الشخص والهوية ذ.الرامي عبد الغاني

إعلان الرئيسية

يحيل مفهوم "الشخص" في التمثل اليومي المشترك على الكائن البشري (الإنسان) دون غيره من الكائنات الأخرى. فالشخص ليس حيوانا، كما أنه ليس موضوعا (شيئا). لذلك فالشخص يتوفر على هوية خاصة قد يستمدها من طبيعته العقلية، أو من إحساساته وأفعاله، أو من بعده الروحي الداخلي، أو إرادته في الحياة. كما أن الشخص له قيمه قد تظهر إما من طابعه الاجتماعي الذي يجعل منه عضوا اجتماعيا يعي أهمية الحياة الاجتماعية، وإما من دوره كذات أخلاقية غايتها خدمة الإنسانية في شخصها، وفي شخص الآخرين، والشخص أيضا قد يظهر كنتاج لبعض الضرورات التي قد تشرط وجوده، وتفقده مقوماته كذات حرة ومريدة.

إشكالية المحور

ما هو الأساس الذي تقوم عليه هوية الشخص...؟


موقف جوب لوك: الهوية والشعور
تتمثل هوية الشخص في كونه كائنا عاقلا قادرا على التفكير والتأمل بواسطة الشعور الذي يُكون لديه عن أفعاله الخاصة، حيث لا يمكن الفصل بين الشعور والفكر، لأن الكائن البشري لا يمكن أن يعرف أنه يفكر إلا إذا شعر أنه يفكر. وكلما امتد هذا الشعور ليصل إلى الأفعال والأفكار الماضية، اتسعت وامتدت هوية الشخص لتشمل الذاكرة، لأن الفعل الماضي صدر عن الذات نفسها التي تدركه في الحاضر. إن هذا الشعور هو الذي يشكل الهوية الشخصية للفرد التي تجعله يشعر أنه "هو هو" لا يتغير، كما تجعله يشعر باختلافه عن الآخرين.

موقف ديكارت: الفكر هو ما يمثل هوية الشخص
هوية الإنسان عنده، تتحدد انطلاقا من المذهب العقلاني، والذي يفيد بأن العقل هو نور فطري يمثل وحده جوهر الذات، فبدونه لا يمكن للشخص أن يعي الوجود ويبلغ الحقائق، ف يؤكد إذن على أن الفكر هو ما يمثل هوية الشخص، ف "الأنا أفكر" أو الذات المفكرة هي ما يشكل الهوية الشخصية للإنسان نظرا لكونها الحقيقة اليقينية التي تتمخض عنها تجربة الشك.إذن، فهو يعتبر أن الشخص كائن مفكر، مريد، متخيل، له إحساس، لكنه في النهاية، هو كائن يبني معارفه ووجوده، معتمدا على فعل الشك. وهذا ما نجد له صدى في عبارة الكوجيطو الشهيرة "أنا أفكر إذن أنا موجود".وعادة ما يعبر عن الكوجيطو الديكارتي بما يلي: "من الواجب ان اشك في كل شيء ولكن الشيء الذي لا يمكنني ان اشك فيه هو أنني اشك، وبما أنني اشك فأنا أفكر، وبما أنني أفكر فأنا موجود".

موقف شوبنهاور: الإرادة كأساس لهوية الشخص.
يرى أنه بالرغم من التحولات التي يحملها الزمن إلى الإنسان، فإنه يبقى فيه شيء لا يتغير، وهو الذي يمثل نواة وجوده التي لا تتأثر بالزمن. وهذا الشيء لا يتمثل في الشعور المرتبط بالذاكرة والماضي، لأن أحداث الماضي يعتريها النسيان، والذاكرة معرضة للتلف بسبب الشيخوخة أو المرض. وأيضا هذا الشيء غير مرتبط بالعقل والتفكير الذي ليس إلا وظيفة بسيطة للمخ. وليس في الجسم لأن هذا الأخير يتغير عبر السنين، سواء على مستوى مادته أو صورته.
من هنا يرى أن أساس هوية الشخص ونواة وُجُودِهِ تتوقف على الإرادة (أي في أن نريد أو لا نريد)، إرادة الحياة التي تظل ثابتة فينا حتى عندما ننسى ونتغير كلية، وهي التي تمثل ذاتنا الحقيقية والمحركة لِوَعيِنا وذاتنا العارفة.


خلاصة
يتبين إذن ان الإنسان بوصفه شخصا، يمتلك هوية ثابتة أساسها الوعي أو الشعور والذاكرة أو إرادة الحياة ... والاختلاف الملحوظ بين الفلسفات حول تحديد طبيعة الهوية الشخصية، يرجع إلى تباين المنظورات المعتمدة (نزعة عقلانية – تجريبية- تشاؤمية...).لكن الاهتمام الفلسفي بمفهوم الشخص لا يشتغل عليه من حيث هو كائن وجوهر فقط، بل اهتم الفلاسفة بالشخص بوصفيه قيمة وغاية أيضا، فكيف ذلك وبأي معنى.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button