صدر قبل أيام كتاب «قرن الديكتاتوريين»، تحت إدارة «أوليفييه غيز» عن «دار بيران» بباريس. يطرح فيه بعض الباحثين والكُتّاب مقاربة ظاهرة الديكتاتوريين في القرن العشرين ومقارنتها برموز الديكتاتوريين الجدد في القرن الحادي والعشرين: أردوغان، فيكتور أوربان...
لكن على الرغم من أن هذه الدراسات تناولت طبائع وممارسات كبار الاستبداديين في القرن العشرين، من لينين إلى ستالين إلى كاسترو إلى القذافي وصدام حسين وحافظ الأسد وماو... فإنها توقفت في امتداداتها عند ما سمته «ديكتاتورية شبكات التواصل»، وهنا يُطرح السؤال من خلال ما طُرح: هل بدأت مخاطر تحوّل هذه الشبكات إلى ديكتاتورية مطلقة؟ أي ظاهرة جديدة تذكرنا بأنظمة المخابرات والتنصت والتجسس، من نوعٍ غير مألوف يسبح في الفضاء وفي الأسلاك وبلا حدود، ومع هذا تحكُم كإمبراطورية غير منظورة نحو مليارين من البشر.
يقول «غيز» إن ديكتاتورية شبكات «جاما» في رأس القائمة تبدو أقوى من كل الدول وقادرة إلى حدٍ كبير من ضمن مخزونها تشكيل اتجاهاتٍ وميولٍ ورؤى تؤثر عميقاً في سلوك وأفكار وقناعات المليارات من الناس، ولعب دورٍ حاسمٍ أحياناً كثيرة في العمليات الانتخابية كما انتصار البريكسيت في بريطانيا، وترامب في رئاسة الولايات المتحدة، من دون أن ننسى مفاعيلها في «الربيع العربي» وفي هونج كونج حالياً...
لكن ما الذي يجعل هذه الشبكات ذات فاعلية عجائبية وسحرية، كأنما الشعوذات هنا والأحلام هناك!
يقول «غيز»: (كل الظروف والشروط المطلوبة جاهزة ليكون هذا القرن قرن الديكتاتوريين الجدد. ومن الأسباب المتراكمة ترهُّل الديمقراطيات الليبرالية الغربية، وكأنما استنفاذ ذخائرها ونماذجها لتلبية المتطلبات الراهنة المعقدة، وكذلك تطور وسائل سيطرة «البيانات الكبرى» وأدوات رقاباتها في رصد الناس وارتباطهم بمنظوماتها). وما ساعد كل ذلك على الانغراس في الواقع وفي العقول وحتى المكتسبات، وتصاعدت المناحي غير الديمقراطية وحتى الاستبدادية لدى نسب كبيرة من الشباب، سواء في أوروبا وأميركا وفي العالم كله، كما يقول الباحث «ياشا مونك»، أما «أوليفييه غيز»، فيركّز على أن هناك محاولتين تصبّان وتغذيان هذه الوجهات:«التوتاليتارية في جاما»، وتالياً في شبكات التواصل.
لكن ذلك مرتبط بأفق تلك الظواهر ووقائعها.. محاولة تغيير الطبيعة الإنسانية، خصوصاً ما يدور في رأس زوكربيرج (رئيس فيسبوك)، والخطر الكبير يكمن في محاولة خلق إنسان آخر من خلال ابتداعِ انفعالات جديدة، عبر تطبيق نظرية أن الإنسان في حاجة إلى الظهور وإلى إثبات الحضور.
زوكربيرج بات قادراً على الوصول إلى كل مرافق حياتنا الخاصة ودواخلها وأسرارها. فهو يعرف أموراً عن ملياري إنسان بتفاصيلها ودقائقها أكثر مما كان يعرف ستالين عن الشعب السوفييتي. هي أدلجة متأخرة، مستعادة بالمعنى الجديد، للتصويب على تحول السلوك الأخلاقي لتنزرع في النفوس أشكال جنوح نحو أحداثٍ محافظة ومُتزمّتة. والغريب أن يتم منع ظهور«صورة امرأة عارية» على فيسبوك ويُسمح بالمقابل بإيصال الفيديوهات الإرهابية إلى كل من يريدها...
ولا يتوقف فيسبوك عند هذه الحدود، بل كأنه يرسم ملامح امبراطوريته الخاصة بإطلاق عُملته للتداول وهي «ليبرا» ليؤكد استقلاليته كقوة عالمية.
