البكاء مع الرعاة.. بقلم صبري يوسف

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية البكاء مع الرعاة.. بقلم صبري يوسف

البكاء مع الرعاة.. بقلم صبري يوسف

صورة ‏‎Fessuoyy Yyoussef‎‏.
هنا يباع كل شيء..البكاء مثلا !
هنا يمكنهم أن يبكوا معك قبحا يوازي تجدر بكاء شعراء الأزمنة البدوية الأولى..أولئك الحقيقيون الذين تركوا لنا ضميرا صاحيا عن الحب العذري النظيف وهم يتباكون على الأطلال ووداع ضاقت به الأرض بعد رحابتها في الشرق..فقط لأن شاعرا لا يملك إلا قلبه الصافي وجواده وسلاحه ورجولته المكتملة..وما وجد غير البكاء ترياقا أمام مجتمع بدوي أعمق من أخلاق اليوم...ومع إمكانية الشاعر فعل المستحيل تمنعه التقاليد ويمنعه القرار الذي ينبع من القلب موصيا إياه بامتلاك الشهامة والشجاعة التي لا تتناقض مع أرفع المناقب مهما جارت" الدخول وحومل"..والتي لا تتحالف مع الخداع والجور والطعن من الخلف والسلوك الهابط المتلصص..الذي يصير حرفة عبد زنيم رقيق ضعيف تائه حقير نفيف تشفت فيه جميع الصعاب ونوازل الأيام والصروف والعاديات وامتحنته ووجدت فيه فقط ذاته ولا قيمة فيها..خاوية من المعنى والمبنى والأفعال والآثار وما يتملكه فرد يصبح بموجبها إنسان وجيه الفائدة.
يباع هنا كل شيء..الوهم مثلا!
هنا يمكنهم ويمكنك أن تصادفهم عند كل حجر زاوية يبيعونك الوهم، والحرية والصدق والأخلاق وفي نهاية اليوم تكتشف بأنك كنت فقط أمام تجار سلع بالتقسيط والجملة أنت وما تريده..سوق لها أكثر من باب ولا أقفال على الأبواب..ولا حراس..ولا بوابين ولا عدادات ولا مراقبين..لا يقبل منك صمت وحتى الصمت يباع ويشترى منك وتلبس بدله حديث لا يكتم حديثا...
غنيمة الذئب ونعي الرعاة!
هنا يمكنهم أن يبكوا ويتباكوا مع الرعاة في الخلاء..يمكنهم أن يزوروهم عند" السدرة" ويفتحوا أيديهم حد الأكتاف ويعانقوهم، لأن ذئبا وغدا ساق كل البهائم إلى منحدر الوادي وافترسها جملة وتفصيلا..وبعد عناقهم الحار ودموعهم السخية يتركونهم في وحشتهم ..فقط دموعهم هي عزاءهم المتبقي فيما هم رحلوا إلى الذئب ليفترسوا معه الغنيمة..
شراء موقف بيع موقف!
هنا يمكنهم أن يبيعوا كل شيء بالليل والنهار بالصبح والغداة، في المرض والقوة، في الإيمان والكفر، في الصلاة والسمر..في كل المواقف يمكنهم أن يبيعوك ما تمنيت وما تركت وما غاب عنك وما وددت لو حضر..هنا تصبح رخيصا وغاليا وفريسة وضحية ومفترسا ومفترس ، هنا يمكنك أن تصدق نفس بأنك أفلتت يوميا من مئات المصائد والفخاخ التي تظل منصوبة على الدوام لاصطيادك وأمثالك ..أولئك الذين صدقوا جل الكلمات الرائعة التي قيلت في حرضتهم وغيابهم ..شعرا أو نثرا أو بأي أسلوب في الابتداع رغبت أو غاب عنك بحكم عدم اهتمامك..أو حتى مع كل رجحان بصيرتك...أما الذين صنعت الفخاخ من أجلهم فقد ألفوا تورم لحومهم تحت أسنانها ..لا يهزلون ولا يتألمون ولا يغضبون ولا يتمنون أن تنفك القبضات إلى أن تنفك متعبة من نتانتهم التي يملها الحديد مهما كان فيه من البأس..
خاطرة..بقلم :صبري يوسف

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button