إذا كان الجيل الأول لما بعد الاستقلال، يقول عن نفسه ويقولعنه من كان نتاجا لذلك الجيل في عديد من المؤسسات العمومية، أنه في غالبيته وصم بالجدية والاستقامة والتفاني في العمل وتقدير الواجب حق قدره، فإنه في نفس الوقت عرف حالات أكثر "تطرفا" في الإخلاص للعمل والصرامة في الحرص على أن يكون ذلك العمل وفق معايير تحترم المرفق والمرتفق والخدمة المطلوبة فحسب، بل تقدسها وتوثرها على النفس وحقوقها في الراحة والاطمئنان.
وفي مجتمع تتسرطن فيه قيم تحقير العمل والمتفانين فيه، فإن من يصر على أن يكون على غير ثقافة التتفيه والتحقير السائدة، ينظر إليه بعين السخط على الرغم من كون الجماعة التي تنتصر لقيم التبخيس، تدرك في قرارة نفسها، أن ما يقوم به ذلك الشخص الذي يسمى شاذا أو حالة استثنائية، هو القاعدة الطبيعية وأن سواها هو الشذوذ.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فالمرحوم السي عمر البلالي الذي فاقت شهرته مرتادي المدرسة من فئات التلاميذ والتلميذات وباقي الفاعلين التربويين، واستقرت في كل بيوت ابن جرير، ولاكتها ألسنة النساء والرجال الذين لم يجدوا له من لقب سوى "عنترة" أو السي عنترة لمن لا يعرف اسمه الكامل. وقد تكون بشرته السمراء وبنيته القوية وصرامته، هي المقادير الوصفية التي على أساسها تحول السي عمر إلى عنترة ترتعد منه الفرائص، على الرغم من أن الجوهر داخله وفيه ليس بتلك التمثلات الخاطئة عند الكثيرين، (فالسي عمر) هو حالة مشخصة بما فيه الكفاية لذلك المربي/ المسؤول الذي نذر حياته وراحته لتصريف قناعته الوطنية التي تهدف في المقام الأول والأخير إلى ضرورة توفير تعليم جيد لكل أبناء الشعب بما يضمن حقوقهم الكاملة في التربية والتعليم وفق قيم مثلى تتمثل في الجد بلا تهاون والمواظبة بلا تغيب أو تأخر والنظام بلا فوضى ولا إزعاج والعدالة بلا تمييز.
انخرط السي عمر البلالي ـ الذي ولد عام 1933 وعاش إلى جوار المرحوم السي أحمد لحمادي في بيت السي بلمحجوب والد هذا الأخير ـ في سلك التعليم الابتدائي سنة 1952 باليوسفية. وفي سنة 1956 بالمدرسة الابتدائية بابن جرير على عهد المديرين السي أحمد الطرومباتي والسي التادلاوي. في الموسم الدراسي 65/ 66، سينتدب للعمل بالكوليج مدرسا للغة العربية، إلى أن غادر إلى ثانوية شاعر الحمراء بمراكش حيث سيعمل حارسا عاما هناك إلى جانب السي امبارك بلخراز أحد تلامذته القدامى بالقسم المتوسط الأول بالمدرسة الابتدائية بابن جرير في الموسمين الدراسيين 57/58 و 58/59. وفي سنة 1981 سيتحمل مسؤولية إدارة الكوليج.
وبعد أن بدأ الظلام يتسلل إلى عينيه، وبعد أن لم تكلل العمليات التي أجراها بالنجاح، وفقد بصره بالكامل، كان ضروريا أن يترك مهام الإدارة عام 1988، لينتقل إلى مراكش بإحدى الثانويات كحارس عام بلا مهام إلى أن توفي سنة 1993، تاركا وراءه نموذجا إيجابيا للمربي الناجح والمعلم الناجح والإداري الناجح والمواطن الناجح الذي قدر المدرسة العمومية حق قدرها، وأعطاها من وقته ووقت أسرته وصحته البدنية والنفسية ما يجمع عليها الناس ويجتمعون حتى من كانوا يرون عكس ما يرى، وحتى من كانوا يعتبرونه متطرفا في التطرف انتصارا لما يراه عدالة وتدبيرا رشيدا مادام يصون حقوق التلاميذ في التحصيل وتوفير شروط الإقامة المناسبة للداخليين دون أن يكون لأي كان وتحت أية مبررات كانت التعدي على دقيقة من الوقت وغرام من اللحم، أو حفنة من الدقيق وغيرها من الأطعمة التي تعتبر في نظر السي البلالي خطا أحمر لا يحق المساس به.
