.لقد حث الله على العمل ، ورفع منزلته وثوابه إلى درجة العبادة والفريضة ، كما اهتم الإسلام بحقوق العامل وحوافزه وتنمية دوافع وبواعث التزامه بالقيم والأخلاق كما استنبط الفقهاء الضوابط الشرعية للتعامل مع العامل لكي ينتج ويبدع ويبتكر .
ويختص هذا البحث بتناول عنصر العمل والعمال في النظام الاقتصادي الإسلامي مع التركيز على مفهوم العمل وضوابطه الشرعية وواجبات ومسئوليات العامل وأسس حساب الأجور ، وذلك في ضوء أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
— - مفهوم العمل في الاقتصاد الإسلامي:
من التكاليف التي فرضها الله على الإنسان عاملاً كان أو صاحب عمل (مستثمراً) ، خفيراً أو وزيراً هي العمل لعمارة الأرض وعبادة الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى: ) هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ( (هود: 61)، ويقول الله تبارك وتعالى أيضاً : ) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ( (الملك: 15) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طلب الحلال فريضة بعد الفرائض" (رواه الطبراني عن ابن عباس)، ويقول كذلك : "اليد العليا خير من اليد السفلى" (رواه البخاري).
ولقد رفع الله درجة العمل إلى مرتبة العبادة وقرنه بالإيمان في كثير من الآيات قال الله تبارك وتعالى:} قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً{ (الكهف: 110)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأن يأخذ أحدكم حبله ، ثم يأت الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجه ، خير له من أن يسأل الناس ، أعطوه أو منعوه " (رواه البخاري عن الزبير بن العوام) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب العبد المحترف" (رواه البيهقي والطبراني) ، وعن الحض على العمل يقول صلى الله عليه وسلم : " ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده " ، ويقول صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يحب الفارغ الصحيح لا في عمل الدنيا والآخرة ".(رواه أبو داوود )
والعمل في الإسلام قيمة ، فاليد العليا خير من اليد السفلى ، واليد التي تعطى خير من اليد التي تأخذ، والعمل في الإسلام واجب حيوي وليس للتفاخر والتكبر والجاه والمظهرية فهو أساس الكسب والرزق الطيب لإعمار الأرض.
وعندما يفقه ويقتنع ويؤمن كل من العامل وصاحب العمل بأن العمل في الإسلام تكليف رباني وعبادة شرعية، وضرورة حيوية، وشرف وقيمة وعزة وجهاد في سبيل الله يكون ذلك حافزاً لهما على العمل الصادق الخالص والنافع للنفس وللوطن وللأمة الإسلامية وبذلك تكون العلاقة بينهما طيبة مباركة تحقق المصالح للعامل
<2355>
ولصاحب المنشأة ولمن تقدم لهم الخدمات وكذلك للمجتمع ، وهذا هو أساس التنمية الاقتصادية الفعالة في الإسلام .
يصادف يوم الخميس الماضي العيد العالمي للعمال وهو يوم احتفال سنوي يقام في عدة دول حول العالم وهو يوم عطلة رسمي، وقد بدأ أصل الاحتفال به في كندا بعد نزاعات شديدة بين العمال وأرباب العمل، ونرى أنه من الضروري أن نوضح للناس الحقوق والواجبات الخاصة بالعمل في ضوء الشريعة الإسلامية.
فمن حقوق العامل أن تهيء له الدولة أو الشركة أو المؤسسة التي يعمل فيها العمل الذي يلائمه ويكتسب منه ما يكفيه، وييسر له من التعليم والتدريب ما يؤهله للقيام بهذا العمل بكل كفاءة، وقد نظّم الإسلام هذا الحق من خلال محاربته للمحسوبية أو الرشوة، وجعل الكفاءة هي الأساس في التمييز بين الأفراد في فرص العمل المتاحة، فلا حق لغير المختص في مهنة الطب في معالجة المرضى، ولا حق للجاهل أن يعمل مدرّساً في مدرسة.
