يقف اليوم رجال التعليم في صف المواجهة الأول ضد أخطار القسم المحدقة بمستقبل هذا البلد ، يقف اليوم الآلاف من رجال التعليم أمام الهجوم عليهم وتعريض حياتهم للخطر بل وإهانتهم ..هذا المساء الفايسبوك كله سلسلة تشد بعضها في بعض ، فيديوهات للوقفات والاحتجاج على وضع متردي ولو أنه منذ سنين دق فيه ناقوس الخطر إنما كان في صمت ..كانت المؤسسة التعليمية في المغرب تنتج أعدائها من داخل الفصل منذ فترة . كان يوميا ذلك المخلوق الغريب يكبر مساحة كبقعة الزيت ويزداد طولا وعرضا حتى ظهر في كل المناطق دفعة واحدة كشبح مخيف .
اليوم شاهدنا على مجموعة من الصفحات إضراب أسرة التعليم ، شاهدنا جسر العبور بين البيت والعالم الخارجي يتآكل ليسقط دفعة واحدة ونحن ننظر إليه ، المصيبة أننا ننظر من فوق الجسر الذي سيتحطم بنا جميعا . اليوم كنا على موعد يائس مع التاريخ لنرى صورنا القبيحة ، لنرى وجوهنا ، ونرى واحد من الأعمدة المهمة يتكسر أمام أنظار الجميع .
بعد واقعة ورزازات انتشرت وقائع لا حصر لها ، وظهرت فيديوهات كانت مختفية على الهواتف تسجل لحظات قاسية ، على مزاج مغربي دخل المدرسة يوما ووجد قبالة عينيه البيت الشهير الخالد للشاعر أحمد شوقي ..قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يصبح رسولا .
هناك وضع سيئ وصلت إليه المؤسسة التعليمية ، هناك غياب الاحترام الواجب للأستاذ ، هناك سوء معاملة داخل الفصل ، هناك حالة من الهستيرية والجنون تصاحب التلاميذ وهم يهجمون على أساتذتهم بلا حياء ولا خجل ، ودون حتى التوزيع بين رجل التعليم وسيدة التعليم .
هناك جنون يرافق الفصول المغربية داخل المؤسسات ويطرح استفهاما كبيرا ماذا يجري ولماذا ؟
الجواب على هذا الاستفهام ستمزقه بينها مجموعة من الأطراف، كل طرف سيحمل للأخر المسؤولية ، سيقول رجل التعليم بأن الوزير من يتحمل المسؤولية ، وسيرد الوزير بأن المؤسسات من تتحمل المسؤولية ، وسيجتمع الطرفان على توجيه الاتهام للأسرة المغربية ، والأسرة سترد بأن من في مسؤوليات هذا القطاع يتحملون المسؤولية ..والتلاميذ سيجدون مبررا لسلوكياتهم ، كالتي استمعنا إليها على مجموعة من الأشرطة المنشورة على صفحات الفيسبوك . والجواب في هذه القضية (المحاكمة) ستعطله الحيثيات الكثيرة في ملف سيتطلب من الجميع وقتا وجهدا وربما لن يكون بنتيجة شافية .
ماذا جرى ؟ وكيف الخلاص ؟ هل ستقوم الوزارة بعسكرة القطاع وإفراغه من محتواه التربوي ، فالمضربون اليوم يشعرون “بالحكرة ” ، والأعظم قهرا في المظالم أن يتحول المعلم والأستاذ إلى مقهور وهو الذي كاد أن يكون رسولا . نحن أقرب “بإنشات” من موقد “النار ” التي ستلتهم الجميع ، تفسير ظواهر العنف ضد الأساتذة والأولياء، وانتشار السيوف والإجرام بين أوساط أجيال شابة هي بين 16 عشرة سنة إلى حدود 26 سنة يعني أن المغرب عليه أن يتوقف من أجل إيجاد أجوبة عميقة تلامس المشكل وليس الاستمرار بغمض العيون وتجاوز الأخبار المخيفة الواردة من هنا وهناك .
هناك مقولة معروفة مفادها أنه إذا أردت أن تهدم حضارة عليك بهدم ثلاث أعمدة ، التعليم والأسرة والقدوة ، التعليم لا يمكن هدمه إلا من خلال المعلم ، من خلال التقليل من أهميته ، احتقاره أمام طلابه ، إهانته ، ويأتي الدور على الأم داخل الأسرة والقدوة الحسنة من خلال تحقير دور المفكرين والمثقفين والكتاب والموسيقيين والشعراء والعلماء .
