عن د. صفية الودغيري
هذه الصورة الجميلة هي من داخل جامع القرويين الذي بيني وبينه وشائج وروابط حبّ وثيقة ، وصِلاتٌ ذات هُيامٍ وابتهاجٍ وانبساط ..
هذه الصورة الجميلة هي من داخل جامع القرويين الذي بيني وبينه وشائج وروابط حبّ وثيقة ، وصِلاتٌ ذات هُيامٍ وابتهاجٍ وانبساط ..
وعلى الرّغم من تلك المسافات التي تصرف المحِبّ عن لُقْيا من يحبّ لُقْياه، وتلك الملهيات من المشاغل والأعمال، والدّواهي وما تجري به مصاريف الأقدار، وترتيب المدارك والمطامح على تحصيل المكاسب والأرزاق، واجتناء رُطَب العلم من مزارعه حيث قسم الله لنا أن نحصد من قطاف ثماره ..
وتلك العوائق على الطريق التي تصدّ عن إدراك ما لا يدرك بعد فوات أوانه وتحصيل ميقاته، وإن كانت تصرفني عن بلوغ أمنيات اللّقيا، وتقطع عنّي وصل لذائذ الرّغائب، والاستمتاع بإدراك آراب الأنس بالتشوّف والتطلّع إلى الزّيارة ..
فقد ظلَّت مشارق أنواره بهيجَةً ساطعةً في مصابيح ذاكرتي، وأطياف رؤاه تسكن مهاد مخيّلتي، وظلّ حلمه العتيق يراودني في منامي ويقظتي، يتجذِّر غائرًا في منابت أعماقي، وراسِخًا في تصوّري الرّحيب ، ولصيقًا بأنفاسي ويُحادي وجداني، ومربوطًا برباط عمري، يتقلّب مع تقلّبات فصولي، ومشدودا إلى عقود أيّامي وأعوامي، ومحفوظًا في سجلّ تاريخي، ومكتوبًا على سطور قصصي وحكاياتي، ووشمًا محفورًا في بواطن ذاتي، كبقيّة أحلامي التي تُشاكِل حقيقتي وكُنْه أسراري، وتُمازِج ألوان هويّتي ووحدة أجزائي، وتسافر مع روحي في رحلة الذهاب والإياب بين أمان وملاذ الوطن واغتراب المنفى ..
ليكسر ذاك الارتباط الوشيج طوق زماني ومكاني، ويرحل بقلمي المحموم بصرختي وتمرّدي وثورتي، شغوفًا بالتحاف دفء أفكاري، والارتواء من سُقْيا مشاعري ..
لتعيدني الذّكرى إلى أزمنة وحِقب وعصور أذكر منها قدر عطش السّنين الخوالي، وقدر ما يذكٍّرني بانتسابي لأصولي، وارتباط حبلي بحبل رحِمي المتين، وافتخاري بوثاق انتسابي لأصولي وجذوري، حيث كان منبتي ومنبت أجدادي، وملاذ تاريخي المعقود بما خلّفوه من تراث إنساني وإسلامي، وما خلّدوه لهُ قيمةٌ باقيةٌ من عاداتٍ وآدابٍ وخصال ومحامد، وعلومٍ وفنونٍ انتقلت من جيلٍ إلى جيل، ولم ندرك منها إلا غيضًا من فيض عطائهم، ونزرًا يسيرًا من محاسن آثارهم وأمجادهم ومآثرهم ..
وتذكّرني هذه الصورة الجميلة بمدينتي فاس، بشوارعها ودروبها وأزقتها الضيقة والواسعة، وبيوتاتها ومنازلها بروعة زخرفتها ونقوشها، وموسيقى نافوراتها وهي تغازل من يصغي لنشيدها، ويلقي السّمع لعزف رقراق مائها، فتكشف له أسرارها ومعاني إشاراتها ورموز إلقائها..
وتلك الأناقة في اللباس والأثاث، وفخامة العمران والعمارة التقليدية الأصيلة، الفاتنة للعين واللّب، والآسرة للقلب والفؤاد الذي يتذوق الجمال فينتشي من أريجه وسحر بهائه ..
