أين الصحافة الساخرة الآن؟بقلم نجم الدين الشرابي

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية أين الصحافة الساخرة الآن؟بقلم نجم الدين الشرابي

أين الصحافة الساخرة الآن؟بقلم نجم الدين الشرابي

الناظر لتاريخ الصحافة العربية، يجد عدداً ضخماً من المجلات الساخرة التي كان لها رواجاً وتأثيراً كبيراً أوائل القرن الماضي، إلا أن المتابع لواقع الصحافة الساخرة في السنوات الأخيرة، يجد أنها تكاد تكون قد اختفت لأسباب على الأغلب تعود لتضييق الرقابة على الصحافة الساخرة، التي تنتقد السلطة، والسلبيات الناتجة عنها وانعكاسها على المجتمع.
ويرى الدكتور صفوت العالم الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة: "أن الصحافة الساخرة لم تعد ذات تأثير مثلما كانت من قبل، وهي صحافة قلة؛ لأنها مرتبطة بالوعي المستنير لدى القارئ. مؤكداً أن أي صحيفة ساخرة ستصدر ستواجه قيودا رقابية وستواجه حرباً في التوزيع"[1].
إذ إن هذه الضغوط المالية والمهنية والرقابية، تكبل الصحافة الساخرة، خاصة وأنها صحافة رأي، أكثر منها صحافة خبرية، كما أنها مقلقة للحكام، لذلك فهم يحاربونها؛ مما يجعلها تحتاج إلى جهد أكبر للتحايل على القيود الرقابية.
وقد نجد بعض المحاولات الحالية اليسيرة والمتفرقة في الدول العربية، والتي لم يكتب لجميعها الاستمرار، والمستمر منها لا يملك القوة نفسها، و التأثير ذاته! وربما لذلك استمر.
 ففي مصر على سبيل المثال كان من ضمن هذه المحاولات ملحق: «أيامنا الحلوة»، و«مجلة كاريكاتير» وملحق «المضحك» «اضحك للدنيا»، «الدبور»، «ابن البلد»، جريدة «الدستور».
وفي السودان تصدر حالياً «صحيفة الكاريكاتير» والتي يغلب عليها طابع التسلية على الطابع الساخر، إذ تشتمل معظم صفحاتها على كلمات متقاطعة وخانات أسهم.
وفي العراق صدرت جريدة الكاروك وهي جريدة أسبوعية ساخرة مستقلة، صدرت بـ 8 صفحات منذ عددها الأول في 18/8/2007م وحتى عددها (23) والأخير في 18/8/2008م .
وفي سورية صدرت صحيفة «الدومري» التي شكلت حالة جديدة أولى في الصحافة السورية بعد أربعين عاماً  من صحافة الصوت الواحد، هذه الصحيفة لم يكتب لها الاستمرار على الرغم من النجاح الإعلامي والجماهيري الباهر الذي حققته، والتأثير الكبير في الشارع السوري، ويعود الأمر لأسباب رقابية.
صحيفة سورية أخرى صدرت في الفترة الأخيرة اسمها: «الدبور» وهي جريدة أسبوعية ناقدة ساخرة مستقلة، تصدر صباح كل ثلاثاء، وتعرّف عن نفسها بأنها: لابد منها..: مع اشتداد ضربات الدبور في طول البلاد وعرضها، واستفحال الفساد احمرت عين الدبور من تطنيش المسؤولين وتسويفاتهم وضربهم الوعود إلى ما بعد التاريخ.. فنحيطكم علما أننا استبدلنا البرتقالي بالأحمر. وهو أخطر أنواع الدبابير والقاتل.. فالحاضر يعلم الغايب.. والسامع يبلغ.. فالقادم أتٍ.. وإن غداً لناظره قريب..!؟ إلا أنها لم تصل في إبداعاتها وجرأتها لمستوى الدومري وربما لذلك هي مستمرة.
فيما اكتفى البعض بتخصيص صفحات ساخرة داخل الجرائد والمجلات، مثل: صحيفة الثورة في سورية، أو إصدار كتاب دوري ساخر مثل «مجانين» الذي يصدره اليونسكو بالتعاون مع كبريات الصحف العربية اليومية.
إلا أنه ورغم كل التضييق الذي تعاني منه الصحافة الساخرة، نجد السخرية قابعة رغم أنف الجميع في صفحات الجرائد والمجلات، وفي مقالات وزوايا لبعض الكتّاب والصحفيين.
حتى قيل أن المجلات والصحف الساخرة هي فقط التي اختفت...  وليس الكتابة الساخرة.
ولعل ما يثبت هذه المقولة انتشار ظاهرة جديدة جداً؛ وهي إنشاء صفحات ساخرة في المواقع الاجتماعية كالفيس بوك وتوتير، والتي انطلقت وواكبت الثورات الشبابية التي شهدها العالم العربي خلال عام 2011م، والتي أطاحت بالنظام التونسي والمصري والليبي واليمني.

