في هذا الزمن الجاحد الجَحود، وفي ثقافتنا الناكرة المنكرة العاقة التي تصر على محو كل أثر للأولين السابقين، يتحول أي شخص كان له أثره فيما مضى في أي مجال من المجالات، رياضية أو سياسية أو ثقافية أو جمعوية أو غيرها، إلى مجرد نكرة كأيها عابر سبيل من عامة الناس، أو إلى مجرد ذكرى في أحسن الأحوال يتم استحضارها إذا ما جاءت في سياق كلام عابر، وينتهي زمنها كما ينتهي تاريخها، وتنتهي ما كان يعترف بها حينها بتضحياتها، وكأنها لم تكن يوما تشغل الناس بما تمتلك من مهارات، وبما تقدمه من جهد وتعب وألم من أجل إسعاد الآخرين ولو لتلك اللحظات القصيرة التي يتابعها الناس من على مدرجات الملاعب، أو من على جنبات وأرصفة الطرق أو في مقرات الأحزاب وساحات الاحتجاج والدعم والتنديد..
ولأن كثيرا من أنديتنا الكروية في المغرب، يتركز مشروعها السنوي (إن كان لها مشروع) على جدول المباريات التي ستجريها خلال سنة أو ثلاث سنوات، وتضع ميزانياتها وفقا لتلك المباريات وما تتطلبه من أجور ومنح وتنقلات وتعاقدات وغيرها، فإنها لا تضع في ذلك المشروع ما يخرج عن دائرة الاهتمام الضيقة تلك، ولا تولي أي اعتبار لاستحضار ذاكرتها الشخصية كرأسمال أساسه العنصر البشري الذي كان له في وقت من الأوقات اسمه ووزنه وقيمته الاعتبارية، كما هي حال كثير من اللاعبين القدامى، ومنهم فيما يعنينا اليوم في ابن جرير اللاعب الخلوق المحجوب زروال إحدى المواهب الكروية التي خرجت من عمق الحي المترب القديم للزاوية، والذي سطع نجمه مع فريق الحي "نجوم الزاوية"، وتفجرت ملكاته الكروية مع فريق الشباب بدءا من بداية ثمانينيات القرن الماضي إلى غاية منتصفها.
هو المحجوب زروال أو "زريويل" كما كان يناديه زملاؤه وأقرانه في دوار الزاوية، لعب الكرة في المساحات الفارغة أينما وجدت في الدوار، كما لعب في ملعب "الفرفارة" الشهير الذي كان على مرمى حجر من الزاوية، ولأن الملعب إياه كان مكسوا بتربة ناعمة، فقد كانت عاملا مساعدا على استعراض اليافعين والشبان ومنهم المحجوب لفنياتهم وسرعتهم في الركض وراء الكرة بقليل من المخاطر، عكس ما كانت عليه الحال في الملعب القروي المتحجر الذي كان اللعب على أرضيته مغامرة غير محسوبة العواقب.
في دوري الصداقة لسنة 1981، كان زروال واحدا من فريق "نجوم الزاوية" ممن قدموا أرقى مستويات لعب الكرة بمعية آخرين وفي مقدمتهم ذلك الفتى الأعسر الأنيق (جعفر الزاهدي) الذي خصصنا له منشورا خاصا باعتباره واحدا من الأطر التربوية التي ارتبط اسمها بتدريس الرياضيات في ابن جرير.
بعد انتهاء ذلك الدوري، تم تشكيل منتخب ضم كل اللاعبين الذين أبانوا عن علو كعبهم واستأثروا باهتمام اللجنة التقنية المختصة، وكذا بانتباه الجمهور العريض.
ومنها سيلتحق المحجوب بفريق الشباب (فريق ابن جرير الأول)، وسيقدم نفسه لاعبا لم تخطئه عيون المتتبعين، حيث برع في الممر الذي يعشقه كجناح أيمن طائر سريع، يجيد الاختراق في العمق وكذا على الأطراف التي منها يمون المهاجمين ومنهم رأس الحربة الشهير (حسن بادو) الذي لعب لمولودية مراكش كما لعب للمنتخب الوطني في بعض الفترات.
جاور المحجوب بعض اللاعبين المشاهير على صعيد ابن جرير كالمرحوم عباس وحسن بادو ومهدي البردي الشهير ب (مهيد) وكروم (المخزني)، كما جاور عبد الإله بونة والمرحوم عبد القادر لحرش المعروف ب(الكيلو) والمرحوم حسن بلهبالي (كالا) وادريس تومرت وعبد اللطيف السباعي والبحري وغيرهم. كما لعب إلى جوار الحارس عبد الرحيم بنعامة ولعميم والدحاني وآخرين.
ارتبط المحجوب زروال بالرقم 7 الذي لازمه طيلة مشواره الكروي كجناح أيمن بمواصفات الزمن الكروي القديم الذي كان فيه الجناح الأيمن، يشغل الجهة اليمنى مثل أشهر من عرفته الكرة في ذلك الموضع كاللاعبين البرازيليين الشهيرين (كارينشا وجاييرزينهو) أو كما عرف بذلك لاعب الرجاء والمنتخب المغربي (سعيد غاندي الذي عمر في الجناح الأيمن لأكثر من 14 سنة مع المنتخب وأكثرها مع الرجاء) عكس ما عليه الوضع اليوم، حيث أن لاعب الجناح الذي يلعب بالرجل اليمنى، يتحول إلى جناح أيسر والعكس صحيح، باستثناء الحالات التي قد يتبادلان فيها الموقعين.
إلى جانب أناقته في اللعب وأناقة تلك اللحية المنسدلة من يوم أن كانت سوداء فاحمة في عز الشباب، إلى يوم ابيضت وغزاها شيب العمر الذي يزحف، فالمحجوب زروال إنسان على درجة عالية من دماثة الخلق، حينما تلتقيه مترجلا بمشيته السريعة، أو ممتطيا دراجته الهوائية من مقر سكناه إلى مقر عمله كخياط بالدوار الجديد، يعانقك بحرارة غير متصنعة، ويسألك عن الإخوة واحدا واحدا. وهذا ليس بغريب مادامت علاقات الدراسة سابقا في المدرسة الابتدائية، لازالت مستمرة على الرغم من مرور نصف قرن على ذلك الزمن الطفولي الذي راح، ومادامت علاقات الامتداد الجغرافي لدوار لفريقية نحو دوار الزاوية، تجمعنا بكثير من أبناء الزاوية القدامى.
اختزل المحجوب كل ماضيه الكروي في دكانه للخياطة بالدوار الجديد، منه يكسب رزقه بنور عينيه، ومنه يجدد صداقاته القديمة التي يحفظ لها كل الود والعرفان، ومنه يبني صداقات أخرى متجددة مع الزبناء وناس الجوار، ومنه ينسج خيوط عالمه الشخصي بعيدا عن ضجيج الكرة وجحود مسؤوليها.
لست ربوت