"التبوريدة" رقصة الانتصار ورمز المقاومة المغربية تواجه الإهمال بقلم فاطمة الزهراء كريم الله

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية "التبوريدة" رقصة الانتصار ورمز المقاومة المغربية تواجه الإهمال بقلم فاطمة الزهراء كريم الله

"التبوريدة" رقصة الانتصار ورمز المقاومة المغربية تواجه الإهمال بقلم فاطمة الزهراء كريم الله

جاء اسم التبوريدة نسبة إلى البارود المستعمل لدى الفرسان المتبارين، كما تعد طقسا احتفاليا وفلكلوريا يعود إلى الآلاف من السنين، وتنتشر هذه الرقصة في جميع مناطق المغرب، العربية والأمازيغية والسهلية والجبلية، لذلك وضمن استعراضاتها لا تستطيع فرق “الخيالة”، التي تسمّى محليا “البواردية”، الرقص دون أن تصاحبها أهازيج شعبية مثل “الطقطوقة” الجبلية ووصلات “النفار” وفرق “الطبالة” و”الغياطة” و”الكوامانجية”، وهي عناصر متلازمة في كل الحفلات العمومية والمواسم والمهرجانات الشعبية.
وتتعدد المناسبات التي يحتفل بها المغاربة والتي تتخللها عروض من فن التبوريدة مثل حفلات الأعراس والمواسم الدينية والعقيقة والختان. وتمثل هذه الوصلات الفنية المغرقة في الرمزية اختزالا للطقوس الكرنفالية والفلكلورية المغربية التي ينسجم فيها اللباس مع الغناء والرقص والفروسية والأضحية والنار في سياق متناغم.
ويقول باحثون في علم الاجتماع إن فن التبوريدة يقدم صفحات من تاريخ الكفاح الوطني والمقاومة والجهاد ضد الغزاة، لذلك جرت العادة عند المغاربة في كل مناسبة وعيد وطني الاحتفال بفن “الفنتازيا” بهذا الطقس المأخوذ اسمه من اسم بارود البنادق. وتجسد فنون الفروسية المغربية التقليدية المواقف البطولية التي تثيرها أغانيهم ومواويلهم وصيحاتهم الممجّدة للبندقية والبارود.
وفي حديث مع “العرب” اعتبر سليمان بن سليمان، أحد الفرسان وعضو جمعية الفروسية جنوب المغرب، “أن ثقافة الفروسية أو التبوريدة ضاربة في وجدان المغربي، وأن فن التبوريدة هو فن قديم توارثه المغاربة من جيل إلى جيل، وهو يرمز إلى المقاومة المغربية في عهد الاستعمار وإلى احتفالات المقاومين، معتبرا أنها فن من فنون الحرب، ما يؤكد تمسك المغاربة بإرثهم الثقافي والوجداني”.
ويضيف بن سليمان أن التبوريدة تقوم على أربع دقات “الناصرية” و”الخياطية” و”الشرقاوية” و”الصحراوية”، مؤكدا، أن من يؤدي رقصة التبوريدة هم فرسان مترجلون ينتظمون في دوائر حول شيخ مسن وهو رئيس الفرقة، حيث يبدأون الدوران حول الحلقة وهم يرددون عبارات متنوعة تذكر بحركة الجهاد، ثم يطلقون نيران بنادقهم في اتجاه السماء أو في اتجاه الأرض تابعين في ذلك إشارة شيخ التبوريدة.
"التبوريدة" نسبة إلى البارود المستعمل لدى الفرسان المتبارين، وهي رقصة تنتشر في جميع مناطق المغرب العربية والأمازيغية
وأوضح أن المغرب يتوفر على 15 ألف فارس و160 ألف رأس من الخيول، وعلى 60 محطة لتحسين نسلها، كما أن المغرب يتميز بوجود الحصان البربري العربي المعروف بقوته وصبره ولطفه، مشيرا على أن هناك خوفا من انقراض هذه الفصيلة من الخيول التي ترمز إلى النخوة والقوة والجمال. وقال بن سليمان إن “العائلات التي تملك خيولا مدربة على التبوريدة هم عادة نخبة القبيلة، فأصحابها ينظر لهم باحترام ولديهم مرتبة هامة في قبيلتهم”.
ويرتدي الفرسان أبهى زي تقليدي متعارف عليه في منطقتهم ويسمّى الجلباب المغربي ويتكون من قفطان أبيض من غير حزام، يكون فوقه جلباب خفيف يظهر لون القفطان من تحته ويلبس فوقهما “الحايك” وهو رداء أبيض. وتتكون عدة الفارس من خنجر وسلاح ناري يسمونه “المكحلة” ويعني البندقية التي تستعمل في التبوريدة وحذاء تقليدي يسمى “التماك”. أما الفرس فيجهز برداء يسمّى “السرج” يوضع فوق ظهره ويكون مزركشا بالنواقيس والخيوط الذهبية.
ويحتاج فن التبوريدة إلى تدريب مستمر من أجل ترويض الجواد على طريقة دخول الميدان والعدو في انسجام تام مع باقي الخيول. ويكون “العلام”، وهو المسؤول عن تنظيم الفرقة، عند خط البداية لإعطاء إشارة الانطلاق أو الوقوف، وتكون الإشارة النهائية بإطلاق الرئيس طلقة من بندقيته التقليدية في السماء، وبعد ذلك يعود الفرسان إلى نقطة الانطلاق ليكرروا العملية من جديد، ويستعرضوا مهاراتهم أمام الجمهور.
ومن جهة أخرى يتخوف الكثيرون من انقراض هذا الفن التراثي ورقصته الفلكلورية، خاصة أن الفئة التي مازالت متمسكة به ومحافظة عليه تتكون من الفلاحين البسطاء القاطنين في الوسط الريفي والبوادي في ظل غياب تام لدعم المؤسسات الرسمية وعدم تقديمها المساعدة لهؤلاء بغية الحفاظ على التراث الرمزي للبلاد، خاصة في مواسم الصيف التي تتطلب من “الباردي” مصاريف زائدة مثل التنقل إلى حلبات السباق في المواسم والمهرجانات.
ويراهن عشاق هذا الفن التراثي ومحترفوه على إقبال الأجيال الفتيّة عليه للحفاظ على رمزية التبوريدة التي توارثوها عن أجدادهم، من خلال السهر على جمع الفرسان وتدريبهم وتكوينهم وتحفيزهم على المشاركة في اللقاءات السنوية المخصصة للفروسية، كما أن التبوريدة في العصر الحديث لم تعد حكرا على الرجال، بل ظهرت فرق نسائية خاصة من الخيالة يزداد عددها في المهرجانات سنة بعد أخرى.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button