قوس البدايات: ( سبق أن نشرت هذا المرور الخاطف الخاص بالأستاذ جعفر الزاهدي في أحد الأعداد السابقة على هذا هذا الجدار الافتراضي المترب الذي تفوح منه رائحة التراب والقش وذكريات زمننا الأول الذي ولى وراح، وأعيد اليوم نشره لدافعين):
ـ الأول: أحيانا وفي بعض لحظاتنا الشاردة، لا نجد بالقرب منا سوى الممحاة أو "البلانكو" لنمحو كل ذكر طيب وكل أثر جميل لبعض الناس الذين قدموا ما يدخل في حكم الواجب وما يزيد عليه. هكذا لأن نزواتنا وأهواءنا تريد ذلك، ونحمل أسفار الجد والعطاء والاقتدار، ونضعها في جوف النار لتحرقها ناسين أن التاريخ لا ينسى ومحيطنا لا ينسى وزملاءنا لا ينسون وبالخصوص تلامذتنا الذين يستحيل أن ينسوا حتى ولو وضعنا أمامهم شَحنة (فياج) من أدوات المحو القديمة أو الحديثة.. .
ـ أما الثاني فهو مرتبط بحدث مفاجئ حدث هكذا دون ترتيب مسبق. ذلك أنني لما حللت ببيت صديقي ورفيقي محمد السدقاوي بسطات قبل ثلاثة اشهر من اليوم، التقيت الأستاذ ورفيقي في نفس الحزب الاشتراكي الموحد أيضا زكريا الصغير. ولأنه سبق أن كان أستاذا للرياضيات في بداية التسعينيات بالثانوية الجديدة بابن جرير، فقد شرع يسألني عن بعض زملائه الذين جاورهم هناك، ومنهم على الخصوص الأستاذ عبد العاطي بوشريط وجعفر الزاهدي، وقال لي أنه لن ينسى أبدا يوم قدم جعفر درسا عمليا في الرياضيات كان غاية في الذكاء والدقة والسلاسة البيداغوجية التي يحتفظ زكريا بتفاصيلها حرفا حرفا كلمة كلمة، مبديا تقديره وإعجابه الكبيرين بالطريقة التي كانت سابقة لزمنها وهي ما يصطلح عليه اليوم بالانطلاق من الوضعية المشكلة. ولا ينسى الاستاذ زكريا أن مفتش المادة الذي كان يتابع الحصة، بدا عليه الاستغراب وعدم الرضا على الطريقة التي قدم بها جعفر الدرس والتي ربما لم يكن للمفتش سابق عهد بها، ولم يكن يتصور أن هذا الفتى الذي يقف أمامه بكل هدوء وثقة في النفس ورباطة جأش، قد يوجد في نهره ما لا يوجد في البحر الذي يتخيله المفتش راكدا لا حركة فيه ولا تجديد ولا إبداع..
ولما أعلمت الرفيق زكريا أنني جئت على ذكر جعفر في سلسلة النبش الخاصة بذاكرة ابن جرير، تأسف لأنه لم يطلع عليها، وبدا لي أن أعيد نشرها لما يربطني من ود وعلاقة رفاقية برفيقي الأستاذ زكريا.
ولما أعلمت الرفيق زكريا أنني جئت على ذكر جعفر في سلسلة النبش الخاصة بذاكرة ابن جرير، تأسف لأنه لم يطلع عليها، وبدا لي أن أعيد نشرها لما يربطني من ود وعلاقة رفاقية برفيقي الأستاذ زكريا.
هو ابن دوار الزاوية، وبناء عليه لا يستقيم الحديث عن اسمه دون أن يكون مقرونا ب"مولاي"، شأنه شأن كثير من أقرانه بالدوار ذاته ممن جاورناهم في حجرات الدرس أو في الملاعب المتربة أو في مقاهي الرونضة والحصير وبراريد الشاي، ويمتلكون ألقاب "الشرف" تلك علاقة ببعض أصول جذور الأنساب.
