ا الفاتحة: كل التضامن مع أبناء الشعب الذين جعلوا من عذاباتهم وأجسادهم جسرا تعبره أسراب الكرامة إلى بيوت نساء ورجال التربية والتعليم. كل التضامن مع الذين واللواتي رقصت عصي الاستبداد على رؤوسهم (هن) وأضلاعهم (هن). كل التضامن مع الذين واللواتي بدل أن يشموا هواء الوطن نقيا، تجرعوا غازات اللاكريموجين. كل التضامن مع الأستاذة خديجة الكرومي التي لا تنسى واجب التضامن مع الآخرين، وواجب التنديد بالآخرين.
من حقي أن أعاتب نفسي، ومن حق الغير قارئا ومتتبعا أن يعاتبني على الحضور الضئيل شبه المنعدم للمرأة في ذاكرة ابن جرير بكل مستوياتها السياسية والثقافية والتربوية والرياضية، باستثناء استثنائي جدا وضعيف و"مجني عليه" بلا قصد أو نية عامدة، تمثل في المناضلة الاستقلالية المرحومة الحاجة فاطمة القربابية، والمناضلة الأستاذة السعدية بوخير.
هذه الحصيلة المحصورة تبقى في مطلق الأحوال ومهما تكن المبررات، غير موضوعية وغير عادلة، وهي لا تتأسس على خلاصات واستنتاجات أو موقف شخصي أو خلفية ما لصاحب النبش الذي يعلم كغيره أن البلدة التي عشنا فيها، لا يمكن أن تلد كثيرا من الرجال الذين تركوا أو هم بصدد ترك ما يذكرهم بهم الآتون، ولا تجود إلا بامرأتين ! ولكن لدواع تقليدانية مرتبطة بصعوبة الوصول إلى بعض الوجوه النسائية اعتبارا لكوني غير مستقر بابن جرير، شكلت الحاجز الرئيس في تناول مسار بعض ممن يتفق عقل وحواس كثير من سكان البلدة أنه كان (ولازال) لبعضهن أثر في ماضي وحاضر ابن جرير.
وحين تجول ببصرك في ساحات البلدة وميادينها وجمعياتها، لاشك ستبدو لك تعج بعديد من النساء اللواتي يتوزعن عبرها من خلال اهتماماتهن وانشغالاتهن، إلا أن للأمر زاوية نظر لا تضع الجميع على قدم المساواة. فلا يمكن مقارنة من يسطع نجمها بدعم من هذه الجهة أو تلك وبتوجيه من هذه الجهة أو تلك، ولا تعمل سوى على إعادة إنتاج بعض تصورات السلطة للتنمية وللمجتمع المدني الهش، المنفعل، التابع، الذي تصنعه بعجينتها وخميرتها وتخبزه في فرنها، بالاهتمام والتركيز مثلا على الجانب الإحساني الذي يغطي عيوب ونقائص الخدمة والواجب الذي يدخل في صلب مهامها سواء كانت إدارية أو منتخبة، (لا يمكن مقارنتها) بمن تحفر بأظافرها على الصخر لتنتشل منه كسرة خبز لأولادها، ولا بمن تدخل غمار معارك الديمقراطية الشاملة في جانبها السياسي أو النقابي أو الحقوقي أو الثقافي أو الاجتماعي أو التربوي التنويري وفق تصور حداثي مدني لمجتمع المواطنين كاملي المواطنة، وليس لمجتمع الرعايا، ولمنطق السلطة في خدمة المواطن وليس لمنطق المواطن في خدمة السلطة.
من زاوية النظر هاته، تبدو الأستاذة خديجة الكرومي، أستاذة الفلسفة بثانوية السلام التأهيلية، موضوع ذاكرة اليوم التي لازالت تمشي حية ( ليس بالقصد الفيزيكي) على الأرض، جديرة بأن تكون حديث من يمشي اليوم بيننا، ومن سيأتي بعدنا وينبش في سيرة وآثار من كانت له آثار تومض إشاراتها للحاضر وتتوجه إلى المستقبل.
رأت الأستاذة خديجة النور بإحدى قرى تزنيت، وشبت وترعرعت وأخذت بعض حقها في التربية والتعليم في الأسلاك الثلاثة بطانطان. ومنها إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض حيث استكملت تعليمها الجامعي. وفي أكادير ولجت مركز تكوين الأساتذة، حيث تخرجت أستاذة للفلسفة، وبعد اقترانها بالأستاذ عبد الواحد أيت الزين، وطئت أقدامها أرض الرحامنة، وانخرطت فيما يفترض أن ينخرط فيه كل من لازال عقله وأذناه يحملان أصداء النضالات الطلابية في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وكل من يعتبر أن حصوله على شدق خبز من رقم مالي للتأجير، ليس الغاية والمنى ما لم يدرك أن له أدوارا إنسانية أخرى تتمثل في أن ينعم باقي الخلق بالحرية والكرامة والعدالة والأمان الاجتماعي.
