الإعجاز العلمي في قوله تعالى: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ :

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية الإعجاز العلمي في قوله تعالى: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ :

الإعجاز العلمي في قوله تعالى: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ :

الإعجاز العلمي في قوله تعالى:
﴿لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾
مقدمة:
إن أسمى نعمة أنعم الله تعالى بها على هذا الإنسان هي نعمة الإسلام، ولا يعرف قيمتها من لم يعشها ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النار»(1)، وبعد الإسلام نعمة العقل التي بها نميز الحق من الباطل والخير من الشر، وقد ذكر الله سبحانه في كتابه مشتقات العقل في مواضع كثيرة أعطى فيها له مكانة مهمة، ولكن المتدبر لآيات القرآن يجد أن الله تعالى: يذكر للعقل مكاناً غير الذي يعتقده الناس، ففي معرض وعيده للعصاة بسبب إعراضهم عن الهدى والمنهج القويم يقول سبحانه: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف: 179]، حيث نرى أن سبب إعراضهم عن الله هو عدم استخدام قلوبهم للتفكر والتدبر والتفقه، وفي آية أخرى نرى أن الله يندب العقلاء من الناس إلى السير والتدبر في هذا الكون ليعلموا أن الله ما خلق هذا باطلا؛ حاشا وكلا بل إنما سخر كل تلك المخلوقات للإنسان لينعم في الأرض وليؤدي دوره الذي أراده له دون تقصير أو تلكؤ فقال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46]، وقد كان الاعتقاد السائد إلى فترة قريبة عند كثير من الناس بل عند كثير من علماء العصر أن العقل مكانه الدماغ، خاصة وأنه أي الدماغ يحتوي على الملايين من الخلايا التي تخزن المعلومات، وفي الحقيقة لا يمكن مع توافر كل الأدلة الظاهرة للعيان أن يعتقد غير ذلك ونحن نرى أن المجنون إنما هو مصاب بعقله (دماغه) -كما يؤكد ذلك الأطباء- لا بقلبه.
فما رأيك أخي القارئ أن نتجول في رحاب القرآن وتفاسير المفسرين وأقوال العلماء واكتشافات المعاصرين لنكون على علم بما في هذا الكون من أسرار أودعها الله فيه؛ إذن لنتناول الموضوع من بدايته حيث سأتناول الآيات التي ذكرت هذا المعنى ثم نعرج على أقوال المفسرين ومن ثم نعود إلى ما كان من اكتشافات في عصر العلم والنهضة، وبعد ذلك يتسنى لنا وجه الإعجاز في هذا كله.
الآيات الواردة في مجال البحث:
تكرر ذكر القلب في القرآن أكثر من مائة وست وعشرون مرة، غير أني لم أتناول جميع الآيات تجنباً للإطالة وقصداً لما بعده حيث حاولت أن أفهرسها حسب نوع الورود وسياق الآية.
النوع الأول: من الآيات والتي تناولناها في المقدمة واضحة في كون العقل إنما محله القلب وهي:
1. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف: 179].
2. قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46].
وهذه الآيات سنتناولها بشيء من التفصيل في بحثنا هذا.
النوع الثاني: وهي آيات تتحدث عن إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى: ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 97]، وقال عز وجل: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾ [الشعراء: 193-194].
فالآيتان تخبران أن القرآن أنزل على قلب محمد لا على عقله، ولولا وجود النص لقلنا إن القرآن وحفظه يكون في الدماغ لأننا نرى من لا دماغ له (المجنون) لا يستطيع حفظ القرآن ولا تلاوته، ومعلوم أن المجنون له قلب بلا مرية في هذا.
النوع الثالث: وهي آيات تتحدث عن اليقين وصدق الإيمان.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 260]، وقال الله عز وجل: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: 10]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37].
وفي ما تقدم تتحدث الآيات عن الإيمان واليقين الذي ألقاه على كل من إبراهيم وأم موسى، والأصل أن الإيمان إنما هو علم يعقبه العمل، ولا شك أن العلم محله العقل فهل أن العقل هو في القلب ليطمئن قلب إبراهيم عليه السلام وكذلك أم موسى لتثبت في تلك المحنة؟
النوع الرابع: آيات فيها التشريع الرباني للبشر.
قال تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 283]، وقال الله عز وجل: ﴿مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل: 106]، وقال الله عز وجل: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ [الكهف: 28].
وفي ما تقدم من الآيات نرى أن الله يؤثّم قلب كاتم الشهادة مع أنه إنما كتمها بعد أن علمها، فأين كان موقع علمها يا ترى في القلب أم في الدماغ؟ وفي سياق الثبات عند المحنة إلا من اضطر لكلمة الكفر وهو مطمئن بالإيمان يطرح نفس السؤال هل الإيمان في القلب أم في الدماغ؟ وهل القلب سوى عضلة لضخ الدماء؟ أم هناك سر وراء هذه المضغة؟
النوع الخامس: آيات تتحدث عن قدرة الله عموما ًوفي المعرضين خصوصاً.
قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام: 110]، وقال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: 24]، وقال الله عز وجل: ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: 35]، وقال الله عز وجل: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 23]، وقال الله عز وجل: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التغابن: 11].
فنرى أن قدرة الله العظيمة كيف تحول بين المرء وقلبه وأن قدرته أو ما يسمى بالعلم السابق له سبحانه تقلب القلوب حسب مشيئته، وهو وحده بيده الهداية والضلال، هذا في العاقل البالغ، وكلنا يعلم أن المجنون ممن رفع عنه القلم، وهو إنما رفع عنه لما أسلفنا من ذهاب عقله، لا قلبه فكيف نجمع بين وجود القلب وذهاب العقل والله يخبرنا بأن العقل في القلب؟
النوع السادس: آيات تتحدث عن المآل في الآخرة.
قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء:88-89]، وقال الله تعالى: ﴿إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الصافات: 84]، وقال عز وجل: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ﴾ [ق: 33].
وهنا الآيات كلها تشير إلى القلب أيضاً دون العقل رغم أن العقل هو مناط التكليف كما يقول العلماء، ومن غاب عقله رفع عنه التكليف.
النوع الثامن: آيات تتحدث عن أمراض باطنية سماها القرآن بأمراض القلوب.
قال تعالى: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾ [الأحزاب: 32].
فالذي يهم بمعصية أو يعملها إنما كان قد أعد لها وخطط وعزم، وكل ذلك يدل على أن صاحب هذا السلوك قد انحرف عن الصراط القويم والمنهج المستقيم، حيث خضع لوساوس الشيطان، وتنازل لنفسه الأمارة بالسوء، فأعمل عقله ونظر وبسر وأدبر واستكبر عن أمر خالقه، فهل كان كل ذلك في عقله أم في قلبه؟
أقوال المفسرين:
ذهب جماهير المفسرين إلى أن العقل في القلب، بغض النظر عن ماهية العقل هل هو الذي يدرك ويعقل؛ أو هو الذي بيده القرارات التي يصدرها لباقي أعضاء الجسم؛ أو هو مكان العاطفة والمشاعر، ولكنهم مجمعون على تأويل قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46]، بأن العقل المراد في الآية إنما محله القلب، فلنتأمل في أقوال المفسرين حول هذه الآية قبل أن ننتقل إلى ماهية العقل وما المراد به.
قال القرطبي: "أضاف العقل إلى القلب لأنه محله كما أن السمع محله الأذن"(2)، كما زاد بعضهم المراد من العقل إنما هو الفهم الذي يحصل به، قال ابن حجر: "المراد المتعلق به من الفهم الذي ركبه الله فيه؛ ويستدل به على أن العقل في القلب، ومنه قوله تعالى: ﴿فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ [ق: 37].
قال المفسرون أي: عقل، وعبر عنه بالقلب لأنه محل استقراره"(3)، أما الثعالبي فهو يقطع بأن العقل في القلب فيقول: "وهذه الآية تقتضى أن العقل في القلب وذلك هو الحق ولا ينكر أن للدماغ اتصالاً بالقلب يوجب فساد العقل متى اختل الدماغ"(4)، ويعلل الأيجي جواز كون العقل في القلب بناءا على قدرة الخالق ومشيئته لا إرادة المخلوق وفطنته فيقول: "محل العلم الحادث سواء كان متعلقا بالكليات أو الجزئيات غير متعين عقلا عند أهل الحق بل يجوز عندهم عقلا أن يخلقه الله تعالى في أي جوهر أراد من جواهر بدن الإنسان وغيرها لأن البنية ليست شرطا للحياة والعلم فأي جزء من أجزائه قام به العلم كان عالما لكن السمع دل على أنه أي محل العلم هو القلب قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ [ق: 37]، وقال تعالى: ﴿فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾وقال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]"(5).
ما المراد بالعقل:
أختلف أهل العلم بالمراد بالعقل وتشعبت مذاهبهم في ذلك، والله سبحانه أخفى بعض الأمور عنا كالروح، وهي لا شك موجودة في أجسامنا وينزعها عنا متى شاء، كما قال سبحانه: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الزمر: 42]، وذكر سبحانه وتعالى النفس والعقل والقلب، وكل من هذه المخلوقات لها مكان في جسد الإنسان، فإما أن تكون تلك المذكورة أعضاء محسوسة كالقلب فيكون محلها معلوماً، وإما أن تكون صفات وأيضاً فلها مكان تستقر فيه، وهنا نقدم تساؤلات بين يدي هذا الموضوع وهي:
1- هل العقل عبارة عن جسم ومادة؟
2- هل العقل عبارة عن وصف؟
3- لماذا لم يرد لفظ العقل في القرآن الكريم مجرداً من الاشتقاقات؟
4- ولماذا القرآن الكريم ذكر مهمات العقل أو وظائف العقل أو صفة العقل التي يتميز بها الإنسان ولم يذكر العقل باسمه؟
عندما نبحث عن كلمة العقل لا نجدها في القرآن إطلاقاً وإنما الموجود في القرآن هو اشتقاقات تدل على مهمة العقل أو وظائفه التي أرادها الله له، مثلاً قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد: 4]، ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 44]، ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 43] هذا اللفظ يعني ﴿يَعْقِلُونَ﴾ ﴿تَعْقِلُونَ﴾ ورد في القرآن تسع وأربعين مرة وهناك معاني مرادفة أو قريبة مثل التفكر مثلاً ﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 176]، ﴿لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [غافر: 54]، ﴿لِأُولِي النُّهَى﴾ [طـه: 54]، ﴿لِذِي حِجْرٍ﴾ [الفجر: 5].
