كتب – عبدالرحمن مصطفى
تتشابه مهمة الصحفي في إجراء تحقيق إجتماعي مع عمل الباحثين الاجتماعيين حين يدرسون “شريحة” من المجتمع من ناحية المستوى المادي والظروف المعيشية المختلفة، أما الهدف الذي يسعى إليه الصحفي فهو الإجابة على سؤال يطرحه حول ظاهرة بعينها.
ليس مطلوبا من الصحفي أن ينقل إلى القاريء إحساسا بالبؤس والشفقة تجاه الشريحة التي يدرسها مثلما يحدث في كثير من التحقيقات الاجتماعية، فبإمكان المهمشين أن يكونوا سعداء، كأن يكون التحقيق الصحفي عن موسيقى المهرجانات الشعبية، والبحث عن لماذا ظهرت؟ وكيف نمت في مناطق شعبية بعينها؟ وما الشريحة التي صنعتها ؟ أما التعرض للظروف البائسة لشريحة من المجتمع، فيجب ألا تكون هدفا في حد ذاتها، حتى لا يتسبب الصحفي في مزيد من التهميش للشريحة التي يدرسها أو تعميق إحساسهم بالدونية. على سبيل المثال.. قد يكون لدى الصحفي سؤالا عن منطقة يكثر فيها المسيحيون وسط جيرانهم المسلمين، ولا تتعرض هذه المنطقة لحوادث الفتن الطائفية، بينما تتوزع الفتن على مناطق أخرى، فيكتشف القاريء أن الاجابة تكمن في أن ظروفهم المجتمعيةهي التي أوجدت هذا الرباط بينهم، وأن المجتمع أفرز قيادات طبيعية تمسك بحبل الطائفية بيديها كي لا ينفلت.
من أجل الوصول إلى الشريحة المستهدفة فهناك طريقين:
الطريق الأول هو استخدام “دليل” من هذا المجتمع يفتح للصحفي بوابة آمنة يدخل منها إلى هذا العالم، سواء كان ناشطا شابا أو أحد المعارف الشخصية، أو باحثا عمل من قبل في هذا المجتمع، أو غير ذلك، والطريق الثاني هو النزول ميدانيا والتواصل مع المصادر من نقطة الصفر، وغالبا ما يحتاج الصحفي إلى الطريقين من أجل رسم صورة متكاملة عن المشهد، والوصول إلى إجابة سؤال التحقيق بشكل نزيه، فالصحفي في حاجة إلى الحصول على معلومات في بيئة آمنة من مصدر لا يعادي الصحافة، ثم الاختلاط مع الشارع من أجل إجابة سؤال التحقيق.
قبل التواصل مع الشريحة المستهدفة، لابد من معرفة كافة التفاصيل عنها، وتبادل الحديث مع المصادر المتاحة بلباقة، والاستدلال بها في الوصول إلى نتيجة في ختام الموضوع. كما يحتاج الصحفي أيضا إلى وضع الشريحة محل الدراسة في إطار مجتمعي أوسع، وليس تسليط العدسة المكبرة على ظاهرة مجتمعية وكأنها اتجاه عام في المجتمع الأكبر، ويستعين في ذلك بدراسات وأرقام وتعليقات الخبراء.
كذلك فمادام الصحفي قد اختار النزول إلى الهامش، فستكون قاعدة العمل هي أن: المعلومات قيمة في ذاتها، ولا تستمد أهميتها من أهمية المصدر، على عكس ما يعتنقه زملائه حين يبحثون عن جودة المصدر قبل أهمية المعلومة، فالعمل الميداني يجعل كافة المعلومات مهمة للوصول إلى نتيجة، على سبيل المثال، قد تكشف مجموعة من المواطنين عن تفاصيل عن عالم الانتخابات في حي ما، في حين تكون تصريحات أحد قيادات المجتمع المحلي ذات نبرة جافة وسلطوية، لذا فالتحقيق هو حوار بين الهامش والسلطة، حتى تكتمل الصورة.