ومن حق العامل أن ينال الأجر العادل لقاء عمله، ويجب أن يراعى في مسألة الأجر أمران رئيسيان هما درجة الكفاءة وساعات الدوام التي يقدمها العامل لرب العمل، ولا يجوز لصاحب العمل أن يبخسه حقه أو يغبنه في تحديد أجره الذي يستحقه امتثالاً لقول الله تبارك و تعالى: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين}. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ثم لم يعطه أجره» وفي حالة الظلم فللعامل حق الشكوى وحق التقاضي لاستيفاء الحق.
ومن حق العامل حصوله على الراحة، خاصة إذا كان يعمل عملاً متعباً، كالبناء والحداد وعامل الفرن وغيرهم، فلا يجوز لصاحب العمل ارهاقه إرهاقاً يضر بصحته. قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}، وقال عليه الصلاة والسلام في حقوق الخدم: «إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، فان كلفتموهم فأعينوهم»، وقال عليه الصلاة والسلام «إن لنفسك عليك حقاً وإن لجسدك عليك حقاً»، وهذا يعطي العامل حقاً في الراحة وأداء العبادة.
ومن حق العامل الرعاية وقت الشيخوخة،فقد ضمنت قوانين التكافل الإجتماعي في الإسلام المسلم عند عجزه، كما ضمن الإسلام للعامل حق رعاية أسرته بعد وفاته من بيت مال المسلمين.
وعلى العمال واجبات لا يجوز للعامل أن يقصر في أدائها أو يخالفها فلا يغش ولا يخادع ولا يهمل عمله، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «من غشنا فليس منا»، وقال الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}. ومن واجبات العامل الاتقان والإجادة في العمل لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «ان الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يجي
<2356>
وعلى العامل أن يطيع رؤساءه في العمل في غير معصية لله عز وجل وأن يلتزم بقوانين العمل، وأن يتعفف من استغلال الوظيفة أو النفوذ لانتفاعه الشخصي أو لنفع غيره، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقاً، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول»، والغلول هو في الأصل المال الذي يغنمه المحاربون في الحرب، حيث يجب أن تقتسم هذه الغنائم على عموم المسلمين وتوزع وفق مقتضيات الشرع، فإذا أخذ أحد المحاربين درعاً لنفسه ولم يعلن عنها سميت غلولاً، وهي بالتالي حرام.....وبعد هذه المقدمة أقول ما يلي \:
أولا>>ـ دعوة الإسلام إلى العمل .إن التقاعس والكسل عن العمل أمران ينافيان مبادئ الشريعة التي دعت إليه إثر قضاء الفريضة قال تعالى : "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله ".وقال تعالى :<هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ> وفي الآية إيماء إلى طلب الرزق والمكاسب، عن تميم الجَيشاني يقول: إنه سمع عمر بن الخطاب يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تَغْدُو خِمَاصًا وتَرُوح بِطَانًا".رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة. فأثبت لها رواحا وغدوا لطلب الرزق، مع توكلها على الله، عز وجل، وهو المسَخِّر المسير المسبب....
ولقدحث الإسلام على التجارة والزراعة والغراسة والصناعة .أما التجارة فورد الحث عليها في حديث أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ >قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ...أما الزراعة والغراسة فدعا الحبيب بقوله : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ> رواه البخاري...أما الحث على تعلم الحرف وتعاطيها فروى البخاري : عَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ
وجاءحث الإسلام على العمل ولو دنيئا فهوخير من المسألة . عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ> البخاري
ثانيا>>ـ تحريم مماطلة العامل أو حرمانه من عرق جبينه. فيحرم أكل أجر العامل ظلماً ، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى : } وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِين َ{ [هود:85] ، ولقد حرم الإسلام الاعتداء على أموال الغير ، ويدخل فيهم العمال ، فيقول صلى الله عليه وسلم : "كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه " (رواه البخاري ومسلم) روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي
<2357>
ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ>قَوْلُهُ : ( أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ )كَذَا لِلْجَمِيعِ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ وَالتَّقْدِيرُ أَعْطَى يَمِينَهُ بِي أَيْ عَاهَدَ عَهْدًا وَحَلَفَ عَلَيْهِ بِاللَّهِ ثُمَّ نَقَضَهُ . قَوْلُهُ : ( وَرَجُلٌ اِسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ )هُوَ فِي مَعْنَى مِنْ بَاعَ حُرًّا وَأَكَلَ ثَمَنَهُ لِأَنَّهُ اِسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَكَأَنَّهُ أَكَلَهَا ، وَلِأَنَّهُ اِسْتَخْدَمَهُ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ وَكَأَنَّهُ اِسْتَعْبَدَهُ .
