ليس من اليسير رصد البدايات الأولى لتاريخ العمل الصحفي في تاريخ الإنسان، ذلك أن تدوين المعلومات بغية نشرها من خلال الصحف تعود إلى الحضارة اليونانية، فقد كانت السلطة تدوّن الأخبار والقرارات التي ترغب في إبلاغها للمواطنين على أوراق تلصق على الجدران في أماكن مخصصة، بغية إعلامها للناس.
كما عرف عن العرب قبل الإسلام أنهم كانوا يعلقون المواثيق والعهود على جدار الكعبة بغية إعلانها على الملأ، إضافة إلى أنهم كانوا يختارون من القصائد أجملها ويعلقونها على جدار الكعبة لجعلها مقروءة، وكان ذلك يقوم مقام النشر في العصور الحديثة، لأنها أشبه ما تكون بصحف اليوم، وبلغ أثر المعلقات في الحياة الاجتماعية قبل الإسلام حداً جعلها هدفاً للوافدين إلى مكة على اختلاف شرائحهم للوقوف على ما يجري فيها من نشاطات وأحداث ومستجدات تتصل بالحياة السياسية والتجارية والأدبية.
أما في العصور الحديثة، فقد ظهرت الصحافة للوهلة الأولى في عصر النهضة، على هيئة رسائل إخبارية تكتب باليد ويتداولها التجار المعنيين بها، وغالباً ما كانت تتضمن شرحاً للأحداث التي تتعرض لها الدول بما في ذلك أخبار الحروب، والأوضاع الاقتصادية، والأعراف الاجتماعية والعادات والتقاليد، وغالباً ما كان التجار يستفيدون منها لمعرفة أفضل الطرق لتسويق سلعهم في البلاد المختلفة.
منذ عام 1597 أخذت تظهر صحف أمستردام، وهي أولى المنشورات المطبوعة المنتظمة، في كل من ألمانيا وسويسرا وبلجيكا باللغات الإنكليزية والفرنسية، وتسلك طريقها إلى باريس ولندن، وغالباً ما كانت هذه الصحف تخضع لمراقبة الحكومات المحلية، وتأخذ منها الموافقات الرسمية على النشر، وكان لهذه الدول حق التدخل في إدارة المؤسسات الصحفية، وانتقاء الأخبار وتوزيع المطبوعات، وما له صلة باتخاذ القرارات.
غير أن تطورات كبيرة للصحف ظهرت في المراحل التالية لعصر النهضة، وخاصة مع انتشار الطباعة، واستخدام تقاناتها، فقد أصبحت تتناول فيما بعد موضوعات اجتماعية وثقافية وسياسية متنوعة، إضافة إلى أنها أصبحت، مع تزايد إمكانية التحكم بها، قادرة على توجيه الرأي العام والتحكم به، ولهذا ازداد الاهتمام بها من قبل القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة، لما لها من تأثير في توجيه السلوك الإنساني تبعاً للغايات التي تتطلع إليها هذه القوى. وسرعان ما أسهم ذلك في ظهور المطبوعات الدورية (الأسبوعية والشهرية والفصلية) التي استخدمت وسائل إيضاح جديدة ومثيرة وصور للأحداث والأشخاص ذات العلاقة بالموضوعات التي تتناولها هذه الصحف.
وفي بدايات القرن العشرين، أخذت تكتمل الملامح العامة للصحافة، وأخذ دورها في توجيه الرأي العام يزداد أيضاً، وظهر ذلك بأوضح صورة له في الحربين العالميتين، فقد انتشر المراسلون العاملون في المؤسسات الصحفية في مختلف بقاع العالم، لرصد تغيراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولتوظيف الأخبار والمعلومات، لما يفيد الجهات المنتجة لها من سياسيين واقتصاديين واجتماعيين ودعاة دينيين.