نعمة الأمن النفسي والاقتصادي والسياسي بقلم الشيخ عبد الحميد امين امام وخطيب مسجد الهلتالي بابن جرير رحمه الله

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية نعمة الأمن النفسي والاقتصادي والسياسي بقلم الشيخ عبد الحميد امين امام وخطيب مسجد الهلتالي بابن جرير رحمه الله

نعمة الأمن النفسي والاقتصادي والسياسي بقلم الشيخ عبد الحميد امين امام وخطيب مسجد الهلتالي بابن جرير رحمه الله

الشيخ عبد الحميد أمين إمام مسجد الهلالي رحمه الله - Publicaciones ...الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الهادي المرتضى والنبي المجتبى وعلى آله وصحبه أولي الفضل والنهى وبعد : مضوعنا <الأمن في القرآن ...>إن القلاقل التي تنخر كثيرا من بلدان العالم والعواصف التي تجتاحها مردها إلى شيء واحد هو عدم تطبيق كلمة <عدل> التي جاء بها القرآن في قوله إن الله يامر بالعدل والاحسان > فهذه اللفظة تعني وضع كل شيء في محله الذي يستحقه فعندما عشش الفساد وأفرخ في بعض المجتمهات بما فيها بعض بلاد المسلمين انهارت من الداخل وأصابها الخواء حيث انقلبت عندها الموازين يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق من هنا أول حاجة سلبوها وهي بمثابة الماء للحوت بدونها لايعيش نعمة الأمن
إن الأمن من أعظم مطالب الحياة الإنسانية ، ولهذا امتن الله على عباده بالأمن العام من الخوف ، والأمن الخاص وهو أمن الحرم الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً كما تقدم ، وجاء في الآية التي بعدها دعوة إبراهيم التي بدأ فيها بالأمن وقدمه على سائر الأرزاقولهذا جاء في آية النساء (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ) أن النفوس شديدة الحرص في جانب الأمن وما يضاده وهو الخوف ، حتى إن النفوس قد تتعجل في إذاعة هذا الأمر ، وترده إلى غير أهله .
إن الأمن حاجة بشرية بل حاجة المخلوقات إذ لاسعادة بدون استقرار ولا مذاق للطعام إلا مع توفر الأمن ولذا قرن الله بينهما في معرض حديثه عن النعم التي أنعم الله على قريش فقال { وآمنهم من خوف> من هنا نجد في القرآن عشرين صيغة لمادة أمن يتبين بمجموعها أن حقيقة الأمن من الله فلا أمن حقيقي لأي فرد أو جماعة أو دولة كيفما كانت سياستها واحتياطاتها مالم يتكفل الله لها بالأمن من عنده وقد وردت هذه اليصيغ في ثمان وأربعين موضعا في كتاب الله وذلك في أربع وعشرين سورة سبع منها مدنية وسبع عشرة سورة مكية وقد وعد الله المومنين بالأمن في الدنيا والآخرة في الدنيا على أموالهم وأنفسهم ودينهم ومساجدهم لذلك كانت الحاجة ماسة لدراسة هذه اللفظة القرآنية ومشتقاتها
. أولا الأمن في اللغة:الأمن هو الشعور بالسكينة والطمأنينة وهو ضد الخوف ومنه أمن فلان يأمن.أمنا.وأمنا,وأمنة فهو آمن ,والأمنة ,والأمن ويقال رجل آمن وأمين بمعنى آمن ومنه قوله تعالى:<وهذا البلد الآمين>[التين:3]أي الآمن ويقصد بها مكة ومنه قوله تعالى:<إن المتقين في مقام آمين> [الدخان:1]أي في مقام قد آمنوا فيه الغير.والمأمن موضع الأمن أو المكان الآمن ومنه قوله تعالى:<وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون >[التوبة:6] ويقال رجل أمان أي مأمون به ثقة,والآمن هو المستجير ليأمن على نفسه[1][2],[3]فمن خلال هذه المعاني اللغوية يتبين لنا أن الأمن ضد الخوف وهو يعني الأمان والطمأنينة والسكون والثقة
ثانيا:الأمن شرعا بالنظر في المعاني اللغوية للأمن استنبط المعنى الشرعي للأمن وذلك حسب اجتهاد العلماء فقالوا هو :