ثالثا>>>– تأمين العامل في حالات العجز أو الشيخوخة أو الأزمات أو الكوارث أو المحن ، وهذا كله يدخل في نطاق التكافل الاجتماعي والتعاون مسئولية ولي الأمر ، ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته وهو مسئول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " (رواه البخاري ومسلم) ، ويكون ذلك من بيت مال المسلمين أو من صناديق التأمينات العامة أو الخاصة. اهـ الضوابط الشرعية للعمل والعمال.
رابعا>>ـ وجوب الرفق بالعامل للأحاديث الآتية :
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَرِقَّاءَكُمْ أَرِقَّاءَكُمْ أَرِقَّاءَكُمْ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ فَإِنْ جَاءُوا بِذَنْبٍ لَا تُرِيدُونَ أَنْ تَغْفِرُوهُ فَبِيعُوا عِبَادَ اللَّهِ وَلَا تُعَذِّبُوهُمْ> رواه أحمد ..
...>والذي يحل محل الأرقاء قديما الخدم اليوم في البيوت والعمال والموظفين والرعاة وغير ذالك .عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ.) (سنن الترمذى-البر) . ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الرفق فى الأمر كله) البخارى يقول رسول صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه ستر الله عليه ،وأدخله جنته: رفق بالضعيف ، وشفقة على الوالدين ، وإحسان إلى المملوك).(الترمذى: كتاب القيامة) ، اهـ مفاهم إسلامية...
ويُذكر أن عمر بن عبدالعزيز كتب إلى واليه على البصرة عدي بن أرطأة يوصيه، ؛ يقول: «ثم انظر مَن قِبَلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجْر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه .. وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس فقال: ما أنصفناك، أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك في كبرك، قال: ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه»..وذكر أبو يوسف في كتاب الخراج أن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه رأى رجلاً كبيراً ومعه أولاده، وهو يتكفف الناس ويسألهم، فقال: (ما بالك يا رجل؟! قال: أنا من أهل الجزية وعجزت عنها، فأنا أسأل الناس لأقدمها، فقال كلمة عمر : والله! ما أنصفناك )، وأسقط عنه الجزية، وفرض له من بيت مال المسلمين ما يكفيه ويكفي أولاده، لأنه كان معه عياله، ففرض له ولعياله من بيت مال المسلمين ما يكفيهم.اهـ دروس للشيخ عطية سالم لعطية بن محمد سالم (المتوفى : 1420هـ)
<2358>
رابعا>ـ من مخالفات الموظفين والعمال أخذ الرشوة:وهي من الأمراض التي فشت في أوساط الموظفين والعمال حتى أصبح الموظف لا يقوم بعمله على الوجه المرضى إلا مقابل رشوة من طرف من يهمه الأمر
.والرشوة معناها :إضاعة الحقوق وخراب الذمم انهيار القيم وانتشار الظلم وخذلان الضعفاء وتفسخ المجتمع . والفرد إذا ضاع حقه وراءه يذهب من بين يديه إلى غيره ممن يستطيع أن يدفع الرشوة فلن يكون عنده انتماء لوطنه ولن تتولد عنده الرغبة في إعلاء شأنه أو الدفاع عنه وهذا خطر إذا شاع في بعض الأفراد فيالله كم من مصائب جرتها الرشوة على المجتمعات وبلادنا هذه لم تسلم من هذا الداء العضال فقلما تجد مؤسسة لا تخلو من هذا خاصة في المستشفيات والإدارات والمحاكم فإلى الله المشتكى
