#الحرية_كيف_تموت؟ صفية الودغيري

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية #الحرية_كيف_تموت؟ صفية الودغيري

#الحرية_كيف_تموت؟ صفية الودغيري


الحرِّية قضيَّةُ كلِّ إنسانٍ مؤمنٍ بحقِّه في الوجود، وفي الحياة الحُرَّة العَزيزَة الكَريمَة، وقضيَّةُ كلِّ إنسانٍ اضْطُهِدَ في دِيارِه، وبين أهلِه، وأُسرتِه، وعَشيرتِه، وبين أَصْحابِه وأَحِبَّائه، وداخل مُجتمعِه، وبَيْئتِه، وواقِعِه..
وأبطالُ الحُرِّية يبحثونَ عَنِ الرِّيادة، مِنْ خلال بَعْثٍ جديدٍ للدِّين، والأَخلاق، والقِيَم وبَعْثٍ جَديدٍ للعِلم، والمَعْرفَة، وللفهْمِ والتَّفْكير، وللإحْساسِ والشُّعور، وللحَياةِ في مُخْتَلف مَجالاتِها التَّنمَوِيَّة: التَّعليميَّة، والاقْتِصاديَّة، والسِّياسِيَّة، والاجْتِماعِيَّة، والصِّحِّيَّة، والعُمْرانيَِّة..
وعَنْ بَعْثٍ للإنسان مِنْ خُمولِه، ورُكودِه، وجُمودِه، ليكونَ مُجَدِّدًا، ومُنتِجًا، ومُبتَكِرًا، ومُبدِعًا في مجالِه…
والرِّيادةُ ليْسَت حُلْمًا يُعشِّشُ في عقولِ العابِثينَ اللاَّهين، ولا في عُقولِ الخَامِلينَ الجَامِدين، ولا الضُّعَفاءَ المََهْزومِين، إنَّما تَسْكُنُ قُلوبَ وعُقولَ الأَحْرار مِنَ العُلَماءِ العَامِلين، والدُّعاةِ الصَّادِقين، والمُصْلِحينَ المُجََدِّدين، والسَّاسَة والقَادَة والزُّعَماء العادِلين، وكُلَّ الأَحْرار المُخْلِصين الَّذينَ أَدْرَكُوا بأنَّهُمْ بسِلاحِ العِلْمِ والإيمان يَصيروا حَقاًّ أحْرارًا، يحَقِّقوا أَحْلامَهُم وآمالَهُم.
فالعَبْدُ بِجَهْلِه هُوَ عََبْدٌ لِلإِنسان، ولِلْمادَّة، ولِلشَّهَوات، ولِلأهْواء، ولِكُلِّ إغْراءاتِ الحياةِ وفِتَنِها، والعَبْدُ بعِلْمِه هُوَ حُرٌّ في عََقْلِه، وقَلْبِه، وفي جِسْمِه وروحِه، وهُوَ حُرٌّ في إِنْسانيَّتِه، وفِطْرَتِه، وسَجِيَّتِه، وهُوَ حُرٌّ بعبودِيَّتِه لله وطاعَتِه.
وشَتَّاَن ما بين عَبْدٍ أَعْمَتْهُ بَصِيرتُه وجَهْلُه، فَسَجَنَ نَفْسَهُ داخل زِنْزَاَنةِ الحياة، وبين عَبْدٍ أَبْصَرَ بعِلْمِ الله، فَأَنارَ قَلْبَهُ وعَقْلَه، فَعَرَفَ الحَقَّ مِنَ الباطِل،  والإيمانَ مِنَ الكُفْر، والحَلالَ مِنَ الحَرام، والعَدْلَ مِنَ الجَوْر، والحُرِّيَّة مِنَ العُبودِيَّة، فَكَرَّمَ  نَفْسَه وحَرَّرَها.
ومنْ ظَنَّ بِأَنَّهُ حُرٌّ بعُبودِيَّتِه لِلإنسان، أو المال، أو السُّلطة، أو الجاه، أو شهواتِ الدُّنيا فقد جَهِل َحقيقة الحُرِّيَّة.