{1313}
شعور الإنسان بالسكينة والطمأنينة على حاجاته الدنيوية والأخروية وبدون تكلفة منه عند توفر أسبابه:أما مصطلح الأمن ومشتقاته في السياق القرآني فقد ورد مصطلح الأمن ومشتقاته في السياق القرآني على عشرين صيغة وهي:أمن ــ أمنتكم ـأمنتم ــ أمنكم ــ تأمنا ــ تأمنه ــ يأمن ــ يأمنوا ــ يأمنوكم ــ أمنا ــ آمنة ــ آمنون ــآمنين ــ الأمن ــ أمنا ــ أمنة ــ مأمنة ــ مأمون ــ آمنهم وذلك في أربع عشرة سورة
وقد وردت هذه الصيغ في ثمان وأربعين موضعا من كتاب الله موزعة على ثلاث وأربعين آية,تسع وعشرين آية منها مكية وأربع وعشرة آية منها مدنية والآيات المكية والمدنية التي وردت فيها كلمة الأمن ومشتقاتها وذلك فيما يلي
أولا:الآيات المكية قد ورد مصطلح الأمن مشتقاته في العهد المكي في واحد وثلاثين موضعا مذكورة في تسع وعشرين آية,موزعة في سبع عشرة سورة وذلك فيما يلي:
1ـالأنعام <فأي الفريقين أحق بالأمن > ـ {أولئك لهم الأمن وهم مهتدون >.الأعراف { أفأمن أهل القرى > .ـ أوأمن أهل القرى > يوسف{ قالوا يا أبانا مالك لاتامنا على يوسف } ...الخ فالقرآن يرشد إلى توجيهات وهدايات سواء تعلقت بالأمن النفسي أو السياسي أو الاجتماعي .
ثالثا :إرشاد القران إلى أمن المومنين في الآخرة وذلك فيمايلي :
1ـ الأمن من أهوال القيامة قال تعالى "أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40فالآمنون يوم القيامة هم المومنون .ومن الآيات الدالة على أمن المومنين من فزع يوم القيامة { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (
2ـ الأمن في الجنة قال تعالى : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ (46يعني ادخلوا الجنة مع السلامة من الموت والآفات .وقال ايضا { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ (55
إن الحديث عن مسألة الأمن هو الشغل الشاغل الآن على مستوى الهيئات والمؤسسات والدول ؛ وذلك لما يترتب عليه من نتائج هامة في الاستقرار الاجتماعي ، والنمو الاقتصادي . لقد أخذت كل دولة تضع لنفسها أسساً ومعايير لترسيخ هذا الأمر المهم ، فمنهم من شغل بالأمن الخارجي لدولته ؛ وذلك بوضع القوانين المتعددة ، بل اشتدت القضية في تفاصيلها ؛ حتى قسموا الأمن إلى أمن اجتماعي ، واقتصادي ، وفكري ووضعوا لذلك ضوابط عديدة وحق لهم ذلك ؛ لأن مسألة الأمن في حياة الشعوب من أهم القضايا الإنسانية ، فحياتها موقوفة على الأمن ولا غرابة في ذلك ، فالقرآن الكريم قد اهتم بها منذ خلق الخليقة ، وشغلت حيزاً كبيراً في منهجه ، من خلال تشريعاته التي تعتبر دستوراً للأخلاق ، فحد حدوده وشرع شرائعه ، ومن ذلك ما ذكره القرآن الكريم في حق الذين يروعون الناس،ويسعون في الأرض فساداً وهم يحسبون أنه يحسنون صنعاً .
.
{1314}

