لعل أهم خاصية طبعت المشهد السياسي أو للدقة المشهد الحزبي بابن جرير، هي ذلك الارتباط الروحي لمناضلي اليسار القدامى ونظرائهم في حزب الاستقلال على السواء، بالهيئات الحزبية التي آمنوا بها في بدايات المسار الأولى، وأخلصوا الإيمان لها، حتى في بعض لحظات التمزق والانكسار النفسي التي تصيب المناضل فيما يستشعره أحيانا من إحباط داخلي، نتيجة ما يعتمل في الهيئة من صراع أحيانا وهشاشة أحيانا، وانكماش أحيانا، ونزوع إلى الانحراف في بعض الأحيان.
وفي اعتقادي أن تلك الخاصية التي يبدو فيها المناضل ك"المؤمن" بالمعنى الديني للإيمان، والذي يرى في انزياحه عن الحزب خطيئة لا تقل خطورة عن "الردة" والخروج عن الملة، تعود مبرراتها إلى كون مناضلي اليسار كانوا يستندون إلى نوع من اليوتوبيا، ومناضلي الاستقلال كانوا يستندون إلى ذلك القسم التاريخي الشخصي مع الذات الذي كان يجسده كثير من آبائنا القدامى في ( أنا حالف وعاطي العهد).
واليوم بعدما انحسرت اليوتوبيا الحالمة من جهة، ولم يعد العضو يشعر بأي ارتباط روحي بالقسم أو بغيره خارج حسابات السياسة، أصبح الدخول إلى الحزب اليوم والخروج منه غدا والانتقال إلى آخر غيره، أمرا عاديا، بل لا يختلف عمن يغير قميصه بين عشية وضحاها، ومع ذلك لا يخجل من (تخراج العينين).
والمناضل الاستقلالي الحاج عزوز عامر (والد الصديق الخليل عامر)، هو واحد من هؤلاء "المؤمنين" الذين ترجموا إيمانهم ميدانيا بأداء "الفرائض" و"الشعائر" النضالية من حضور والتزام وجري وغدو ورواح وتضحية بالوقت والجهد وما ملكت اليد، كما كان يؤدي فرائضه وواجباته الدينية، مع فارق أن الثانية كان يؤديها امتثالا لربه وسعيا إلى الظفر بمقعد في الجنة، بينما الأولى كان يؤديها دون انتظار جزاء، اللهم من مقعد متخشب في جوار صف معارض في مجلس متخشب لن يطعمه من جوع ولن يؤمنه من خوف على عقارات وضيعات وأرصدة لا يملك منها سوى حبه لأبنائه وولهه بالمتعة التي يجدها حين يكون إلى جانب رفاقه وهم يشعرون أنهم يقومون بشيء لا يقوم به بقية الناس..
استقر الحاج عزوز عامر بابن جرير وبالضبط بحي افريقيا عام 1956 بعدما جاءها قادما من دوار "لعناكير" بالرحامنة الجنوبية. وفي العام ذاته التحق بحزب الاستقلال حيث سيجاور السي عبد القادر الحنين والسي محمد الطاهري بن الطاهر والسي بنعمر الباهية والسي عبد الله بوستة. ومن تم سينطلق مساره السياسي منخرطا في معارك الوجود ضد الحركة الشعبية ممثلة في زعيمها الحاج كبور الشعيبي، ولعل أشهر تلك المعارك هي التي دارت رحاها ببوشان بين الاستقلاليين والحركيين، والتي شهدت عراكا بدنيا مباشرا في السوق الأسبوعي (اثنين بوشان) استعملت فيها الحجارة، وانتهت باعتقال مدبر للسي عبد القادر الحنين لمدة أكثر من خمسة عشر يوما بدوافع لها علاقة بالتحضير لإقالة رئيس المجلس القروي لابن جرير (الحاج كبور عن الحركة الشعبية).
خاض الحاج عزوز أولى تجاربه الانتخابية بقميص حزب الاستقلال سنة 1976، وفاز بمقعد عن إحدى الدوائر في المجلس القروي لابن جرير، وشكل مع رفاقه سالفي الذكر معارضة لأغلبية الحركة الشعبية.
