صورة الرئيس وهو يجمع الأزبال.بقلم يوسف صبري

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية صورة الرئيس وهو يجمع الأزبال.بقلم يوسف صبري

صورة الرئيس وهو يجمع الأزبال.بقلم يوسف صبري

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Fessuoyy Yyoussef‎‏‏، و‏‏‏‏لحية‏، و‏سيلفي‏‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏                                        ظهر رئيس المجلس الجماعي لابن جرير قبل أسبوع يجمع الأزبال وهو أمر جيد، إنما ليس هذا المبتغى من تناول خبر بالضرورة كان يستدعي الإشادة.. لكن الطريقة التي ظهر بها هي من أثارت ردود أفعال متباينة، معظمها ساخر ! وضعت هذا الرجل في سؤال محرج : هل عادة نذهب إلى حملات النظافة "الشكلية التحفيزية" بالجلباب والبلغة وقنينة الماء والقفازات البيضاء ؟
تبدو عملية جراحية أكثر منها "تنقية رمزية" للشارع ليكون الرئيس قدوة في مجتمعه الصغير.
طرحنا هذا الاستفهام لنبدأ من العام إلى الخاص، على أمل أن نفهم جيدا من خلال هذا المقال أن التجربة الحالية بها عيوب أكبر من يوم النظافة ذاك، وعلى اعتبار أننا لا نريد الإساءة لأحد، إنما أساء الرجل الجالس على كرسي بلدية منذ ثلاث سنين ونصف إلى مجال اختصاصه.. وإلى روح تدبير بلدية ليست هي نفسها التجربة التي تركها أسلافه أعواما خلت .
وقبل ذلك، علينا بالإنتباه جديا إلى أن رواد الصفحات ومواقع التواصل باتوا يملكون جزءا من مهارات توجيه النقد لما يحتاج فعلا إلى ذلك، وأن "المخيال الجمعي" والذاكرة الجماعية أصبحت واعية بشروط وظروف أن يأخذ كل مكانه، وأن يصبح مستهدفا الذين لا تسعهم أمكنتهم. لأنها ليست على مقاسهم .. بمعنى هي أكبر من أحجامهم، أو لأن ما يقومون به يحتاج إلى "لكريتيك " .
لنعد قائلين كون المؤسسات بجملتها، أكانت مؤسسة رئيس جمهورية أو وزير أو ما شابه ذلك في كل الدنيا ومنذ عصور قديمة تتصرف من خلال "البروتوكل والاتيكيت" الذي يحكم العلاقات بين البلدان أثناء الزيارت ..يحرك هذا الرئيس وفق رؤية إستباقية لكل التفاصيل المحيطة بتحركاته، وأن لا شيء يمر مرور الكرام حتى الوقوف أمام علم البلاد وإعطاء تصريح ..المجال ليس مفتوحا على عواهنه .
هناك ناموس دقيق لكل التفاصيل، وهناك تغيير في" البروتوكل" متزامن "توليدي"، والذي يتولى مهمة أي جزئية ولو صغيرة جدا إلى حدود الألبسة وطبيعة التحية والسلام وأخذ الصورة وما إلى ذلك ..وبشكل "ميكرو " يتصرف مدراء المؤسسات الذين يريدون أن تبقى صورهم داخل مؤسساتهم لامعة لا تخدش بنفس الشكل..وكذلك يتصرف السياسيون الكبار ورجال الأعمال والمال ..إلى غيرهم من الذين يراهنون على أنهم وجوه مجتمعية لها قيمتها ..إما بحكم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، أو بحكم أنهم شخصيات عمومية كل صغير محسوب عليهم، وبإمكانه زلزلتهم من الأمكنة والحظوظ التي راكموها عبر نفس المجال الذي تحركوا فيه أول يوم وصنع منهم أفراد حقيقيون. باستعمال سيء للصورة يتحطم "رهاب " تلك الشخصية مجتمعيا و"كرزمته"، وإعادة تصويبها يعد من سابع المستحيلات يحتاج إلى مهندسين مختصين لإعادة تصحيح جيد إذا ما استطاع هؤلاء انتزاعها من الخيال الذي أعطاها تفسيرا معينا عقب السقوط في الخطأ أول الأمر.
المهم ، كان على رئيس بلدية ابن جرير ومنذ مدة أن يتحرك ليس بالبروتوكول الرسمي وإنما بجزء من تلك التقاليد المرعية حتى داخل الأسر..فهناك عادة عند المغاربة لباس الجمعة ولباس يوم السبت والأحد ..ولباس النزهة ولباس الأعياد والاحتفالات الرسمية والأعياد ..ولباس زيارة الأهل، وزيارة الميكانيكي والدوار والغابة والنهر والوادي، ولباس سلخ بهية العيد ..ولباس الولائم ولباس المآتم ..وهناك متى نبتسم ومتى علينا استحضار الحزن. نحن بشكل" آلي" نفصل في أي لباس سنلبسه ونحن متوجهون إلى البحر..فلا يعقل أن نذهب إلى الشاطئ بالجلباب والبلغة والسلهام صيف شهر أغسطس ..سيردد المصطافون عبارة "مول البحر" ! هي في النهاية مضمون سوسيولوجي عميق لقراءة غير مطابقة لمجال تؤسس فيه القاعدة المجتمعية تقعيدها كما يقول "كلود ليفي ستراوس" قانونها".
