من الذاكرة المظلومة المجروحة من الشفتين: المحجوب (الطاريرا): هذا هو القصف الذي لا ينتهي. بقلم التابي عبد الكريم

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من الذاكرة المظلومة المجروحة من الشفتين: المحجوب (الطاريرا): هذا هو القصف الذي لا ينتهي. بقلم التابي عبد الكريم

من الذاكرة المظلومة المجروحة من الشفتين: المحجوب (الطاريرا): هذا هو القصف الذي لا ينتهي. بقلم التابي عبد الكريم

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، و‏أشخاص يبتسمون‏‏من الذاكرة المظلومة المجروحة من الشفتين:
المحجوب (الطاريرا): هذا هو القصف الذي لا ينتهي.
سنكون مضطرين لنعيد القول، أننا كدولة لا تولي اهتماما ل "رعاياها" المهمشين الذين يعانون من الفاقة والعوز والمرض والإعاقة، وإلا لما وجدنا عددا من الحالات التي تعرض أعضاءها البشرية المبتورة أو المنفوخة أو المتقيحة للتسول على قارعة الطريق أو في الساحات العامة أو على متن الحافلات في غالبية المحطات الطرقية، ولما وجدنا عددا من حالات الإعاقة البدنية أو الذهنية البسيطة تتجول شاردة في الشوارع كأن لا علاقة لها بتراب الوطن وجغرافيته إلا كرقم للإحصاء، أو كصوت من لا صوت له يستعان به في الاستفتاءات والانتخابات المزورة. وأننا أيضا كمجتمع نكرس لا مبالاة الدولة ونضاعف إقصاء تلك الشرائح بالعزلة والتهميش، بل ووضعها ككائنات نتلذذ بالضحك عليها والاستهزاء منها، أو حين يتقوى "إيماننا" نشفق عليها ومن حالها، لأن عبارات حق الإنسان وواجب الدولة لا مكان لهما في معجمنا.
والأخطر من كل ذلك، أن يصبح ذلك الإنسان الذي يحتاج إلى بعض الاحتياجات الخاصة، محروما حتى من حق الأمان الشخصي في الشارع العام، وعندما يكون على أهبة الخروج من البيت، فإنه يفكر فيما سيلاقيه من استفزازات ورشق بالحجارة كما كان عليه الشأن بالنسبة للمحجوب المعروف في ابن جرير في ستينيات إلى ثمانينيات القرن المنصرم ب (الطاريرا)، والذي كان من أبرز شخصيات الشارع العمومية، إن لم يكن أبرزها على الإطلاق.
نظرة المجتمع وتعامله الخشن مع هكذا حالة كحالة المحجوب، لا تساعد على الاندماج الطبيعي، بل تزيد في تأزيم الوضع النفسي لذلك الشخص، وقد تحوله إلى شخص عدواني يعتقد أحيانا أن كل من ينظر إليه أو يمر بمحاذاته، يريد استفزازه، فيأخذ نصيبه من حجارة المحجوب أينما استقرت. لم يكن أطفال المدارس الصغار وحدهم من يثيرون حفيظة المحجوب، بل كان حتى بعض "الكبار" يتصاغرون و"يتبرهشون" ويعمدون إلى استفزازه، وكانت قذائفه وراجماته التي تملأ كل ساحات جماعة ابن جرير القروية، رهن إشارة المحجوب الذي تدربت يداه على القصف لمسافات بعيدة. وكم كان له من الضحايا الذين (كيكونو ما بيهم ما عليهم) حتى تصيبهم النيران الصديقة.
عالم المحجوب الجميل الهادئ الآمن، كان يجده في القشلة عند باعة البيض مع (لعريبي) في مدخل السوق اليومي (المارشي)، عند الحاج فوزي الموظف السابق بالقباضة، عند السي أحمد تركية وعند آخرين ممن كانوا يهتمون به ويرعونه ويرتاح ويطمئن إليهم، ويسترجع بعضا من مواطنته وحريته التي يفقدها مباشرة حينما يعود قافلا ظهرا أو مساء إلى بيت والدته بالدوار الجديد.
المحجوب ياجورة من ذاكرة ابن جرير المنسية. هو واحد من أبطال الشارع الذين عاشوا تحت قساوة ثقافة مجتمع تحقيرية ظالمة لازالت لها امتدادات في مجتمع اليوم. المحجوب في ذلك الزمن البنكريري المغبر المترب البئيس، كان صانعا ومصنوعا للفرجة في بعدها الكوميتراجيدي.
عندما رفع أحدهم شكاية بالمحجوب بسبب القصف بالحجارة، ووقف أمام المحكمة، وأعلمه القاضي بالمنسوب إليه، التفت جهة أحد أقاربه وقال بصوته المتقطع وربما بالسخرية أو اللامبالاة: (عادا، عادا خالي).
من حقنا أن نضع أمام تلك العبارة مئات علامات التعجب.
مات المحجوب .يعيش المحجوب عند البياضة الذين لم يعودوا وعند موالين البلوط وطايب وهاري الذين لم يعودوا، وعند الحجر الذي قلت مساحاته، وعند الحاج فوزي كوميديان القشلة، وعند السي أحمد تركية الذي يحتفظ في الصورة رفقته بكثير من المحبة للمحجوب.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button