كان للجرار علاقة حميمية مع أهل الرحامنة تكاد تكون عائلية نظرا للرعاية والعناية بهده الألة العجيبة .فهو المحراث القوي الذي يقلب أرض الرحامنة القاسية ويحرث فدادينها سفوحا ومنخفضات .وهو أيضا وسيلة نقل أساسية لا يمكن لغيرها من وسائل النقل الحديثة أن تعمل في طرقات الرحامنة السيئة والرديئة .فقد كان الجرار هو الرابط الأساسي بين الدوار والسوق الأسبوعي ،يتحرك مع الفجر حاملا سكان الدوار وأغنامهم التي منها يقتاتون في مقطورة حديدية صدئة لا سقف لها باردة شتاء وحامية الوطيس صيفا يجرها ورائه ورغم كونه وسيلة نقل بدائية فلا تخلو طقوس استعماله من التمييز بين سكان الدوار والبلدة .فصاحب الجرار من الميسورين في نظر أهل البلدة وذو مكانة .وهو السائق أيضا وإلى جانبه علية القوم يزاحمونه في مقعد القيادة وعلى أغطية عجلات الجرار الكبيرة .فيما يركب العامة مع أغنامهم ودجاجهم في المقطورة الصدئة …بعد رحلة عصيبة يدخل الجرار السوق متأخرا ويغادره متأخرا وقد امتلأت المقطورة التي يجرها بالناس وسللهم المليئة بالخضر والشاي والسكر والقليل من لحم الغنم .تزاحمهم في المقطورة الكثير من أكياس وعلب التبن من أجل الدواب وما تبقى من عجائز الأبقار ثم يبدأ الرجال حديثهم الروتيني من هجاء وتنابز بالألقاب وذكريات عن الزمن الجميل …يتحدثون وهم بتمايلون على بعضهم البعض وقد اغبرت وجوههم وشحبت وبرزت بها تجاعيد عميقة كالخطوط التي يرسما محراث الجرار على أرضهم .ومن ضمن ما يتحدثون :قصة الجرار والبركة .فعندما لم يكن هناك جرار كانوا يقضون شهورا في عملية الحرث بالمحراث الخشبي الذي كانت أيامه ميمونة وكان يعم فيها الخير والبركة .بينما عندما أصبحت هناك آلة للحرث رفع الله بركته في كل شيء .فحتى عملية الحرث أصبحت تنجز في ليلة واحدة بعد سقوط أول غيث .وبعدها يصبح الفلاحون عاطلون عن العمل ،ومع ذلك فإن مؤسسة السيد لحليمي تعتبرهم عمالا منتجين .وبعد الحرث السريع تمر شهور عجاف يصبح فيها الزرع هشيما تدروه الرياح أو مصفرا تأكله الأغنام .ويبقى الجرار وحده في مرأبه ينتظر قدوم شتاء اخر في عام اخر ليستطيع العمل من جديد .فقد فقد الجرار شغله كوسيلة للنقل بعدما لم يعد الناس يطيقونه في تنقلاتهم حيث اكتشفوا وجود وسائل أخرى أسرع وأريح وأليق .فمتى يركب الرحامنة القطار الذي يشق أراضيهم نصفين ؟
عبدالهادي الموسولي
لست ربوت