سيشد الرحال إلى مراكش وبالضبط إلى ثانوية محمد الخامس باب اغمات، ومنها إلى ثانوية أبي العباس السبتي (شعبة الآداب العصرية) حيث نال شهاد الباكلوريا. ومنها سيرحل إلى الرباط ليمضي سنة بكلية الحقوق بالرباط (شعبة العلوم السياسية)، وهناك سيلتقي مناضلين منهم السي محمد بلمقدم وآخرين.
سيبدأ المسار السياسي للسي عبد الكريم من السنة الثانية ثانوي (السنة السادسة حسب النظام القديم) بعد انخراطه في النقابة الوطنية للتلاميذ. وقبل ذلك كان يتردد على مقر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالرميلة، حيث كان بمعية بعض زملائه ينشط بذات المقر على مبادئ المسرح وأبجديات تطبيقها على الركح، وفي نفس الوقت كان يلتقي بعض الوجوه الاتحادية المعروفة وعلى رأسهم محمد الحبيب الفرقاني، ومن تم اطلع على بعض أدبيات الاتحاد ومنها كتاب الشهيد المهدي بنبركة "الاختيار الثوري".
كان السي الدرقاوي واحدا من مؤسسي النقابة الوطنية للتلاميذ إلى جانب عبد اللطيف ازريكم والحبيب بلكوش وأحمد راكز ولحمر وعويناتي، والتي كان من أهم نضالاتها، توقيف الدراسة لأسباب نقابية والتي نجم عنها تلك السنة الدراسية البيضاء الشهيرة خلال الموسم الدراسي 71/ 72. بعدها ستتشكل خلية سيكون الدرقاوي واحدا من عناصرها إلى جانب الحبيب بلكوش وحسن إدكروم وحسن الموطأ.
في سنة الحصاد المخزني لحركة اليسار، سيتم اعتقال عبد الكريم الدرقاوي من الشارع العام بسيدي يوب بمراكش يوم 07 غشت 1974، وسيقضي بالمعتقل السري بدرب مولاي الشريف ثلاثة عشر شهرا، ذاق خلالها كل أصناف التعذيب المعلومة على يد الجلاد قدور اليوسفي. ومن هناك تم إيداعه سجن اغبيلة صحبة مناضلين آخرين منهم عبد القادر الشاوي والعيساوي ومصطفى التمسماني والسريفي وعلال الأزهر وآخرون.
بعد قضائه لحوالي سنة ونصف بسجن اغبيلة، سيخلى سبيله سنة 1976 لعدم متابعته. سيسجل من جديد بكلية الآداب بمراكش، ومنها سيلتحق بالمركز الجهوي التربوي ليعين بعدها أستاذا، ثم حارسا عاما ثم مديرا، لينهي المسار في إطار المغادرة الطوعية سنة 2005.
سياسيا، التحق بمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي سنة 1990 ، وفي سنة 1996 سيغادرها مع المجموعة التي انشقت و"أسست" الحزب المسمى بالحزب الاشتراكي الديمقراطي (PSD) بقيادة عيسى الورديغي ومحمد حبيب طالب وعبد الله ساعف وعلال الأزهر وآخرين الذين "اندمجوا" في الاتحاد الاشتراكي. وبعد أن تفرقت بهم السبل، اختار كل واحد الطريق التي س"تسلكه" بمن فيهم السي عبد الكريم الدرقاوي الذي وجد نفسه ذات يوم من سنة 2007 مناصرا لرفيقه القديم الحبيب بلكوش، ولكن هذه المرة كمرشح لما سمي بلائحة الكرامة ورمزها الجرار الذي امتطاه الهمة، وشرع يحرث الأرض بخيلاء.
لم يعد الدرقاوي منتظما في إطار سياسي معين، وصار منشغلا ببعض الشؤون الخاصة في دوار الصوالح الرمل الذي يتردد عليه بشكل يومي من مقر سكناه بمراكش.
لست ربوت