ومَنْ ظَنَّ بأنَّه لَوْ فَكَّرَ كما يشاء، وقالَ ما يشاء، وعَمِلَ ما يشاء، دون احْتِرامٍ للدِّين، أو الأخلاق، أو القِيَم، أو الأعراف، أو القوانين، فقد جهل حقيقة الحُرِّيَّة، ولم يَتَذَوَّقَ حَلاَوِتَها، وظَلَّ مَحرُومًا منها.
والإنسانُ الحُرُّ هو مَنْ يَطْلُبُ الحُرِّيَّة بالعِلْم، والإيمان، والأَخْلاق، ويُوقِفُ حياتَهَُ لأجْلِها مدافِعًا مُنافِحًا.
“لابُدَّ أنْ يُراعِي الإنسانُ في الحُرِّيَّة الجانِبَ المَعْرِفي، والجَانِبَ الإيماني، والجَانِبَ السُّلوكي، لأنَّ المََعْرِفَة سَبَََبٌ مُوصِلٌ للحُرِّيَّة، والإيمانُ هُوَ بمثابَة الصِّيانَة، والحِمايَة، والضَّمان لسَلامَتِها، أمَّا السُّلوك فهو نتيجةٌ للاستقامَة بالمَعْرِفَة، والاستقامَة بالإيمان، لممارسَتِها على وَجْهِها الصَّحيح”د. صفية الودغيري
ومن ظَنَّ بأَنَّهُ قَدِ امْتَلَكَ الحُرِّيَّة فَتَخَلَّى عن جِهادِه وهِمَّتِه في الحُصولِ عليها فَقَدَها، لأنَّ الحُرِّيَّة تظَلُّ حَيَّةً ما دام الإنسانُ يُكابِد لأَجْلِها، حامِلاً مِشْعَلَها، زارِعًا ِفَسيلَتَها في كُلِّ أرضٍ ينْزِلُ بها، ويتَفقَّدُها حتَّى تَنْمُو وتُتْمِر.
والإنسانُ الحُرُّ هو مَنْ يرضي ربه فلا يعصاه ويضع لنفسه سياجا من الحرية لايضر معه الآخرين , وينضوي تحت شريعة سمحة ووحدانية إلهية متجلية , الحر من صار عبدا طائعا لربه , والحر كذلك من يَحْتَرمُ إنسانِيَّةَ أخِيهِ الإنسان، وأَخْلاقَه، وتَقاليدَه، وعَاداتَه، ولُغَتَه، وثَقافَتَه، وآدابَه، وقوانينَ وأعرافَ بلده، وبيئته، ومجتمعه، وحينَ يَكْسِرُ كُلَّ القُيود، ولا يَنْضَبِط بأيِّ ضوابط، ولا يَنْتَظِم بأيِّ نُظُم،  ويُحَكِّمُ أَهْواءه ورَغَباتَه، وما يَخْدُمُ مَصالِحه ومَطامِعََه، تتحَوَّل حُرِّيَّتُه إلى فَوْضى، وثَوْرَة، وتَمَرُّد، واسْتِبْداد، وانْتِهاك واغْتِصاب لحُرُمات وحُقوق أخيه الإنسان.
 لأنَّ الحُرِّيَّة الحقيقيَّة تَعْنِي الحِفاظَ على كرامةِ الإنسان، وعلى مُقَوِّماتِ شخصيَّتِه وهُوِيَّتِه، وهي تُسْعِدُه ولا تُشْقيه، وتَنْفَعُه ولا تَضُرُّه، وتَرْفَعُه فَتَسْمُو به، وتُكْرِمُه ولا تُهِينُه، وتُقَوِّيه ولا تُضْعِفُه..
وبِدُونِ إدراكِ الإنسانِ لحقيقةِ خاِلِقه، وحقيقةِ الكَوْنِ وأسرارِه، وحقيقةِ نَفْسِه ووظيفَتِه، ورِسالتِه بالحياة، وحُدودَه في التَّعبير عن نفسه وعن غيره يفقدُ إنسانِيَّتَه، ويفقد معها كُلَّ قِيَم الحُرِّيَّة الحقيقيَّة.
