
لم تكن دوريات الأحياء في كرة القدم فيما مضى مناسبة للعب فقط، وإنما كانت فرصة لتلحيم وتشحيم العلاقات الاجتماعية داخل الحي الواحد وفيما بين بقية الأحياء، إضافة إلى كونها تخلق أنواعا من الاحتفال والتقاليد التي تميز كل حي على حدة اعتبارا لخصوصياته التي يتفرد بها عن الآخرين، وإن كان المشترك بينها هو أنها تتسم بالهشاشة الاجتماعية لغالبية من ينضوي تحت أي ناد من أندية ذلك الزمن الذي كانت تنتشر فيه فرق الأحياء بانتشار المساحات الخلاء، التي كانت تستغل كملاعب خاصة قبل أن تستغل للأغراض الفلاحية أحيانا. ولم يكن وقتها أي فريق محتاجا بالضرورة إلى الملعب الرئيسي للجماعة القروية، إلا عندما يتعلق الأمر بمباراة مع فريق آخر من خارج ابن جرير.
في سبعينيات القرن الماضي، عرفت جماعة ابن جرير دوريا لفرق الأحياء تحت إشراف بعض الفعاليات الرياضية، وعلى رأسهم السي إبراهيم بركات. وقد جرى الدوري على غير العادة ببعض ملاعب الأحياء أذكر منها المساحة التي بنيت عليها مدرسة افريقيا للبنين التي تقع في النطاق الجغرافي لحي الرشاد الذي كان ولازال يسمى عند الأقدمين (دوار جلود باري).ولم يكتب لذلك الدوري كل التوفيق لأنه توقف جراء نشوب بعض الأحداث اللارياضية التي عجلت بتوقفه قبل الأوان (وسنعود إلى تفاصيله في مناسبة خاصة).
مع مطلع سنة 1981، سيتوقف فريق الشباب المحلي عن الممارسة في القسم الشرفي لأسباب متفرقة (مالية بالأساس)، وسيستغل بعض الفاعلين الرياضيين هذا التوقف الاضطراري، وسيفكرون في تنظيم دوري لفرق الأحياء.
وهكذا عقد اجتماع فيما لازلت أذكر ببيت السي مصطفى الناصري بحي النهضة، حضرته بعض الوجوه منها السي عبد الخليد البصري وعبد الكريم التابي وعمر الإيبوركي ومصطفى الناصري وآخرين أعتذر عن عدم تذكرهم، وتداولوا في المشروع من كل جوانبه، وأعدوا له مشروع قانون ينظم الدوري (الذي سمي بدوري الصداقة) من نواحيه الفنية والمالية والبشرية واللوجيستيكية. بعد ذلك تمت دعوة بعض من يعتبرون مسؤولين في فرق الأحياء التي كانت موجودة حتى قبل تنظيم الدوري، فانعقد اجتماع لرؤساء الفرق التي عبرت عن استعدادها، وبقي الباب مفتوحا في وجه من تعذر عليه الحضور أو لم يكن على علم من الأصل.
تم انتخاب هيئة مسيرة للدوري مكونة من الآتية أسماؤهم: عبد الخليل البصري رئيسا، مصطفى الناصري كاتبا عاما، عبد الكريم التابي وعبد الوهاب بلفقير (الكوشي) وحسن القاسمي وعبد الرحمان دربال وعبد المولى ببرامي وآخرين لم أعد أذكرهم.
تم اعتماد بطولة من اثني عشر فريقا تتبارى بنظام الذهاب والإياب هم حسب ما تحتفظ به الذاكرة: دوار الجديد ( البشريين ـ الأشبال ـ الحمرا ـ ال DJA ) افريقيا (المشعل ـ النادي الإفريقي) جلود باري ( الاتحاد الجلدي) جلود لاكار (الترجي) الزاوية (نجوم الزاوية) شايب عينو (أمل شايب عينو) القشلة (النهضة) القاعدة العسكرية (نادي القاعدة العسكرية) دوار المرابطين ( شباب المرابطين).
وتمت هيكلة كل اللجن التي ستوكل إليها مهمة الإشراف التقني والقانوني والإداري . ولتغطية نفقات تسيير الدوري وتوفير الجوائز والهدايا، فقد ساهمت الفرق ب 100 درهم للفريق الواحد مع إضافة 10 دراهم كل أسبوع لتغطية مصاريف تخطيط الملعب ومصاريف طارئة.
عرف الدوري مستوى رفيعا من كرة قدم راقية على الرغم من الأرضية المتحجرة للملعب، كما عرف إقبالا جماهيريا متميزا، وعرف تنظيما محكما، والأهم أنه عرف روحا رياضية لم تؤثر عليها بعض لحظات الغضب والانفعال العاديين العابرين، وكسب الجميع صداقات لازالت مستمرة إلى الآن.
انتهى الدوري وفازت النهضة والأشبال والمشعل والبشريين بالمراتب المتقدمة، وفازت باقي الأحياء بما كانت تخلفه الاجتماعات السابقة عن كل مقابلة والتي تليها للتقييم والتقويم، وهي فرص كان يستثمرها البعض في القراءة والنقاش والغناء وإغناء الرصيد الرياضي بتقنيات وخطط وتاريخ الكرة محليا ووطنيا وعالميا كما كان الشأن بالنسبة لفريق المشعل الذي أعرف تفاصيله الصغيرة والكبيرة.
وكانت أهم حصيلة توج بها الدوري، هي تكوين منتخب من أهم اللاعبين الذين برزوا خلاله، والسفر جماعيا عبر حافلة إلى مدينة الدارالبيضاء، حيث أجرى مقابلة حبية هناك انتصر فيها على إحدى الفرق بأربعة أهداف لواحد. وكان ذلك المنتخب/ الفريق، هو الذي ستعزز أغلب عناصره فريق الشباب.
في الحلقات القادمة سنعرج على كل فريق من المشار إليهم أعلاه، ونستحضر بعضا من ذكرياته وأسماء لاعبيه ومسيريه وخصوصياته.
في الصورة فريق نجوم الزاوية. الاختيار اعتباطي بلا أي عتبار آخر.
لست ربوت