الرئيس المسكين في يوم النظافة التقطت له صورة كتبت بالبنط العريض نهايته السياسية بشكل درامي محزن. كان على مقربيه وحاشيته التي ألفت أن تحيطه بكامل عنايتها، أن تقنعه بأن جمع الازبال يحتاج إلى لباس معين ..والى ابتسامة معينة. بحكم أنه يشتغل على الترويج لشعبيته من خلال الصورة وصنع اتجاهات والدعاية والتأثير لمصلحة حزبه ومجلسه ونفسه ..
إنما الذين نصحوه بذلك اللباس كانوا يريدون إرسال مجموعة من الإشارات سواء بحسن نية أو بسوئها :
- هذا الذي يدير شؤون بلدية ابن جرير هو نموذج رجل يخالف صورة وانطباع الناس عموما عن معنى الرئيس..رئيس "استثناء" أبيض في يوم الزبالة ؟
- هذا الذي ينحني بكل تواضع على لا "قمامة " وهو يضع قنينة ماء معدني في يديه وجلباب أبيض نظيف وبلغة، هو بهذا الشكل قادم من المسجد أو من العزاء أو من وليمة أو شيء من هذا القبيل..
- هذا الإنسان لا يوزع بين مهمات رئيس بالمكتب ورجل الميدان، لأن الميادين عادة يأتيها المسؤولون بلباسها ..تابعوا رؤساء البلدان في زيارة السدود والإنشاءات ..وتابعوهم في زيارة دور العبادة، وفي توزيع الهدايا، ستجدون لكل مقام مقال. يصنع بشكل دقيق يناسب قيمة الفعل وجوهره
- هذا الرئيس مغلوب على أمره؟ أو جاءه خبر النظافة على غير عادته بمثل هذه التصرفات، فاضطر إلى أخذ صورة مسحت ما وراءه وما بقي أمامه من تاريخ رجل سيختصر عند ساكنة مجاله بكونه لا يبالي، وأنه مضطر والذين أخذوا له تلك الصورة بذلك الشكل أفنوا أمله في العودة..رواد الفاسيبوك قالوا كلاما كثيرا، هناك غياب لخفة الرئيس ونشاطه وحيويته وأمله في غد مشرق ..هناك مضامين عميقة لما يطلق عليه "سميولوجية الصورة "..أو دراسة العلامات ..هناك صورة رئيس ميتة خاوية فيها جزء كبير من المسكنة والمهانة و"الصغار" واللبس والحياء وطقوس ليس لها راهينة ...هناك عدم تمييز بين أن تكون رئيسا للجميع وأن تكون لنفسك ..
أتذكر أنه قبل أكثر من عقد كان قد ظهر فنان لبناني وسيم اسمه ربيع الخولي ..غنى هذا الفنان في كل البلاد العربية وتبعته المطاردات النسائية للمعجبات رغبة فيه، إنما اختار "الدخول إلى الدير". و اليوم هو وأحد من الرهبان بكنيسة بلبنان يمارس تلاوة نصوصها..ويردد الترانيم، ويدرس الأخلاق المسيحية من خلال القداس وما إلى ذلك .
علينا أن نمتلك الشجاعة حينما نعجز. وأن نقول كفى نحن غير قادرين، أو ليس هذا اختيارنا . سيحترمنا الجميع بهذه الصراحة كما فعل الخولي مع كل نجوميته ووسامته، اختار الدفاع عن قناعاته أمام الملايين من المعجبين، وانتهى إلى أداء أدواره التي يرى نفسه أهلا لها .
أما أن نجلس على رؤوس العباد بالقوة والعنف الرمزي اعتبارا لأنانيتنا وعقدنا، فإن ما يحدث مع كل ذلك الإصرار، أن تأتي الرياح بما لا نشتهي. فتدس تجبرنا وعنتريتنا وما نعتبره دفاعا عن القدرة والاستطاعة في التراب ..وأعتقد أن الرحامنة ابتليت خلال هذه الولاية بأكثر من "بابا" في أكثر من مكان .
صورة جمع الأزبال في يوم النظافة فضحت رئيسا المفروض أن الساكنة اختارته، وأنه عليه أن يبالي بمشاعر وأحاسيس من وضعوه للتجريب على ذلك الكرسي. وأن يدرك مستوى الذكاء الذي صار يتمتع به الناس، وأن استعمال الصورة يتطلب حنكة وفريقا ومعرفة بكيفية صناعة "الهالة " من أجل ربح الرهانات. فصار بعيدا على أهدافه، بل بينته يسخر من ساكنة كان الأجود له أن يختار بين الكرسي الذي يستحق أكثر من اهتمام ؟ وبين دخول الدير أو المسجد والعبادة والصلاة والصوم إلى يوم لقاء الله بدون أن يحاسبه على علاقته العمودية أيا كان. ومعه يدخل رجل أخر اختار كسل الأديرة وصمتها، ويوجد في الجزء الملاصق لمجلس هذا الأخير، يدير مجلسا للقرى ال24 بنفس تجارب "الكاثوليكية "العقيمة الغير المنتجة سوى للصكوك وطقوس الموت الرهيبة والصمت والنوم في العسل.
بقلم : صبري يوسف

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button