من ذاكرة أعيان ابن جرير: الحاج قدور الصغيري: سائق الملك الحسن الثاني إلى زاكورة عبر ورزازات.

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من ذاكرة أعيان ابن جرير: الحاج قدور الصغيري: سائق الملك الحسن الثاني إلى زاكورة عبر ورزازات.

من ذاكرة أعيان ابن جرير: الحاج قدور الصغيري: سائق الملك الحسن الثاني إلى زاكورة عبر ورزازات.

 أعيان ابن جرير، آثرت أن أبدأ بالمرحوم الحاج قدور الصغيري دون غيره ممن يعرفهم الناس أكثر، لسبب واحد هو كونه على علاقة مصاهرة مع أخي الأكبر أحمد التابي أو الحاج أحمد كما ينادى عليه في بيته، أو الشاف أحمد (مول الضو) كما يتفكه معه أصدقاؤه القدامى، أو "بابا" (مع ترقيق الباء) كما كان يناديه توقيرا ومهابة أخي عبد الجبار زمن الصبا).
قوس ثان: (على بعد بضعة أمتار من الإقامة التي أقطنها حاليا بطنجة، يوجد حي يحاذي الطريق الرئيسية رقم 1 التي تعرف هنا بطريق الرباط، يسمى ب "عزيب الحاج قدور" الذي يتردد على لساني في كثير من الأحيان كلما كنت عائدا إلى البيت عبر إحدى وسائل النقل (طاكسي صغير أو كبير أو "ميني باص")، فحينما يسألني (فين أ الخوا أو فين أ عمو أو فين أ العموم إذا كان صاحب الطاكسي شابا)، فأجيبه (عند عزيب الحاج قدور أو عند لعزيب اختصارا، لأنهم يعرفون أن المضاف إليه يعود على الحاج قدور).
يبدو لي أنه من الصعب وضع المرحوم الحاج قدور الصغيري ضمن فئة أعيان البلدة هكذا ولو بتحفظ طفيف، لأن الأعيان في مجمل التعاريف، تتفق على أنهم (فئة تمتاز بالحظوة في القرى والبوادي، وتبرم تحالفات مع السلطة لتتقاسم معهم المنافع والأدوار أو لخوفها من مضار ومساوئ عدم الخضوع).
فمجتمع ابن جرير حينما يكون بصدد الحديث عن كبار البلد، لا يذكر الحاج كبور والحاج المدني والحاج ادريس البصري إلا مقرونا بالحاج قدورالذي لا يعرفه الكثيرون إلا من خلال المقهى التي درج الناس على تسميتها ب "قهوة" الحاج قدور، وبمحطة الوقود "افريقيا" والمقهى التابعة لها التي يسيرها ابنه البكر السيد عبد الكبير والتي يعرفها الناس ب"قهوة" ولد الحاج قدور، وبمحل البقالة في مارشي ابن جرير، الذي يعرفه الناس ب"حانوت" عبد العزيز ولد الحاج قدور. وحينما يتحدث رجال التعليم ونساؤه عن ولد الحاج قدور، فإنهم بالتأكيد لا يقصدون سوى الأستاذ مصطفى الصغيري . وحينما يذكرون أصدقاء بعض رجالات القشلة، فلابد أن يذكروا الطيبي ولد الحاج قدور.
يتحدر الحاج قدور من شعيبات الحوز التي ولد بها سنة 1912 من أبيه الحاج الطيبي الذي نزح إلى ابن جرير، وأنشأ أول مقهى على الطريق الرئيسية، وهي عبارة عن نوالة كانت تقدم لعابري الطريق الشاي وما يحتاجون من ماء ساخن للوضوء.
اشتغل الحاج قدور سائقا في محيط القائد العيادي. ومن هنا كانت فرصته للقاء ولي عهد المملكة آنذاك (الحسن الثاني) حين وقع اختيار هذا الأخير على السيارة التي كانت معدة من طرف القائد العيادي في مراكش جوار سيارات أخرى لقياد آخرين، وكان يتكلف بسياقتها الحاج قدور، فقاده إلى زاكورة عبر ورزازات في رحلة ظلت عالقة بذاكرة الرجل وما عاينه خلالها. كما أنه كان عادة ما يتكلف بنقل بعض الحاجيات التي كان يبعثها القائد العيادي إلى القصر الملكي على عهد المرحوم محمد الخامس من عسل وسمن وخلافهما من الهدايا التي تحمل ساعتها إلى السلطان.
وقد يكون الحاج قدور للاعتبارات سالف ذكرها، أول من استفاد من مأذونية نقل عبر الحافلة (كار)، ولسوء حظه تم سحبها منه مع بداية الاستقلال، وأعاد كراءها ممن آلت إليهم فيما بعد.
لم يكن للحاج قدور اصطفاف في السياسة باستثناء بداياته الأولى لما انحاز إلى حزب الشورى والاستقلال الذي أسسه محمد بلحسن الوازاني سنة 1946، غير ذلك ظل الحاج بعيدا عن السياسة، بل كان رافضا لما خاض ابنه عبد الكبير غمار الانتخابات الجماعية لسنة 1983 والتي مكنته من رئاسة المجلس القروي لابن جرير لفترة قصيرة بعد أن أطاحت به الحركة الشعبية بعد شراء ذمم بعض الأعضاء الذين اصطفوا إلى جانب المرحوم كبور الشعيبي وابنه محمد الشعيبي لاسترجاع الرئاسة التي يعتبرونها محفظة لهم في السجلات العقارية، والتي لم يزحزحهم عنها سوى المخزن لما وضع السيد فؤاد عالي الهمة على رأس المجلس بالرغم من حصول الحركة على الأغلبية، كما كان متحفظا لاحقا على خوض ابنيه الآخرين (عبد العزيز ومصطفى) غمار الانتخابات التي استطاع من خلالها الأخير (مصطفى) أن يحصل على عضوية بأحد المجالس التي أعقبت تجربة مجلس الهمة.
الحاج قدور هو واحد ممن يعود إليهم المخزن في حملات جمع "الإعانات والتبرعات والجزيات" في مناسبات ما يسمى بالأعياد الوطنية وغيرها، كما حدث له بمناسبة تلك الغزوة التي أغارت فيها السلطات على الناس لجمع "مساهمات" بناء مسجد الحسن الثاني الذي اختار له الملك الحسن الثاني شعار " وكان عرشه على الماء".
كان الحاج قدور قيد حياته رجلا منزويا في الظل بعيدا عن أضواء "الكبار"، مكتفيا بممارسة شعائره الدينية بكل مواظبة وانتظام، يحترمه أهل "القشلة" (تجارا وأرباب مقاهي ومستخدميها وقاطنيها من مختلف الشرائح الدنيا).
لعل أهم ما يمكن أن يذكر به الحاج قدور، ونحن نخوض اليوم في معمعان المدرسة العمومية، أن العقار الذي تقام عليه اليوم ثانوية وادي المخازن الإعدادية بابن جرير، تعود إليه ملكيته في الأصل، إلا أنه سرعان ما تنازل عن حقوقه في التعويض مادام الأمر يتعلق بالمدرسة و"القراية" التي نهل الحاج قدور بعض مبادئها الأولى عربية مما حفظه من القرآن، وفرنسية مما تعلمه من الفرنسيين.
في سنة 2001، فاضت روح الحاج قدور.
(في الصورة الحاج قدور مع الملك الحسن الثاني
بقلم عبد الكريم التابي

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button