تقترن الرياضيات في أذهان كثير من تلاميذ الثانوية الجديدة (الشهيد صالح السرغيني) بالأستاذ القدير جعفر الزاهيدي، ليس لأنه يدرسها، بل للطريقة التي يدرسها بها والتي تمسك بيد التلميذ من عوالم التعقيد والألغاز، إلى عوالم التبسيط وفك الألغاز. لا يكتفي الدرس الرياضياتي عند جعفر بالانغلاق في المجاهيل والمتراجحات، بل يضفي عليه بمستملحاته ولمساته الفنية بخطيه العربي والفرنسي الجميلين، حصة جذابة للتلاميذ الذين تستهويهم الرياضيات، وتدحض لهم طلاسمها المرعبة.
بملكاته الرياضياتية يعرفه تلامذته وزملاؤه الذين جاوروه، وبفنياته الكروية ضمن فريق "نجوم الزاوية" يعرفه من جاوره ذات زمن ثمانيني خلال دوري الصداقة، ما جعل منه لاعبا أنيقا أعسر تتحرك رجلاه وفقا لما يتراقص في عقله من حساب المثلثات والفضاء المتجهي.
هو الأبن الذكر الرابع في "آل" الزاهدي بعد الأستاذ مولاي الطيب وعبد الوهاب والفقيد السي محمد. ولد جعفر وشب وكبر في ابن جرير. وفيها درس الابتدائي والإعدادي، وتابع دراسته الثانوية بثانوية ابن عباد بمراكش شعبة العلوم كثير من الاساتذة الأجانب فرنسيين وروس ورومانيين وأمريكيين حتى الذي كانت تعج بهم الثانوية كغيرها من ثانويات السبعينيات من القرن الماضي.
قد يكون جعفر التحق بادئ الأمر بالمركز التربوي الجهوي الذي تخرج منه أستاذا للرياضيات، ثم التحق فيما بعد بالسلك الخاص ليتخرج أستاذا للتعليم الثانوي الذي يعرف اليوم بالتأهيلي بالثانوية الجديدة التي عمر بها جعفر طويلا إلى غاية اليوم ممارسا أو أنهى بها المسار.
لي ذكرى سيئة مع جعفر لن يشطبها الزمن من ذاكرتي، حدثت في الموسم الدراسي 1968/ 1969 بالقسم المتوسط الأول (الرابع حاليا) لما كنت أتبادل القسم وإياه عند الأستاذين السي عمر بوطينزة والسي برادة. ذلك أن جعفر طلب مني كتاب القراءة للغة العربية لما كان بصدد الدخول عند أستاذ العربية (برادة)، ولما قضى منه وطره لم يرجعه لي. وفي اليوم الموالي كنت على موعد مع العربية صباحا، ولأنني لم أكن أتوفر على الكتاب، اضطررت إلى الجلوس مع زميلين. فلما سألنا السي برادة لِمَ تجلسون في مقعد واحد أنتم الثلاثة، قالوا له: (هادا ما جابش القراءة)، فأكرمني إكراما لم أتشرف بنيله لا من قبل ولا من بعد، حتى اخضرت يداي عن آخرهما، ولم أعد أقوى على طي أصابعي لأكثر من أسبوع، كانت االمرحومة والدتي تتكفل بإطعامي لأنني أصبحت عاجزا عن تحريك أصابعي وقضاء أغراضي بما فيها الكتابة.
كلما التقيت جعفر أقول له: خرجتي علي أ الكافر بالله.
في المقهى المجاورة لإدارة المنطقة الإقليمية للأمن الوطني، يداوم جعفر على الجلوس وحيدا يصارع الكلمات المتقاطعة، ولما ينتهي من احتساء قهوته وإنهاء شبكته، يضع رأسه بين كتفيه، و"يتكركب" راجلا إلى محل سكناه.
(في الصورة جعفر الزاهيدي بالجلباب المخطط من أحد أقسام التعليم الإعدادي بالكوليج، وبجواره الأستاذ عبد الرحيم المستنصر).
