آليات تأثير الرسوم الساخرة في الصحافة بقلم د. سلام نجم الدين الشرابي

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية آليات تأثير الرسوم الساخرة في الصحافة بقلم د. سلام نجم الدين الشرابي

آليات تأثير الرسوم الساخرة في الصحافة بقلم د. سلام نجم الدين الشرابي

الرسوم الساخرة لها تأثير يفوق الكلمات؛ لما تتميز به كـفن يختلف عن الكتابة. وخصائصها، تجعلها مؤهلة لتصل لأكبر شريحة ممكنة على اختلاف الأعمار والثقافات والجنسيات واللغات.
ومن آليات التأثير هذه:
-        استخدامها لغة عالمية: إذ تستطيع الرسوم الساخرة أو الكاريكاتير "الوصول إلى السواد الأعظم من الناس ابتداء من الأمي، إلى أولئك الذين يشغلون مناصب عليا في الدول، وهذا ما جعل وليام ماري تويد أحد القادة لمجموعة سياسية في أمريكا في عام 1871م يغضب بسبب الرسوم الساخرة التي نشرت حينها قائلاً: "أوقفوا الرسوم اللعينة، إنني لا أعبأ بمقالاتكم الصحفية فأهل دائرتي لا يستطيعون القراءة، لكنهم سوف يقرؤون الرسوم اللعينة".
وهذه اللغة العالمية تجعله "يتعدى حدود اللغة، ويتحرر من إشكالية الفهم بالنسبة للهجة المحلية، ويؤثر في الشعوب كلها على مستوى العالم بلغته السهلة المحببة للنفوس؛ إذ ينفذ للأعماق، ويتبلور في الأفكار بقليل من التأمل، أما الأشكال الصحفية الأخرى فإن رسالتها تتعثر في الوصول وسط الأمية، واختلاف اللغة".
-        الحرية في استخدام الألوان والرسم عن طريق الكمبيوتر وهو ما يسمى "رسومات الديجيتل".
-        إمكانية استخدام الكلمات وتوظيف المفارقة أو الاستعارة وغيرها من الأساليب اللغوية في الكاريكاتير بالإضافة إلى الرسومات.
-        مواكبة الأحداث والمستجدات و"رصد التغييرات التي تلحق بسمات الهوية القومية في سياق تاريخي محدد، سواء بترجمة ذلك إلى شخصيات ورموز، تمثل سمات هذه الهوية أو نقله للمفاهيم والقيم الجديدة التي تطرأ على الهوية القومية، نتيجة التغيير في المحيط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
-        الرسوم الساخرة تعطي لغة بصرية جميلة، وتجدد النشاط والحيوية. وتحطم جدار الرتابة الذي تتركه الكلمات المصطفة في المقالات والتحقيقات والافتتاحية والتقارير.
-        السهولة في طريقة عرض الرسوم الساخرة للمعلومات تجعلها تختزل الوقت على القارئ ليفهم الفكرة.
-        بعث روح المتعة والترويح للنفس" وقيل: إن القارئ العادي للصحيفة- كما دلت الإحصائيات الكثيرة على ذلك- يلقي نظرة سريعة على العناوين البارزة فيها، ثم يقلب صفحاتها على عجل؛ بحثاً وراء الفكاهات والصور الكاريكاتورية ونحوها.
-        يخاطب الرسم الساخر القوة الإدراكية لدى المستقبل، ويصل إليها قبل أن يخاطب الدرجة العلمية المكتسبة، فقد يستوقف الرسم شخصاً أمياً، ويطيل النظر إليه ويشقق منه معان دقيقة بعيدة المدى، لا تدور في ذهن العالم الذي قد ينظر إلى هذا الرسم على أنه لا شيء يلفت الانتباه".
-        استخدام أسلوب التلميح دون التصريح، وقول ما لا يمكن قوله بالكلمات؛ لذلك فإن الصحيفة تصبح نافذة ومؤثرة بوجود الكاريكاتير فيها.

وصور تأثير الكاريكاتير على الساحة السياسية والرأي العام كثيرة، نذكر منها قصة "المصري أفندي" وهي شخصية كاريكاتورية، اختارتها فاطمة اليوسف" صاحبة الجريدة المعروفة "روز اليوسف" مع الصحفي محمد التابعي نقلاً عن الصحف الأجنبية، حيث وجدا فيها رجلاً يشبه المصري أفندي، يلبس قبعة ويحمل في يده مظلة، فاقتبسا شخصيته بعد أن ألبساه الطربوش ووضعا في يده المسبحة، وبدأ الرسام "صاروخان" عقب ذلك في رسم المصري أفندي. وتروي فاطمة اليوسف في مذكراتها أن روز اليوسف رسمت مرة المصري أفندي، وقد وضعته وزارة محمد محمود في إناء كبير كالذي يستعمله الهنود الحمر وهم يشعلون النار فيه.
فاستدعت النيابة صاروخان لتستجوبه في شأن هذه الصورة، بعد أن حقق معها بشأنها، فسأله وكيل النيابة من صاحب فكرة الصورة؟
السيدة روز اليوسف
ومن الذي أعطاك شخصية المصري أفندي؟
السيدة روز اليوسف
ألا ترى هؤلاء ينفخون النار في المصري أفندي؟
لا أنا افتكرتهم بيطفؤها.
بقي المصري أفندي بعد هذه القضية رمزاً للرجل المصري العادي المخلص الطيب القلب.

هذه القصة تبين لنا مدى قوة تأثير الكاريكاتير في الرأي العام، وهو ما اتضح أيضاً من خلال الدراسة التي أجريتها،  حيث حظي الكاريكاتير بالنسبة الأكبر لكونه أكثر الفنون الصحفية تأثيراً في تناول قضايا المجتمع والمواطن، حيث بلغت نسبة اختياره كأكثر الفنون الصحفية تأثيراً 39%، وهذا متوقع إذ إن الكاريكاتير له من التأثير ما يفوق كثير من الكلمات، ويواكب سرعة العصر ووقت القارئ، إذ تصل فكرته بمجرد نظرة خاطفة عليه. و يقال إن أكثر من ثلاثة قراء من كل خمسة يرضون بالكاريكاتير.
 يقول عنه الأستاذ عاطف مصطفى في مقال له نشر في مجلة الهلال: "إن رسم صورة واحدة ناجحة تحدث هزة سياسية أو اجتماعية، لا تستطيع أن تظفر فيها أية مقالة من مقالات الكتّاب، كما أن الصورة الكاريكاتورية الناجحة تحدث من الأثر والتأثير في نفس القارئ أكثر مما تحدثه حملات كبار الصحفيين، وكم أسقطت الصورة الكاريكاتورية وزراء، ووزراء، وكم أثرت في المجتمع التي رسمت من أجله، كما قد يؤثر الكاريكاتير في الشعوب كلها على مستوى العالم بلغته السهلة المحببة للنفوس".
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى سبب آخر في تصدر الكاريكاتير كأكثر الفنون الصحفية تأثيراً، بنظر العينة وهو أن كثيراً من الناس يعتقد أن الصحافة الساخرة مقتصرة على الكاريكاتير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
ـ سليمان بن محمد الشبانة، الرسوم الساخرة في الصحافة.
ـ محمود عبد الله كلّم، ناجي العلي، كامل التراب الفلسطيني، من أجل هذا قتلوني.
ـ عبد اللطيف حمزة، المدخل في فن التحرير الصحفي.
ـ جمال الدين الرمادي، صحافة الفكاهة وصانعوها، مذاهب وشخصيات.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button