لم يكن السي عمر البلالي محايدا وبعيدا عن المشهد السياسي، بل انخرط مبكرا في حزب الاستقلال في زمنه مع الأولين، وظل مناضلا في صفوفه، ملتزما بحضور اجتماعاته ومؤتمراته وأنشطته، حتى أعوزه اختفاء البصر. كما أن السي عمر مر من تجربة الكتابة الصحفية كمراسل لجريدة العلم.
في مساره التعليمي داخل حجرات الدرس قصص وحكايات سيرويها بلا شك تلامذته. ومن موقعه كمدير قصص وحكايات بعضها يدخل في باب : ( Incroyable, mais c’est vrai ) ومنها ما يحكيه السي امبارك بلخراز لما كان حارسا عاما على عهد إدارة الكوليج من طرف السي عمر. ذلك أن السي البلالي كان يوقظه يوميا على الساعة السادسة صباحا ليرافقه إلى القسم الداخلي ليوقظ التلاميذ حتى يكون الجميع على أتم الاستعداد للقيام بما يكون واجبا مدرسيا ولتناول وجبة الفطور ثم الالتحاق بالأقسام.
أما عن مراقبة المواد الغذائية، فقد كان يقف شخصيا على عملية الوزن حسب المعايير المعتمدة، ولا يترك أية فرصة للتلاعب في ما يقدم إلى التلاميذ الداخليين. وقد بلغت به النزاهة ونقاء الذمة مستوى من المثالية لا يصدق حين يرفض شرب "جغمة" ماء من صنابير القسم الداخلي، لأنه حسب قناعته يعتبرها سطوا على شيء لا حق له فيه، ولا يشرب إلا حينما يعود إلى مكتبه.
ولعل أهم إجراء جلب عليه ردود فعل غاضبة، هي لما كان يغلق باب المؤسسة عند الثامنة (صفر صفر)، ويمنع أي أستاذ كيفما كان من الدخول شأنه شأن باقي التلاميذ. وكان يبرر إجراءه بأن الأستاذ ينبغي أن يعطي المثال الإيجابي للتلميذ، وقيمة الوقت واحترامه تنطبق على الجميع ولا مفاضلة فيها بين هذا وذاك.
لروحه كل السكينة والسلام.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فالمرحوم السي عمر البلالي الذي فاقت شهرته مرتادي المدرسة من فئات التلاميذ والتلميذات وباقي الفاعلين التربويين، واستقرت في كل بيوت ابن جرير، ولاكتها ألسنة النساء والرجال الذين لم يجدوا له من لقب سوى "عنترة" أو السي عنترة لمن لا يعرف اسمه الكامل. وقد تكون بشرته السمراء وبنيته القوية وصرامته، هي المقادير الوصفية التي على أساسها تحول السي عمر إلى عنترة ترتعد منه الفرائص، على الرغم من أن الجوهر داخله وفيه ليس بتلك التمثلات الخاطئة عند الكثيرين، (فالسي عمر) هو حالة مشخصة بما فيه الكفاية لذلك المربي/ المسؤول الذي نذر حياته وراحته لتصريف قناعته الوطنية التي تهدف في المقام الأول والأخير إلى ضرورة توفير تعليم جيد لكل أبناء الشعب بما يضمن حقوقهم الكاملة في التربية والتعليم وفق قيم مثلى تتمثل في الجد بلا تهاون والمواظبة بلا تغيب أو تأخر والنظام بلا فوضى ولا إزعاج والعدالة بلا تمييز.
