الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله نذيرا وبشيرا للعالمين سيدن محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد موضوعنا اليوم < قبسات من عدل الحبيب المصطفى عليه من الله الصلاة والسلام >>
في ظلّ الأجواء القاتمة التي سادت الجزيرة العربية، وانتشار صور العدوان وألوان الظلم التي مورست ضد الضعفاء والمساكين، جاءت الشريعة الخاتمة لتخرج الناس من جور الأديان إلى عدالة الإسلام، وأنزل الله خير كتبه وبعث خير رسله ليقيم العدل ويُرسي دعائم الحق، لتعود الحقوق إلى أصحابها، ويشعر الناس بالأمن والأمان، وبهذا أُمر النبي - صلى الله عليه وسلم - : {وأمرت لأعدل بينكم} (الشورى: 15). فكان العدل من الأخلاق النبويّة والشمائل المحمديّة التي اتّصف بها - صلى الله عليه وسلم - ونشأ عليها، عدلٌ وسع القريب والبعيد، والصديق والعدوّ، والمؤمن والكافر، عدلٌ يزن بالحقّ ويقيم القسط، بل ويحفظ حقوق البهائم والحيوانات، إلى درجة أن يطلب من الآخرين أن يقتصّوا منه خشية أن يكون قد لحقهم حيفٌ أو أذى، وهو أبلغ ما يكون من صور العدل. وبين يدينا موقفٌ من المواقف التي تشهد بعظمته - صلى الله عليه وسلم - ، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم شيئا، أقبل رجل فأكبّ عليه، فطعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرجون وهو عود النخل كان معه، فخرج الرجل، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (تعال فاستقد أي اقتصّ مني)، فقال الرجل: قد عفوت يا رسول الله) رواه النسائي.
العدل بمعناه العام، يشمل عدل الإنسان مع نفسه ومع غيره، مع العدو والصديق، والقريب والبعيد، وفي عبادته وسلوكه وغير ذلك، وبالعدل قامت السماوات والأرض، كما نطق بها اليهود شهادة لما رأوا عدل النبي صلى الله عليه وسلم.والعدل يكون في أمور كثيرة جداً:
روى رباح بن ربيع أخا حنظلة الكاتب أخبره : أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها كان على مقدمته فيها خالد بن الوليد فمر رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة فوقفوا عليها ينظرون إليها ويعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له فتفرجوا عن المرأة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما كانت هذه تقاتل ثم نظر في وجوه القوم فقال لأحدهم : الحق خالد بن الوليد فلا يقتلن ذرية ولا عسيفا> المعجم الكبير
فأين هذا من السلام العالمي اليوم اليهود خاصة والصليبيين عامة.. ومن هنا شهد الغربيون للمسلمين بالرحمة في حروبهم ضد الكفار....فمن ذلك شهادة الدكتور((جوستاف لوبون)) في كتابه حضارة العرب قال.....((والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب))...وقال((روبرتسون))((إن المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الجهاد والتسامح نحو أتباع الأديان الأخرى الذين غلبوهم وتركوهم أحرارا في إقامة شعائرهم الدينية))...وقال:((ميشود))((إن الإسلام الذي
{2304}
أمر بالجهاد متسامح نحو أتباع الأديان الأخرى ولم يمس عمر النصارى بسوء حين فتح المقدس بينما ذبح الصليبيون المسلمين وحرقوا اليهود عندما دخلوها))
وقد تجلى هذا أيضا في الظهير الذي نشره سلطان المغرب محمد ن عبد الله في 5 أبريل 1864 ونصه:
((بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم نأمر من يقف على كتابنا هذا من سائر خدامنا وعمالنا والقائمين بوظائف أعمالنا أن يعاملوا اليهود الذين بسائرإ يالتنا بما أوجبه الله تعالى من نصب ميزان الحق والتسوية بينهم وبين غيرهم في الأحكام حتى لا يلحق أحد منهم مثقال ذرة من الظلم ولا يضام ولا ينالهم مكروه ولا اهتضام الخ اهـ الأقليات للقرضاوي وقال أحد الكفار المستشرقين: لو كان محمدٌ حياً لحل مشاكل الشرق والغرب -كل المشاكل؛ الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية- وهو يشرب فنجان قهوة... لقد شهد الأنام بصدقه وعدله حتى العدا والحق ما شهدت به الأعداءُ فمن عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سهل ميسر، ولذلك يقول أحد الغربيين في كتاب له: إن محمداً -يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم- سهل في عظمته، بسيط في هيبته. ولقد تعلم العدل مما أحوحي غليه من ربه .قال تعالى \ { فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا } [الحجرات:9]، مجيء القسط بعد العدل ماذا يفيد؟ قالوا: هما من المترادفات، وبعضهم يقول: العدل في الفعل والقسط في القول. إن دوام الملك بالعدل والإحسان. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في رسالة صغيرة اسمها: رسالة المظالم: (الملك يدوم مع العدل ولو لكافر، ولا يدوم مع الظلم ولو لمسلم) ؛ لأن الظلم كما نعلم يولد حقداً في المجتمعات والأفراد إذا كانوا يتظالمون في حقوقهم وأعراضهم؛ فكل ينصب للثاني العداء، أما إذا كانت الأمانة والعدالة، وكان الناس آمنون على الدين والنفس والعقل والنسب والعرض والمال، حينها الأمة تكون في خير وعلى خير، قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } أي: العادلين في قضيتهم سواء كانت جزئية أو كبيرة ولو بين أولاده، وإخوانه أو طلابه ، فالعدل في كل شيء في الحياة، ينبغي على المسلمين أن يحافظوا عليه: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النحل:90]؛ لأن العدل متلازم مع الإحسان دائماً، ولا يكون مع العدل إساءة قط...روى الحالكم عن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله لا يقدس أمة لا يأخذ الضعيف حقه من القوي وهو غير متعتع > أي : دون أن يصيبه أذى أو ضرر .ورَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة جَابر بِإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم ...قوله يقدس\ أي يطهر
أيها الناس بالعدل تستقيم الأمور وتستقر الأوضاع وتهدأ العواصف وتضمحل الزوبعات وفي غياب العدل تحل الفوضى وتضرب أحوال الناس فيصبحون لايأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم بل ولا على دينهم .ولنا في الدول التي فقدت العدل خير معتبر فقد فقدت السيطرة على الاضطراب وتفلت زمام الأمن من بين يديها عادت واحة لهواة السلاح سفاك الدماء ومرتعا خصبا للجريمة والمجرمين من قطاع الطرق بل مهدا لولادة الأفكار الشاذة خاصة منها العقدية التي هي نذير حرب
{2305}
على البركة والرخاء..حرب على السعادة والطمأنينة. .حرب المطاردة والمشاكسة.. ..حرب الغبن والظلم.. حرب القلق والخوف ..حرب تولد عقدة التكفير والتفسيق والردة والذي بموجب ذالك يستحل أصحاب هذا الفكر الشاذ الحرمات والأموال والأنفس كما نرى ذالك في بلاد الشام .وبعد هذه المقدمة نعود لنتأمل صورا من العدل في هدي النبوة الذي لو اختاره الناس اليوم لحياتهم بفهم السلف المرن لذاقوا نعمة الأمن وبركة العمر وراحة السعادة غير أن أمتنا اكتفت من هديه ما يروق لها فقط ولنا كبير أمل في الله أن يزرع حب الشرع في قلوب الأمة لتريح وتراح .