قال تعالى : " إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " ( المائدة / 33 )
وأشار تعالى إلى الذين يروجون الإشاعات لإثارة النزاعات التي تعكر صفو المجتمع وتزيل أمنه ، قال تعالى : لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) ،مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) ( الأحزاب / 60 ، 61 ).
إن الناظر في آيات الأمن في القرآن الكريم يجد أنها كثيرة، وقد استوعبت جوانب عديدة لا يمكن أن تستقر الحياة من غير تحقيق الأمن فيها ، فشملت أهم دور العبادة : الكعبة المشرفة ـ والبلد الذي فيه مكة المكرمة بل سماه القرآن حرماً آمنا.
تدور أقوال علماء اللغة في بيان معنى هذه الكلمة حول مفهوم مفاده أن الأمن نقيض الخوف يؤكد ذلك قوله تعالى :" الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ".. لقد جاء خاتم الأنبياء سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم - ليحمل صفة الأمين من الأمانة وصفة الأمانة من الاطمئنان وذلك من خلال معجزة القرآن الكريم ، ومن أهم أهدافه تحقيق الأمن ، وذلك بما شرعه من الزواجر الاجتماعية ، التي بها تنظم الحياة فشرع القصاص لمن قتل ؛ لأنه أخل بالأمن ، وقطع يد السارق ؛ لأنه أخل بالأمن .
الفرق بين مفهوم الأمن في الإسلام والأمن في الدراسات الوضعية :
1 - مفهوم الأمن في الإسلام شامل لكل جوانب الحياة المادية والمعنوية وهو حق للجميع أفرادا وجماعات مسلمين وغير مسلمين وذلك لعموم مقاصد الشريعة في حفظ ما يعرف بالكليات الخمس ( حفظ الدين - النفس - العقل - العِرض - المال )
2 - ومن الفروق أيضا أن الأمن في الإسلام ينطلق من الأمن النفسي لأن المرء يحسه ويدركه وينطبع على أحاسيسه ومشاعره
3 - أنه يؤدى إلى أمن الآخرين بخلاف ما تفعله بعض الدول في محاولاتها لاستجلاب الأمن لبعض أفرادها فإنه يكون على حساب دول أخرى
4 - الأمن النفسي هو الأمن الحقيقي الكامل وغيره لا يعد أمنا كاملاً .
ومن خلال هذه الفروق يتضح للقارئ الكريم أن الأمن النفسي أساس لكل مستويات الأمن ، التي تعقد من أجلها المؤتمرات وتنفق عليها الأموال الهائلة بل هو ركن هام من أركان المجتمع المسلم كما يقول الماوردى في كتابه أدب الدنيا والدين .
رابعا: أسباب الأمن النفسي

1. توحيد الله وعبادته وترك عبادة ما سواه.2. الإيمان بالله تعالى.3. تحكيم الشريعة وإقامة حكم الله تعالى والرضا به.4. الاستقامة على دين الله تعالى والعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.... 5. التوبة والرجوع إلى الله .6. حفظ القرآن إن حفظ القرآن الكريم من أعظم الأسباب التي تحقق الأمن النفسي لما له من خصائص وما تؤتيه من ثمار فهو يرشد صاحبه إلى الرضا بقضاء الله وقدره وعلمه بأنه لا يصيبه شر ولا أذى إلا بمشيئة الله تعالى كما يعلمه أن رزقه بيد الله تعالى.

{1315}

ولقد اهتم الشرع الحكيم بموضوع الأمن ، منذ وجد المخلوق الأول في هذه الدنيا، وجعل تحقيقه بين الأفراد والجماعات من مهام الأنبياء في دعوتهم ، وظهر ذلك جليافي دعوة سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام ؛ حيث قدم طلب الأمن على الرزق ، قال تعالى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ اهـ. د سامي عبد الفتاح هلال عميد كلية القرآن الكريم للقراءات وعلومها - جامعة الأزهر....7ـ شكر الله تعالى بعبادته ولزوم طاعته فهما يديمان نعمة الأمن أن نعمة الأمن تستلزم...
خامسا :ثمار الأمن النفسي

