قبل البدء: ( كنت سأخصص منشور اليوم لذاكرة حركة التمرد التلاميذية ب "كوليج" ابن جرير زمن نهاية الستينيات، اعتبارا لكونها أول إضراب تشهده (الثانوية) منذ نشأتها، ولكن حينما اطلعت بالعين والأذن على كلمة عامل إقليم الرحامنة من خلال شريط فيديو من داخل المستشفى الإقليمي بابن جرير، غيرت مقبض الشراع من الزمن الذي راح إلى الزمن الذي لازال "يتركل" بين أرجلنا، ودمه لازال ساخنا فوارا، وآثرت "العدمية" الحية على التمرد الذي "مات" وشبع موتا).
أن يقول عامل إقليم الرحامنة في خطوة استباقية للوقفة الاحتجاجية التي ستنظم على خلفية الأوضاع المزرية التي يعرفها قطاع الصحة بالإقليم كباقي مدن وقرى المغرب، أن تلك الاحتجاجات يؤججها العدميون والتيئيسيون، فهذا التصريح وأشباهه عند مسؤولي الدولة، أضحى أمرا عاديا لتبرير العجز عن السياسات الفاشلة في كثير من القطاعات، وعلى رأسها قطاعا التربية الوطنية والصحة العمومية، مادام أنه سبق لرئيس الدولة نفسه (ملك البلاد) أن أعلن عنه في خطاب العرش ليوم 29 يوليوز من السنة الفارطة قائلا: (المغاربة الأحرار لن يسمحوا لدعاة السلبية والعدمية وبائعي الأوهام باستغلال بعض الاختلالات، لتبخيس المكاسب والمنجزات التي حققها المغرب )، ولكن أن يتجاوز عامل الإقليم ذلك، ويعتبر أن لا مكان لأولئك "العدميين" و"التيئيسيين" داخل الوطن، فهذا كلام تحريضي خطير، لا يليق بمسؤول يفترض فيه أن ينصت لجميع الآراء والتوجهات مهما بلغت حدتها، لأن الأمر ليس اختلافا حول تدبير مرفق بسيط تشوبه بعض الاختلالات، ولكن الأمر يتعلق بقطاعين يساهمان بفشل الدولة كلها في أن يتذيل المغرب ترتيب باقي دول المعمور في سلم التنمية، ويراوح رتبته المتأخرة 126 عالميا لسنين طويلة بعد دول تعاني الحروب وعدم الاستقرار.
ورجوعا إلى اللحظات التي تم فيها تصريف "تهمة" العدمية في ابن جرير، تحضرني الانتخابات الجزئية لشغل مقعد البرلماني المتوفى الحاج كبور الشعيبي عن الحركة الشعبية سنة 1995، والتي ترشح فيها السيد فؤاد عالي الهمة لا منتميا، وتحركت إلى جانبه السلطات الإقليمية (عامل إقليم القلعة عمر الحضرمي آنذاك) والسلطات المحلية بكل أعوانها وطواقمها، لدعمه ومساندته بالطرق المعلومة، ما حدا بالأمين العام لحزب الاستقلال المرحوم امحمد بوستة إلى بعث رسالة احتجاج إلى الوزير الأول، كما تقدم الفريقان البرلمانيان الاتحادي والاستقلالي بسؤال آني في مجلس النواب حول الخروقات التي تعرفها دائرة الرحامنة بالدعم المكشوف لوزارة الداخلية لفائدة مرشحها السيد الهمة. ومن جانبه أصدر الفرع المحلي لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي (الحزب الاشتراكي الموحد حاليا) بيانا يدعو فيه إلى مقاطعة تلك الانتخابات للأسباب ذاتها. وليدحض هذا الأخير في حملته وتجمعاته احتجاجات (الاتحاد والاستقلال)، فلم يكن يجد من مصطلحات لتبرير اتهاماتهما سوى أن يصرح في التجمعات الخطابية، أن ما يقال من خروقات، ما هو إلا عدمية صادرة عن أشخاص عدميين لم يعودوا يملكون من أفكار وبرامج سوى لغة الخشب.
في صيف سنة 2005 أو 2006، شهدت ابن جرير موجة انقطاعات مستديمة للماء الشروب، جزئيا في كثير من الأحياء، وكليا في أحياء بعينها، ما خلف استياء عميقا وأضرارا بالغة وشعورا بالحكرة في نفوس الساكنة، عبرت عنها عرائض وشكايات التنديد وبيانات الاستنكار التي كانت تصدرها لجنة التنسيق للدفاع عن الخدمات العمومية التي تشكلت من عدد من التعبيرات المدنية.