اولا>>عدله مع نسائه في المبيت ومن صور عدله - صلى الله عليه وسلم - العدل بين زوجاته حينما قام بتقسيم الأيّام بينهنّ، وكان يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب) رواه أبو داوود، كذلك كان - عليه الصلاة والسلام - إذا عقد العزم على السفر والمسير اختار من تذهب معه بالقرعة، كما تروي ذلك عائشة - رضي الله عنها -: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها " متفق عليه، يقول الإمام المناوي معلّقاً: " (أقرع بين نسائه) تطييبا لنفوسهن، وحذرا من الترجيح بلا مرجّح عملاً بالعدل ".
وفي ظلال المنهج العادل للنبي - صلى الله عليه وسلم - عادت الحقوق إلى أصحابها وعلم كل امرئ ما له وما عليه، وشعر الناس مسلمهم وكافرهم بنزاهة القضاء وعدالة الأحكام، بعد أن وضع - صلى الله عليه وسلم - نظاماً رفيعاً وسنّة ماضية تقيم الحقّ وتقضي بالعدل، منهجٌ فيه النصرة للمظلوم، والقهر للظالم الغشوم، فلا الفقير يخشى من فوات حقّه، ولا الغني يطمع في الحصول على ما ليس له، ولا الشافعون يطمعون في درء حدٍّ من حدود الله - تعالى -، ويشهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فيقول (ومن يعدل إن لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل) متفق عليه واللفظ لمسلم.
وأثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعض المواقف والكلمات التي كانت تصدر من أهل الجاهليّة على الرغم من كفرهم لموافقتها للحق الذي جاء به، وتحقيقاً لقوله - تعالى -: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} (المائدة: 8)، فمن ذلك ثناؤه - صلى الله عليه وسلم - على لبيد بن ربيعة بقوله: (أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل) متفق عليه، وثناؤه على تحالف بعض أهل الجاهلية على نصرة المظلوم بقوله (قد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً لو دُعيت به في الإسلام لأجبت) رواه الحميدي بسند صحيح، وهذا من عدله - عليه الصلاة والسلام - وإنصافه.
ثانيا>> عدله في الشهادة " روى البخاري ومسلم\ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي فَقَالَتْ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا قَالَ أَلَكَ وَلَدٌ
{2306}
سِوَاهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأُرَاهُ قَالَ لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍوَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ.وروى النساءي\النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ
أَنَّ أُمَّهُ ابْنَةَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهَا فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لَهُ فَقَالَتْ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ هَذَا ابْنَةَ رَوَاحَةَ قَاتَلَتْنِي عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا قَالَ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَكُلُّهُمْ وَهَبْتَ لَهُمْ مِثْلَ الَّذِي وَهَبْتَ لِابْنِكَ هَذَا قَالَ لَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ
أين هذا اليوم من كثير ممن قلدوا توزيع الحقوق بالعدل بين جميع فئات الشعوب كيف تصل على غير مستحقيها تقديما للمصلحة الخاصة .
في شرح بن بطال \\
ختلف العلماء فى الرجل ينحل بعض ولده دون البعض، فكرهه طاوس، وقال: لا يجوز ذلك، ولا رغيف محرق، وهو قول عروة، ومجاهد، وبه قال أحمد، وإسحاق، قال إسحاق: فإن فعل فالعطية باطلة، وإن مات الناحل فهو ميراث بينهم.
واحتجوا بأن النبى، عَلَيْهِ السَّلام، رد عطية النعمان، وقال له: « اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم » ، وبقوله: « لا أشهد على جور » ، وأجاز ذلك مالك فى الأشهر عنه، وهو قول الكوفيين، والشافعى، وإن كانوا يستحبون أن يسوى بينهم ذكرانًا كانوا أو إناثًا.
ومن حجة الذين أبطلوا ذلك أن إعطاء بعضهم دون بعض يؤدى إلى قطع الرحم والعقوق، فيجب أن يكون محرمًا ممنوعًا منه؛ لأنه لا يجوز عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يحث على صلة الرحم ويجيز ما يؤدى إلى قطعها، قالوا: وقد كان النعمان وقت ما نحله أبوه صغيرًا، وكان أبوه قابضًا له لصغره عن القبض، فلما قال له، عَلَيْهِ السَّلام: اردده، بعدما كان فى حكم ما قبض، دل على أن النحل لبعض ولده لا ينعقد ولا يملكه المنحول.
