من ذاكرة باعة الجرائد بابن جرير: السي محمد نجيح (ولد الغالي): بقلم التابي عبد الكريم

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من ذاكرة باعة الجرائد بابن جرير: السي محمد نجيح (ولد الغالي): بقلم التابي عبد الكريم

من ذاكرة باعة الجرائد بابن جرير: السي محمد نجيح (ولد الغالي): بقلم التابي عبد الكريم

لا يتوفر وصف للصورة.                                                                                       أحيانا تتحول إحدى نقط بيع الجرائد والمجلات الشهيرة، إلى "مِرْبَدٍ" يلتقي فيه السياسي والرياضي والمنشغل بالصحافة والمخبر وعون السلطة وأعوان الأقسام السياسية للبوليس والدرك والشؤون العامة والمخابرات وغيرهم، كل حسب حاجته وطبيعة عمله وانشغاله، يحدث قليل منه اليوم في ظل تراجع ثقافة الورق وغلبة ثقافة العالم الافتراضي، وحدث منه الكثير يوم كان "الكاغد" يستأثر باهتمام الجيل الماضي، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية تشغل الرأي العام الوطني كالإعلان عن نتائج الباكالوريا أو كبعض محطات الإضرابات الوطنية أو قضايا الحوادث والجرائم كقضية الكوميسير ثابت، أو الرأي العام المحلي كبعض الأحداث الساخنة التي عرفتها بلدة ابن جرير، والتي كان ظهورها على صفحة إحدى الجرائد، هو نفسه حدث غير عاد، حيث أن كل من امتد به النوم إلى الثامنة أو التاسعة صباحا، لن يجد الجريدة التي اعتاد اقتناءها، لأن كمية النسخ الموضوعة عند صاحب المحل أو الكشك، تنفذ باكرا جدا.
كما هو معلوم، تمر الجريدة الورقية بعدة مراحل وعدة فاعلين قبل أن تستقر أخيرا في يد القارئ (المستهلك). وقبل أن يستلقي على كرسيه في المقهى أو القطار أو الحديقة أو المنزل، ليفتحها ويمرر بصره على صفحاتها الداخلية ومانشيطاتها وعناوينها الرئيسية والفرعية، لابد أنه مر على نقطة البيع التي قد تكون كشكا للتبغ والطوابع البريدية والأظرفة والحلويات، وقد تكون محلا لبقالة كل ما يخطر على البال من الزيت إلى الصابون البلدي، وقد تكون كشكا مستويا على الأرض ولا شيء يزاحم الجرائد والمجلات والكتب، كما هو شأن عدد من نقط البيع المشهورة في الهواء الطلق في الرباط والبيضاء.
بيع الجرائد ليس بالأمر الهين، وليست حرفة مغرية، بل أن هناك الكثير من الناس الذين ما إن ولجوا مجالها لبضعة أشهر أو أسابيع، حتى تخلوا عنها، لضعف إيراداتها المرتبطة أساسا بمستوى المقروئية الضعيف جدا في المغرب، ولما تتطلبه من المتاعب المتكررة شهريا أو أسبوعيا مع المرجوعات وعدها وتلفيفها.
عرفت ابن جرير عبر تاريخها المرتبط ببيع المجلات والجرائد على وجه الحصر، نقطا للبيع غير مستقرة في الزمان ولا في المكان حتى في ذلك السياق الذي كان الورق هو سيد القراءة قبل ظهور التكنولوجيات الحديثة وعلى رأسها الأنترنيت وما جاء بعدها من مواقع التواصل الاجتماعي أو ما يعرف ب "السوشيل ميديا"، وفي ذلك السياق الذي كانت فيه الصحافة الحزبية ممثلة في جرائد "العلم" و"l’ OPINION " لحزب الاستقلال، و(المحرر والاتحاد الاشتراكي و libération ) للاتحاد الاشتراكي، وبيان اليوم للتقدم والاشتراكية، وأنوال لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وفي السياق الذي سادت فيه مجلات اليسار (الثقافة الجديدة وأقلام وجسور والمقدمة وغيرها).
قد يكون المرحومان الحاج العربي الصغيري والحاج الهاشمي بن المكي (الصغيري)، هما أول من كانا يبيعان الجرائد في المحل الذي كان مملوكا للمرحوم الحاج قدور الصغيري، كما قد يكون اليوناني "طاسو" هو الذي كان له السبق في بيع الجرائد المسماة ( LE Petit Marocain و La Vigie ).