ومَنْ لَمْ يَسْتَقِمْ على أمْرِ الله عزَّ وجَلَّ حُبًّا لا قَسْرًا، لم يَتَذَوَّقْ حَلاوةَ الحُرِّيَّة، ولم يَقْطِفْ مِنْ ثِمارِها شيئاً، فالحُرِّيَّة مَمْزوجَةٌ بِمَحبَّةٍ قَلْبيَّة لله، ثمَّ لِنَفْسه، ولِمَنْ حَوْلَه، وأَسَاسُها َمَعْرَِفَة، وعِلْم، وإِدْراك، وغايََتُها تَكْليف، والْتِزام، وأَداءُ لأمانةِ الرِّسالَة، حِينَها تُفْضِي إلى سََعادَةٍ أبََديَّة.
فلابُدَّ أنْ يُراعِي الإنسانُ في الحُرِّيَّة الجانِبَ المَعْرِفي، والجَانِبَ الإيماني، والجَانِبَ السُّلوكي، لأنَّ المََعْرِفَة سَبَََبٌ مُوصِلٌ للحُرِّيَّة، والإيمانُ هُوَ بمثابَة الصِّيانَة، والحِمايَة، والضَّمان لسَلامَتِها، أمَّا السُّلوك فهو نتيجةٌ للاستقامَة بالمَعْرِفَة، والاستقامَة بالإيمان،  لممارسَتِها على وَجْهِها الصَّحيح.
فَأَنْتَ أيُّها الإنسانُ حُرٌّ بما وَهَبَكَ الله من حُرِّيَّة التَّفكير، والإِدْراك، والإِحْساس،  والاعْتِقاد، ما دُمْتَ لا تَضْطَهِدُ حُرِّيَّةَ غَيْرِك، وَهُوَ سبحانه لَمْ يَحُدْ مِنْ حُرِّيَّتِك، مع أنَّهُ الخالِقُ الصَّانِع، ولم يُقَيِّدْ حَرَكَتَك مَعَ أَنَّهُ مَصْدَرُ قُوَّتِك ومُحَرِّكُ طاقَتك، ولم يَحْجُرْ على عَقْلِك ولا إِحْساسِك، مع أنَّهُ الرَّقيبُ عليها، ولم يُلْزِمْكَ بما أنت عاجزٌ عنه مراعاةً لقُدُراتِك وَإِمْكاناتِك، ولَمْ يُجْبِرْكَ على أَنْ تُؤْمِنَ به مَعَ أنَّهُ سبحانه بقُدْرَتِه، وبمَشيئَتِه، وإِرادَتِه أَنْ يَجْعَلَكَ ويَجْعَلَ النَّاسَ جَميعًا مَهْدِيِّين: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾، ولكنَّهُ سبحانه حَرَّرَ عَقْلَك وقَلْبَك، لتُؤْمِن وتَهْتَدي بِكَسْبِك، وعَمَلِك، وسَعْيِك، وعِلْمِك، وإِرادَتِك، واخْتٍِيارِك، ويَقينِك، ويَسَّرَ لك سُبُلَ طَلَبِ الهِدايَة والسَّعْيِ إِلَيْها، حتَّى تَعِي ما مَعْنَى أَنْ تَكونَ إِنْسانًا حُرًّا، وتَعْرِف كيف تَهْتَدي في تَفْكيرِك وفي إِحْساسِك، وفي حَرَكاتِك وسَكَناتِك، وفي سَعْيِك في الأرض، وكيف تُمَيِّز الصَّوابَ عَنِ الخَطَأ في أَقْوالِك وتَصَرُّفاتِك: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
والحُرِّيَّة لا تَصْدُرُ عَنْ نُفوسٍ عاجِزَة ضَعيفَة، تَخْشى أَنْ تُعَبِّر عَنْ آرائِها وأَفْكارِها وأَحاسِيسِها، لأنَّها تَحْسِبُ لكُلِّ كَلِمَةٍ تَقولُها أو تَكْتُبُها، ولِكُلِّ فِعْلٍِ أَو قَرارٍ تُقَرِّرُه حِساباتٍ مادِّيَّة بَشَرِيَّة، وتَزِنُها بِمِيزانٍ بَشَرِيٍّ قاصِرٍ عَنْ تَحْقِيق تَمامِ العَدْل.