قال الطحاوى: ومن حجة الذين أجازوا التفضيل أن حديث النعمان لا دليل فيه على أنه كان حينئذ صغيرًا، ولعله كان كبيرًا لم يكن قبضه، وقد روى الحديث على غير هذا المعنى، روى داود بن أبى هند، عن الشعبى، عن النعمان، أن النبى، عَلَيْهِ السَّلام، قال: « أكُلَّ ولدك نحلته مثل هذا؟ » ، قال: لا، قال: « أيسرك أن يكونوا لك فى البر سواء؟ » ، قال: بلى، قال: « فأشهد على هذا غيرى » ، فهذا خلاف ما فى الحديث الأول، وهذا القول لا يدل على فساد العقد الذى عقد للنعمان؛ لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد يتوقى فى الشهادة على ماله أن يشهد عليه. وقوله: « أشهد على هذا غيرى » ، دليل على صحة العقد، وقد أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - بالتسوية بينهم ليستووا جميعًا فى البر، وليس فى شىء من هذا فساد العقد على التفضيل، فكان كلام النبى - صلى الله عليه وسلم - إياه على طريق المشورة، وعلى ما ينبغى أن يفعل عليه الشىء إن آثر فعله.وكان عَلَيْهِ السَّلام إذا قسم شيئًا بين أهله
{2308}
سوى بينهم جميعًا، وأعطى المملوك كما يعطى الحر، ليس ذلك على أنه واجب، لكنه أحسن من غيره، وقد روى معمر، عن الزهرى، عن أنس، قال: كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل، فجاء ابن له، فقبله وأجلسه على فخذه، ثم جاءت ابنة له، فأجلسها إلى جنبه، قال: « فهلا عدلت بينهما » ، أفلا ترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد منه التعديل بين البنت والابن، وألا يفضل أحدهما على الآخر.
ثاثا>> عدله في القصاص وقصة المرأة المخزومية .روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا> في الفتح\... قَوْله ( الْمَخْزُومِيَّة )
نِسْبَة إِلَى مَخْزُوم بْن يَقَظَة بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْقَاف بَعْدهَا ظَاءٌ مُعْجَمَةٌ مُشَالَةٌ اِبْن مُرَّة بْن كَعْب بْن لُؤَيّ بْن غَالِب ، وَمَخْزُوم أَخُو كُلَاب بْن مُرَّة الَّذِي نُسِبَ إِلَيْهِ بَنُو عَبْد مَنَاف..... وَفِيهِ تَرْكُ الْمُحَابَاةِ فِي إِقَامَة الْحَدّ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ وَلَدًا أَوْ قَرِيبًا أَوْ كَبِير الْقَدْر وَالتَّشْدِيد فِي ذَلِكَ وَالْإِنْكَار عَلَى مَنْ رَخَّصَ فِيهِ أَوْ تَعَرَّضَ لِلشَّفَاعَةِ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ . وَفِيهِ جَوَاز ضَرْبِ الْمَثَل بِالْكَبِيرِ الْقَدْرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنْ الْفِعْل وَمَرَاتِبُ ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ..... وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ لَا يَتَحَقَّق أَنَّهُ يَفْعَلهُ أَوْ لَا يَفْعَلهُ لَا يَحْنَثُ كَمَنْ قَالَ لِمَنْ خَاصَمَ أَخَاهُ : وَاَللَّهِ لَوْ كُنْت حَاضِرًا لَهَشَّمْت أَنْفَك ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَحْنَث مُطْلَقًا ...... وَفِيهِ الِاعْتِبَار بِأَحْوَالِ مَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَم وَلَا سِيَّمَا مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الشَّرْعِ ، وَتَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ مَنْ قَالَ إِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَة إِلَى تَحْذِيرٍ مِنْ فِعْلِ الشَّيْءِ الَّذِي جَرَّ الْهَلَاك إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا لِئَلَّا نَهْلِكَ كَمَا هَلَكُوا وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَإِنَّمَا يَتِمّ أَنْ لَوْ لَمْ يَرِدْ قَطْعُ السَّارِقِ فِي شَرْعِنَا ، وَأَمَّا اللَّفْظُ الْعَامُّ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى أَصْلًا .
رابعا>> عدله في رد المظالم . روى البيهقي في السنن الكبرى
عن حصين عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن ابيه قال كان اسيد بن حضير رجلا ضاحكا مليحا قال فبينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث القوم ويضحكهم فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم باصبعه في خاصرته فقال اوجعتني قال اقتص قال يا رسول الله ان عليك قميصا ولم يكن على قميص قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فاحتضنه ثم جعل يقبل>> ..وفي المستدرك \\ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه قال : كان أسيد بن حضير رجلا صالحا ضاحكا مليحا ، فبينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث القوم ويضحكهم فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته ، فقال : أوجعتني قال : « اقتص قال » يا رسول الله إن عليك قميصا ، ولم يكن علي قميص ، قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ، فاحتضنه ، ثم جعل يقبل كشحه ، فقال : بأبي أنت وأمي يا
{2309}
رسول الله أردت هذا « هذا لفظ حديث جرير عن حصين ، فإن حديث ورقاء مختصر صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه »
قوله \ الكشح : الخَصْر وهو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلفي...قوله\ قَصَّ منه أو اقتص : عاقبه بالمثل.....وفي سنن الدارمي \ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ : زَحَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ حُنَيْنٍ وَفِى رِجْلِى نَعْلٌ كَثِيفَةٌ ، فَوَطِئْتُ بِهَا عَلَى رِجْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَنَفَحَنِى نَفْحَةً بِسَوْطٍ فِى يَدِهِ وَقَالَ :« بِسْمِ اللَّهِ أَوْجَعْتَنِى ». قَالَ : فَبِتُّ لِنَفْسِى لاَئِماً أَقُولُ أَوْجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ : فَبِتُّ بِلَيْلَةٍ كَمَا يَعْلَمُ اللَّهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا رَجُلٌ يَقُولُ : أَيْنَ فُلاَنٌ؟ قَالَ قُلْتُ : هَذَا وَاللَّهِ الَّذِى كَانَ مِنِّى بِالأَمْسِ - قَالَ - فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مُتَخَوِّفٌ ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّكَ وَطِئْتَ بِنَعْلِكَ عَلَى رِجْلِى بِالأَمْسِ فَأَوْجَعْتَنِى ، فَنَفَحْتُكَ نَفْحَةً بِالسَّوْطِ ، فَهَذِهِ ثَمَانُونَ نَعْجَةً فَخُذْهَا بِهَا ».