إلا أن الأمر الذي لا شك فيه، أن السي محمد نجيح (ابن المرحوم الغالي الذي كان صاحب محل بقالة بالمارشي قبالة الطريق الوطنية رقم 9)، قد يكون هو الآخر من الأولين (إن لم يكن الأول حسب تأكيده) ، وسيأتي بعده السي عبد الكبير الصغيري (70 71 / 72 ) وبعده السي عبد العزيز الصغيري (من 77 إلى 84) ثم عبد الخالق مجدول، وبعدهم آخرون ممن ارتبطوا بالشركة الشريفة لتوزيع الصحف "سوشبريس"، بائعيبن للمنتوجات المكتوبة التي توزعها كالجرائد والمجلات على اختلاف تخصصاتها. وقد حدث ذلك في زمن كانت فيه ابن جرير، مجرد جماعة قروية غارقة في "العجاج" نهارا والظلام ليلا، ولم تكن تتوفر سوى على ثلاث مدارس ابتدائية وإعدادية واحدة (الكوليج) وصفر متر مربع من الزفت، وعدد قليل من موظفي الإدارات العمومية، إلى اليوم الذي لازال بيع الجرائد وباقي ما توزعه الشركات الأخرى "سابريس" و"الوسيط"، مقترنا باسم السي محمد نجيح (ولد الغالي) بالدرجة الأولى.
كانت شركات التوزيع (ولازالت) تضع منتوجات المؤسسات الصحفية ودور النشر عند السي محمد نجيح على أساس تعريفة (14 من المائة) عن كل عدد مبيع من الجرائد، و(20 من المائة) عن كل كتاب. فيما النسخ التي لم تبع، تصنف ضمن المرجوعات بعد أن تكون أخذت منه وقتا لضبطها وترتيبها وحزمها، لتقوم الشركة بإعادتها إلى مصادرها.
تطورت أسعار الجرائد اليومية من 20 سنتيما ثم 30 سنتيما ثم درهم و درهم ونصف ثم درهمين فثلاثة دراهم، إلى أن بلغت اليوم أربعة دراهم، في ظل تراجع كبير في كمية النسخ الموزعة عند السي محمد التي أصبحت معها بعض الصحف التي كانت تحتل المرتبة الأولى زمن الثمانينيات والتسعينيات كالمحرر والعلم والاتحاد الاشتراكي، في الحضيض. حيث لم تعد كمية جريدة "الاتحاد الاشتراكي" تتجاوز خمس عشرة نسخة على نفس القدر مع جريدة (Le MATIN )، وجريدة " العلم" اندحرت من عشر نسخ إلى نسختين في نفس الوضعية مع بيان اليوم، وبقيت جرائد " الحركة" لسان الحركة الشعبية، و"رسالة الأمة" لسان الاتحاد الدستوري، في نفس وضعية حضيض الحضيض التي كانت عليها منذ نشأتها إلى اليوم، حيث توضع منها بضعة نسخ لا يقتنيها ولا يقرأها أحد (ورغم تلك المهازل تستفيد من دعم الدولة على غرار كثير من "الكواغيط" التي لا يقرأها أحد، بل لا يمسها أحد)، فيما لا تتجاوز الكمية المودعة لدى السيد نجيح لجريدة "الأخبار" ثمانين نسخة، و"أخبار اليوم" أربعين، وبالتأكيد لا يباع منها إلا النزر القليل.
أما الكتب، فالعدد القليل الذي يباع منها، يقتنيه في غالب الأحيان بعض عابري الطريق الوطنية المهتمين بالقراءة، والذين قد تأخذهم أحيانا صدف اقتناء إحدى الجرائد أو بعض مستلزمات السفر كقنينات المياه المعدنية وخلافها.
في ظل هذه الوضعية، يبدو أن التساكن الذي عمَّر طويلا بين السي محمد نجيح والمطبوعات، هو تساكن العادة والاستئناس واستمرار العلاقة مع بعض الزبناء فقط، لكون هذا المجال في الظروف التي صار إليها، لم يعد ذا قيمة يمكن أن يحسد أو يغبط عليها صاحبها، وخاصة حينما يعرف الناس أنه مطالب بدفع 100 درهم أسبوعيا عن المرجوعات التي يوصلها أحدهم إلى مستودعات إحدى شركات التوزيع.
حين نتحدث عن الوضع الثقافي عامة، ووضع القراءة عامة، لا ننسى أن نعرج على السي محمد نجيح. فبعنده كثير مما يفيد.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button