ولوغ الكلب في الإناء

إعلان الرئيسية

ولوغ الكلب في الإناء
لقد شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن مخالطة الكلاب، وهي سباع مدجنة فيها من الطفيليات والجراثيم الدقيقة الشيء الكثير، والتي قد تسبب للإنسان أخطاراً محققة, روى الإمام مسلم وأبو داوود والبيهقي عن أبي طلحة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب»(1).
وقال أيضاً: «من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط»(2).
وعن أبي هريرة رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «من أمسك كلباً فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط إلا كلب حرث أو ماشية»(3).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب»(4).
وقال أيضاً: «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً»(5), ويشير هذان الحديثان الأخيران الواردان عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة إراقة الإناء الذي ولغ فيه الكلب وتطهير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بغسله سبع مرات أولها بالتراب، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحيوانات الشديدة الضرر على صحة الإنسان كالفأرة من القوارض والغراب والحدأة من الطيور الجارحة، والكلب العقور من السباع المدجنة، والحية من الزواحف.
البيان العلمي:
أكّد الأطباء على ضرورة استعمال التراب في عمليّة غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب وبينوا سبب ذلك، حسب التفصيل الآتي:
بين الأطباء السر في استعمال التراب دون غيره في مقال (للصحة العامة) جاء فيه: "الحكمة في الغسل سبع مرات أولاهن بالتراب: أن فيروس الكلب دقيق ومتناهٍ في الصغر، ومن المعروف أنه كلما صغر حجم الميكروب كلما زادت فعالية سطحه للتعلق بجدار الإناء و التصاقه به، و لعاب الكلب المحتوي على الفيروس يكون على هيئة شريط لعابي سائل، ودور التراب هنا هو امتصاص الميكروب -بالالتصاق السطحي- من الإناء على سطح دقائقه(6).
و قد ثبت علمياً أن التراب يحتوي على مادتين قاتلتين للجراثيم حيث: " أثبت العلم الحديث أن التراب يحتوي على مادتين (تتراكسلين) و (التتاراليت) و تستعملان في عمليات التعقيم ضد بعض الجراثيم"(7).
إن الحمة المسببة للمرض متناهية في الصغر، و كلما قلَّ حجم الحمة ازداد خطرها، لازدياد إمكانية تعلقها بجدار الإناء، و التصاقها به، و الغسل بالتراب أقوى من الغسل بالماء، لأن التراب يسحب اللعاب و يسحب الفيروسات الموجودة فيه بقوةٍ أكثر من إمرار الماء، أو اليد على جدار الإناء، و ذلك بسبب الفرق في الضغط الحلولي بين السائل (لعاب الكلب) وبين التراب، وكمثال على هذه الحقيقة الفيزيائية إمرار الطباشير على نقطة حبر(8), ومعلوم أن مادة الطباشير وهي الجبس هي أحد مكونات التراب.
وتوقع بعض الأطباء الباحثين أن يجدوا في تراب المقابر جراثيم معينة بسبب جثث الموتى، لكن التجارب والتحاليل أظهرت أن التراب عنصر فعال في قتل الجراثيم... وهذا ما أعلنه مجموعة من الأطباء بقولهم: " قام العلماء في العصر الحديث بتحليل تراب المقابر ليعرفوا ما فيه من الجراثيم، وكانوا يتوقعون أن يجدوا فيه كثيراً من الجراثيم الضارة، وذلك لأن كثيراً من البشر يموتون بالأمراض الإنتانية الجرثومية، ولكنهم لم يجدوا في التراب أثراً لتلك الجراثيم الضارة المؤذية... فاستنتجوا من ذلك أنّ للتراب خاصية قتل الجراثيم الضارة، ولولا ذلك لانتشر خطرها واستفحل أمرها، و قد سبقهم النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ إلى تقرير هذه الحقيقة بهذه الأحاديث النبوية الشريفة"(9).
قال محمد كامل عبد الصّمد: "وقد تبيّن الإعجاز العلمي في الحثّ على استعمال التراب في إحدى المرّات السّبع؛ فقد ثبت أنّ التراب عامل كبير على إزالة البويضات والجراثيم، و ذلك لأنّ ذرّات التراب تندمج معها فتسهّل إزالتها جميعاً(10).. كما قد يحتوي التراب على مواد قاتلة لهذه البويضات..".