خامسا>> عدله في المقاضاة .فقد قضى ولم يحاب عما ولا صهرا. روى البيهقي عن عائشة رضى الله عنها قالت لما بعث اهل مكة في فداء اسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبى العاص وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة ادخلتها بها على أبى العاص حين بنى عليها فلما رءاها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال ان رأيتم ان تطلقوا لها اسيرها وتزدوا عليها الذى لها فافعلوا قالوا نعم يا رسول الله فاطلقوه وردوا عليه الذى لها وقال العباس يا رسول الله انى كنت مسلما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله اعلم باسلامك فان يكن كما تقول فالله يجزيك فافد نفسك وابنى اخويك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ، وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر » فقال : ما ذاك عندي يا رسول الله ؟ قال : « فأين المال الذي دفنت أنت وأم الفضل فقلت لها : إن أصبت فهذا المال لبني الفضل ، وعبد الله وقثم ؟ » فقال : والله يا رسول الله ، إني أشهد أنك رسول الله ، إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل ، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « افعل » ففدى العباس نفسه وابني أخويه وحليفه ، وأنزل الله عز وجل : ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم () ) فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه » ورواه الحاكم الأوقية : قيمة عُمْلَةٍ وَوَزْنٍ بما قدره أربعون درهما ، وقيل هي نصف سدس الرطل.
سادسا>>عدله مع الجاهل. .روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُزْرِمُوهُ ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ>. قَوْله : " لَا تُزْرِمُوهُ "بِضَمِّ أَوَّله وَسُكُون
{2310}
الزَّاي وَكَسْر الرَّاء مِنْ الْإِزْرَام ، أَيْ لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْله ، يُقَال : زُرِمَ الْبَوْل إِذَا اِنْقَطَعَ وَأَزْرَمْتُهُ قَطَعْته ، وَكَذَلِكَ يُقَال فِي الدَّمْع ....
وروى مسلم\ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ عَمُّ إِسْحَقَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْ مَهْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ>....
وفي المدخل \\ أَلَا تَرَى إلَى مَا وَرَدَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ وَصَاحَ النَّاسُ بِهِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا تَزْرِمُوهُ وَتَرَكَهُ حَتَّى أَتَمَّ بَوْلَهُ ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ثُمَّ عَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إلَى أَحْوَالِ النَّاسِ وَإِلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ فَلْيُعَامِلْ كُلَّ أَحَدٍ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَمَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ اللُّطْفِ وَالسِّيَاسَةِ وَالشِّدَّةِ وَالْغِلْظَةِ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَسَاوَوْا فَرُبَّ شَخْصٍ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِاللُّطْفِ فَإِنْ أَخَذْته بِالشِّدَّةِ نَفَّرْته وَرُبَّ شَخْصٍ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالْغِلْظَةِ فَإِنْ أَخَذْته بِاللُّطْفِ أَطْمَعْته وَقَلَّ أَنْ يَنْتَهِيَ
وفي إحياء علوم الدين\ بيان إغضائه صلى الله عليه وسلم عما كان يكرهه. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق البشرة لطيف الظاهر والباطن يعرف في وجهه غضبه ورضاه وكان إذا اشتد وجده أكثر من مس لحيته الكريمة وكان لا يشافه أحد بما يكرهه دخل عليه رجل وعليه رجل وعليه صفرة فكرهها فلم يقل له شيئاً حتى خرج فقال لبعض القوم: لو قلتم لهذا أن يدع هذه: يعني الصفرة، وبال أعرابي في المسجد بحضرته فهم به الصحابة فقال صلى الله عليه وسلم " لا تزرموه " أي لا تقطعوا عليه البول.
سابعا>> عدله مع العجماوات \ حتى الحيوانات كانت تنال حظاً من رعايته - صلى الله عليه وسلم – وعدله.. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ
أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ قَالَ فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ فَجَاءَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ> .. حَنَّ ): أَيْ رَجَّعَ صَوْته وَبَكَى....( وَذَرَفَتْ ): بِإِعْجَامِ الذَّال وَفَتْح الرَّاء أَيْ جَرَتْ... ( ذِفْرَاهُ ): بِكَسْرِ الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْفَاء وَرَاء مَقْصُورَة . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الذِّفْرَى مِنْ الْبَعِير مُؤَخِّر رَأْسه وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي يُعْرَف مِنْ قَفَاهُ . وَقَالَ فِي النِّهَايَة : ذِفْرَى الْبَعِير أَصْل أُذُنه وَهِيَ مُؤَنَّثَة وَهُمَا ذِفْرَيَانِ وَأَلِفهَا لِلتَّأْنِيثِ ....(
{2311}
وَتُدْئِبهُ ): أَيْ تُكْرِههُ وَتُتْعِبهُ وَزْنًا وَمَعْنًى وَيُقَال دَأَبَ يَدْأَب دَأْبًا وَأَدْأَبهُ كَذَا فِي مِرْقَاة الصُّعُود .قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَابْن مَاجَهْ وَلَيْسَ فِي حَدِيثهمَا قِصَّة الْجَمَل .