ولما بلغت الاحتجاجات أوجهها، تنقل عامل إقليم القلعة التي كانت الرحامنة تابعة لنفوذها الإداري والترابي، على وجه الاستعجال إلى ابن جرير، وعقد لقاء موسعا مع المحتجين بمقر بلدية ابن جرير على عهد السيد محمد العيادي، وعوض أن يبادر إلى السعي لإيجاد حلول مستعجلة لما يعانيه الناس من قطع وانقطاع للماء في عز ذلك الصيف الحار، استهل كلمته بنفس ما استهل به العامل الحالي على إقليم الرحامنة عزيز بوينيان: ( أ سمعو الله يجازيكم بخير. راه هاد المشاكل والصداع اللي كاين ف المدينة، من وراه ربعة (4) ديال العدميين يساريين معروفين (في إشارة إلي وإلى خالد مصباح واثنين آخرين لا أذكرهما).
وكان كلما أخذ أحد من الحاضرين الكلمة، وبدأ يبسط السياق والنتائج، يتدخل العامل وينبهه (الى كنتي غادي غادي تدوي عل الما، دوي. وإلى كنتي غادي تبدا تدوي على شي حاجة أخرى، سكت). ولما جاء دوري، قلت له: ( أنا ما غاديش ندوي على الما هو الأول قبل ما ندوي على العدميين، وإلى كان كل واحد كيحل الروبيني وما يلقى حتى قطرة ديال الما، ويحتج ويغوت، وتسميه نت عدمي، فأنا يشرفني أن أكون عدميا. ودابا نجي للما. هداك المشكيل كيتسبب فيه الاستنزاف المفرط للفرشة المائية ديال صحاب الفيرمات المتنفذين الكبار ف الدولة من جنرالات وغيرهم. فسألني: كول لي سمياتهم. فقلت له: راك عارفهم وأنا عارفهم. فأجابني: هادوك راه غير شي عساكرية صغار). ومن جهته، (داك الشي اللي نسيت أنا وما كلتوش، كمل ليه مصباح البقية، وما بقاش حتى هو غير فمشكل الما، ولكن بدا يتكلم على اليسار ونضالات اليسار بتلك الحدة المعروفة على خالد). تسمر العامل كلموس في مكانه، ولكي يخرج من المأزق الذي وضع فيه نفسه، قال للحاضرين: (كولنا كنشهدو لليسار واليساريين بالنضالات الصادقة ديالهم، كاع المغاربة يساريين. واش كاين شي واحد هنا ما داز ف اليسار؟). صمتت القاعة كلها، بينما رفع عبد الهادي هيدان المستشار الحالي عن العدالة والتنمية ببلدية ابن جرير أصبعه وقال: أنا.
قد يبدو ما عبر عنه العامل محمد كلموس مستساغا للنقاش وأن يعتبر الاحتجاجات نوعا من العدمية كما يرددها كل المسؤولين الفاشلين في كل القطاعات، ولكن أن يأتي العامل عزيز بوينيان الذي رفعه كثير من الطبالين والزمارين والغياطين إلى درجة العبقري والمدبر الذي لا يشق له غبار، وينزع عن أصحاب الرأي المختلف الذين وصفهم بالعدميين صفة المواطنة، ويقول أن لا مكان لهم في هذا الوطن تحت تصفيقات الحاضرين، فذلك تصريح خطير يحتاج من الديمقراطيين واليساريين والحقوقيين والفعاليات المدنية الجمعوية والثقافية الحية، ألا تكتفي بالاستهجان، بل تعتبر نزع المواطنة عن الأغيار المختلفين نقطة رئيسة في جدول الأعمال.
ورجوعا إلى اللحظات التي تم فيها تصريف "تهمة" العدمية في ابن جرير، تحضرني الانتخابات الجزئية لشغل مقعد البرلماني المتوفى الحاج كبور الشعيبي عن الحركة الشعبية سنة 1995، والتي ترشح فيها السيد فؤاد عالي الهمة لا منتميا، وتحركت إلى جانبه السلطات الإقليمية (عامل إقليم القلعة عمر الحضرمي آنذاك) والسلطات المحلية بكل أعوانها وطواقمها، لدعمه ومساندته بالطرق المعلومة، ما حدا بالأمين العام لحزب الاستقلال المرحوم امحمد بوستة إلى بعث رسالة احتجاج إلى الوزير الأول، كما تقدم الفريقان البرلمانيان الاتحادي والاستقلالي بسؤال آني في مجلس النواب حول الخروقات التي تعرفها دائرة الرحامنة بالدعم المكشوف لوزارة الداخلية لفائدة مرشحها السيد الهمة. ومن جانبه أصدر الفرع المحلي لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي (الحزب الاشتراكي الموحد حاليا) بيانا يدعو فيه إلى مقاطعة تلك الانتخابات للأسباب ذاتها. وليدحض هذا الأخير في حملته وتجمعاته احتجاجات (الاتحاد والاستقلال)، فلم يكن يجد من مصطلحات لتبرير اتهاماتهما سوى أن يصرح في التجمعات الخطابية، أن ما يقال من خروقات، ما هو إلا عدمية صادرة عن أشخاص عدميين لم يعودوا يملكون من أفكار وبرامج سوى لغة الخشب.