ومن أهم أهداف التحقيق الاجتماعي هو إعادة النظر في ركام الأخبار ذات الاتجاه الواحد، وذلك ليس عملا بمبدأ “خالف تعرف”، ولكن للعمل بعقلية نقدية، وعلينا هنا الاعتراف بأن كثير من الصحف لا تملك جرأة إعادة قراءة المشهد إذا ما كان ذلك مخالفا للإجماع الصحفي على قضية واحدة، على سبيل المثال كانت ظاهرة زواج المصريين من سوريات ذات نبرة واحدة وإجماع على أنها ظاهرة متفشية في أوساط السوريين في مصر، وهنا كان لابد من إعادة قراءة أعداد السوريين في مصر، ومطابقتها لواقع معيشة السوريين، ما قد يجعل النتيجة مختلفة، وأن تلك الحملة تقوم على واقع مزيف.
وحتى تصل إلى نتائج مضمونة، فهناك بعض الخطوات التي قد تفيد في تحقيق غرضك الصحفي:
ابتعد مسافة عن القضية التي تدرسها: كن واقعيا مع هدفك، الذي يتلخص في مجموعة أسئلة عن الشريحة التي تتعامل معها .. لماذا وصلت هذه المجموعة إلى المرحلة الحالية ؟ وهل صورتهم المتداولة حقيقية ؟ وما سبب أزمتهم ؟
ابتعد مسافة عن القضية التي تدرسها: كن واقعيا مع هدفك، الذي يتلخص في مجموعة أسئلة عن الشريحة التي تتعامل معها .. لماذا وصلت هذه المجموعة إلى المرحلة الحالية ؟ وهل صورتهم المتداولة حقيقية ؟ وما سبب أزمتهم ؟
كن مراوغا ولا تكن كاذبا : في أثناء الذهاب إلى مصدرك “الآمن”، اجمع معلومات من الشارع، سواء من مشاهدات أو من أسئلة تطرحها دون إبراز هويتك الصحفية، لكن إن اضطررت للكشف عن هويتك، فلا تخفيها، وفي أوقات الخطر لا تغامر بنفسك قبل التفكير جيدا في أهمية المعلومة التي تطلبها، فبإمكانك أن تؤجل الحصول عليها فيما بعد.
أنت جزء من هذا المجتمع: فكر جيدا في شكل هيئتك قبل الزيارة الميدانية، لا ترتدي ملابس تعرضك للتنميط، ولا تستفز المصادر بالتعالي على حياتهم، بل كن جزء من حياتهم اليومية في تنقلاتك بينهم سواء بالتوكتوك أو الميكروباص، و التحرك بين أنهار مياه الصرف الصحي دون تأفف.
احذر من المصادر: غالبا ما تراك المصادر في أوقات أزماتهم مجرد “مانشيت” أو “خبر”، فلا تنساق وراء رغباتهم، واظهر لهم اهتمامك بمعرفة المزيد، وتناقش معهم في معلومات جمعتها من قبل.
التوازن : فكر دائما في الأطراف الأخرى التي تريد التحدث معها، وحدد إن كانت مصادرك “الآمنة” ذات قدرة على أن توصلك بها أم ستعتمد على نفسك، وحدد أيضا إن كان من اللباقة أن تتحدث مع مصادرك الآمنة والميدانية عن أطراف أخرى تريد زيارتها أم أن الموقف لا يسمح.
في النهاية .. على الصحفي أن يصل إلى نتيجة بعد كافة تنقلاته الميدانية وجمع المادة المعلوماتية، والإجابة على الأسئلة التي طرحها منذ البداية.
عن الكاتب:عبد الرحمن مصطفى .. صحفي مصري يعمل في جريدة الشروق المصرية منذ تأسيسها في 2009. عمل مراسلا لموقع إيلاف الإخباري في 2006، ثم رئيسا لقسم الشباب في نفس الموقع، وكتب في مجالات الثقافة والسياسة والمجتمع في عدد من المطبوعات المصرية والعربية، كما شارك في إعداد فصول من كتب مشتركة، ويهتم بالتدوين الالكتروني والاعلام الجديد.