ومجالس سمرها ومسامراتها التي يهيِّج ذكرُها ألطاف أشواقي، فتسكب من فيض مدامعي غيثًا لشجوني، يشحذ قريحتي ويملأ دواتي ومحبرتي بهطولٍ ترطّب جفاف أوراقي ..
لأكتب ما شاء الله لي أن أكتبه عن وصل نبضها الصّادِح مع نبضي، والتحام هتافها بهُتافِي، واتّحاد خافقها بخافقي المغرِّد على غصون مجدها التّليد، وبانِ حنيني المزهُوّ بامتداد تاريخها، وتاريخ من سكنوها واستقرّوا بها، أو رحلوا إليها وارتبط مقامهم بأرضها، فصاروا ينتسبون لأهلها وأبنائها، ومن نزلوا وحلّوا بمنازلها، ولزموا رياضها وبيوتاتها، وخالطوا أخلاط ثقافاتها وتنوُّع علومها ومعارفها، وتطبّعوا بطباع سكّانها وأهلها، وأتقنوا فنونهم وألهموا فُتون أذواقهم، والاستمتاع بكياستهم وظرافتهم، والطرب بحلو منطقهم وشهد لسانهم، واختلاف تقاليدهم وعاداتهم ..
إنه الإياب المربوط بساريتها، يحدّث عن أخباري وأخبارها وما يعتلج قي صدري من عواطف وأحاسيس حِيالها، فلا أفتر أذكرها وأحنّ إلى مظاهر حسنها، والالتحام بروعة جمالها وبهائها، ولساني ولسان حالي يلهج بذكرها، والتغنّي بنظم القصيد في مدحها وأمداحها ..
شأني في ذاك كشأن الكثيرين من الكُتّاب والشّعراء المغاربة ممّن استهواهم حبّها، ودعاهم الإعجاب والشَّوق والحنين إلى زيارتها والمقام بها، فأخذ انشغالهم بها حظًّا واسعا في كتاباتهم ونظم قصائدهم ..
على غِرار ما نقرأ للفقيه الكاتب البارع أبي عبد الله المغيلي ـ وهو من شعراء العصر الوطاسي، وقد توفي عام 909هـ ـ
حيث قال في وصفها والحنين إليها:
يا فاس حيا الله أرضك من ثرى .. وسقاك من صوب الغمام المسبـل
يا جنة الدنيـا التي أربـت علـى .. حمص بمنظرها البهـي الأجمـل
غرف على غرف ويجري تحتـها .. ماء ألذ مــن الرحيـق السلسـل
وبساتن مـن سندس قد زخرفـت .. بجداول كالأيم أو كالفيصـل
... ... ...
وقال محمد الوجدي الغماد ، وهو ممن حاز قصب السبق في النثر والنظم إلا أنّ : " حرفة الأدب قد تركته في معترك الحرمان طريحا، وعضَّ الخمول له بنابه، فلم يَرْج لغيظِه كَظْم، حتى نالَ منه أجلَّ مُشْتَهى، ورامَ أن ينتهي عنه فما انتهى" ..
وقال متشوِّقًا إلى الحضرة الفاسية حين فارقها مضطرا :
بعـاد وبـين كـل ذاك يـهـون ..
فهل عودة بعد النـوى وسكــون
هل أطأن جسر الرصيف وهل لنا .. بمخيفـة بعـد الظعـان قطـون
هل أردن ماء المعادي على الظما .. وهل يبدون لي سهلهـا وحـزون
وهل لي إلى تلك المنـازه نزهـة .. وهل لي على وادي الجواهر جلسة
بلادي التي أصبو مقيما وظاعنـا ..
ليها قلبي منـذ نشأت حنيـن
... ... ...
وما نقرؤه للفقيه الصالح الزاهد يوسف ابن النّحوي، وقد كان من أهل العلم والدّين والورع والفضل ت 513 هـ ..
وقد أنشد في مدحها، ووصف طبيعتها :
يا فاس منك جميع الحسن مسترق .. وساكنون ليهنيهـم بمـا رزقـوا
هذا نسيمـك أم روح لراحـتنـا ..
وماؤك السلس الصـافي أم الورق ؟
أرض تخللهـا الأنهـار داخلهـا ..
حتى المجالس والأسواق والطرق
... ... ...
وقال الشاعر محمد المهدي الحجوي، وهو من شعراء العصر العلوي، وتوفي عام 1376هـ ..