في صيف سنة 2005 أو 2006، شهدت ابن جرير موجة انقطاعات مستديمة للماء الشروب، جزئيا في كثير من الأحياء، وكليا في أحياء بعينها، ما خلف استياء عميقا وأضرارا بالغة وشعورا بالحكرة في نفوس الساكنة، عبرت عنها عرائض وشكايات التنديد وبيانات الاستنكار التي كانت تصدرها لجنة التنسيق للدفاع عن الخدمات العمومية التي تشكلت من عدد من التعبيرات المدنية.
ولما بلغت الاحتجاجات أوجهها، تنقل عامل إقليم القلعة التي كانت الرحامنة تابعة لنفوذها الإداري والترابي، على وجه الاستعجال إلى ابن جرير، وعقد لقاء موسعا مع المحتجين بمقر بلدية ابن جرير على عهد السيد محمد العيادي، وعوض أن يبادر إلى السعي لإيجاد حلول مستعجلة لما يعانيه الناس من قطع وانقطاع للماء في عز ذلك الصيف الحار، استهل كلمته بنفس ما استهل به العامل الحالي على إقليم الرحامنة عزيز بوينيان: ( أ سمعو الله يجازيكم بخير. راه هاد المشاكل والصداع اللي كاين ف المدينة، من وراه ربعة (4) ديال العدميين يساريين معروفين (في إشارة إلي وإلى خالد مصباح واثنين آخرين لا أذكرهما).
وكان كلما أخذ أحد من الحاضرين الكلمة، وبدأ يبسط السياق والنتائج، يتدخل العامل وينبهه (الى كنتي غادي غادي تدوي عل الما، دوي. وإلى كنتي غادي تبدا تدوي على شي حاجة أخرى، سكت). ولما جاء دوري، قلت له: ( أنا ما غاديش ندوي على الما هو الأول قبل ما ندوي على العدميين، وإلى كان كل واحد كيحل الروبيني وما يلقى حتى قطرة ديال الما، ويحتج ويغوت، وتسميه نت عدمي، فأنا يشرفني أن أكون عدميا. ودابا نجي للما. هداك المشكيل كيتسبب فيه الاستنزاف المفرط للفرشة المائية ديال صحاب الفيرمات المتنفذين الكبار ف الدولة من جنرالات وغيرهم. فسألني: كول لي سمياتهم. فقلت له: راك عارفهم وأنا عارفهم. فأجابني: هادوك راه غير شي عساكرية صغار). ومن جهته، (داك الشي اللي نسيت أنا وما كلتوش، كمل ليه مصباح البقية، وما بقاش حتى هو غير فمشكل الما، ولكن بدا يتكلم على اليسار ونضالات اليسار بتلك الحدة المعروفة على خالد). تسمر العامل كلموس في مكانه، ولكي يخرج من المأزق الذي وضع فيه نفسه، قال للحاضرين: (كولنا كنشهدو لليسار واليساريين بالنضالات الصادقة ديالهم، كاع المغاربة يساريين. واش كاين شي واحد هنا ما داز ف اليسار؟). صمتت القاعة كلها، بينما رفع عبد الهادي هيدان المستشار الحالي عن العدالة والتنمية ببلدية ابن جرير أصبعه وقال: أنا.
قد يبدو ما عبر عنه العامل محمد كلموس مستساغا للنقاش وأن يعتبر الاحتجاجات نوعا من العدمية كما يرددها كل المسؤولين الفاشلين في كل القطاعات، ولكن أن يأتي العامل عزيز بوينيان الذي رفعه كثير من الطبالين والزمارين والغياطين إلى درجة العبقري والمدبر الذي لا يشق له غبار، وينزع عن أصحاب الرأي المختلف الذين وصفهم بالعدميين صفة المواطنة، ويقول أن لا مكان لهم في هذا الوطن تحت تصفيقات الحاضرين، فذلك تصريح خطير يحتاج من الديمقراطيين واليساريين والحقوقيين والفعاليات المدنية الجمعوية والثقافية الحية، ألا تكتفي بالاستهجان، بل تعتبر نزع المواطنة عن الأغيار المختلفين نقطة رئيسة في جدول الأعمال.
لست ربوت