تقترن الرياضيات في أذهان كثير من تلاميذ الثانوية الجديدة (الشهيد صالح السرغيني) بالأستاذ القدير جعفر الزاهيدي، ليس لأنه يدرسها، بل للطريقة التي يدرسها بها والتي تمسك بيد التلميذ من عوالم التعقيد والألغاز، إلى عوالم التبسيط وفك الألغاز. لا يكتفي الدرس الرياضياتي عند جعفر بالانغلاق في المجاهيل والمتراجحات، بل يضفي عليه بمستملحاته ولمساته الفنية بخطيه العربي والفرنسي الجميلين، حصة جذابة للتلاميذ الذين تستهويهم الرياضيات، وتدحض لهم طلاسمها المرعبة.
بملكاته الرياضياتية يعرفه تلامذته وزملاؤه الذين جاوروه، وبفنياته الكروية ضمن فريق "نجوم الزاوية" يعرفه من جاوره ذات زمن ثمانيني خلال دوري الصداقة، ما جعل منه لاعبا أنيقا أعسر تتحرك رجلاه وفقا لما يتراقص في عقله من حساب المثلثات والفضاء المتجهي.
هو الأبن الذكر الرابع في "آل" الزاهدي بعد الأستاذ مولاي الطيب وعبد الوهاب والفقيد السي محمد. ولد جعفر وشب وكبر في ابن جرير. وفيها درس الابتدائي والإعدادي، وتابع دراسته الثانوية بثانوية ابن عباد بمراكش شعبة العلوم كثير من الاساتذة الأجانب فرنسيين وروس ورومانيين وأمريكيين حتى الذي كانت تعج بهم الثانوية كغيرها من ثانويات السبعينيات من القرن الماضي.
قد يكون جعفر التحق بادئ الأمر بالمركز التربوي الجهوي الذي تخرج منه أستاذا للرياضيات، ثم التحق فيما بعد بالسلك الخاص ليتخرج أستاذا للتعليم الثانوي الذي يعرف اليوم بالتأهيلي بالثانوية الجديدة التي عمر بها جعفر طويلا إلى غاية اليوم ممارسا أو أنهى بها المسار.
لي ذكرى سيئة مع جعفر لن يشطبها الزمن من ذاكرتي، حدثت في الموسم الدراسي 1968/ 1969 بالقسم المتوسط الأول (الرابع حاليا) لما كنت أتبادل القسم وإياه عند الأستاذين السي عمر بوطينزة والسي برادة. ذلك أن جعفر طلب مني كتاب القراءة للغة العربية لما كان بصدد الدخول عند أستاذ العربية (برادة)، ولما قضى منه وطره لم يرجعه لي. وفي اليوم الموالي كنت على موعد مع العربية صباحا، ولأنني لم أكن أتوفر على الكتاب، اضطررت إلى الجلوس مع زميلين. فلما سألنا السي برادة لِمَ تجلسون في مقعد واحد أنتم الثلاثة، قالوا له: (هادا ما جابش القراءة)، فأكرمني إكراما لم أتشرف بنيله لا من قبل ولا من بعد، حتى اخضرت يداي عن آخرهما، ولم أعد أقوى على طي أصابعي لأكثر من أسبوع، كانت االمرحومة والدتي تتكفل بإطعامي لأنني أصبحت عاجزا عن تحريك أصابعي وقضاء أغراضي بما فيها الكتابة.
كلما التقيت جعفر أقول له: خرجتي علي أ الكافر بالله.
في المقهى المجاورة لإدارة المنطقة الإقليمية للأمن الوطني، يداوم جعفر على الجلوس وحيدا يصارع الكلمات المتقاطعة، ولما ينتهي من احتساء قهوته وإنهاء شبكته، يضع رأسه بين كتفيه، و"يتكركب" راجلا إلى محل سكناه.
(في الصورة جعفر الزاهيدي بالجلباب المخطط من أحد أقسام التعليم الإعدادي بالكوليج، وبجواره الأستاذ عبد الرحيم المستنصر).
لست ربوت