علمتنا المقررات الجامعية في كلية الإعلام أن للصحافة أنواعاً، ولكل من هذه الأنواع خصائص ومميزات، ودرسنا فنون الكتابة الصحفية وأشكالها.
وعلمنا أن للصحافة ألواناً هي غير تلك الألوان التي يحتاجها المخرج في عملية الإخراج الصحفي، وإنما هي ألوان أخرى لا تحدد شكل المقال، وإنما مضمون العمل التحريري والأسلوب المستخدم فيه، فعرفنا أن هناك الصحافة الصفراء والصحافة السوداء والصحافة الرمادية.
وكشفت لنا حياتنا المهنية وممارستنا العملية لمهنة الصحافة عن ألوان أخرى لم يجسدها العلم الإعلامي كمصطلح إلا أنها بدأت تظهر ألوانها جلية في الخطاب الإعلامي.
الصحافة الصفراء:
صحف تعيش على الرأي العام اليومي تتلقف الأحداث اليومية وتجعل منها العناوين الضخمة، هدفها جذب القراء وإثارة انتباههم.
وتؤكد من ناحية أخرى على الموضوعات الفاحشة والمكشوفة والمثيرة بغرض الإثارة بشكل واضح لتحقيق الربح والكسب المادي بغض النظر عما تقدمه من موضوعات، وبذلك لا تهتم بالمبادئ الاجتماعية والأخلاق الإنسانية والقيم الخلقية والمثل العليا، حيث إنها تثير الجمهور بموضوعات غير خلقية ومجردة من القيم والمثل لذلك أطلق عليها عدد كبير من الباحثين صحافة الإثارة.
الصحافة السوداء:
بدأت هذه الصحف بالصدور في القرن الماضي بالولايات المتحدة للدفاع عن حقوق الأقلية السوداء في الحصول على فرص متساوية في العمل والأجر، وما تزال هذه الصحف تصدر في الولايات المتحدة إذ يشعر السود الأمريكيون بحاجتهم إلى هذه النوعية من الصحف.
الصحف الرمادية:
صحافة التضليل وقلب الحقائق بذكر الوقائع..
ألوان أخرى امتزجت بها صحافتنا المعاصرة لم يجسدها العلم الإعلامي كلون من ألوان الصحافة لكن الواقع فرض ألوانها...
الصحافة الحمراء:
طغت وبقوة على صحافتنا أخبار القتلى والشهداء من أشقائنا في العراق وفلسطين والأبرياء في كل مكان في هذا العالم..
أخبار الدم أصبحت تتصدر صحفنا ومواقعنا ومجلاتنا، وصور الجثث المتفجرة مشهد اعتادت أعيننا على رؤيته صباح كل يوم، يطل علينا مع فنجال القهوة الصباحي ليقول لنا "يدمي صباحكم"!
الصحافة البرتقالية:
لا يتعلق الأمر بالأخبار الفنية التي عنيت لفترة من الزمن بأخبار البرتقالة التي تطورت مع مرور الوقت إلى الباذنجانة!، وإنما بسجن يعد من أكثر سجون العالم وحشية وامتهاناً للكرامة البشرية "فضيحة زماننا" حسب وصف منظمة العفو الدولية له.
اتسمت ألوانه بلون البزة التي يرتديها ضحاياه، هؤلاء الذين يحجزون لفترات غير محدودة دون توجيه أي تهم إليهم أو السماح لهم بالاتصال بالمحامين..
لا يخبرنا الإعلام عنهم وعن حقيقة ما يدور في هذا السجن إلا أن قاطنيه يرتدون بزة برتقالية اللون وعدسات الإعلام لا تلتقط إلا صورهم وهم يخطون بتثاقل في بذاتهم البرتقالية هذه.
الصحافة الزرقاء:
منذ أن تم إعلان رئيس الوزراء العراقي "المالكي" لمقتل أبو مصعب الزرقاوي واصطبغت الصحف والمواقع وبخاصة الأجنبية منها بأخبار الزرقاوي من تقارير وحوارات وتحليلات سياسية.. نصر رأت الإدارة الأمريكية أنها حققته لتعيد الصورة المشرقة إلى أجهزتها الاستخباراتية التي سجلت هزيمة في العثور أو الوصول إلى الزرقاوي طوال الفترة الماضية.