هذا هو سيّد الأنبياء وإمام الأتقياء - صلى الله عليه وسلم - ، وهذه جوانب من سيرته العطرة محفوظةٌ في ذاكرة التاريخ وفي ضمير البشريّة، شاهدةٌ على قسطه وعدله. أين نحن منها. أين من يجلدون الناس وينزلون بهم أنواع العذاب
في ظلّ الأجواء القاتمة التي سادت الجزيرة العربية، وانتشار صور العدوان وألوان الظلم التي مورست ضد الضعفاء والمساكين، جاءت الشريعة الخاتمة لتخرج الناس من جور الأديان إلى عدالة الإسلام، وأنزل الله خير كتبه وبعث خير رسله ليقيم العدل ويُرسي دعائم الحق، لتعود الحقوق إلى أصحابها، ويشعر الناس بالأمن والأمان، وبهذا أُمر النبي - صلى الله عليه وسلم - : {وأمرت لأعدل بينكم} (الشورى: 15). فكان العدل من الأخلاق النبويّة والشمائل المحمديّة التي اتّصف بها - صلى الله عليه وسلم - ونشأ عليها، عدلٌ وسع القريب والبعيد، والصديق والعدوّ، والمؤمن والكافر، عدلٌ يزن بالحقّ ويقيم القسط، بل ويحفظ حقوق البهائم والحيوانات، إلى درجة أن يطلب من الآخرين أن يقتصّوا منه خشية أن يكون قد لحقهم حيفٌ أو أذى، وهو أبلغ ما يكون من صور العدل. وبين يدينا موقفٌ من المواقف التي تشهد بعظمته - صلى الله عليه وسلم - ، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم شيئا، أقبل رجل فأكبّ عليه، فطعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرجون وهو عود النخل كان معه، فخرج الرجل، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (تعال فاستقد أي اقتصّ مني)، فقال الرجل: قد عفوت يا رسول الله) رواه النسائي.
العدل بمعناه العام، يشمل عدل الإنسان مع نفسه ومع غيره، مع العدو والصديق، والقريب والبعيد، وفي عبادته وسلوكه وغير ذلك، وبالعدل قامت السماوات والأرض، كما نطق بها اليهود شهادة لما رأوا عدل النبي صلى الله عليه وسلم.والعدل يكون في أمور كثيرة جداً:
روى رباح بن ربيع أخا حنظلة الكاتب أخبره : أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها كان على مقدمته فيها خالد بن الوليد فمر رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة فوقفوا عليها ينظرون إليها ويعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له فتفرجوا عن المرأة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما كانت هذه تقاتل ثم نظر في وجوه القوم فقال لأحدهم : الحق خالد بن الوليد فلا يقتلن ذرية ولا عسيفا> المعجم الكبير
فأين هذا من السلام العالمي اليوم اليهود خاصة والصليبيين عامة.. ومن هنا شهد الغربيون للمسلمين بالرحمة في حروبهم ضد الكفار....فمن ذلك شهادة الدكتور((جوستاف لوبون)) في كتابه حضارة العرب قال.....((والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب))...وقال((روبرتسون))((إن المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الجهاد والتسامح نحو أتباع الأديان الأخرى الذين غلبوهم وتركوهم أحرارا في إقامة شعائرهم الدينية))...وقال:((ميشود))((إن الإسلام الذي
{2304}
أمر بالجهاد متسامح نحو أتباع الأديان الأخرى ولم يمس عمر النصارى بسوء حين فتح المقدس بينما ذبح الصليبيون المسلمين وحرقوا اليهود عندما دخلوها))
وقد تجلى هذا أيضا في الظهير الذي نشره سلطان المغرب محمد ن عبد الله في 5 أبريل 1864 ونصه:
((بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم نأمر من يقف على كتابنا هذا من سائر خدامنا وعمالنا والقائمين بوظائف أعمالنا أن يعاملوا اليهود الذين بسائرإ يالتنا بما أوجبه الله تعالى من نصب ميزان الحق والتسوية بينهم وبين غيرهم في الأحكام حتى لا يلحق أحد منهم مثقال ذرة من الظلم ولا يضام ولا ينالهم مكروه ولا اهتضام الخ اهـ الأقليات للقرضاوي وقال أحد الكفار المستشرقين: لو كان محمدٌ حياً لحل مشاكل الشرق والغرب -كل المشاكل؛ الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية- وهو يشرب فنجان قهوة... لقد شهد الأنام بصدقه وعدله حتى العدا والحق ما شهدت به الأعداءُ فمن عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سهل ميسر، ولذلك يقول أحد الغربيين في كتاب له: إن محمداً -يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم- سهل في عظمته، بسيط في هيبته. ولقد تعلم العدل مما أحوحي غليه من ربه .قال تعالى \ { فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا } [الحجرات:9]، مجيء القسط بعد العدل ماذا يفيد؟ قالوا: هما من المترادفات، وبعضهم يقول: العدل في الفعل والقسط في القول. إن دوام الملك بالعدل والإحسان. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في رسالة صغيرة اسمها: رسالة المظالم: (الملك يدوم مع العدل ولو لكافر، ولا يدوم مع الظلم ولو لمسلم) ؛ لأن الظلم كما نعلم يولد حقداً في المجتمعات والأفراد إذا كانوا يتظالمون في حقوقهم وأعراضهم؛ فكل ينصب للثاني العداء، أما إذا كانت الأمانة والعدالة، وكان الناس آمنون على الدين والنفس والعقل والنسب والعرض والمال، حينها الأمة تكون في خير وعلى خير، قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } أي: العادلين في قضيتهم سواء كانت جزئية أو كبيرة ولو بين أولاده، وإخوانه أو طلابه ، فالعدل في كل شيء في الحياة، ينبغي على المسلمين أن يحافظوا عليه: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النحل:90]؛ لأن العدل متلازم مع الإحسان دائماً، ولا يكون مع العدل إساءة قط...روى الحالكم عن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله لا يقدس أمة لا يأخذ الضعيف حقه من القوي وهو غير متعتع > أي : دون أن يصيبه أذى أو ضرر .ورَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة جَابر بِإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم ...قوله يقدس\ أي يطهر
أيها الناس بالعدل تستقيم الأمور وتستقر الأوضاع وتهدأ العواصف وتضمحل الزوبعات وفي غياب العدل تحل الفوضى وتضرب أحوال الناس فيصبحون لايأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم بل ولا على دينهم .ولنا في الدول التي فقدت العدل خير معتبر فقد فقدت السيطرة على الاضطراب وتفلت زمام الأمن من بين يديها عادت واحة لهواة السلاح سفاك الدماء ومرتعا خصبا للجريمة والمجرمين من قطاع الطرق بل مهدا لولادة الأفكار الشاذة خاصة منها العقدية التي هي نذير حرب
{2305}
على البركة والرخاء..حرب على السعادة والطمأنينة. .حرب المطاردة والمشاكسة.. ..حرب الغبن والظلم.. حرب القلق والخوف ..حرب تولد عقدة التكفير والتفسيق والردة والذي بموجب ذالك يستحل أصحاب هذا الفكر الشاذ الحرمات والأموال والأنفس كما نرى ذالك في بلاد الشام .وبعد هذه المقدمة نعود لنتأمل صورا من العدل في هدي النبوة الذي لو اختاره الناس اليوم لحياتهم بفهم السلف المرن لذاقوا نعمة الأمن وبركة العمر وراحة السعادة غير أن أمتنا اكتفت من هديه ما يروق لها فقط ولنا كبير أمل في الله أن يزرع حب الشرع في قلوب الأمة لتريح وتراح .