وقبل أن يشرفها زملاؤها برئاسة جمعية اتحاد أصدقاء الفلسفة بابن جرير، وتتحمل مسؤولية عضوية المكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتعليم (الكدش)، سبق للأستاذة خديجة أن تشرفت بعضوية تأسيس جمعية خريجي شعبة الفلسفة.
تسعى الأستاذة خديجة وتعاند داخل الفصل الذي تدرس فيه، وداخل المؤسسة التي تدرس بها، وفي الفضاء العام الذي تمشي فيه، كي تجعل من الفلسفة ومن التنوير لقاحا يضاف إلى اللقاحات الإجبارية غير المرتبط بسن معينة ولا بجنس معين ولا بزمن معين، لقاحا مضادا للجهل والخرافة والدجل والتفاهة التي ما فتئت تتمدد في مفاصل المجتمع. وهي مهمة شاقة تتطلب كثيرا من الصبر وطول النفس في وسط يعاني من الهشاشة الاقتصادية ومثلها مضاعف إن لم يكن أس لا نهاية من الهشاشة الثقافية.
من هذه الأدوار وتلك الوظائف، لا غرابة أن نجد الأستاذة خديجة حاضرة في كل معارك الشارع الاجتماعية والثقافية، تحتج مع المحتجين وتقف مع الواقفين وتمشي مع السائرين الباحثين عن مغرب غير المغرب الذي يطوق الاستبداد عنقه ويسعى إلى قتل روح الإبداع والاجتهاد فيه حتى لا تبقى السيادة سوى للجهل والظلام.
هي واحده من قلة قليلة جدا ممن اخترن الاصطفاف إلى جانب قضايا الشعب. لا تتخلف عن الاجتماعات، ولا تلوذ فيها إلى الصمت والانقياد. تناقش وتتفق وتعارض وتتفاعل وتنفعل وتنتقد وتنضبط بكل السماحة والطيبوبة. ولكن حين يحاول أحد أن يلطمها في خدها الأيمن، فإنها لا تدير له خدها الأيسر، بل ترد "الصرف" وبكل اللباقة المطلوبة وبكل المسؤولية المطلوبة.
في إحدى المناسبات التكريمية التي تشرفت وتفضلت جمعية اتحاد أصدقاء الفلسفة بتكريم بعض رجال ونساء التعليم (وأنا واحد منهم)، أحضرت الأستاذة خديجة بمعية رفيق دربها الأستاذ الفاضل عبد الواحد أيت الزين، كل ما توفر في خزانتهما من كتب ومجلات زادت المكان بهاء وألقا، وكان سؤال: أين الثروة؟ حديث الرواج. فقلت لهما ولمن كان واقفا جوارهما: كفوا عن البحث عنها، فها هي في بيت الأستاذة خديجة، وقد تم تهريبها في واضحة النهار وأمام أعين العسس إلى تلك الليلة الرمضانية اللطيفة التي استمر فيها المعنى والمغنى حتى آخر خيط من الفجر.
من حقي أن أعاتب نفسي، ومن حق الغير قارئا ومتتبعا أن يعاتبني على الحضور الضئيل شبه المنعدم للمرأة في ذاكرة ابن جرير بكل مستوياتها السياسية والثقافية والتربوية والرياضية، باستثناء استثنائي جدا وضعيف و"مجني عليه" بلا قصد أو نية عامدة، تمثل في المناضلة الاستقلالية المرحومة الحاجة فاطمة القربابية، والمناضلة الأستاذة السعدية بوخير.
هذه الحصيلة المحصورة تبقى في مطلق الأحوال ومهما تكن المبررات، غير موضوعية وغير عادلة، وهي لا تتأسس على خلاصات واستنتاجات أو موقف شخصي أو خلفية ما لصاحب النبش الذي يعلم كغيره أن البلدة التي عشنا فيها، لا يمكن أن تلد كثيرا من الرجال الذين تركوا أو هم بصدد ترك ما يذكرهم بهم الآتون، ولا تجود إلا بامرأتين ! ولكن لدواع تقليدانية مرتبطة بصعوبة الوصول إلى بعض الوجوه النسائية اعتبارا لكوني غير مستقر بابن جرير، شكلت الحاجز الرئيس في تناول مسار بعض ممن يتفق عقل وحواس كثير من سكان البلدة أنه كان (ولازال) لبعضهن أثر في ماضي وحاضر ابن جرير.
وحين تجول ببصرك في ساحات البلدة وميادينها وجمعياتها، لاشك ستبدو لك تعج بعديد من النساء اللواتي يتوزعن عبرها من خلال اهتماماتهن وانشغالاتهن، إلا أن للأمر زاوية نظر لا تضع الجميع على قدم المساواة. فلا يمكن مقارنة من يسطع نجمها بدعم من هذه الجهة أو تلك وبتوجيه من هذه الجهة أو تلك، ولا تعمل سوى على إعادة إنتاج بعض تصورات السلطة للتنمية وللمجتمع المدني الهش، المنفعل، التابع، الذي تصنعه بعجينتها وخميرتها وتخبزه في فرنها، بالاهتمام والتركيز مثلا على الجانب الإحساني الذي يغطي عيوب ونقائص الخدمة والواجب الذي يدخل في صلب مهامها سواء كانت إدارية أو منتخبة، (لا يمكن مقارنتها) بمن تحفر بأظافرها على الصخر لتنتشل منه كسرة خبز لأولادها، ولا بمن تدخل غمار معارك الديمقراطية الشاملة في جانبها السياسي أو النقابي أو الحقوقي أو الثقافي أو الاجتماعي أو التربوي التنويري وفق تصور حداثي مدني لمجتمع المواطنين كاملي المواطنة، وليس لمجتمع الرعايا، ولمنطق السلطة في خدمة المواطن وليس لمنطق المواطن في خدمة السلطة.