الشبكات التواصلية والإنترنت أصبحتا ديكتاتوراً بلا منازع. لكن وراء هذه الاستبدادية جانباً أساسياً قد يجهله الناس أو يتجاهلونه. فقد نسي هؤلاء كيف تعمل هذه الشبكات، ويُقدّم «غيز» الكاتب معلوماتٍ مهمة وثمينة: «كل هذه المعطيات من أسرارٍ ومخزوناتٍ تخضع لمونتاج جديد وتوضيباتٍ مرتبة ومصنّفة تجهيزاً لبيعها. حتى الصور الفوتوغرافية معروضة للاستغلال والاستثمار والابتزاز. فتاريخ الناس وحيواتهم باتت في أيدٍ أخرى. لم يعودوا يملكونها، وكذلك خياراتهم وإراداتهم، باتت كلها في قبضةٍ ديكتاتورية شبكات التواصل وفيسبوك والإنترنت.
يقول «غيز» إن ديكتاتورية شبكات «جاما» في رأس القائمة تبدو أقوى من كل الدول وقادرة إلى حدٍ كبير من ضمن مخزونها تشكيل اتجاهاتٍ وميولٍ ورؤى تؤثر عميقاً في سلوك وأفكار وقناعات المليارات من الناس، ولعب دورٍ حاسمٍ أحياناً كثيرة في العمليات الانتخابية كما انتصار البريكسيت في بريطانيا، وترامب في رئاسة الولايات المتحدة، من دون أن ننسى مفاعيلها في «الربيع العربي» وفي هونج كونج حالياً...
لكن ما الذي يجعل هذه الشبكات ذات فاعلية عجائبية وسحرية، كأنما الشعوذات هنا والأحلام هناك!
يقول «غيز»: (كل الظروف والشروط المطلوبة جاهزة ليكون هذا القرن قرن الديكتاتوريين الجدد. ومن الأسباب المتراكمة ترهُّل الديمقراطيات الليبرالية الغربية، وكأنما استنفاذ ذخائرها ونماذجها لتلبية المتطلبات الراهنة المعقدة، وكذلك تطور وسائل سيطرة «البيانات الكبرى» وأدوات رقاباتها في رصد الناس وارتباطهم بمنظوماتها). وما ساعد كل ذلك على الانغراس في الواقع وفي العقول وحتى المكتسبات، وتصاعدت المناحي غير الديمقراطية وحتى الاستبدادية لدى نسب كبيرة من الشباب، سواء في أوروبا وأميركا وفي العالم كله، كما يقول الباحث «ياشا مونك»، أما «أوليفييه غيز»، فيركّز على أن هناك محاولتين تصبّان وتغذيان هذه الوجهات:«التوتاليتارية في جاما»، وتالياً في شبكات التواصل.
لكن ذلك مرتبط بأفق تلك الظواهر ووقائعها.. محاولة تغيير الطبيعة الإنسانية، خصوصاً ما يدور في رأس زوكربيرج (رئيس فيسبوك)، والخطر الكبير يكمن في محاولة خلق إنسان آخر من خلال ابتداعِ انفعالات جديدة، عبر تطبيق نظرية أن الإنسان في حاجة إلى الظهور وإلى إثبات الحضور.
زوكربيرج بات قادراً على الوصول إلى كل مرافق حياتنا الخاصة ودواخلها وأسرارها. فهو يعرف أموراً عن ملياري إنسان بتفاصيلها ودقائقها أكثر مما كان يعرف ستالين عن الشعب السوفييتي. هي أدلجة متأخرة، مستعادة بالمعنى الجديد، للتصويب على تحول السلوك الأخلاقي لتنزرع في النفوس أشكال جنوح نحو أحداثٍ محافظة ومُتزمّتة. والغريب أن يتم منع ظهور«صورة امرأة عارية» على فيسبوك ويُسمح بالمقابل بإيصال الفيديوهات الإرهابية إلى كل من يريدها...
ولا يتوقف فيسبوك عند هذه الحدود، بل كأنه يرسم ملامح امبراطوريته الخاصة بإطلاق عُملته للتداول وهي «ليبرا» ليؤكد استقلاليته كقوة عالمية.
الشبكات التواصلية والإنترنت أصبحتا ديكتاتوراً بلا منازع. لكن وراء هذه الاستبدادية جانباً أساسياً قد يجهله الناس أو يتجاهلونه. فقد نسي هؤلاء كيف تعمل هذه الشبكات، ويُقدّم «غيز» الكاتب معلوماتٍ مهمة وثمينة: «كل هذه المعطيات من أسرارٍ ومخزوناتٍ تخضع لمونتاج جديد وتوضيباتٍ مرتبة ومصنّفة تجهيزاً لبيعها. حتى الصور الفوتوغرافية معروضة للاستغلال والاستثمار والابتزاز. فتاريخ الناس وحيواتهم باتت في أيدٍ أخرى. لم يعودوا يملكونها، وكذلك خياراتهم وإراداتهم، باتت كلها في قبضةٍ ديكتاتورية شبكات التواصل وفيسبوك والإنترنت.
عن "الاتحاد" الإماراتية
لست ربوت