اولا>>عدله مع نسائه في المبيت ومن صور عدله - صلى الله عليه وسلم - العدل بين زوجاته حينما قام بتقسيم الأيّام بينهنّ، وكان يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب) رواه أبو داوود، كذلك كان - عليه الصلاة والسلام - إذا عقد العزم على السفر والمسير اختار من تذهب معه بالقرعة، كما تروي ذلك عائشة - رضي الله عنها -: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها " متفق عليه، يقول الإمام المناوي معلّقاً: " (أقرع بين نسائه) تطييبا لنفوسهن، وحذرا من الترجيح بلا مرجّح عملاً بالعدل ".
وفي ظلال المنهج العادل للنبي - صلى الله عليه وسلم - عادت الحقوق إلى أصحابها وعلم كل امرئ ما له وما عليه، وشعر الناس مسلمهم وكافرهم بنزاهة القضاء وعدالة الأحكام، بعد أن وضع - صلى الله عليه وسلم - نظاماً رفيعاً وسنّة ماضية تقيم الحقّ وتقضي بالعدل، منهجٌ فيه النصرة للمظلوم، والقهر للظالم الغشوم، فلا الفقير يخشى من فوات حقّه، ولا الغني يطمع في الحصول على ما ليس له، ولا الشافعون يطمعون في درء حدٍّ من حدود الله - تعالى -، ويشهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فيقول (ومن يعدل إن لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل) متفق عليه واللفظ لمسلم.
وأثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعض المواقف والكلمات التي كانت تصدر من أهل الجاهليّة على الرغم من كفرهم لموافقتها للحق الذي جاء به، وتحقيقاً لقوله - تعالى -: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} (المائدة: 8)، فمن ذلك ثناؤه - صلى الله عليه وسلم - على لبيد بن ربيعة بقوله: (أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل) متفق عليه، وثناؤه على تحالف بعض أهل الجاهلية على نصرة المظلوم بقوله (قد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً لو دُعيت به في الإسلام لأجبت) رواه الحميدي بسند صحيح، وهذا من عدله - عليه الصلاة والسلام - وإنصافه.
ثانيا>> عدله في الشهادة " روى البخاري ومسلم\ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي فَقَالَتْ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا قَالَ أَلَكَ وَلَدٌ
{2306}
سِوَاهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأُرَاهُ قَالَ لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍوَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ.وروى النساءي\النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ
أَنَّ أُمَّهُ ابْنَةَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهَا فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لَهُ فَقَالَتْ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ هَذَا ابْنَةَ رَوَاحَةَ قَاتَلَتْنِي عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا قَالَ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَكُلُّهُمْ وَهَبْتَ لَهُمْ مِثْلَ الَّذِي وَهَبْتَ لِابْنِكَ هَذَا قَالَ لَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ
أين هذا اليوم من كثير ممن قلدوا توزيع الحقوق بالعدل بين جميع فئات الشعوب كيف تصل على غير مستحقيها تقديما للمصلحة الخاصة .
في شرح بن بطال \\
ختلف العلماء فى الرجل ينحل بعض ولده دون البعض، فكرهه طاوس، وقال: لا يجوز ذلك، ولا رغيف محرق، وهو قول عروة، ومجاهد، وبه قال أحمد، وإسحاق، قال إسحاق: فإن فعل فالعطية باطلة، وإن مات الناحل فهو ميراث بينهم.
واحتجوا بأن النبى، عَلَيْهِ السَّلام، رد عطية النعمان، وقال له: « اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم » ، وبقوله: « لا أشهد على جور » ، وأجاز ذلك مالك فى الأشهر عنه، وهو قول الكوفيين، والشافعى، وإن كانوا يستحبون أن يسوى بينهم ذكرانًا كانوا أو إناثًا.
ومن حجة الذين أبطلوا ذلك أن إعطاء بعضهم دون بعض يؤدى إلى قطع الرحم والعقوق، فيجب أن يكون محرمًا ممنوعًا منه؛ لأنه لا يجوز عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يحث على صلة الرحم ويجيز ما يؤدى إلى قطعها، قالوا: وقد كان النعمان وقت ما نحله أبوه صغيرًا، وكان أبوه قابضًا له لصغره عن القبض، فلما قال له، عَلَيْهِ السَّلام: اردده، بعدما كان فى حكم ما قبض، دل على أن النحل لبعض ولده لا ينعقد ولا يملكه المنحول.
