قبل سنوات من الآن ، أي الأعوام الأولى لمجيء السيد فؤاد عالي الهمة إلى بلدته للمساهمة في إحياءها ، انتشالها من الظروف التي مست كبرياء أهلها والذين يعيشون في أريافها وفي مراكزها الحضرية والقروية .
كان فؤاد عالي الهمة حينها قد وضع اليد على كل الجراح ، ومست “الاوراش التشاورية ” لنخبة الرحامنة التي جمعها يومها انطلاقا من إيمانه بأن “الرحامنة” لا يمكن أن تسمو وتنهض إلا بروح أبناءها ..”.كان الرجل واثقا من ذلك ، وأشرك بتواضعه الجميع لاستنارة “الرأي ” ، وهكذا تحمست الكثير من الأسماء العالمة في إنتاج حلول لكل شيء..ولا تزال مختلف الدراسات والأبحاث بعهدة مؤسسة الرحامنة على ما اعتقد وبأرشيف بلدية ابن جرير..قاربت الاوراش كل شيء..
رحل الهمة بعدها ولم يترك للرحامنة وريثا أو وصيا أو شخصا يفهمهم كيف وماذا يجب أن يفعلوه ؟..بل ترك أبناء الرحامنة وساكنتها والذين يمشون على دروبها هم “أولى ” بالمساهمة والبحث عن الحلول دون سواهم .
اليوم تمر على جميع شوارع ابن جرير وتغمرك الأتربة على طول شارع محمد الخامس من “لاكار ” إلى أخر نقطة كيلومترية عند نهاية الشارع .
العربات المجرورة انتشرت ، بعضها تعلم كيف يحترم السلامة الطرقية ويتوقف في الأضواء الحمراء ..علمته الظروف تلك العادات التي اختصها القانون بالعربات ذات المحرك ..إنما حتى العربات المجرورة بألوان الدواب تتوقف ، يعاكس هذا ذاك ..والشوارع التي كتب لها أعواما خلت أن تصبح “برانس ” المدينة توارت بالأنظار إلى نقط سوداء يعمر فوق أرضها دون رصيفها باعة الخضر والفواكه ،وفي المساء يغيب تعريف الشارع ..الأسواق النموذجية لم تخرج لحيز الوجود ..ومشاريع كثيرة وأفكار كبرى غطاها الزمن وأعادت ابن جرير لبس رداء “الرجعية ” بتقمص الدور الأول ..دور المظلومية ..ماذا يا ترى لو فكر يوما الهمة العودة إلى الرحامنة لرؤية ماذا صنعت يداه يوما من الأفكار وكيف أن لاشيء تحرك بتلك القوة التي تبعت زياراته إلى الأرياف الرحمانية واعدا كل المستضعفين والفلاحين والأبناء والأحفاد بأن الغد سيكون جيدا ..؟ وأن على جميع أبناء الرحامنة الإحساس بالقوة مؤكدا أن التعليم هو الأساس.
الزائر اليوم لابن جرير سيجد “تباينا ” كبيرا بين ضفتين كان الرئيس الحالي يقول في إحدى خطاباته “المتككرة” ربما نقلا عن غيره ، بأن ابن جرير عليها أن تمشي برأسين تنمويين ..يعني بذلك تأهيل ابن جرير وهناك طبعا المدينة الخضراء ، اليوم هناك مساحة من التباين ، من “اللاتناسق” ، ابن جرير الغارقة في الأتربة ، والعربات المجرورة التي تعب أصحابها ، وأحزمة من الأحياء الهامشية التي كان على عهد الهمة في “توصياته الكبرى ” ، أن جميعها ستستفيد من إعادة الهيكلة وباقي المرافق ذات القرب ، هناك اليوم حالة مزرية تحيط بكل الأحياء الهامشية “المستلقية ” على مركز المدينة الذي يملأه الحمقى ، وأطفال الشارع ، وغابت كل الأمنيات ، وانكسرت رغبة الأهالي في غد تمنوه كبيرا ..يستريح فيه الحمار والعربة ، وتتحول شوارع ابن جرير إلى منتزهات ومحلات راقية ، ويتوج فيه التعليم بترسيخ قيم أخرى ،وتنتشر فيه المنافسة على إنتاج “القيم “..قيم المواطنة بتخليد أفكار “المجتمع المدني ” الذي صنعه مجيء الرجل وعدده كي ينفع .
كانت الرحامنة ومركزها ابن جرير بتعبير الكثيرين حينها أن “أخر صيحات الخبرات ” ستجرب هنا بهذه القلاع ، ماذا حدث ؟ وأين كل تلك “الصور ” الخاطفة التي كنا نبقى أمامها شاهدين بعد زيارات عاهل البلاد أعوام 2008 و2010 و2012 ..