ولقد توصل العلم إلى حقائق مذهلة فيما يتعلق بنجاسة الكلاب وإليك بعض أقوال بعض أهل الاختصاص:
قال الدكتور الإسمعلاوي المهاجر: " أكد كشف طبي جديد حقيقة ما أوصى به نبي الإسلام محمد- صلى الله عليه و سلم- عندما حذر الأطباء من أن لمس الكلاب ومداعبتها والتعرض لفضلاتها أو لعابها يزيد خطر الإصابة بالعمى، فقد وجد أطباء بيطريون مختصون أن تربية الكلاب والتعرض لفضلاتها من براز وبول وغيرها، ينقل ديدان طفيلية تعرف باسم" توكسوكارا كانيس" التي تسبب فقدان البصر والعمى لأي إنسان، و لاحظ الدكتور إيان رايت- أخصائي الطب البيطري في سومر سيت- بعد فحص 60 كلباً، أن ربع الحيوانات تحمل بويضات تلك الدودة في فرائسها، حيث اكتشف وجود 180 بويضة في الغرام الواحد من شعرها، وهي كمية أعلى بكثير مما هو موجود في عينات التربة، كما حمل ربعها الآخر 71 بويضة تحتوي على أجنة نامية، وكانت ثلاثة منها ناضجة تكفي لإصابة البشر، وأوضح الخبراء في تقريرهم الذي نشرته صحيفة " ديلي ميرور" البريطانية، أن بويضات هذه الدودة لزجة جداً ويبلغ طولها ملليمتراً واحداً، ويمكن أن تنتقل بسهولة عند ملامسة الكلاب أو مداعبتها، لتنمو وتترعرع في المنطقة الواقعة خلف العين، وللوقاية من ذلك.
ينصح الأطباء بغسل اليدين جيداً قبل تناول الطعام و بعد مداعبة الكلاب، خصوصاً بعد أن قدرت الإحصاءات ظهور 10 آلاف إصابة بتلك الديدان في الولايات المتحدة سنوياً، يقع معظمها بين الأطفال، وقد أوصى نبي الإسلام محمد -صلى الله عليه و سلم- منذ أكثر من 1400 سنة، بعدم ملامسة الكلاب و لعابها، لأن الكلب يلحس فروه أو جلده عدة مرات في اليوم، الأمر الذي ينقل الجراثيم إلى الجلد والفم واللعاب فيصبح مؤذياً للصحة "(11).
وقال الدكتور عبد الحميد محمود طهماز: " ثبت علمياً أن الكلب ناقل لبعض الأمراض الخطرة، إذ تعيش في أمعائه دودة تدعى المكورة تخرج بيوضها مع برازه، وعندما يلحس دبره بلسانه تنتقل هذه البيوض إليه، ثم تنتقل منه إلى الأواني والصحون وأيدي أصحابه، ومنها تدخل إلى معدتهم فأمعائهم، فتنحل قشرة البيوض وتخرج منها الأجنة التي تتسرب إلى الدم والبلغم، وتنتقل بهما إلى جميع أنحاء الجسم، وبخاصة إلى الكبد لأنه المصفاة الرئيسية في الجسم... ثم تنمو في العضو الذي تدخل إليه وتشكل كيساً مملوءاً بالأجنة الأبناء، وقد يكبر الكيس حتى يصبح بحجم رأس الجنين، ويسمى المرض: داء الكيس المائي وتكون أعراضه على حسب العضو الذي تتبعض فيه، وأخطرها ما كان في الدماغ أو في عضلة القلب، ولم يكن له علاج... سوى العملية الجراحية".
وقد أكد الأطباء على خطورة هذه الدودة واللعاب الذي تسبح فيه فقرروا أن: " المرض ينتقل في غالب الأحيان إلى الإنسان أو الحيوان عن طريق دخول اللعاب الحامل للفيروس...إثر عضة أو تلوث جرح بلعابه", وقد بيّن مجموعة من الأطباء مكان استقرار هذه الدودة من أجهزة الإنسان بعد وصولها إلى الجسم من طريق لعاب الكلب فذكروا أن: " الدودة الأكينوكوكيّة تستقر في الرئة، و أحياناً في الكبد وبعض الأعضاء الداخلية الأخرى إلى نشوء كيس مملوء بالسائل ومحاط من الخارج بكبسولة من طبقتين، وقد يصل حجم الكيس أحياناً إلى حجم رأس الوليد، ويتطور المرض بشكل بطيء وتحتفظ الدودة الأكينوكوكيّة بالنمو داخل الكيس لعدة سنوات، ويتم انتقال العدوى إلى الإنسان من الكلاب"(12).
من أمراض الكلاب:
من خلال الإطلاع على أبحاث أهل الاختصاص وأقوالهم يمكننا استنتاج الآتي:
1- احتواء أمعاء الكلاب على أعداد كبيرة من الديدان الشريطية والتي تنتقل إلى الإنسان عن طريق ابتلاع بيضها الموجود في الطعام أو الماء الملوث ببراز الكلاب.