والحُرِّيَّة لا تَصْدُرُ عَنْ نُفوسٍ تَهابُ التَّحَدِّي والمُواجَهة، وإِعْلاَنَ الحَقيقَة في وَقْتِها ومَكانِها، وتتَخَبَّطُ في دَياجيرِ ظُلْمَةِ النَّفْس، والإِحْسَاس، والفِكْر،  سَجينَةً في زِنْزانَة القَهْر، تُقاسي الذُّلََّ والاسْتِكانَة، حَتَّى تَتَحَوَّل لِهَيْكَلٍ إِنْسانِيٍّ ثَابِتٍ في مَكانِه، لا شَيْءَ يَهُزُّه أو يُحَرِّكُه مِنْ سُكونِه، وجُمودِه، وضَعْفِه، وكَسَلِه.
بَلِ الحُرِّيَّة هِيَ مِلْكٌ للنُّفوسِ الصَّادِقَة المُسْتَقيمَة : ﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، المُسْتَعِدَّة للكَسْب، والبَذْل، والعَطاء، والإيثَار في كُلِّ الأحوال.
والحُرِّيَّة هِيَ مِلْكٌ لمَنْ ينْتَصِرونَ للحَقِّ الَّذي يُؤْمِنونَ به، ويُدافِعونَ عَنْ أفْكارِهِمْ وآرائِهِمْ، وعَنْ مبادِئِهِمْ وقِيَمِهِمْ، وعَنْ أهْدافِهِمْ وأَحْلامِهِمْ،  فلا يَدَعونَها تموتُ أو تَنْتَحِرُ على حافَةِ الصَّمْت، مَهْزومَةً بِضَعْفِها وانْكِسارِها.
والحُرِّيَّة لا تَموتُ إِنَّما يَموتُ المُدافِعُ عَنْها، ويَحْمِلُها جِيلٌ عَنْ جيل، مِنَ الأبْطال الأَحْرار الرُّوَّاد الَّذينَ اخْتارُوا أَنْ يَتَقَدَّمُوا الصُّفوفَ الأَمامِيَّة ويَكونُوا مَعَ الأَوائِل، فَمَنْ رَبَّى نَفْسَه وذُرِّيَّتَه تَرْبِيَةً صالِحَة، وعَلَّمَها كَيْفَ تَحْيا حَياةً حُرَّةً كَريمَة، وتُحافِظُ عَلَيْها وتُدافِعُ عنها، تكونُ لهُ خَلَفاً، تَبَعاً لِطَريقَتِه، مُهْتَدِيَةً هَدْيَه، مُنْتَهِجَةً نَهْجَه :﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾.
إنَّكَ أيُّها الإِنْسان لا تَسْتطيعُ أَنْ تَسْتَأْصِلَ جَذْوَةَ الحُرِّيَّة مِنْ داخِلِك، أو تُخْرِسْ لِسانَك فهو مَفْطورٌ على الكلام، أو تُطْفِئْ نورَ بَصيرَتِك، أو تَقْتَلِع جُذورَ إيمانِك كما تَقْتَلِعُ العُشْبَ مِنْ أَرْضِك، أو تَأْمُر قَلْبَكَ أَنْ يَصْمُت فلا يَنْبِض بالحياةِ الحُرَّة، أو تمنعَ عَقْلَكَ أنْ ُيَفكِّر، أو إِحْساسَك أَنْ يَتَحَرَّك، لأنَّكَ لَسْتَ جَمادًا بل إنسان، ولَسْتَ خَلْقًا هَيِّنًا بَلْ عَظيمًا مُكَرَّمًا عند الله،  ولَسْتَ عَبْدًا إلاَّ لِمَنْ خَلَقَك حُرًّا كَريمًا، وحُرِّيَّتُك لا أَحَدَ يَغْتَصِبُها مِنْك، لأنَّها غَيْرُ قابِلَةٍ لاعْتِقالِها، غيرُ قابلةٍ لاستعمارِها، أو تَعْليقِها على أَعْوادِ المَشانِق، أو كَتْمِ أنْفاسِها، أو دَسِّها تَحْتَ التُّراب، أو دَفْنها في مقابِرِ المَوْتى.
إنَّها كائنٌ يتَنَفَّسُ بروحِك وروحِ مَنْ يَحْمِلُها، تَجْري في عُروقِك ودِمائِك، وتَتَحرَّكُ بقُوَّةِ نَبْضِك و صُمودِك، ولا تَموتُ أو تَضْعُف بأمْرٍ سُلْطَوي أو بحُكْمٍ قَضائي، أو بقَرارٍ بَشَري، بل تَحْيا ما شاءَ الله لها الحَياة، لأنَّها مِنْ أعظمِ آيات الله،  وهو حاميها وحامي من يبعثها.