وفي التاريخ أن رجلا هدى لعمر بن عبد العزيز تفاحات فأبى أن يقبلها فقال له الرجل قد كان رسول الله يقبل الهدية فقال عمر كانت الهدية لرسول الله هدية وهي اليوم لنا رشوة ولا حاجة لي بها>وعن عمرو بن العاص قال سمعت <ص>يقول<ما من يقوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة أي المجاعة وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب >رواه أحمد.وفي سنده ضعف فالربا عواقبها هي الجهد والبلاء والجفاف والقحط والرشوة وآثارها الخوف بعد الأمن والرعب بعد الطمآنينة فكيف يأمن من يطمع في حق غيره ويتخايل للوصول إلأيه وكيف يطمئن من عمد غيره ليأخذ ثمن إضاعة الحقوق على أصحابها والكسب الحرام و لا يقبل من صاحبه ولو تصدق بهقال رسول الله<ص>:<لا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق به فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده النار أن الله عز وجل لا يمحو السئ بالسيئ ولكن يمحو السئ بالحسن إن الخبث لا يمحو بالخبث الحصول على بعض الهدايا بسبب طبيعة العمل كمن يعمل في قسم المشتريات أو قسم المنازعات أو قسم التوثيق فيحصل على بعض التنزيلات أو الهدايا فهذا لا يجوز لما أفتى به الشيخ ابن عثيمين لسائل سأله يعمل في قسم المشتريات وبطبيعة عمله يحصل على بعض الهدايا فأجابه:أتى أسأل هذا السائل لمؤلم يكن يعامل هؤلاء هل يعطونه أو ينزلون له أحسب أن الجواب له فإذا كانوا إنما يعطونه الهدايا أو ينزلون له في الأسعار بسبب تعامله معهم للجهة الحكومية فإنه لا يجوز له القبول لحديث عبد الله بن اللبتية أن النبي<ص>بعثه على صدقة فلما رجع قال هذا لكم وهذا أهدي لي فخطب النبي<ص>الناس قال ما بال أحدكم نستعمله على العمل ويرجع ويقول هذا لكم وهذا يهدي إلي فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدي له أم لا >اهـ
حَدِيث هَدَايَا الْعمَّال غلُول رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي حميد السَّاعِدِيّ
) روى البخاري \عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا فَجَاءَهُ الْعَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَالَ لَهُ أَفَلَا قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لَا ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلَاةِ فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلَا قَعَدَ فِي
<2359>
بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ فَقَدْ بَلَّغْتُ فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ حَتَّى إِنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى عُفْرَةِ إِبْطَيْهِ قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ وَقَدْ سَمِعَ ذَلِكَ مَعِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلُوهُ>قَوْله ( اِسْتَعْمَلَ عَامِلًا ) هو ابن اللبتية .الغلول : الخيانة والسرقة.....الرغاء : صوت الإبل.... الخوار : الصياح... اليعار : صوت الشاة......
ا+ اللُّتْبِيَّةِ هُوَ بِضَمِّ اللَّام وَسُكُون الْمُثَنَّاة وَكَسْر الْمُوَحَّدَة ثُمَّ يَاءِ النَّسَبِ وَاسْمه عَبْد اللَّه
قال النووي \وَفِي هَذَا الْحَدِيث : بَيَان أَنَّ هَدَايَا الْعُمَّال حَرَام وَغُلُول ؛ لِأَنَّهُ خَانَ فِي وِلَايَته وَأَمَانَته ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْحَدِيث فِي عُقُوبَته وَحَمْله مَا أُهْدِيَ إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة ، كَمَا ذَكَرَ مِثْله فِي الْغَالّ ، وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْس الْحَدِيث السَّبَب فِي تَحْرِيم الْهَدِيَّة عَلَيْهِ ، وَأَنَّهَا بِسَبَبِ الْوِلَايَة ، بِخِلَافِ الْهَدِيَّة لِغَيْرِ الْعَامِل ، فَإِنَّهَا مُسْتَحَبَّة ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان حُكْم مَا يَقْبِضهُ الْعَامِل وَنَحْوه بِاسْمِ الْهَدِيَّة ، وَأَنَّهُ يَرُدّهُ إِلَى مُهْدِيه ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَإِلَى بَيْت الْمَال ....عفرة\هِيَ بِضَمِّ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَفَتْحهَا وَالْفَاء سَاكِنَة فِيهِمَا ، . عُفْرَة الْإِبِط هِيَ الْبَيَاض لَيْسَ بِالنَّاصِعِ