2- داء الكَلَب المعروف وبعض أنواع داء الليشمانيات, وداء الكلَب مرض خمجيٌّ خطير ٌ ينجم عن الإصابة بحمةٍ راشحةٍ، هي حمى الكلَب، هذه الحمى لها انجذاب عصبي في حال دخولها للجسم، كما أن نهاية المرض مميتةٌ في كل الأحوال.
تحصل الإصابة عند الإنسان من عضِّ الحيوان المصاب وذلك بدخول لعابه إلى الجرح، أي: حتى يصاب الإنسان يجب أن يلامس لعاب الكلب وكذلك أن توجد شجةٌ، أو جرح في الجلد، وفي هذه الحالة تنجذب الحمى إلى الأعصاب، وتنتشر في الخلايا العصبية، مؤدية إلى التهاب دماغي مميت.
3- مرض الكيسة المائية الكلبية والتي تكون الكلاب فيها هي السبب الغالب في إصابة الإنسان وحيواناته الأليفة والتي تتغذى على الجيف، ذلك لأن الكلب ينظف أسته بلسانه فتنتقل بويضات ديدان (الشريطية المكورة المشوكة) والتي تعيش في أمعائه إلى الإنسان عن طريق الطعام أو الماء الملوث بها وتسبب له (داء الكيسات المائية الخطير).
4- كثير من الأمراض الطفيلية وأخطرها مرض (عداري) والتي تسببه الدودة الشريطية (أكنوكاوكاس جرانيولوساس) والتي توجد في كل مناطق العالم التي تعيش فيها الكلاب على مقربة من الحيوانات الداجنة آكلة العشب(13).
وجه الإعجاز:
أما أوجه الإعجاز في هذه النصوص التي وردت في هذا المقال-ومثلها كثير- فالمتدبر فيها يلاحظ الإشارة الجلية أحياناً والإشارة الخفية أحياناً أخرى إلى عالم الكائنات الدقيقة وإلى المواد الضارة كمسببات للأمراض وحدوث العلل وانتشار الأوبئة بينما كان الناس في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل زمنه بل وبعده- حتى اكتشاف (باستير) الميكروبات- كانوا يعتقدون أن الأمراض تسببها الأرواح الشريرة والشياطين والنجوم ولا علاقة لها بنظافة أو نظام أو سلوك وكانوا يطلبون لها العلاج بالشعوذة والخرافات.
لقد شرع الإسلام للمسلم ووجهّه إلى كل طرق الوقاية من الأمراض والأخطار باجتناب أسبابها وتقوية كل وسائل الدفاع لمقاومتها والقضاء عليها، إن عالم الكائنات الدقيقة كان غيباً في زمن النبوة وبعده حتى القرن الماضي لكن التوجيهات الإسلامية في الطهارة والوضوء والغسل والنظافة في الملبس والمسكن وأماكن التجمعات، والتوجيهات في المأكل والمشرب والسلوك الخلقي العام والخاص والأوامر الكسبية لتقوية الجوانب الإيمانية في نفس الإنسان لتشير كلها بطريق أو بآخر إلى هذه العوالم الخفية التي تعيش داخل أجسادنا وفوقه وحوله وتهاجمنا وتهددنا وقد تفيدنا أو تهلكنا وهي موجودة بأعداد مذهلة وتتكاثر بأعداد فائقة وتصيب ملايين البشر بسمومها وأسلحتها بقدرة الله ومشيئته.
أيمكن أن يتكلم بشر عن هذه الحقائق الدقيقة منذ أربعة عشر قرناً من الزمان؟ اللهم إلا أن يكون كلامه وحياً يأتيه من عليم خبير بخلقه! حتى يرينا سبحانه آياته فنعرفها أنها من ربنا فنحمده على ما من علينا من تشريع وتكليف. قال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ للّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبّكَ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ [النمل 93].
وهكذا أثبت العلم سبق القرآن الكريم والسنة النبوية في الإشارة إلى الكائنات الدقيقة، ومسببات الأمراض. وقد قدم الإسلام للبشرية أيسر وأنجح السبل في القضاء عليها وحماية الإنسان ووقايته من أخطارها، ورأى العلماء بأعينهم صدق وحي الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحقيقاً لقوله تعالى: ﴿وَيَرَى الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ الّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ هُوَ الْحَقّ وَيَهْدِيَ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [سبأ: 6].
إعداد/ قسطاس إبراهيم النعيمي
راجعه/ عبد الحميد أحمد مرشد

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button