1. تحقيق السعادة النفسية.2. تحقيق الطمأنينة والسكينة.3. الثبات في الشدائد.
4. الرضا ...
سادساالمعاصي سبب لزوال :نعمة الأمنفي الأوطان:ومن نعم الله على عباده نعمة الأمن في البيوت والأوطان والتي إذا اجتمعت لإنسان مع نعمة الصحة فكأنما جمعت له الدنيا كلها فعن سلمه بن عبيد الله بن محص الأنصاري عن أبيه (ض)قال:قال رسول الله(ص):{من أصبح منكم معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا }ابن ماجه ومعنى في سربه:أي في نفسه وفلان واسع السرب أي رخي البال. وقيل آمنا في سربه أي غير خائف في نفسه ولا في أهله ولا في عياله ومن رزقهم الله النعمة في أنفسهم وبيوتهم وأوطانهم فليحرصوا على إقامة شرعه في أنفسهم وبيوتهم وبذلك يزدادون إيمانا وأمنا كما قال تعالى:{فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع أمنهم من خوف}وقال{أو لم يروا أنا جعلنا حرما ءامنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون > إن الإنسان بحاجة إلى الأمن . الأمن في داره . والأمن في أسفاره وترحاله وفي كل حال من أحواله ، وهذا مشاهد . وانظر حال الناس إذا حصل في المجتمع حدث يسير ، كيف ينتشر الخوف ويحصل الرعب ؟!
وهذا يدلك على أمرين :الأول : عظم هذه النعمة – نعمة الأمن – لكن الناس غافلون عنها ، لا يدركونها إلا بضدها ، وسرعان ما ينسون إذا زال هذا الضد .الثاني : ضعف الناس ، وأنهم لا حول لهم ولا قوة إلا بالله تعالى، القادر وحده على دفع المضار وجلب المنافع. فالواجب علينا – معشر الأحبة – أن نعرف قيمة هذه النعمة ونشكر الله تعالى عليها ، ونسأله دوامها . وعلينا أن نحرص على الأسباب التي هي كفيلة – بتوفيق الله – باستقرار الأمن . وأساسها تحقيق الإيمان والعمل الصالح بتوحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له وشكره على نعمه شكراً جامعاً بالقلب واللسان والجوارح ، فإن كفر النعمة من أسباب حلول الخوف محل الأمن وعلى ولاة أمور المسلمين سيادتهم بالعدل ونشر الدين ، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتطبيق الحدود وردع الظالمين ، وقمع المعتدين .
قال تعالى ) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ( [ النحل :97] .والحياة الطيبة من أسسها طمأنينة القلب ، وسكون النفس ، والرزق الحلال ، ولا يتم ذلك إلا بالأمن ، وعلى
{1316}