وقد يفسر وجود هذه الظاهرة مؤخراً ارتفاع سقف الحرية. وارتفاع صوت الشعوب، فتفجرت طاقات الكتّاب ورسامي الكاريكاتير، بل والناس بشكل عام في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت ظاهرة المواطن الصحفي الذي بدأ ينشر الخبر، ويعبر عن رأيه فيما يحدث حوله من تغييرات وأحداث سياسية واقتصادية واجتماعية،  إذ وجدت السخرية انتعاشاً في الساحة العربية، ممثلة في النكتة السياسية التي انتشرت ودونت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فغدت بمثابة مؤرخ لحالة الشعوب الغاضبة وخطابات حكوماتها التي جاءت محاولة تهدئة هذه الثورات؛ حتى تبقى في مناصبها بتشبث جعلها مجال سخرية ونكات تتناقلها الألسن ومواقع التواصل الاجتماعي، مكتوبة أو بالصوت والصورة أو بالرسوم الكاريكاتيرية حتى أنشأت صفحات نكات جديدة على هذه المواقع تواكب الأحداث والمستجدات، وترصدها بالنكات الساخرة أولاً بأول.
مما جعل ظاهرة النكات العربية الساخرة تنتشر وتخصيص صفحات لها على الإنترنت خاصة في المواقع الاجتماعية كموقع الفيس بوك وتويتر، حيث لا يحتاج الأمر لتصريح من جهات رسمية، كما لا يمكن لمقص الرقيب أو حارس البوابة أن يقترب من حدود الإعلام الجديد.
لذلك تدفقت الصفحات الساخرة السياسية بقوة مرافقة ثورات الشعوب، ومعبرة عن آرائهم ومشاعرهم التي حملت الكثير من النكات والتعليقات الساخرة، في حين بقيت المقالات الساخرة على ندرتها لأنها الفن الأصعب ممارسة واحترافية.
وتختلف النكتة الساخرة عن الصحافة الساخرة، ولا مجال الآن لذكر الفروقات إلا أني سأفرد لها مقالاُ خاصاً في مرات مقبلة، أتحدث فيه عن مفهومها وتأثيرها على الرأي العام ومواقف الحكّام منها.

وفي تويتر (موقع التواصل الاجتماعي) انتشرت العديد من الهاشتاقات[2] السعودية الساخرة، والتي تتمحور حول موضوع معين يشارك فيه الناس بآرائهم بشكل ساخر وناقد، ومنها ما يعالج قضايا جوهرية ومحورية، ومنها ما ينشأ على سبيل التسلية ليس إلا.
ومن الهاشتاقات الساخرة الهادفة # _ أسماء تجارية _ شاطحة، # نظرة خاطئة _ في _ _ مجتمعي، # _ لا _ لمرشح الصين،  # _ أسخف عذر _ للمخطئ، # _ الجاهل _ المجتمع هو،
 # _ معاناة خريجات ​​الكلية _ _ المتوسطة مابين التعليم والعمل والخدمة المدنية. #عندما_أسيطر_على_العالم، #كبرت_وعقلت_وللحين، # جريمة_سويتها_وأنا_صغير، # عجباً_لمن
# شي_تسويه_كل_يوم_وتندم، وغيرها كثير.... إذ تظهر في اليوم الواحد العديد من هذه الهاشتاقات التي يتفاعل معها المتابعون بشكل لافت.

ولعل انتعاش السخرية مؤخراً دليل على ارتباطها القوي والوثيق بحرية التعبير، والرغبة في التغيير. وكذلك ارتباطها بصوت الشعب، ولذلك بدت واضحة الظهور في عصر الإعلام الجديد، حيث أصبح لكل مواطن فرصة التعبير عن نفسه وآرائه بحرية ووضوح. ويحضرني هنا قول الدكتور زكريا إبراهيم: "من يدري فربما يأتي اليوم الذي نسخر فيه من حماقات أمم بأسرها أشعلت بسخافاتها نار الحرب العالمية؟ وعندئذ قد تفعل الفكاهة ما لم تستطع هيئة الأمم أن تفعله؛ إذ تصبح أداة سيكولوجية ناجعة لصيانة السلم في العالم أجمع"[3]

 
[1] محمد أبو زيد، هل فقدت"مصر" صحافتها الساخرة، المجلة المصرية نون، بتاريخ 9 ديسمبر 2008م

[2] الهاش تاق؟ مصطلح اقترن بموقع التواصل الاجتماعي "تويت"  وهو كلمة تأتي بعد هذه العلامة # الفائدة منه حصر جميع المشاركات التي تتحدث بموضوع ما بصفحة واحدة بغض النظر عن متابعتك للمتوتر.

[3] زكريا إبراهيم، سيكولوجيا الفكاهة والضحك، مرجع سابق، ص 27

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button