نصر جعل بوش يعلن للعالم عبر مؤتمر صحفي أعقب عملية الاغتيال أن هذه العملية الناجحة قام بها أفضل جيش في العالم!..
وحيث كانت صحفهم وبعض من صحفنا التي عقبت على خبر الاغتيال مزرقة.. صحف أخرى غلب اللون الأخضر على الكثير من صفحاتها..
الصحافة الخضراء:
الإعلام والإعلان والمسابقات اصطبغت باللون الأخضر.. تنادي الصحافة الخضراء بتشجيع الأخضر من خلف حضور فريد من نوعه لمباريات المونديال كمبادرة ممتازة عبر نقل حي ومباشر عبر الإذاعة في زمن الفضائيات!.. في زمن كان للاحتكار سطوته وجبروته.
قنوات أخرى ظهرت فيها أحداث المونديال أشبه بالرسوم الكرتونية التي نشاهدها في قصص الأطفال المكتوبة "غير المتحركة" للاعبي مونديال 2006 كخدمة مميزة تقدمها للمشاهدين لمتابعة وتشجيع الأهداف مسبقة الصنع!
أخبار الأحداث المرافقة لمشاركة الأخضر كانت أوفر حظاً من المباريات لرصد التشجيع الذي يلقاه الأخضر من شعبه شباباًَ وبناتٍ حيث نشرت الصحف ما قامت به مجموعة من الفتيات السعوديات بابتداع طرق جديدة لدعم الأخضر من خلال رسم شعار المنتخب على الأسنان وأظافر اليد وخلفيات العباءات النسائية، بحسب ما ذكر بشر الشعار مسؤول العلاقات العامة بقصر المداواة الطبي للعربية نت عن الإقبال المتزايد من فئة الفتيات، مبيناً أن تكلفة الرسم تتجاوز 900 ريال للسن الواحدة، وأشارت خبيرة التجميل "منى سالم" إلى أنه تم ابتداع قصات شعر مؤخراً من قبل الفتيات تحمل مسميات رياضية وكروية منها "قصة الكورة" التي هي عبارة عن قصة مستديرة متساوية تتدرج من الأعلى للأسفل لتعطي الشعر شكلاً كروياً كثيفاً، وأشارت إلى أنه ظهرت موضة الرسم أخيراً على الأظافر بواسطة قلم الحناء مع استخدام ألوان الصبغ بألوانه الكروية المشجعة للمنتخب.
بينما بلغ سعر العباءة التي رسم عليها العلم السعودي أو شعار المنتخب 2000 ريال سعودي.
رصد هذه الأخبار وما تخلفه المباريات من نتائج وأحداث كان الأسهل من نقل المباريات ذاتها وسط الجشع الإعلامي وازدياد نهم تجار البث الفضائي.
احتكار بث حدث ما أياً كان نوعه سلوك إعلامي قاصر ومخز في زمن تدفق المعلومات وتنامي دور الإعلام الذي شهدنا جموده في نقل الحدث والصورة في مونديال 2006.. في زمن كانت الأهداف الحربية تسجل أولا بأول بعدسة عربية وسط القذائف والدم في نقل حي ومباشر، بينما الأهداف في الملعب تتنقل إلينا عبر صور جامدة!
وناهيك عن الاحتكار والصور الجامدة والبث الإذاعي لكرة القدم.. هناك شعب عربي يبحث عن النصر حتى ولو عبر كرة في ملعب.
والغريب بل العجيب أن نحزن ونتأثر إذا وصلت كراتهم مرمانا، رغم أننا اعتدنا على أن نملأ مرمانا بكراتهم العلمية والحربية والرياضية أيضاً، فهل سيكون لنا في الرياضة هذا العام حظ أوفر؟
صحافتنا الخضراء تزرع فينا الأمل، والصحافة الزرقاء تمجد فيهم النصر، الصحافة الرمادية تجعلنا نلف والعالم حول أنفسنا ننشد الحقيقة، والصحافة البرتقالية محجوب عنها وعنا الحقيقة، والصحافة الصفراء تأخذنا بعيداً عن واقعنا.. وحدها صحافتنا الحمراء وللأسف تعكس لنا حقيقة الواقع الذي نعيشه