الذين رسموا طريق “الجحيم” للتعليم كي ينهار ، يدركون إلى أين وصل مشروعهم ، ليس المجال يسمح للحديث المستفيض على الأقل حول ما جرى منذ الاستقلال إلى اليوم ، و”غزوة” انهيار التعليم الذي تحول مع الأيام إلى جسد ممزق ، كانت انعكاساته في الأسرة والشارع واحتقار القدوة وباقي المكونات الأساسية لبناء ذات أمة تريد أن تمضي إلى أوراش المستقبل بعيون وقلوب نظيفة ، الذين أرادوا جعل هذا الحقل بركانا يعرفون اليوم أين وصلت النتائج تلك التي شاهدناها وأخافتنا .
رجال التعليم عليهم أن يتحملوا ، أو يلجؤوا إلى طلب عسكرة هذا القطاع على الأقل حتى لا يمسهم سوء ، فهم خرجوا في الإضراب وسيعودون بلا حل ، لأنه لا يتوفر بالنسبة لهم ، اللهم الإدانة والشجب على الورق وهذا غير كاف حتى مع وصلات الإعلام الرسمي والمستقل . وسيمسهم كل يوم السوء ، فهم باتوا طرفا في قضية لا تعنيهم داخل الفصل ، حتى لو أصبحت المؤسسات خاضعة لمسؤولية حماة مدججين بالسلاح وخراطيم المياه ، والأقفاص والقيود . لن يزيد الوضع إلا سوءا ، ولن نكون عند هذه النقطة إلا وقد انهينا شيئا ساميا اسمه التعليم والمعلم والفصل والتربية والتنمية والمستقبل ..الحل ليس عندي ، ولا يحتاج إلى تنبؤات ولا إلى تنظير . التجارب بينت أن الاحترام يبدأ انطلاقا من علاقة طرفاها يعرفان نفسيهما جيدا . فالقسم لا يحتاج إلى قيم المساواة أو الإنصاف ، وإلا أصبح مكانا للتسوق أو مجالا عاديا يتفاضل فيه الباعة ويتنابزون ويصلحون أحوالهم فيما بعد نهاية عروض التجارة أو عند الظهيرة بعد احتساب الأرباح . لا ، المؤسسات التعليمية والمعلم والأستاذ أكبر من تمرين المجتمع على نموذج قيمي يشبه باقي التعاقدات المجتمعية كالزواج والوصية و التجارة وغيرها ، المدرسة يجب أن تظل ذلك المكان المقدس الذي ينتج المجتمع ، ولا يخضع لقاعدة تأخذ من المعلم والأستاذ وباحة المدرسة لفائدة التلميذ ، لقد كان التعليم جيدا في مراحل معينة من تاريخ هذا البلد ، كان التلميذ خاضعا لسلطة الوالد داخل الأسرة ، وخاضعا لسلطة قيود أبناء الحي وإخوته الأكبر منه سنا ، وسلطة المعلم داخل الفصل وخارجه بالشارع ،ويكاد يفجر قلب التلميذ حينما يكلمه الأستاذ عن شيء من قواعد الالتزام داخل الدرس والانتباه ..دون الحديث عن المتابعة بالشارع التي خضع لها من قبل أستاذ رآه ولم يدري من حيث شاهده ..كان التلاميذ في العهود الذهبية يلعبون الكرة ومجرد مرور المعلم يكون يوم الاثنين فاتحة شؤم كبير وعصا ووو
الذين افشلوا المدرسة العمومية ، وجاؤوا بمشاريع التعليم الخصوصي وسياراته الصفراء ، ونموذج “المذاهب المركانتيلية “؟ هم وحدهم الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف ، على المجتمع المغربي أن يحمل “عار “هذا الركن الأساسي في بناء الحضارة الذي صار يتساقط على أهله كقطع الحجر التي تنزل من أعالي الجبال حينما تغضب بفعل الطبيعة أو بفعل الحفر في مكان ما لا يسلم فيه البعيد والقريب .
التعليم كألعاب الساحر ، يخرج من قبعته شيئا أخذه منك ليسحر به أعين جمهوره، ووحده القادر على إعادة درهمك الذي صار أرنبا أبيضا أو حماما زاجلا أو ما صنعه سحر الساحر ..هو الوحيد الذي يملك الثقة في عودة الأمور إلى نصابها ..فقط هو.فإصلاح التعليم يوجد حله في مكان ما عند من أفسدوه.
أيام بريس جريدة الكترونية مستقلة .
لست ربوت