وقد هَّزه الحنين إلى هذه المدينة وأذاب فؤاده الاشتياق :
شوقـي إلى فـاس أذاب فؤادي .. فمتـى تبـث حبائل الأبعــاد
ومتى أرى تلك المعاهد أنـها ..
نور العيـون وبرأة الأكبــاد
ومتى أحيي شاهقا مــن دورها ..
أو باسقـا من بأنها المتهــادي
ومتى أجيل الطرف في عرصاتها .. وأمـده بهضـاب ذاك الـوادي
ما بين محمر ومخضـر علــى ..
نسق يجيز توافـق الأضــداد
والريح تنشر روحـها بحدائـق ..
قد جادها صوب الغمـام الغـادي
وجداول الماء المعيـن تخللــت .. أغصانها وترقـرقت للصــادي
والظل ممدود على أرجائهـــا .. والطير من فوق الغصون تنـادي
... ... ...
وما قاله عنها محمد الفاطمي بن الحسين الصقلي، وقد كان شاعرا ومحاضرا، ومنتصبا للشهادة في سماط القرويين، وله تاريخ في علماء عصره، وقصائد في مدح المولى إدريس، ذكر بعضها في : "الأزهار العاطرة الأنفاس"، وتقاريظ على مطبوعات فاس نثرا ونظما ..
وقد علّى من كعبها ورفع من مقامها وهو بعيد عنها بمراكش :
حي الحيا الواكف الأرجـاء من فاس .. دار تطيب بهـا الطيـب أنفاسـي
قد أصبحـت جنـة الآفاق حيث بها .. طاب النسيم ولـذ المـاء للحاسـي
تفوق أندلسـا والشـام نضرتهـا ..
كما يفوق بنوهـا جملـة النــاس
فارقتها جاهلا طيـب الحياة بهــا .. والجهل يلقي الفتى في البؤس والباس
فجزى الله عني خيرا من أحسن إليّ إذ أرسل إليّ لهذه الصورة الجميلة، وأهداني هذه الهدية النّفيسة، تقديرا واحتفاء بكتابي : "سمير النفس وأنيس المحبين"، فحرّك بصنيعه ومعروفه هذا القلم، وأيقظه من نومته في معتكف خموله، فانتفض نشيطا طروبا مغتبطا وصار إلى سابق عهده يكتب، وانطلق من عِقاله وفكّ قيد سجونه، فنثر هذا النّثار من الحروف والكلمات، هي من وحي الصورة، وإلهام الفكر وصيد الإحساس الصادق، ولقط الفرائد من فيض الخواطر ..
وتلك العوائق على الطريق التي تصدّ عن إدراك ما لا يدرك بعد فوات أوانه وتحصيل ميقاته، وإن كانت تصرفني عن بلوغ أمنيات اللّقيا، وتقطع عنّي وصل لذائذ الرّغائب، والاستمتاع بإدراك آراب الأنس بالتشوّف والتطلّع إلى الزّيارة ..
فقد ظلَّت مشارق أنواره بهيجَةً ساطعةً في مصابيح ذاكرتي، وأطياف رؤاه تسكن مهاد مخيّلتي، وظلّ حلمه العتيق يراودني في منامي ويقظتي، يتجذِّر غائرًا في منابت أعماقي، وراسِخًا في تصوّري الرّحيب ، ولصيقًا بأنفاسي ويُحادي وجداني، ومربوطًا برباط عمري، يتقلّب مع تقلّبات فصولي، ومشدودا إلى عقود أيّامي وأعوامي، ومحفوظًا في سجلّ تاريخي، ومكتوبًا على سطور قصصي وحكاياتي، ووشمًا محفورًا في بواطن ذاتي، كبقيّة أحلامي التي تُشاكِل حقيقتي وكُنْه أسراري، وتُمازِج ألوان هويّتي ووحدة أجزائي، وتسافر مع روحي في رحلة الذهاب والإياب بين أمان وملاذ الوطن واغتراب المنفى ..
ليكسر ذاك الارتباط الوشيج طوق زماني ومكاني، ويرحل بقلمي المحموم بصرختي وتمرّدي وثورتي، شغوفًا بالتحاف دفء أفكاري، والارتواء من سُقْيا مشاعري ..
