قراءة عميقة للأوضاع العالمية في ظل وباء كورونا يمكن أن تؤدي بنا إلى استخلاص مايلي:
فيروس كورونا سيستمر في الانتشار وحصد الأرواح حتى نهاية العام الجاري، وهي الفترة اللازمة لإنتاج اللقاح ضد الوباء بعد استنفاذ المراحل العلمية الضرورية لتجريب اللقاحات داخل المختبرات.. ثم على الحيوان، وبعد ذلك على آلاف الحالات المرضية..
على المدى القريب ستتجه جل دول العالم التي أنهكها الحجر الصحي.. وتوقف دورات الحياة الاقتصادية، إلى الرفع التدريجي من وتيرة التدابير الصارمة عن مجمل القطاعات الاقتصادية الحيوية.. مع سن اجراءات صحية وقائية مرافقة للتعامل مع الوضع الجديد خاصة فيما يتعلق بقوة العمل الإنتاجية..
على المدى المتوسط سيتم التعايش القسري مع الوباء الذي سيتحول مع مرور الوقت إلى " مرض كورونا "..حيث سيتم الاسترشاد ببنك من المعطيات والاجراءات العالمية التي ستشكل خارطة طريق لتعامل المجتمع الدولي مع هذا الوباء وموجاته التي ستأخذ شكل المد والجزر بحسب ظروف وإمكانات كل منطقة عبر العالم..
لن تصمد الرأسمالية العالمية كثيرا أمام الكلفة الكبيرة لفيروس كورونا، والتي ستقدر بمئات الثريليونات من الدولارات، والتي ستنعكس على الموازنات العامة للعديد من دول العالم في ظل توقف الإنتاج واستخلاص الضرائب وتفاقم الدين الخارجي والداخلي.. والعجز عن سداده خاصة بعد انصرام فترة التضامن الدولي وحلول فترة الانكماش الوطني وإحصاء الخسائر..هاته المعطيات ستدفع بقادة الدول الصناعية الكبرى إلى إتخاذ القرار " المخاطرة " بمحاولة إنقاذ الإقتصاد على حساب الأرواح والتعايش مع الوباء، مع مايفرضه التعايش من تدابير جديدة ترافق إعادة بعث الروح في الشركات الكبرى والنظام البنكي والنقدي العالمي..
الأوضاع الجديدة ستكرس أيضا التعامل الرقمي داخل المجتمعات بما تفرضه آليات العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية والتعايش مع كوفيد 19 ورقمنة حالاته أيضأ.. من استمرار لقواعد التباعد الإجتماعي وتطور نظم التعليم عن بعد وانجاز المعاملات الإدارية والتجارية المرقمنة وكل أشكال التجمع والتواصل وغيرها..
إستمرار انتشار الوباء وتطور النظم الصحية التي تواكبه سيؤدي إلى ظهور نوع من التمايز الطبقي المرافق لعملية التصدي والعلاج، فلاشك أن البنيات الصحية العمومية واستنزاف كوادرها الطبية، لن تقدر على مواصلة حالة الطوارئ بنفس الحماس المطلوب في البداية.. وعلاج آلاف الضحايا، مما سيفتح المجال لرعاية طبية جيدة بالمصحات الخاصة..في حين ستغرق المستشفيات العمومية المتردية أصلا في مشاكل عديدة..مع عامة الناس.
مواجهة الوباء والتعايش في نفس الوقت مع تداعياته، ومحاولة العودة إلى إحياء الإقتصاد، تشكل خطورة أكبر بالنسبة للدول العربية غير الخليجية، وبالنسبة لإفريقيا.. خاصة أن قطاعات السياحة والنقل الطرقي والجوي وطبيعة اقتصادها الإجتماعي الهش ستظل قطاعات لا يمكن بعث الروح فيها على المدى القريب والمتوسط..ولذلك على هاته الدول سن اجراءات انتقالية ذكية للخروج من الأزمة بأقل الخسائر الممكنة مع التركيز على القطاعات الإنتاجية الأخرى كالفلاحة مثلا وحماية العاملين فيها وفي الوحدات الإنتاجية الكبرى والمتوسطة..
بالنسبة للمغرب يمكن القول أنه مع كل التدابير التي تم اتخاذها والتي شكلت استحسانا ملحوظا إلا أنها ظلت عاجزة عن محاصرة الوباء وذلك راجع إلى عدم تفعيل آلية وطنية تشرك كل المؤسسات والطاقات في بلورة تصور وطني جامع لمنع تفشي الوباء منذ بداياته الأولى..ويمكن القول أنه اليوم بدأنا نعيش مرحلة تفشي الوباء وعلى السلطات الوطنية مراجعة التدابير وابتداع أخرى جديدة لمنع الانتقال إلى نماذج الشمال..وأظن أن أولى الخطوات تفعيل الفصل 54 من الدستور وتحريك مجلس الأمن القومي مع إضافة كل الشخصيات التي يمكن أن يكون لها دور إيجابي في مواجهة هاته الأزمة، وطبعا بدون خلفيات سياسية.. سيكون لهاته الآلية دور كبير في رسم مقاربة وطنية تشاركية لمواجهة التحديات الوطنية الداخلية والخارجية وتعويض أو دعم لجن اليقظة الوطنية مع تقدير مجهوداتها الهامة.
لست ربوت