خامسا>>ـ :من المخالفات :الأدلاء للإدارة بشهادة مرض تمويهية:مقابل انصرافه عن العمل. فالموظف الذي يرواغ ويخدع الدولة بمثل هذه الأساليب فليعلم أنه إن لم يكن له عذر تخلف من أجله وإنما تخلف تكاسلا عن العمل أو قضاء لأغراض شخصية تهمه فليعلم أنه بذالك يكون خائنا للأمانة لقوله <ص><إذا الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك>والخيانة هي من صفات المنافقين لقوله <ص><آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد خلف وإذا ىئتمن خان>
ويكون ما أخذ من الراتب الكامل وقد تخلف أياما من الشهر قد أخذ مالا حراما لأن التحايل حرام في الإسلام لقوله <ص>فيما رواه عطاء بن أبي رباح قال <سمعت جابر بن عبد الله وهو بمكة يقول :<إن رسول الله قال عام الفتح إن الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يدهن بها السفن ويدهن بها الجلود تصبح بها الناس قال لا و حرام ثم قال رسول الله عند ذلك قاتل الله اليهود إن الل عز وجل لما حرم عليها الشحوم وجمولها ثم باعوها وأكلوا أثمانها>رواه أحمد وأخرجه الشيخان والأربعة والحديث ينهى عن المتاجرة في الحرام كما ينهى عن التحايل لأكل أثمان المحرمات
سادسا>>ـ من خيانة العمال: استخدام سيارة الشركة مثلا أو الهاتف أو آلة الصوير لأغراض شخصية: وهذا أيضا من المخالفات التي يرتكبها بعض الموظفين والعمال بحكم مسؤليتهم فهذا لا يجوز ولو إذ له المدير المباشر أو رئيس المصلحة لأن مديره المباشر لا يملك هذا ولو فتح هذا الباب لحصل في ذلك ضرر على الناس وعلى الدولة كما أفتى بذلك ابن عثيمين والأدلة على ذلك كثيرة
سابعا>>ـ من المخالفات نهب بعض العمال أشياء مؤتمنين عليها فتجد العامل في الحفل أو المستاجر في المتجر أو المدير في المصنع يهرع أحدهم لبعض في هذه الأماكن فيأخذ دون علم صاحب الحفل أو المتجر أو المصنع وهذا مع كل أسف قد
<2360>
كثر في بلادنا وتلوعد الألسنة في المحافل ويصدقه الواقع ذلك أن العامل أحيانا يأخذك في شأنه العجب فلا تكاد تمر على عمله الأعدة سنوات حتى يصبح أكثر الناس ثروة وهذا يعلم على اليقين فوق راتبه ولا يمكن قطعا أن يرفق برابته فقط وهذا يعد غشا وخيانة ومظلمة وغلوة وقد جاءت عدة أحاديث ترهب من هذا فمن ذلك :قوله<ص>:<ما من أمتي أحد ولى من أمر الناس شيئا لم يحفظهم بما حفظ به نفسه وأهله إلا لم يجد رائحة الجنة> رواه الطبراني وهو ضعيف لأن فيه اسماعيل بن سبيب الطائفي
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَوعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَيْلٌ لِلْأُمَرَاءِ وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ وَيْلٌ لِلْأُمَنَاءِ لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ ذَوَائِبَهُمْ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِالثُّرَيَّا يَتَذَبْذَبُونَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا عَلَى شَيْءٍ>رواه أحمد . وفي مسند الطيالسي: وأنهم لم يلوا عملا » ++الثريا : مجموعة من نجوم السماء++العريف : القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم.. الذُؤَابَة : هي الشَّعرُ المضْفُور من شَعر الرَّأسِ، وذُؤابةُ الشيء أعْلاهُ++ يتذبذب : يتدحرج ويتحرك ويضطرب. والأمناء هم الذين يأتمنهم الناس على أموالهم وهم العمال في المتاجر والمصانع ورؤساء المصالح وغيرهم .
ثامنا>>مسؤلية العامل .
أولاً: يجب تحلي العامل بالقيم الإيمانية، ومنها الإيمان بأن العمل عبادة وطاعة لله عز وجل وأن الله عز وجل سوف يحاسبه يوم القيامة عن عمله ، قال الله تبارك وتعالى:} وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ { (التوبة: 105).