انخرط السي عمر البلالي ـ الذي ولد عام 1933 وعاش إلى جوار المرحوم السي أحمد لحمادي في بيت السي بلمحجوب والد هذا الأخير ـ في سلك التعليم الابتدائي سنة 1952 باليوسفية. وفي سنة 1956 بالمدرسة الابتدائية بابن جرير على عهد المديرين السي أحمد الطرومباتي والسي التادلاوي. في الموسم الدراسي 65/ 66، سينتدب للعمل بالكوليج مدرسا للغة العربية، إلى أن غادر إلى ثانوية شاعر الحمراء بمراكش حيث سيعمل حارسا عاما هناك إلى جانب السي امبارك بلخراز أحد تلامذته القدامى بالقسم المتوسط الأول بالمدرسة الابتدائية بابن جرير في الموسمين الدراسيين 57/58 و 58/59. وفي سنة 1981 سيتحمل مسؤولية إدارة الكوليج.
وبعد أن بدأ الظلام يتسلل إلى عينيه، وبعد أن لم تكلل العمليات التي أجراها بالنجاح، وفقد بصره بالكامل، كان ضروريا أن يترك مهام الإدارة عام 1988، لينتقل إلى مراكش بإحدى الثانويات كحارس عام بلا مهام إلى أن توفي سنة 1993، تاركا وراءه نموذجا إيجابيا للمربي الناجح والمعلم الناجح والإداري الناجح والمواطن الناجح الذي قدر المدرسة العمومية حق قدرها، وأعطاها من وقته ووقت أسرته وصحته البدنية والنفسية ما يجمع عليها الناس ويجتمعون حتى من كانوا يرون عكس ما يرى، وحتى من كانوا يعتبرونه متطرفا في التطرف انتصارا لما يراه عدالة وتدبيرا رشيدا مادام يصون حقوق التلاميذ في التحصيل وتوفير شروط الإقامة المناسبة للداخليين دون أن يكون لأي كان وتحت أية مبررات كانت التعدي على دقيقة من الوقت وغرام من اللحم، أو حفنة من الدقيق وغيرها من الأطعمة التي تعتبر في نظر السي البلالي خطا أحمر لا يحق المساس به.
لم يكن السي عمر البلالي محايدا وبعيدا عن المشهد السياسي، بل انخرط مبكرا في حزب الاستقلال في زمنه مع الأولين، وظل مناضلا في صفوفه، ملتزما بحضور اجتماعاته ومؤتمراته وأنشطته، حتى أعوزه اختفاء البصر. كما أن السي عمر مر من تجربة الكتابة الصحفية كمراسل لجريدة العلم.
في مساره التعليمي داخل حجرات الدرس قصص وحكايات سيرويها بلا شك تلامذته. ومن موقعه كمدير قصص وحكايات بعضها يدخل في باب : ( Incroyable, mais c’est vrai ) ومنها ما يحكيه السي امبارك بلخراز لما كان حارسا عاما على عهد إدارة الكوليج من طرف السي عمر. ذلك أن السي البلالي كان يوقظه يوميا على الساعة السادسة صباحا ليرافقه إلى القسم الداخلي ليوقظ التلاميذ حتى يكون الجميع على أتم الاستعداد للقيام بما يكون واجبا مدرسيا ولتناول وجبة الفطور ثم الالتحاق بالأقسام.
أما عن مراقبة المواد الغذائية، فقد كان يقف شخصيا على عملية الوزن حسب المعايير المعتمدة، ولا يترك أية فرصة للتلاعب في ما يقدم إلى التلاميذ الداخليين. وقد بلغت به النزاهة ونقاء الذمة مستوى من المثالية لا يصدق حين يرفض شرب "جغمة" ماء من صنابير القسم الداخلي، لأنه حسب قناعته يعتبرها سطوا على شيء لا حق له فيه، ولا يشرب إلا حينما يعود إلى مكتبه.
ولعل أهم إجراء جلب عليه ردود فعل غاضبة، هي لما كان يغلق باب المؤسسة عند الثامنة (صفر صفر)، ويمنع أي أستاذ كيفما كان من الدخول شأنه شأن باقي التلاميذ. وكان يبرر إجراءه بأن الأستاذ ينبغي أن يعطي المثال الإيجابي للتلميذ، وقيمة الوقت واحترامه تنطبق على الجميع ولا مفاضلة فيها بين هذا وذاك.
لروحه كل السكينة والسلام.
لست ربوت