لتعيدني الذّكرى إلى أزمنة وحِقب وعصور أذكر منها قدر عطش السّنين الخوالي، وقدر ما يذكٍّرني بانتسابي لأصولي، وارتباط حبلي بحبل رحِمي المتين، وافتخاري بوثاق انتسابي لأصولي وجذوري، حيث كان منبتي ومنبت أجدادي، وملاذ تاريخي المعقود بما خلّفوه من تراث إنساني وإسلامي، وما خلّدوه لهُ قيمةٌ باقيةٌ من عاداتٍ وآدابٍ وخصال ومحامد، وعلومٍ وفنونٍ انتقلت من جيلٍ إلى جيل، ولم ندرك منها إلا غيضًا من فيض عطائهم، ونزرًا يسيرًا من محاسن آثارهم وأمجادهم ومآثرهم ..
وتذكّرني هذه الصورة الجميلة بمدينتي فاس، بشوارعها ودروبها وأزقتها الضيقة والواسعة، وبيوتاتها ومنازلها بروعة زخرفتها ونقوشها، وموسيقى نافوراتها وهي تغازل من يصغي لنشيدها، ويلقي السّمع لعزف رقراق مائها، فتكشف له أسرارها ومعاني إشاراتها ورموز إلقائها..
وتلك الأناقة في اللباس والأثاث، وفخامة العمران والعمارة التقليدية الأصيلة، الفاتنة للعين واللّب، والآسرة للقلب والفؤاد الذي يتذوق الجمال فينتشي من أريجه وسحر بهائه ..
ومجالس سمرها ومسامراتها التي يهيِّج ذكرُها ألطاف أشواقي، فتسكب من فيض مدامعي غيثًا لشجوني، يشحذ قريحتي ويملأ دواتي ومحبرتي بهطولٍ ترطّب جفاف أوراقي ..
لأكتب ما شاء الله لي أن أكتبه عن وصل نبضها الصّادِح مع نبضي، والتحام هتافها بهُتافِي، واتّحاد خافقها بخافقي المغرِّد على غصون مجدها التّليد، وبانِ حنيني المزهُوّ بامتداد تاريخها، وتاريخ من سكنوها واستقرّوا بها، أو رحلوا إليها وارتبط مقامهم بأرضها، فصاروا ينتسبون لأهلها وأبنائها، ومن نزلوا وحلّوا بمنازلها، ولزموا رياضها وبيوتاتها، وخالطوا أخلاط ثقافاتها وتنوُّع علومها ومعارفها، وتطبّعوا بطباع سكّانها وأهلها، وأتقنوا فنونهم وألهموا فُتون أذواقهم، والاستمتاع بكياستهم وظرافتهم، والطرب بحلو منطقهم وشهد لسانهم، واختلاف تقاليدهم وعاداتهم ..
إنه الإياب المربوط بساريتها، يحدّث عن أخباري وأخبارها وما يعتلج قي صدري من عواطف وأحاسيس حِيالها، فلا أفتر أذكرها وأحنّ إلى مظاهر حسنها، والالتحام بروعة جمالها وبهائها، ولساني ولسان حالي يلهج بذكرها، والتغنّي بنظم القصيد في مدحها وأمداحها ..
شأني في ذاك كشأن الكثيرين من الكُتّاب والشّعراء المغاربة ممّن استهواهم حبّها، ودعاهم الإعجاب والشَّوق والحنين إلى زيارتها والمقام بها، فأخذ انشغالهم بها حظًّا واسعا في كتاباتهم ونظم قصائدهم ..
على غِرار ما نقرأ للفقيه الكاتب البارع أبي عبد الله المغيلي ـ وهو من شعراء العصر الوطاسي، وقد توفي عام 909هـ ـ
حيث قال في وصفها والحنين إليها:
يا فاس حيا الله أرضك من ثرى .. وسقاك من صوب الغمام المسبـل
يا جنة الدنيـا التي أربـت علـى .. حمص بمنظرها البهـي الأجمـل
غرف على غرف ويجري تحتـها .. ماء ألذ مــن الرحيـق السلسـل
وبساتن مـن سندس قد زخرفـت .. بجداول كالأيم أو كالفيصـل
... ... ...
