من ذاكرة المشهد السياسي بابن جرير: المرحوم امبارك الباهي: هو التقدم والاشتراكية، والتقدم والاشتراكية هي السي امبارك. بقلم عبد الكريم التابي

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من ذاكرة المشهد السياسي بابن جرير: المرحوم امبارك الباهي: هو التقدم والاشتراكية، والتقدم والاشتراكية هي السي امبارك. بقلم عبد الكريم التابي

من ذاكرة المشهد السياسي بابن جرير: المرحوم امبارك الباهي: هو التقدم والاشتراكية، والتقدم والاشتراكية هي السي امبارك. بقلم عبد الكريم التابي

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏لقطة قريبة‏‏‏أحيانا يخيل إلي أن حي "افريقيا" بابن جرير الذي ترعرعنا وكبرنا فيه، يكاد يشبه الحي المحمدي بالدارالبيضاء، باعتباره موطنا لأهل الفن والمغنى والثقافة والرياضة والمسرح والذكريات الجميلة مع فريق "الطاس" ومع المجموعات الشبابية "الغيوان" و"لمشاهب" و"السهام"، ومع الذكريات المؤلمة مع المعتقل سيء الذكر (مولاي الشريف) حيث تمت في قبوه وممراته أبشع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومورس فيه أقسى ما يمكن تصوره في حق مناضلي زمن الجمر والرصاص.
ولا غرابة إذا ما نبشنا في تاريخ حي افريقيا، ووجدنا أن كثيرا من المجموعات الغنائية الشعبية كانت هناك، وأن الحركة الثقافية والسينمائية انطلقت من هناك، وأن أول مكتبة غير رسمية أنشئت هناك، وأن أول الحبو الماركسي اللينيني ابتدأ من هناك، وأن أول منشور مطبوع في الصحافة برز من هناك، وأن أول مجموعة غيوانية ولدت هناك، وأن كثيرا من مشاهير لعبة الرونضة ولعب الورق الشعبية مروا من هناك، وأن عددا من لصوص رحبة الأغنام استوطنوا هناك.وأن أول فريق للأحياء قاطع دوريات رسمية بمناسبة أعياد عرش الحسن الثاني كان من هناك، وأن أول مجهولي المصير بعد انتفاضة الدارالبيضاء سنة 1981، كان من هناك وهو الشهيد ادريس كاكا.
من هذا العالم السفلي وفيه، سيظهر المرحوم امبارك الباهي الذي يوجد بيت والدته الحاجة (راضية) في منتصف افريقيا ، غير بعيد عن بيت قريبه الاستقلالي السي بنعمر الباهية الذي يوجد في الطرف الجنوبي الأقصى، وبالضبط في مقدمة افريقيا الأولى حيث يوجد منزلنا. وعلى عكس الروح المتمردة لكثير من شباب الحي لذلك الزمن، سينحو السي امبارك منحى غريبا في بداية مساره السياسي، حيث سيطرح نفسه منشطا للحفلات الرسمية التي كانت السلطة تنظمها في كل ربوع المغرب بمناسبة أعياد العرش والشباب والمسيرة وخلافها.
وكان المرحوم ساعتها يجدها فرصة لاستعراض بنية جسده الممتلئة التي يغلفها بما يروق له من ملابس موضة ذلك الزمن، كما يستعرض بعض الجمل والعبارات الممجدة للذكرى وللعرش وللجالس على العرش وسلالته، كما كانت عليه الحال في ذلك العهد "الزاهر" بالأغاني والمسرحيات والملاحم التي تعد في ظرف زمني قياسي كوجبات الهمبرغر.
مع ظهور حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي صنعته الدولة عشية انتخابات 1976، كما صنعت جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (الفديك) قبله، وصنعت بعده الاتحاد الدستوري سنة 1983، وحزب الأصالة والمعاصرة سنة 2009، سيرتبط السي امبارك الباهي بجريدة "الميثاق" التي كانت لسان حال التجمع، وسيعمل مراسلا لها على الرغم من كون الأعداد التي توزعها شركة سابريس، لم تكن تتجاوز بضعة أعداد محسوبة على رؤوس أصابع اليد الواحدة، حيث يقتني السي امبارك عددا، والسلطة عددا، فيما الباقي يعود مع المرجوعات.
سيمضي زمن وسيلتحق المرحوم بحزب التقدم والاشتراكية على عهد المرحوم علي يعتة، وسيؤسس الفرع المحلي، وسيترشح للانتخابات التشريعية والجماعية التي قد يكون فاز بمقعد فيها في أحد المجالس القروية التي يوجد الدوار الذي تتحدر منه أسرته، كما سيصبح من وقتها المراسل المعتمد لجريدة "بيان اليوم" الذي كانت له من خلالها جولات متبادلة مع بعض مسؤولي السلطة آنذاك وخاصة القائد سليط اللسان المسمى "المعطي البقال" الذي أنهى مشواره عاملا على أحد الأقاليم قبل إعفائه.
ونظرا للعلاقات التي اكتسبها المرحوم السي امبارك داخل حزب التقدم والاشتراكية، ونظرا لكثير من الجهد الذي بذله في الحفاظ على الحزب في ابن جرير، فقد ارتقى في سلم المواقع الحزبية، وتم انتخابه عضوا للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، إلى غاية الانشقاق الذي أفضى إلى خروج مجموعة المرحوم التهامي الخياري الذي أسس له ادريس البصري حزبا سماه جبهة القوى الديمقراطية، والتي انضم إليه السي امبارك إن لم تخنني الذاكرة، لأنني كنت ألتقيه كثيرا وأنا في طريقي إلى المدرسة، ونتبادل الحديث في أحوال السياسة، وكان يردد كثيرا بعض مواقف وأقوال التهامي الخياري الذي كان يناديه بالرفيق "التامي".
لم يغب المرحوم عن بعض المحطات في تاريخ ابن جرير، فكان واحدا من أعضاء مكتب الولاية الثانية لجمعية الإقلاع الثقافي التي ساهم فيها بما استطاعت يداه إلى ذلك سبيلا.
قبل قليل اتصلت بنجل السي امبارك، طارق عزيز الباهي الذي لا يعلم شيئا عن مضامين هذا النبش في بعض من ذاكرة والده، من أجل موافاتي بصورة له لأنني فقدتها في الحساب السابق المسروق، فأعلمني بأسف أن جهة ما كانت وعدته بتكريم والده، إلا أنها لم تفعل. فهل قدرنا أن نمضي في صمت وندخل عالم النسيان بمجرد الانتهاء من العشاء الأخير وقراءة الفاتحة والدعاء للفقيد بالرحمة والغفران.
عندما تدخلون من الباب الرئيسي لمقبرة العزوزية بابن جرير، وتمشون بضع خطوات في الممر الرئيسي، ستجدون على اليسار قبرا على لوحته الرخامية "هذا قبر المرحوم امبارك الباهي".
لروحه السكينة والسلام.
بقلم عبد الكريم التابي

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button