ثانياً: التزام العامل بالأخلاق الفاضلة ومنها : الأمانة والصدق والإخلاص والإتقان والإبداع والابتكار والوفاء ، ولقد أشار القرآن إلى ذلك على لسان ابنة سيدنا شعيب عليه السلام عندما زكت سيدنا موسى عليه السلام للعمل عند أبيها : }قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ{ (القصص: 26) وفى سورة يوسف يوضح لنا القرآن خصال من يتولى الولاية على أمور الناس يقول الله على لسان سيدنا يوسف:} وَقَالَ المَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ اليَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ{ (يوسف: 55).
ثالثاً: إتقان العمل وإحسان أدائه حسب الجوانب الفنية له ، وعندما زكى سيدنا يوسف عليه السلام نفسه ليكون مسئولاً على الخزائن قال:} إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ { (يوسف: 55)، والله تبارك وتعالى يأمرنا جميعاً بأن نحسن العمل، فقال:} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً{ (الكهف:30)، وهذا الإتقان من الواجبات الدينية وهو عبادة ، وفي هذا المقام يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب الإحسان على كل شئ ، فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة .... الحديث" (رواه الترمذي).
رابعاً: أن يعرف العامل حدود عمله وكيف يؤديه ، وأن يختار العمل المناسب وفقاً لقدراته وإمكانياته الفنية وغيرها، ولقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من
<2361>
تكليف العامل بعمل ليس من اختصاصه، وبين أن لا يكون اختيار العامل للعمل على أساس المجاملة والقرابة، ولكن على أساس الخبرة والكفاءة، واعتبار عدم الالتزام بذلك خيانة ، فيقول عليه الصلاة والسلام " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" (متفق عليه) .
خامساً: أن يكون العامل قَيِّماً على ذاته متابعاً لعمله، محاسباً ومعاتباً وزاجراً لنفسه عند التقصير والإهمال... وعندما يصل العامل إلى درجة أن يستشعر مراقبة الله له، سيكون حينئذ أشد مراقبة ومحاسبة لنفسه، وهذا بدوره يجعله يطور ويحسن من الأداء ، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: ) بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ( (القيامة :14).
سادساً: أن يكون العامل منضبطاً ملتزماً يسمع ويطيع، ويحترم النظم واللوائح التي يضعها صاحب المنشأة ما دامت لا تتعارض مع شرع الله عز وجل ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلاّ أن يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " (رواه البخاري) ، ولا يجب أن يكون كذاباً ، أو منافقاً أو جشعاً أو خائناً للأمانة أو متواطئاً على الشر أو آكلا لأموال الناس بالباطل أو مضلاً أو مرتشياً... أو غير ذلك من الصفات التي لا يجب أن تكون في العامل المسلم الورع الصالح التقى وتعطى فرصة لصاحب العمل أن يعاقبه سواء بالخصم أو الفصل.
سابعا: أن يكون العامل متعاوناً مع فريق العمل الذي يعمل معه حتى ينساب العمل بسهولة ويسر بدون معوقات ، وهذا يدخل في نطاق التعاون على البر والتقوى وكذلك في نطاق الأخوة في الله، يقول الله تبارك وتعالى: } وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ { (المائدة: 1)، وفي هذا المقام يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى هاهنا (ويشير إلى صدره ثلاث مرات)، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه" رواه أبو داود عن أبي هريرة)
ثامناً: أن يكون العامل نافعاً لمجتمعه ووطنه ، ولا يكون عالة ، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "على كل مسلم صدقة قيل: أرأيت إن لم يجد ؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قال قيل: أرأيت إن لم يستطع ؟، قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قال قيل : أرأيت إن لم يستطع ؟، قال: يأمر بالمعروف أو الخير"، قال: أرأيت إن لم يفعل ؟، قال: "يمسك عن الشر. فإنها صدقة" ( رواه البخاري ومسلم) ، ويقول صلى الله عليه وسلم : " إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر" (رواه أحمد) ، يفهم من هذا الحديث أن يظل العامل يعمل ما دام قادراً على العمل حتى يدخل القبر.اهـ الضوابط الشرعية للعمل والعمال الشيخ شحاتة
سابعا>>ـ نماذج من الذين اخلصوا في العمل :
<2362>
أولهم راعي الغنم \\ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير في طريق ومعه الأحنف بن قيس ، فمروا على راعي غنم فقال له عمر : يا راعي الغنم! بعنا شاة من هذه الغنم، فقال الراعي: إنني والغنم مملوكين لسيدي ولا أملك شيئاً، فقال: بعنا شاة وقل: أكلها الذئب، فرفع الغلام بصره إلى السماء وقال: وأين الله؟ فبكى عمر رضي الله عنه حتى اخضلت لحيته، وذهب إلى سيد هذا الراعي واشتراه وأعتقه، وقال: كلمة أعتقتك في الدنيا وأرجو الله أن تعتقك من النار يوم القيامة.