وقال محمد الوجدي الغماد ، وهو ممن حاز قصب السبق في النثر والنظم إلا أنّ : " حرفة الأدب قد تركته في معترك الحرمان طريحا، وعضَّ الخمول له بنابه، فلم يَرْج لغيظِه كَظْم، حتى نالَ منه أجلَّ مُشْتَهى، ورامَ أن ينتهي عنه فما انتهى" ..
وقال متشوِّقًا إلى الحضرة الفاسية حين فارقها مضطرا :
بعـاد وبـين كـل ذاك يـهـون ..
فهل عودة بعد النـوى وسكــون
هل أطأن جسر الرصيف وهل لنا .. بمخيفـة بعـد الظعـان قطـون
هل أردن ماء المعادي على الظما .. وهل يبدون لي سهلهـا وحـزون
وهل لي إلى تلك المنـازه نزهـة .. وهل لي على وادي الجواهر جلسة
بلادي التي أصبو مقيما وظاعنـا ..
ليها قلبي منـذ نشأت حنيـن
... ... ...
وما نقرؤه للفقيه الصالح الزاهد يوسف ابن النّحوي، وقد كان من أهل العلم والدّين والورع والفضل ت 513 هـ ..
وقد أنشد في مدحها، ووصف طبيعتها :
يا فاس منك جميع الحسن مسترق .. وساكنون ليهنيهـم بمـا رزقـوا
هذا نسيمـك أم روح لراحـتنـا ..
وماؤك السلس الصـافي أم الورق ؟
أرض تخللهـا الأنهـار داخلهـا ..
حتى المجالس والأسواق والطرق
... ... ...
وقال الشاعر محمد المهدي الحجوي، وهو من شعراء العصر العلوي، وتوفي عام 1376هـ ..
وقد هَّزه الحنين إلى هذه المدينة وأذاب فؤاده الاشتياق :
شوقـي إلى فـاس أذاب فؤادي .. فمتـى تبـث حبائل الأبعــاد
ومتى أرى تلك المعاهد أنـها ..
نور العيـون وبرأة الأكبــاد
ومتى أحيي شاهقا مــن دورها ..
أو باسقـا من بأنها المتهــادي
ومتى أجيل الطرف في عرصاتها .. وأمـده بهضـاب ذاك الـوادي
ما بين محمر ومخضـر علــى ..
نسق يجيز توافـق الأضــداد
والريح تنشر روحـها بحدائـق ..
قد جادها صوب الغمـام الغـادي
وجداول الماء المعيـن تخللــت .. أغصانها وترقـرقت للصــادي
والظل ممدود على أرجائهـــا .. والطير من فوق الغصون تنـادي
... ... ...
وما قاله عنها محمد الفاطمي بن الحسين الصقلي، وقد كان شاعرا ومحاضرا، ومنتصبا للشهادة في سماط القرويين، وله تاريخ في علماء عصره، وقصائد في مدح المولى إدريس، ذكر بعضها في : "الأزهار العاطرة الأنفاس"، وتقاريظ على مطبوعات فاس نثرا ونظما ..
وقد علّى من كعبها ورفع من مقامها وهو بعيد عنها بمراكش :
حي الحيا الواكف الأرجـاء من فاس .. دار تطيب بهـا الطيـب أنفاسـي
قد أصبحـت جنـة الآفاق حيث بها .. طاب النسيم ولـذ المـاء للحاسـي
تفوق أندلسـا والشـام نضرتهـا ..
كما يفوق بنوهـا جملـة النــاس
فارقتها جاهلا طيـب الحياة بهــا .. والجهل يلقي الفتى في البؤس والباس
فجزى الله عني خيرا من أحسن إليّ إذ أرسل إليّ لهذه الصورة الجميلة، وأهداني هذه الهدية النّفيسة، تقديرا واحتفاء بكتابي : "سمير النفس وأنيس المحبين"، فحرّك بصنيعه ومعروفه هذا القلم، وأيقظه من نومته في معتكف خموله، فانتفض نشيطا طروبا مغتبطا وصار إلى سابق عهده يكتب، وانطلق من عِقاله وفكّ قيد سجونه، فنثر هذا النّثار من الحروف والكلمات، هي من وحي الصورة، وإلهام الفكر وصيد الإحساس الصادق، ولقط الفرائد من فيض الخواطر ..
لست ربوت