المسلم أن يدرك أن ما يحصل في بعض البلاد من الحروب الطاحنة التي تزيل الأمن ، أو الجرائم التي تخل به وتجعل الناس يعيشون في خوف ووجل ؛ أن هذا بأسباب المعاصي ومخالفة أمر الله تعالى .قال تعالى في شأن القرية التي كفرت بأنعم الله : ) فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ( [ النحل :112] وقال تعالى : ) وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ( [ الشورى :30] ولا أمن ولا استقرار إلا بتحكيم شرع الله تعالى ، ومعاقبة العصاة ليرتدع المجرم من معاودة الجريمة ، ويرتدع غيره إذا رأى العقوبة وعاقبة الجزاء .
إن أسباب استثباب الأمن أيضا هو تحقيق توحيد الألوهية ليس إلا لقول الله":{الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}قال ابن تيمية رحمه الله إن أسباب دخول التترلبلاد المسلمين الذين خربوا البلاد وقتلوا العباد ولم ير في التاريخ مثلها هو انتشار البدع والخرافات بين المسلمين
.أيها الناس:لقد ٍرأيتم حال إخواننا في فلسطين بيؤتهم غير آمنة من مداهمات جنود اليهود فأيامهم كلها مخاوف وملاحقات ورأيتم حال آخرين كيف أصبحت بلادهم مرتعا للقتل كحاكم ليبيا في 17ـ من ابراير2011 يقتل شعبه بالدبات والطائرات وراجمات الصواريخ لما قالوا له إرحل عنا فغير مرغوب فيك بعد أن أذقتنا الويلات مدة ثلاث وأربعين ........ وأما نعمة الأمن في الأوطان فإن المعاصي أيضا تزيلها فتحصل بسبب ذلك حروب تزيل الأمن وتذهبه وتجعل الناس يعيشون في خوف ووجل كما نراه اليوم تعج به الأرض . فمن حروب عامة إلى حروب خاصة ومن حروب باردة إلى أخرى ساخنة وكل ذلك بسبب وقوع الناس في المعاصي والآثام قال تعالى:{فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}ولقد من المولى على قريش بنعمتين الأولى الأمن والثانية الإطعام قال {أطعمهم من جوع وءامنهم من خوف}.والعالم الآن يعاني سلب هاتين النعمتين فحل الخوف وتأزم الاقتصاد .فالآية الأولى بينت أنه بسبب الكفر بأنعم الله التي منها الأمن أذاقهم الله عقاب الخوف من العدو الخارجي أو الداخلي أو الفوضى أو السلب والنهب أو انقلاب موجع أو مصادرة مالية أو حرب طاحنته أو غير ذلك من الفتن التي تنغص الحياة وتخل بالأمن والاستقرار والأسباب واضحة هي ما كسبت أيدي الناس كما قال المولى {وما أوصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}وكما قال (ص }تقول أحدث التقارير عن أمريكا أنه يلقي القبض في اليوم الواحد 1253 شخصا بتهمة تعاطي الحشيش وتسرق 2618 سيارة فرغم توفر أسباب مكافحة الجريمة تحدث من الجرائم ما لم يجر في الحسبان ....فالطمأنينة الآن أصبحت مهددة في ظل التقدم العلمي من قنابل ذرية وصاروخ نووية وطائرات حربية وكلها وسائل لتدمير البشرية فالدول الكبرى أصبحت تسارع إلى وسائل الدمار مما ينذر بحرب طاحنة من هنا ذكرت الصحف أن <25> مليونا من الأمريكان أصبحوا مرضى نتيجة القلق والمخاوف والأوهام واقتراض الكوارث والحروب .وكيف وقد اخترعت البشرية مايبيدها .وخير مثال على ذلك القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة{هيروشيما}في اليابان التي خلفت أكثر من مائة ألف قتيل والتي دمرت المدينة كليا وتركت بصامتها لعشرات السنين على
{1317}

الطبيعة والبيئة في المنطقة واستنادا للخبراء فإن أي تفجير لقنبلة نووية يسبب كسر العمود الفقري لكل حيوان متواجد ضمن مساحة 30 ألف كلم من مكان الانفجار وأن تفجير قنبلة نيوترونية يسبب موت كل إنسان متواجد ضمن مساحة 270 كلم علاوة على هلاك الطيور ضمن مساحة 490 كلم من مكان الانفج
.إن عدم تحكيم كتاب الله:ورفض سنة النبي(ص) سبب للقلق والقلاقل والشقاق والنفاق والقتل وزوال الأمن وهذا حاصل في هذه الأزمان فحروب طاحنة وسياسات منكوسة وأخبار معكوسة وأمور ملتبسة نسأله السلامة أمين
سابعا المعاصي سبب لزوال نعمة الأمن الجسدينعمة العافية وإن من نعم الله نعمة الأمن الجسدي العافية
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ> البخاري .والنعمة ما يتنعم به الإنسان وسيتلذه وقيل هي الحالة الحسنة وقيل:هي المنفعة المفعولة على جهة الإحسان للغير. والغبن بسكون الباء في البيع ويفتحها في الرأي وعلى هذا فيصبح كل منهما في هذا الحديث فإن مالا يستعملها فيما ينبغي فقد غبن لكونه باعهما ببخس ولم يحمد رأيه في ذلك.في عون المعبود قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَفَرَّغُ لِلطَّاعَةِ إِلَّا إِذَا كَانَ مَكْفِيًّا صَحِيحَ الْبَدَنِ فَقَدْ يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا وَلَا يَكُونُ صَحِيحًا ، وَقَدْ يَكُونُ صَحِيحًا وَلَا يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا فَلَا يَكُونُ مُتَفَرِّغًا لِلْعِلْمِ وَالْعَمَلِ لِشَغْلِهِ بِالْكَسْبِ ، فَمَنْ حَصَلَ لَهُ الْأَمْرَانِ وَكَسِلَ عَنْ الطَّاعَةِ فَهُوَ الْمَغْبُونُ أَيْ الْخَاسِرُ فِي التِّجَارَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ . وقوله{كثير من الناس}أي الذي يوفق لذلك قليل وهو كقوله{وقليل من عبادي الشكور}وعن أبي هريرة (ض)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي الْعَبْدَ مِنْ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ وَنُرْوِيَكَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ> قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وقال تعالى:{ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم}....
لكن المعاصي:قد يحول هذه النعمة التي هي تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفها إلا المرضى إلى طاعون وأسقام عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ أَوْ السَّقَمَ رِجْزٌ عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ >رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ} صححه الألباني في صحيحه ورواه ابن ماجه والحاكم .وعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ
{1318}

وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ>البخاري ....ولقد حدث في هذه الأزمان أوبئة فتاكة بسبب هذه الجرائم المحرمة كمرض الإيدزالذي هو فقدان المناعة من المصاب حتى يموت خاويا ولا يستطاع إيجاد علاج له ومرض الزهري الذي يبدأ بقرحة صغيرة قد تختفي داخل عنق الرحم والفم أو على اللسان ثم يبدأ الطور الأخير وهو الشلل وألم المفاصيل ليذوق العاصي ما قدمت يداه ولقد جاء في إحصائية 1977 أن المصابين بالزهري 50 مليونا وفي 1981 بلغ عدد المصابين بمرض ءاخر وهومرض الهربس التناسلي 20 مليونا في الولايات المتحدة وابتلى الله من عصاه بمرض الإيدز 252 فرادا في الولايات المتحدة بقي أن تعلم أن 73% من المصابين بهذا المرض هم من الذين يعملون عمل قوم لوط وفي كل عام يموت في أمريكا وحدها بسبب مرض الإيدز أربعون ألف طفل نتيجة إطلاق الحريات والدعوة إلى الإباحية فهذه الأمراض انتشرت بشكل مخيف في المجتمعات والأوساط التي انتشر فيها هذا الداء فقد قدر أن 90%من الأمريكان مصابون بهذه الأمراض الجنسية وجاء في دائرة المعارف البريطانية أنه يعالج في المستشفيات الرسمية هناك 20000 مائتا ألف مريض بالزهري ومائة وستون ألفا من المصابين بالسيلان في كل سنة وفي كل ست توان يموت شخص بالإيدز حسب ما أصدره المؤتمر الرابع لمعاجلة الإيدز ..
ثامنا المعاصي سبب لزوال :نعمة الأمن الغداءي والأمن السياسي التي من الله بهما على قريش فلم يقدروا قدرها قال تعالى {...لآيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف }

إن من نعم الله على العبد أن ينعم بوفرة المال لقوله تعالى لأهل سبأ (كلوا من رزق ربكم واشكروا له)وقوله تعالى لنبيه حيث امتن عليه بأن أغناه بمال خديجة حيث قال(ووجدك عائلا فأغناه)وقوله(وضرب الله مثلا قرية كانت ءامنة مطمئنة يايتها رزقها غدا من مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} .فالآية تقرر كيف يتحول المال إلى سراب عندما يتنكر الناس لأنعم الله وءالائه ويقترفون المعاصي والذنوب فإنه يستبدل رغد عيشهم جوعا وأمنهم خوفا وهذا المثل ضربه الله لكل قرية طغت وبغت بعد العيش الكريم وأبطرتها النعمة .وهذا مشاهد في كل مكان وزمان بدليل ما حل ويحل بالبلدان الباغية من أقربها الحواضر المعاصرة فقد كانت قبلة الزائرين والسائحين وتنكرت لما حباها الله به من النعم الوافرة والطبيعة الساحرة فتحول أمنهم إلى صراع داخلي دام سنين وأصبحت الآن من أفقر البلدان قال (ص){إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه}الترمذي وقال حسن غريب وأحمد .والحاكم
والآن فإليكم {نماذج ممن سلبوا النعمة}.1ـ فرعون وقومه .قال تعالى:{كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين}فبين تعالى كيفية أخذ قوم فرعون وسلبهم تلك النعم من الجنات والزروع فأخرجهم منها للغرق ثم إلى النار
.
{1319}
وبيس القرار .2) عاقبة أهل سبأ قال تعالى :{لقد كان لسبأ في مساكهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا
فأرسلنا عليهم سير العرم وبدلناهم بجنتهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل}.فأخبر أنهم كانوا في نعمة واسعة من اتساع الأرزاق وكثرة الثمار والزروع وبعث الله لهم الرسل ليأمروهم بشكر لله على هذه النعم ويوحدوه فكانوا كذلك ما شاء الله ثم بدلوا وأعرضوا عما أمروا به فعاقبهم الله بسلب هذه النعم وذلك بإرسال السيل عليهم فتفرقوا في البلاد شذر مذر فهل نعتبر بهذا يا قومنا قد حبانا الله بنعم لم ينعم بها على من سبق غير أننا قابلنا هذه بالسخط والمعاصي والفجور فاقترفنا كل الفجور من عري وزنا واختلاط
3ـ عاقبة أصحاب:الجنة التي ذكرالله قصتها في سورة ن فقال {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم}فبين تعالى أن سبب ذهاب وهلاك نعمتهم من الثمار والفواكه هو قصدهم السيء بمنع الفقراء والمساكين من نصيبهم وحقهم فأذهب الله كل ما في ذلك البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه حيث حلفوا أنهم سيجنونها في الصباح الباكر لئلا يعلم بهم الفقراء فأصابتهم آفة سماوية وهم ما زالوا يغطون في نومهم حتى أصبحت كالصريم أي كالليل الأسود
4)قصة الرجلين فقال:{ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا
وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34 وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35 }....إلى أن قال .... وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)..........المعنى : وتحَقَّقَ ما قاله المؤمن، ووقع الدمار بالحديقة، فهلك كل ما فيها، فصار الكافر يُقَلِّب كفيه حسرةً وندامة على ما أنفق فيها، وهي خاوية قد سقط بعضها على بعض، ويقول: يا ليتني عرفت نِعَمَ الله وقدرته فلم أشرك به أحدًا. وهذا ندم منه حين لا ينفعه الندم.
5) عاقبة قارون فقال تعالى {فخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) ......المعنى : فخسفنا بقارون وبداره الأرض، فما كان له من جند ينصرونه من دون الله، وما كان ممتنعًا من الله إذا أحلَّ به نقمته.

إن كل فرد أو اسرة أو دولة بغت بما لها من قوة فستأتي عليها سنة الأولين مثل عاد وفرعون وقارون وغيرهم وكم رأينا في العصر الحاضر من دول طغت وتجبرت أتاها الله من حيث لاتحتسب فلم يعد لها بقاء كالاتحاد السوفياتي وغيره