كرر ترشحيه مرة ثانية للانتخابات الجماعية لسنة 1983، السنة التي تميزت بميلاد حزب جديد في عيادة الطبيب المولد وزير الداخلية ادريس البصري، وسماه (الاتحاد الدستوري) وصبغه بلون البرتقال، ووضع على رأس قيادته الأستاذ المعطي بوعبيد الذي عينه الملك الحسن الثاني وزيرا أولا، بعد أن بوأته صناديق التزوير المرتبة الأولى. وهو ما سيحدث في حادثة طريفة ومضحكة، لما ستدفع السلطة في ابن جرير بأحد الأشخاص المحسوبين على هذا الحزب الجديد، المرحوم (م.ب) إلى الترشح في الدائرة التي ترشح فيها الحاج عزوز بغية الإطاحة به، وهو ما تم بالفعل حيث فاز مرشح السلطة كما أرادت نفس السلطة. ومن غرائب تلك الحادثة التي تبدو طبيعية وعادية في انتخابات مغرب الأمس واليوم، أن المرشح الفائز بين ألف قوس، غير مسجل بالمرة في اللوائح الانتخابية !!! كما أكد بنفسه للحاج عزوز، وكما اعترف له القائد أنه هو الفائز الحقيقي في الصندوق، إلا أن الأصابع التي تعبث بالمحاضر، كان لها نظر آخر. وزاد القائد وقال أنه كان ينفذ الأوامر.
كان من الطبيعي للحاج عزوز ولغيره من رفاقه المناضلين طليعة الحزب الميدانيين، أن يتعرض للمضايقات والاحتكاكات المدبرة من طرف الخصوم/ الأعداء، وستطوله تلك المضايقات في عمله، إلا أنه بقي صامدا وفيا لحزب الاستقلال الذي بقي وفيا له ولم يتزحزح عنه إلى أن وافاه الأجل في مكة وهو يؤدي مناسك الحج حيث ووري جثمانه الثرى هناك سنة 2003.
وإن كان من شيء يكبر في مناضل حقيقي كالحاج عزوز إضافة إلى صرامته مع نفسه ومع محيطه فيما لا يتجاوز الحدود، فهو بكل تأكيد صموده لمدة نصف قرن في حزب لم يكن يطمح فيه أن يكون وزيرا بقدر ما كان لا يحرجه لا هو ولا بعض أصدقائه القدامى، أن يبقى غفيرا حارسا أمينا لما كان يعتبره مبادئ لا يحيد عنها (يطلع اللي بغى يطلع، وينزل اللي بغى ينزل).
بكل تأكيد، سيكون أبناؤه في غاية الانشراح والفخر، وسيكون هو في غاية الاطمئنان والسكينة.
وفي اعتقادي أن تلك الخاصية التي يبدو فيها المناضل ك"المؤمن" بالمعنى الديني للإيمان، والذي يرى في انزياحه عن الحزب خطيئة لا تقل خطورة عن "الردة" والخروج عن الملة، تعود مبرراتها إلى كون مناضلي اليسار كانوا يستندون إلى نوع من اليوتوبيا، ومناضلي الاستقلال كانوا يستندون إلى ذلك القسم التاريخي الشخصي مع الذات الذي كان يجسده كثير من آبائنا القدامى في ( أنا حالف وعاطي العهد).
واليوم بعدما انحسرت اليوتوبيا الحالمة من جهة، ولم يعد العضو يشعر بأي ارتباط روحي بالقسم أو بغيره خارج حسابات السياسة، أصبح الدخول إلى الحزب اليوم والخروج منه غدا والانتقال إلى آخر غيره، أمرا عاديا، بل لا يختلف عمن يغير قميصه بين عشية وضحاها، ومع ذلك لا يخجل من (تخراج العينين).
والمناضل الاستقلالي الحاج عزوز عامر (والد الصديق الخليل عامر)، هو واحد من هؤلاء "المؤمنين" الذين ترجموا إيمانهم ميدانيا بأداء "الفرائض" و"الشعائر" النضالية من حضور والتزام وجري وغدو ورواح وتضحية بالوقت والجهد وما ملكت اليد، كما كان يؤدي فرائضه وواجباته الدينية، مع فارق أن الثانية كان يؤديها امتثالا لربه وسعيا إلى الظفر بمقعد في الجنة، بينما الأولى كان يؤديها دون انتظار جزاء، اللهم من مقعد متخشب في جوار صف معارض في مجلس متخشب لن يطعمه من جوع ولن يؤمنه من خوف على عقارات وضيعات وأرصدة لا يملك منها سوى حبه لأبنائه وولهه بالمتعة التي يجدها حين يكون إلى جانب رفاقه وهم يشعرون أنهم يقومون بشيء لا يقوم به بقية الناس..