قال الطحاوى: ومن حجة الذين أجازوا التفضيل أن حديث النعمان لا دليل فيه على أنه كان حينئذ صغيرًا، ولعله كان كبيرًا لم يكن قبضه، وقد روى الحديث على غير هذا المعنى، روى داود بن أبى هند، عن الشعبى، عن النعمان، أن النبى، عَلَيْهِ السَّلام، قال: « أكُلَّ ولدك نحلته مثل هذا؟ » ، قال: لا، قال: « أيسرك أن يكونوا لك فى البر سواء؟ » ، قال: بلى، قال: « فأشهد على هذا غيرى » ، فهذا خلاف ما فى الحديث الأول، وهذا القول لا يدل على فساد العقد الذى عقد للنعمان؛ لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد يتوقى فى الشهادة على ماله أن يشهد عليه. وقوله: « أشهد على هذا غيرى » ، دليل على صحة العقد، وقد أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - بالتسوية بينهم ليستووا جميعًا فى البر، وليس فى شىء من هذا فساد العقد على التفضيل، فكان كلام النبى - صلى الله عليه وسلم - إياه على طريق المشورة، وعلى ما ينبغى أن يفعل عليه الشىء إن آثر فعله.وكان عَلَيْهِ السَّلام إذا قسم شيئًا بين أهله
{2308}
سوى بينهم جميعًا، وأعطى المملوك كما يعطى الحر، ليس ذلك على أنه واجب، لكنه أحسن من غيره، وقد روى معمر، عن الزهرى، عن أنس، قال: كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل، فجاء ابن له، فقبله وأجلسه على فخذه، ثم جاءت ابنة له، فأجلسها إلى جنبه، قال: « فهلا عدلت بينهما » ، أفلا ترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد منه التعديل بين البنت والابن، وألا يفضل أحدهما على الآخر.
ثاثا>> عدله في القصاص وقصة المرأة المخزومية .روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا> في الفتح\... قَوْله ( الْمَخْزُومِيَّة )
نِسْبَة إِلَى مَخْزُوم بْن يَقَظَة بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْقَاف بَعْدهَا ظَاءٌ مُعْجَمَةٌ مُشَالَةٌ اِبْن مُرَّة بْن كَعْب بْن لُؤَيّ بْن غَالِب ، وَمَخْزُوم أَخُو كُلَاب بْن مُرَّة الَّذِي نُسِبَ إِلَيْهِ بَنُو عَبْد مَنَاف..... وَفِيهِ تَرْكُ الْمُحَابَاةِ فِي إِقَامَة الْحَدّ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ وَلَدًا أَوْ قَرِيبًا أَوْ كَبِير الْقَدْر وَالتَّشْدِيد فِي ذَلِكَ وَالْإِنْكَار عَلَى مَنْ رَخَّصَ فِيهِ أَوْ تَعَرَّضَ لِلشَّفَاعَةِ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ . وَفِيهِ جَوَاز ضَرْبِ الْمَثَل بِالْكَبِيرِ الْقَدْرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنْ الْفِعْل وَمَرَاتِبُ ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ..... وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ لَا يَتَحَقَّق أَنَّهُ يَفْعَلهُ أَوْ لَا يَفْعَلهُ لَا يَحْنَثُ كَمَنْ قَالَ لِمَنْ خَاصَمَ أَخَاهُ : وَاَللَّهِ لَوْ كُنْت حَاضِرًا لَهَشَّمْت أَنْفَك ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَحْنَث مُطْلَقًا ...... وَفِيهِ الِاعْتِبَار بِأَحْوَالِ مَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَم وَلَا سِيَّمَا مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الشَّرْعِ ، وَتَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ مَنْ قَالَ إِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَة إِلَى تَحْذِيرٍ مِنْ فِعْلِ الشَّيْءِ الَّذِي جَرَّ الْهَلَاك إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا لِئَلَّا نَهْلِكَ كَمَا هَلَكُوا وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَإِنَّمَا يَتِمّ أَنْ لَوْ لَمْ يَرِدْ قَطْعُ السَّارِقِ فِي شَرْعِنَا ، وَأَمَّا اللَّفْظُ الْعَامُّ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى أَصْلًا .
رابعا>> عدله في رد المظالم . روى البيهقي في السنن الكبرى
عن حصين عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن ابيه قال كان اسيد بن حضير رجلا ضاحكا مليحا قال فبينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث القوم ويضحكهم فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم باصبعه في خاصرته فقال اوجعتني قال اقتص قال يا رسول الله ان عليك قميصا ولم يكن على قميص قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فاحتضنه ثم جعل يقبل>> ..وفي المستدرك \\ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه قال : كان أسيد بن حضير رجلا صالحا ضاحكا مليحا ، فبينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث القوم ويضحكهم فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته ، فقال : أوجعتني قال : « اقتص قال » يا رسول الله إن عليك قميصا ، ولم يكن علي قميص ، قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ، فاحتضنه ، ثم جعل يقبل كشحه ، فقال : بأبي أنت وأمي يا
{2309}
رسول الله أردت هذا « هذا لفظ حديث جرير عن حصين ، فإن حديث ورقاء مختصر صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه »
قوله \ الكشح : الخَصْر وهو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلفي...قوله\ قَصَّ منه أو اقتص : عاقبه بالمثل.....وفي سنن الدارمي \ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ : زَحَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ حُنَيْنٍ وَفِى رِجْلِى نَعْلٌ كَثِيفَةٌ ، فَوَطِئْتُ بِهَا عَلَى رِجْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَنَفَحَنِى نَفْحَةً بِسَوْطٍ فِى يَدِهِ وَقَالَ :« بِسْمِ اللَّهِ أَوْجَعْتَنِى ». قَالَ : فَبِتُّ لِنَفْسِى لاَئِماً أَقُولُ أَوْجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ : فَبِتُّ بِلَيْلَةٍ كَمَا يَعْلَمُ اللَّهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا رَجُلٌ يَقُولُ : أَيْنَ فُلاَنٌ؟ قَالَ قُلْتُ : هَذَا وَاللَّهِ الَّذِى كَانَ مِنِّى بِالأَمْسِ - قَالَ - فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مُتَخَوِّفٌ ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّكَ وَطِئْتَ بِنَعْلِكَ عَلَى رِجْلِى بِالأَمْسِ فَأَوْجَعْتَنِى ، فَنَفَحْتُكَ نَفْحَةً بِالسَّوْطِ ، فَهَذِهِ ثَمَانُونَ نَعْجَةً فَخُذْهَا بِهَا ».