من زاوية النظر هاته، تبدو الأستاذة خديجة الكرومي، أستاذة الفلسفة بثانوية السلام التأهيلية، موضوع ذاكرة اليوم التي لازالت تمشي حية ( ليس بالقصد الفيزيكي) على الأرض، جديرة بأن تكون حديث من يمشي اليوم بيننا، ومن سيأتي بعدنا وينبش في سيرة وآثار من كانت له آثار تومض إشاراتها للحاضر وتتوجه إلى المستقبل.
رأت الأستاذة خديجة النور بإحدى قرى تزنيت، وشبت وترعرعت وأخذت بعض حقها في التربية والتعليم في الأسلاك الثلاثة بطانطان. ومنها إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض حيث استكملت تعليمها الجامعي. وفي أكادير ولجت مركز تكوين الأساتذة، حيث تخرجت أستاذة للفلسفة، وبعد اقترانها بالأستاذ عبد الواحد أيت الزين، وطئت أقدامها أرض الرحامنة، وانخرطت فيما يفترض أن ينخرط فيه كل من لازال عقله وأذناه يحملان أصداء النضالات الطلابية في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وكل من يعتبر أن حصوله على شدق خبز من رقم مالي للتأجير، ليس الغاية والمنى ما لم يدرك أن له أدوارا إنسانية أخرى تتمثل في أن ينعم باقي الخلق بالحرية والكرامة والعدالة والأمان الاجتماعي.
وقبل أن يشرفها زملاؤها برئاسة جمعية اتحاد أصدقاء الفلسفة بابن جرير، وتتحمل مسؤولية عضوية المكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتعليم (الكدش)، سبق للأستاذة خديجة أن تشرفت بعضوية تأسيس جمعية خريجي شعبة الفلسفة.
تسعى الأستاذة خديجة وتعاند داخل الفصل الذي تدرس فيه، وداخل المؤسسة التي تدرس بها، وفي الفضاء العام الذي تمشي فيه، كي تجعل من الفلسفة ومن التنوير لقاحا يضاف إلى اللقاحات الإجبارية غير المرتبط بسن معينة ولا بجنس معين ولا بزمن معين، لقاحا مضادا للجهل والخرافة والدجل والتفاهة التي ما فتئت تتمدد في مفاصل المجتمع. وهي مهمة شاقة تتطلب كثيرا من الصبر وطول النفس في وسط يعاني من الهشاشة الاقتصادية ومثلها مضاعف إن لم يكن أس لا نهاية من الهشاشة الثقافية.
من هذه الأدوار وتلك الوظائف، لا غرابة أن نجد الأستاذة خديجة حاضرة في كل معارك الشارع الاجتماعية والثقافية، تحتج مع المحتجين وتقف مع الواقفين وتمشي مع السائرين الباحثين عن مغرب غير المغرب الذي يطوق الاستبداد عنقه ويسعى إلى قتل روح الإبداع والاجتهاد فيه حتى لا تبقى السيادة سوى للجهل والظلام.
هي واحده من قلة قليلة جدا ممن اخترن الاصطفاف إلى جانب قضايا الشعب. لا تتخلف عن الاجتماعات، ولا تلوذ فيها إلى الصمت والانقياد. تناقش وتتفق وتعارض وتتفاعل وتنفعل وتنتقد وتنضبط بكل السماحة والطيبوبة. ولكن حين يحاول أحد أن يلطمها في خدها الأيمن، فإنها لا تدير له خدها الأيسر، بل ترد "الصرف" وبكل اللباقة المطلوبة وبكل المسؤولية المطلوبة.
في إحدى المناسبات التكريمية التي تشرفت وتفضلت جمعية اتحاد أصدقاء الفلسفة بتكريم بعض رجال ونساء التعليم (وأنا واحد منهم)، أحضرت الأستاذة خديجة بمعية رفيق دربها الأستاذ الفاضل عبد الواحد أيت الزين، كل ما توفر في خزانتهما من كتب ومجلات زادت المكان بهاء وألقا، وكان سؤال: أين الثروة؟ حديث الرواج. فقلت لهما ولمن كان واقفا جوارهما: كفوا عن البحث عنها، فها هي في بيت الأستاذة خديجة، وقد تم تهريبها في واضحة النهار وأمام أعين العسس إلى تلك الليلة الرمضانية اللطيفة التي استمر فيها المعنى والمغنى حتى آخر خيط من الفجر.
لست ربوت