استقر الحاج عزوز عامر بابن جرير وبالضبط بحي افريقيا عام 1956 بعدما جاءها قادما من دوار "لعناكير" بالرحامنة الجنوبية. وفي العام ذاته التحق بحزب الاستقلال حيث سيجاور السي عبد القادر الحنين والسي محمد الطاهري بن الطاهر والسي بنعمر الباهية والسي عبد الله بوستة. ومن تم سينطلق مساره السياسي منخرطا في معارك الوجود ضد الحركة الشعبية ممثلة في زعيمها الحاج كبور الشعيبي، ولعل أشهر تلك المعارك هي التي دارت رحاها ببوشان بين الاستقلاليين والحركيين، والتي شهدت عراكا بدنيا مباشرا في السوق الأسبوعي (اثنين بوشان) استعملت فيها الحجارة، وانتهت باعتقال مدبر للسي عبد القادر الحنين لمدة أكثر من خمسة عشر يوما بدوافع لها علاقة بالتحضير لإقالة رئيس المجلس القروي لابن جرير (الحاج كبور عن الحركة الشعبية).
خاض الحاج عزوز أولى تجاربه الانتخابية بقميص حزب الاستقلال سنة 1976، وفاز بمقعد عن إحدى الدوائر في المجلس القروي لابن جرير، وشكل مع رفاقه سالفي الذكر معارضة لأغلبية الحركة الشعبية.
كرر ترشحيه مرة ثانية للانتخابات الجماعية لسنة 1983، السنة التي تميزت بميلاد حزب جديد في عيادة الطبيب المولد وزير الداخلية ادريس البصري، وسماه (الاتحاد الدستوري) وصبغه بلون البرتقال، ووضع على رأس قيادته الأستاذ المعطي بوعبيد الذي عينه الملك الحسن الثاني وزيرا أولا، بعد أن بوأته صناديق التزوير المرتبة الأولى. وهو ما سيحدث في حادثة طريفة ومضحكة، لما ستدفع السلطة في ابن جرير بأحد الأشخاص المحسوبين على هذا الحزب الجديد، المرحوم (م.ب) إلى الترشح في الدائرة التي ترشح فيها الحاج عزوز بغية الإطاحة به، وهو ما تم بالفعل حيث فاز مرشح السلطة كما أرادت نفس السلطة. ومن غرائب تلك الحادثة التي تبدو طبيعية وعادية في انتخابات مغرب الأمس واليوم، أن المرشح الفائز بين ألف قوس، غير مسجل بالمرة في اللوائح الانتخابية !!! كما أكد بنفسه للحاج عزوز، وكما اعترف له القائد أنه هو الفائز الحقيقي في الصندوق، إلا أن الأصابع التي تعبث بالمحاضر، كان لها نظر آخر. وزاد القائد وقال أنه كان ينفذ الأوامر.
كان من الطبيعي للحاج عزوز ولغيره من رفاقه المناضلين طليعة الحزب الميدانيين، أن يتعرض للمضايقات والاحتكاكات المدبرة من طرف الخصوم/ الأعداء، وستطوله تلك المضايقات في عمله، إلا أنه بقي صامدا وفيا لحزب الاستقلال الذي بقي وفيا له ولم يتزحزح عنه إلى أن وافاه الأجل في مكة وهو يؤدي مناسك الحج حيث ووري جثمانه الثرى هناك سنة 2003.
وإن كان من شيء يكبر في مناضل حقيقي كالحاج عزوز إضافة إلى صرامته مع نفسه ومع محيطه فيما لا يتجاوز الحدود، فهو بكل تأكيد صموده لمدة نصف قرن في حزب لم يكن يطمح فيه أن يكون وزيرا بقدر ما كان لا يحرجه لا هو ولا بعض أصدقائه القدامى، أن يبقى غفيرا حارسا أمينا لما كان يعتبره مبادئ لا يحيد عنها (يطلع اللي بغى يطلع، وينزل اللي بغى ينزل).
بكل تأكيد، سيكون أبناؤه في غاية الانشراح والفخر، وسيكون هو في غاية الاطمئنان والسكينة.
لست ربوت