خامسا>> عدله في المقاضاة .فقد قضى ولم يحاب عما ولا صهرا. روى البيهقي عن عائشة رضى الله عنها قالت لما بعث اهل مكة في فداء اسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبى العاص وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة ادخلتها بها على أبى العاص حين بنى عليها فلما رءاها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال ان رأيتم ان تطلقوا لها اسيرها وتزدوا عليها الذى لها فافعلوا قالوا نعم يا رسول الله فاطلقوه وردوا عليه الذى لها وقال العباس يا رسول الله انى كنت مسلما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله اعلم باسلامك فان يكن كما تقول فالله يجزيك فافد نفسك وابنى اخويك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ، وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر » فقال : ما ذاك عندي يا رسول الله ؟ قال : « فأين المال الذي دفنت أنت وأم الفضل فقلت لها : إن أصبت فهذا المال لبني الفضل ، وعبد الله وقثم ؟ » فقال : والله يا رسول الله ، إني أشهد أنك رسول الله ، إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل ، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « افعل » ففدى العباس نفسه وابني أخويه وحليفه ، وأنزل الله عز وجل : ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم () ) فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه » ورواه الحاكم الأوقية : قيمة عُمْلَةٍ وَوَزْنٍ بما قدره أربعون درهما ، وقيل هي نصف سدس الرطل.
سادسا>>عدله مع الجاهل. .روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُزْرِمُوهُ ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ>. قَوْله : " لَا تُزْرِمُوهُ "بِضَمِّ أَوَّله وَسُكُون
{2310}
الزَّاي وَكَسْر الرَّاء مِنْ الْإِزْرَام ، أَيْ لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْله ، يُقَال : زُرِمَ الْبَوْل إِذَا اِنْقَطَعَ وَأَزْرَمْتُهُ قَطَعْته ، وَكَذَلِكَ يُقَال فِي الدَّمْع ....
وروى مسلم\ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ عَمُّ إِسْحَقَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْ مَهْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ>....
وفي المدخل \\ أَلَا تَرَى إلَى مَا وَرَدَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ وَصَاحَ النَّاسُ بِهِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا تَزْرِمُوهُ وَتَرَكَهُ حَتَّى أَتَمَّ بَوْلَهُ ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ثُمَّ عَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إلَى أَحْوَالِ النَّاسِ وَإِلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ فَلْيُعَامِلْ كُلَّ أَحَدٍ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَمَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ اللُّطْفِ وَالسِّيَاسَةِ وَالشِّدَّةِ وَالْغِلْظَةِ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَسَاوَوْا فَرُبَّ شَخْصٍ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِاللُّطْفِ فَإِنْ أَخَذْته بِالشِّدَّةِ نَفَّرْته وَرُبَّ شَخْصٍ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالْغِلْظَةِ فَإِنْ أَخَذْته بِاللُّطْفِ أَطْمَعْته وَقَلَّ أَنْ يَنْتَهِيَ
وفي إحياء علوم الدين\ بيان إغضائه صلى الله عليه وسلم عما كان يكرهه. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق البشرة لطيف الظاهر والباطن يعرف في وجهه غضبه ورضاه وكان إذا اشتد وجده أكثر من مس لحيته الكريمة وكان لا يشافه أحد بما يكرهه دخل عليه رجل وعليه رجل وعليه صفرة فكرهها فلم يقل له شيئاً حتى خرج فقال لبعض القوم: لو قلتم لهذا أن يدع هذه: يعني الصفرة، وبال أعرابي في المسجد بحضرته فهم به الصحابة فقال صلى الله عليه وسلم " لا تزرموه " أي لا تقطعوا عليه البول.
سابعا>> عدله مع العجماوات \ حتى الحيوانات كانت تنال حظاً من رعايته - صلى الله عليه وسلم – وعدله.. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ
أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ قَالَ فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ فَجَاءَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ> .. حَنَّ ): أَيْ رَجَّعَ صَوْته وَبَكَى....( وَذَرَفَتْ ): بِإِعْجَامِ الذَّال وَفَتْح الرَّاء أَيْ جَرَتْ... ( ذِفْرَاهُ ): بِكَسْرِ الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْفَاء وَرَاء مَقْصُورَة . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الذِّفْرَى مِنْ الْبَعِير مُؤَخِّر رَأْسه وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي يُعْرَف مِنْ قَفَاهُ . وَقَالَ فِي النِّهَايَة : ذِفْرَى الْبَعِير أَصْل أُذُنه وَهِيَ مُؤَنَّثَة وَهُمَا ذِفْرَيَانِ وَأَلِفهَا لِلتَّأْنِيثِ ....(
{2311}
وَتُدْئِبهُ ): أَيْ تُكْرِههُ وَتُتْعِبهُ وَزْنًا وَمَعْنًى وَيُقَال دَأَبَ يَدْأَب دَأْبًا وَأَدْأَبهُ كَذَا فِي مِرْقَاة الصُّعُود .قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَابْن مَاجَهْ وَلَيْسَ فِي حَدِيثهمَا قِصَّة الْجَمَل .
هذا هو سيّد الأنبياء وإمام الأتقياء - صلى الله عليه وسلم - ، وهذه جوانب من سيرته العطرة محفوظةٌ في ذاكرة التاريخ وفي ضمير البشريّة، شاهدةٌ على قسطه وعدله. أين نحن منها. أين من يجلدون الناس وينزلون بهم أنواع العذاب
لست ربوت