وبالعودة إلى ماذا يمكن أن تقدم ابن جرير والرحامنة اليوم ؟ ماذا أنتجت قرابة عشر سنوات من غياب الهمة ؟
وأي فكرة يمكنها أن تكون ناجحة للترويج للمنطقة ؟ في ظل تباين “شاد ” بين ما ينجز في الجوار بالمدينة الخضراء من مشاريع مهمة ، والجامعة وثانوية “التميز ” ، والباقي ، في كل هذا تقف المدينة “الأم ” على حاضر تكسوه الغضاضة ، وعلى محيط تغيب فيه الأشكال القادرة على الصمود أو القريبة من إثبات نفسها ..لنتخيل أن أجيالا من الطلبة والأكادميين سيتكاثرون مع السنوات هناك بالمدينة الخضراء ، كيف سينظرون إلى ابن جرير من كرسي المعرفة بالجامعة أو بأي موقع للملاحظة الذكية ؟
وماذا يمكن أن يشفع لمدينة تتدهور أوضاع الناس فيها يوميا ، علما أن الحلول كانت جاهزة وفجأة “تغاضت عليها ” أعين الفاعلين السياسيين ومؤسسات الدولة ، ليبقى ابن جرير معزولا حتى ولو توفرت الروابط الطرقية والمدارات . هناك فجوة عمرانية وهيكلية ومعرفية تجعل من إمكانية “الترويج” لابن جرير مستحيلة وضرب من الخيال ،على اعتبار ماذا ستقدمه هذه المدينة ؟؟ وهذه الأحياء الهامشية المكسوة باللاتناغم ؟ وماذا يتوفر من “الفلكلور ” والعنصر البشري القادر على خلق “الامتياز ” لمنطقة يتوقف مصير أغلب سكانها على فتح حوار هادف معهم ..ماذا برأيكم سنعمل لتجاوز “الهشاشة ” الترابية ؟
ويتوقف على فتح نقاش من الأسفل إلى الأعلى”لإنتاج القوانين على الظواهر الاجتماعية “، لتغيير المسارات التي “عوجتها ” الرؤية الأفقية لأصحاب السياسة ، الذين يتحملون تبعات ما لم ينجز بشكل “جيد “.
الرحامنة تحتاج إلى سؤال كل الفئات بدءا من أصحاب العربات الذين تعبوا.. مرورا بالباعة وباقي فئات المجتمع وشرائحه التي تشكل الأغلبية ، إلى إعادة الاعتبار إلى المجال ، والى الناس ، والى المدارس والطلبة وطلب المساعدة من القادرين على مد يد العون كما حصل في “أوراش ” عام 2008 .
هناك رحامنة حقيقيون يملكون أفكارا جيدة ، لا نعرف أين يوجدون هل في حي من أحياء المدينة أم في رحماني غادر غاضبا لأنه وقع على فكرة ولم تقبل منه .؟أم عند سيدة بسيطة تنتج يوميا حلولا ولم نهتم لها بحكم أنها بسيطة ..؟يجب الهبوط إلى الأرض بدون اعتبار أن الناس العاديين لا يملكون حلولا . وأن تترك الرحامنة للرحامنة بدون وسطاء ولا هم يحزنون .
فالذين يعيشون ويحيون هنا هم أجدر وأعلم وأعظم إحساسا بتقلبات الجو وبما يدخرون وما لا يكسبونه إلا بمساعدة الجيران .
نحتاج إلى الترويج لابن جرير إنما ماذا نملك كي يراه فينا الآخرون ؟ تشبه العملية امرأة شابة جميلة تتمشى على شرفة بيت يطل على غالبية من العزاب الطامعين في الزواج منها بفعل ما سمعوه عنها وما رأوه ..حتى العميان يطلون على الشرفة بأذانهم وما سمعوه ..هل يستوي هذا مثلا بامرأة قبيحة وضعت مساحيق العالم على وجهها احتسابا أن يحرك ذلك شغف رجل اتجاهها ، ومع كل ذلك لم يفعل أحدهم شيئا من هذا القبيل-الإعجاب-
إذا غابت المعطيات “الطبيعية ” أحيانا في بيئة ما ، إذا لم تتوفر شواطئ وأودية ومعالم للتاريخ والعمران والعلوم، والأنهار والعيون والحدائق والجو يصنع دوي العقول شكلا من “الإثارة ” لتفعيل “الترويج ” لبيئتهم بشكل قد يتجاوز قدرة من يتوفرون على معطيات السماء ، إنما كيف وهنا الاستحالة
لست ربوت