والناظم يقول:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل++ خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ++ ولا أن ما تخفي عليه يغيب
....فمراقبة الله تركته يخلص عمله كما تترك المراة الصادقة لا تخون زوجها ... راود أعرابي امرأة في الصحراء وقال لها: لا يرانا إلا الكواكب، وهي تمتنع وتقول: لا.قال: لا أحد يرانا إلا الكواكب والنجوم، قالت له: فأين مكوكبها؟! أي: أين الله الذي يراك، إن كان لا يراك إلا النجوم والكواكب فإن الله الذي خلقها وكوكبها يراك؟اهـ دروس للشيخ سعيد بن مسفر
فعلى كل عامل أن يستحضر نظر الله إليه قال تعالى < ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد>+كما عليه أن يكون حديث جبريل في تفسير الإحسان اعلم به حاضرا عنده لايغيب عنه. روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مَا الْإِيمَانُ قَالَ الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ قَالَ مَا الْإِسْلَامُ قَالَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ قَالَ مَا الْإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ....
ثانيهم \عمر رضي الله فلما طعن بالخنجر من طرف أبي لؤلؤة دخل الناس عليه يثوب عليه ويقولون كنت وكنت فقال:<أما والله وددت إني خرجت منها كفافا لا على ولا لي وقال لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من هول المطلع
وأقرب ابن سعد عن البراز بن مصر وأن عنر خرج يوما حتى أتى المنبر وكان قد اشتكى شكوى ينعت له العسل وفي بيت المال عكة أي القدر فقال إن أذنتم لي فيها أخذتها وإلا فهي على حرام فأذنوا له<وأخرج عن سالم بنى عبد الله إن عمر كان يدخل يده في دبره البعير ويقول إني لخائفة أن أسأل عما بك>
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء : وقال أسلم: قال عمر: لقد خطر على قلبي شهوة السمك الطري قال: فرحل يرفأ راحلته وسار أربعاً مقبلا وأربعاً مدبراً واشترى مكتلا فجاء به وعمد إلى الراحلة فغسلها فأتى عمر فقال: انطلق حتى أنظر إلى الراحلة فنظر وقال: أنسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنيها؟ عذبت بهيمة في شهوة عمر؟ إلا والله لا يذوق عمر مكتلك.اهـ..فلو لم يستحضر عمر عظم المسئولية وكان ممن يرى جلال الله لقدم الشهوة على أمانة الأمة.
<2363>
ثالثهم\النعمان بن مقرن المازني:جعله عمر <ض>عاملا على كسكود من أعمال أبر إن كانت تجتمع لديه أموال كثيرة من أموال وغبرها فكانت نفسه تراوده بالا خذ منها خيانة فكتب إلأى عمر يناشده أن يعز له من ولاية كسكود وأن يجعله جندا من جنود المسلمين قائلا إليه<إنما مثلي ومثل ومثل كسكود كمثل رجل في بيته ممص أناشدك الله الخ فرق له عمر فعز له
رابعهم\\:عمر بن عبد العزيز فعن حماد أن عمر بن عبد العزيز لما أستحلف بكى فقال:يا أبا فلان أتخشى علي قال كيف بك للدرهم قال: لا أحبه قال لا تخف فإن الله سيعينك وكتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز
والخلاصة أن عناصر هذه الخطبةوخطوطها العارضة مستقاة من كلمة قيمة للسيد رئيس المجلس العلمي لدرب السلطان الدار البيضاء التي أذاعتها إذاعة محمد السادس السلطان المعظم .وقد كانت باللغة الدارجة طلبا ذالك من الموذعة التي توجه إليه الأسئلة وذالك رغبة منها لتبلغ الرسالة إلى الناس كافة.
لست ربوت