{1320}
عندما ما يلغي الناس شريعة الله في أنفسهم ومجتمعاتهم:إذ هي التي تحمي الناس من التشتت وتجمعهم وتحكم الأهواء والنزوات وسد الثغرات عندما ما لا يكون هذا تنزل بالمجتمع أنكى العقوبات فيتحول إلى فرق وشيع شتى تتنازعها الأهواء فيقع الاختلاف والتناحر قال تعالى:{قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض}
وذلك التناحر يجعل المجتمع عرضة للانهيار والانهزم أمام العدو الخارجي المتربص والمتأمل في حال عدد من البلاد الإسلامية يجد أن أهم أسباب تفرقهم هو إهمالهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فترتب على ذلك شيوع الفساد بشتى صوره ما بين عري وسكر وحفل غنائي ماجن وسهرة راقصة وعرض مسرحي وغير ذلك بل هم الآن يحاصر بعضهم بعضا ويذيق بعضهم بأس بعض فهذه فلسطين تراها في قبضة العدواليهودي بمساعدة من المتمسلمين من الداخل والخارج بل هذه غزة حاصرها اليهود أزمانا وكذلك فعل الجيران من المسلمين من هنا أمر الله بأن تكون في الأمة نخبة يتصدون للأمر بالمعروف فقال:{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}فمن في منكم للبيان لا للتبعيض كقوله تعالى:{فاجتنبوا الرجس من الأوثان}أي كل الأوثان وعليه فإن كل الأمة مأمورة بأن تدعوا إلى المعروف وهذا هو الهدف التي جاءت إليه هذه الأمة
ومعنى الآية:إن الله قادر على أن يعاقب المجتمعات العاصية بإرسال الصواعق من السماء وما تلقيه البراكين من الأحجار والحمم وما تقذف به الطائرات من صواريخ كيماوية أو جرثومية وما زلنا نرى القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما كيف أحدثت أضرارا جسيمة كما أنه تعالى قادر على أن يمطرهم بالحجارة من السماء والصيحة والريح كما فعل بمن قبلنا وفي يوليوز 2002 أمطرت أحد البلاد الغربية بحجارة البرد قدر البيضة فتسبب ذلك في هلاك عويص .وأيضا فإنه تعالى قادر على أن يجعل المجتمع فرقا متحزبين يقاتل بعضهم بعضا قال ابن عباس في تفسير الآية:{أي يبث فيكم الأهواء المختلفة فتصيرون فرقا} ....وعقب السيد قطب على الآية فقال: ويضيف إلى ألوان العذاب الداخلة في قدرة الله؛ والتي قد يأخذ العباد بها متى شاء؛ لوناً آخر بطيئاً طويلاً؛ لا ينهي أمرهم كله في لحظة؛ ولكنه يصاحبهم ويساكنهم ويعايشهم بالليل والنهار :{ أو يلبسكم شيعاً ، ويذيق بعضكم بأس بعض } وهي صورة من العذاب المقيم الطويل المديد؛ الذي يذوقونه بأيديهم ، ويجرعونه لأنفسهم؛ إذ يجعلهم شيعاً وأحزاباً ، متداخلة لا يتميز بعضها عن بعض ، ولا يفاصل بعضها بعضاً ، فهي أبداً في جدال وصراع ، وفي خصومة ونزاع ، وفي بلاء يصبه هذا الفريق على ذاك . .ولقد عرفت البشرية في فترات كثيرة من تاريخها ذلك اللون من العذاب ، كلما انحرفت عن منهج الله؛ وتركت لأهواء البشر ونزواتهم وشهواتهم وجهالتهم وضعفهم وقصورهم . . تصريف الحياة وفق تلك الأهواء والنزوات والشهوات والجهالة والضعف والقصور . وكلما تخبط الناس وهم يضعون أنظمة للحياة وأوضاعاً وشرائع وقوانين وقيماً وموازين من عند أنفسهم؛ يتعبد بها الناس بعضهم بعضاً؛ ويريد بعضهم أن يخضع لأنظمته وأوضاعه وشرائعه
{1321}
وقوانينه البعض الآخر ، والبعض الآخر يأبى ويعارض ، وأولئك يبطشون بمن يأبى ويعارض . وتتصارع رغباتهم وشهواتهم وأطماعهم وتصوراتهم . فيذوق بعضهم بأس بعض ، ويحقد بعضهم على بعض ، وينكر بعضهم بعضاً ، لأنهم لا يفيئون جميعاً إلى ميزان واحد؛ يضعه لهم المعبود الذي يعنو له كل العبيد ، حيث لا يجد أحدهم في نفسه استكباراً عن الخضوع له ، ولا يحس في نفسه صغاراً حين يخضع له .ويذوق الذين يتربصون والذين يبطشون بعضهم بأس بعض! وهم شيع؛ ولكنها ليست متميزة ولا منفصلة! والأرض كلها تعيش اليوم في هذا العذاب البطيء المديد! وقد أنجرلهذا الصراع أيضا عن حسن نية الجماعات الإسلامية فتراهم يصبون جم غضبهم على بعضهم بعضا ويعيبون على بعضهم بعضا نظرالاختلاف مناهجهم فكل واحد يرى الكمال عنده والنقص عند غيره والله المستعان لكن لعل لحسن نياتهم تشفع لهم والله أعلم بما سيكون

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button