والتَّاريخُ شاهدٌ عادِل على أنَّ الأَقْلامَ الحُرَّة لمْ تَمُتْ بمًَوْتِ حامِليها، والأفكار ظلَّت تَنْشُر الأفكار، والكُتُب تُنْتِجُ الكُتُب، والأحرار يُنْجِبونَ الأحرار، ما دامَتْ في أرحامِ الأمَّهات أجِنَّةُ المُفَكِّرين، والمُبْدِعين،  والمُبْتَكِرين، والمُصْلِحين، والدُّعاة، والعُلَماء، والمُجَدِّدين، إنَّما يموتُ من يُحاولُ أنْ يَجْهض هذه الأجنة في أرحامها، ويُطْفِئ نورَ الحُرِّيَّة.
وهؤلاء إنَّما هُمْ مخلوقاتٌ عاجِزَة عن أن تَمْنَعَ شروقَ الشَّمْسِ أو غُروبَها،  عاجٍِزَة عن أن تمنع آيةَ اللَّيْلِ والنَّهار، أو تمنع العَواصِف والزَّوابِع، وانْفِجارَ البَراكين والبِحار والمُحيطات، عاجزة عن أن تمنع استمرارَ الحياة والمخلوقات، أو تمنع الحَقَّ فلا يَظْهَر، إنما الذي يملك كلَّ ذلك هو الحقُّ سبحانه.
فالبَقاءُ لله لأنَّه وحده الأَقْوى ولا بَقاءَ لما سِواه، والسُّذَّج البُسَطاءُ العُقول، يتَصوَّرون أنَّهم الأَقْوى، وأنَّ البقاء لهم وحدهم، وأنَّ لهم حَقُّ التَّفكير، والكَلام، والكِتابة، والتَّعبير دونَما سِواهُم، فيقفلوا كُلَّ الشِّفاه ويكسروا كُلَّ الأقلام معتقدين غُروراً أنهم وحدهم الفُصَحاء البُلَغاء، ويتوهَّمون أنَّهم أصحاب كُلِّ الحقوق، وبإمكانهم الخُلود والاستمرار للأبد أَقْماراً ونُجومًا في سماءِ المجد.
إنَّكَ أيُّها الإنسانُ لا تكونُ حُرًّا إلاَّ لَو وَهَبْتَ لغيْرِك نفْسَ حُقوقِِك، وأَبَحْتَ لهم مُخالَفَتَك، ونَقْدَك، ومُعارَضَتَك، كما تبيحُها لنفسك، وسَمَحْتَ لهم أن يُنافِسوك المُنافسة الشَّريفة فيما أدْرَكْتَه وملَكْتَه، ويَنْتَصِروا عَلَيْك بما  لديهم من الحق، لأنَّه لا بَقاءَ إلاَّ للحَق.
ولا تَكونُ حُرًّا إلاَّ لَوْ كُنْتَ عادِلاً مُنْصِفاً، تَأْخُذُ كما تُعْطي، تَحْلُمُ وتَدَعُ غَيْرَك يَحْلُم، وتُنْجِزُ وتَنْجَحُ في مجالِك كما تَتْرُكُ غَيْرَكَ يُنْجِز ويَنْجَح في مَجالِه، فأنت معهم تُكَوِّنُ عُصْبة قَوِيَّة، كالجِسْمِ الواحِد إذا اشْتَكى مِنْهُ عُضْوٌ تَداعَى لَهُ سائِرُ الجَسَد بالحُمَّى والسَّهَر، وبِدونِهِم أنْتَ فَرْدٌ ضعيف تَتَداعَى عَلَيْكَ الأُمَم.
عن د. صفية الودغيري
Photo of د. صفية الودغيري
د. صفية الودغيري ـ المغرب. كاتبة وباحثة في العلوم الشرعية. ـ حاصلة على الدكتوراه في الآداب شعبة الدراسات الإسلامية: وحدة الحديث والفقه بين الرواية والدراية في المدرسة المالكية من جامعة الحسن الثاني – المحمدية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية – بنمسيك. صدر لها كتاب سمير النفس وأنيس المحبين

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button