إن المخ له وظيفة شمولية على الجسد، فجميع الأوامر والنواهي والأحكام تصدر عنه بل ربما حتى قضايا الإيمان، وفي بعض التجارب القريبة عملوا دراسة على أناس وهم في حالة تلبس بالعبادة سواء كانوا من المسلمين أو البوذيين أو من المسيحيين أو غيرهم فوجدوا أن هناك منطقة في المخ مع هذه العبادة وتظهر عليها آثارها، والله -سبحانه وتعالى- ذكر القلب والعقل متداخلين في القرآن مثل قوله سبحانه ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: 179]، ذكر من مهمة القلب العقل، ومن هنا بحث العلماء هل العقل في القلب أم في المخ؟
وإذا أردنا أن نقترب من ماهية العقل أكثر يمكننا أن نجمل بعض ما ورد من ألفاظ دلت على بعض وظائف العقل ومنها:
1- كثيراً ما يقول الفقهاء مثلاً الصلاة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل، وهذا من معاني العقل.
2- والعقل الوازع الذي يحمل الإنسان على فعل الخير وعلى ترك الشر.
3- كذلك العقل المتأمل الذي ينظر في ملكوت السموات والأرض مثل قوله سبحانه وتعالى- ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190].
4- كذلك العقل الحاكم؛ لأن العقل معيار صحيح فالعقل لا يخطئ ولو كان العقل يخطئ ما أحالنا الله عليه في مسائل كثيرة فالله -سبحانه وتعالى- مثلاً يقول: ﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 164] ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 44] معنى ذلك أنه يحتج على الكافرين بالعقل ويحيلهم إلى العقل، وكذلك المترددين والشاكين يحيلهم إلى العقل وإلى حكم العقل، فهذا دليل على أن العقل الصحيح الذي يتكلم عنه الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم عقل لا يخطئ؛ لأن الخطأ يرد من الشهوة، ومن الهوى -التباس أحكام العقل بأحكام الهوى- ويرد من التقليد الذي يجعل الإنسان ربما يتقبل بعض الأحكام، ويرد من أعمال العقل في مجال غير مجاله.
5- والقرآن الكريم يذكر العقل إشارة إلى الفهم يقول سبحانه ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: 2] هنا ﴿تَعْقِلُونَ﴾ يعني تفهمون الكلام لأنكم عرب إذاً الفهم هنا يعني من دلالة العقل.
6- كذلك العقل في القرآن يشير إلى قضية عدم التناقض، ألا يناقض الإنسان نفسه أو لا يناقض الحقائق العلمية، مثل لما احتج الله على اليهود والنصارى ﴿لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: 65]، يعني من العقل أنك لا تقول إبراهيم يهودي أو نصراني والتوراة والإنجيل ما أنزلت إلا من بعده فهنا قال ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ إشارة إلى أن العقل يقتضي عدم وجود تناقض بين أقوال الإنسان أو بين الحقائق.
7- كذلك العقل الذي يقتضي من الإنسان أن يعزز القول بالعمل، وألا يكون متناقضاً بين ما يعتقده وبين ما يمارسه في الحياة، ما يقتضي أن الإنسان يكون عنده توافق بين ما يعتقده وبين ما يمارسه في الواقع من أفعال؛ ولهذا الله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 44]، يعني العقل هنا الرشيد يوحي الإنسان أن يعزز القول بالعمل.
8- بل حتى الأخلاق الفاضلة والذوق والتهذيب يدل القرآن على أنها من العقل ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ [الحجرات: 4]، فالله -سبحانه وتعالى- يذكر هؤلاء القوم الذين صرخوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- اخرج إلينا يا محمد من حجراته ولم يراعوا أدب النبوة ومقام النبوة أن ﴿أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ وليس المقصود أنهم مجانين لكنهم لا يفهمون السلوك المهذب.
فالعقل إذاً في القرآن الكريم ليس متاهة جدلية بيزنطية فلسفية في تحديد ما هو العقل وأين العقل؟ وإنما العقل هو معيار، وهو الذي يملك طرح الأسئلة والبحث عن المعلومات وعن المعرفة في الكون، ويملك البحث عن إجابات أيضاً لهذه الأسئلة في الكون، ويملك البحث عن خيارات متعددة يبحث عن أفضلها ويملك العمل(6).
ومن هذا المفهوم يمكن القول بأن العقل هو صفة لصاحبه مكتسب بالتعلم والعلم، وله حيز ما في الجسم، يمكن به أن تختزن تلك المعلومات والمواهب، والتي بمجموعها تسمى العقل، ولا شك أن الصفات لا بد لها من ذات تستقر بها، مثال ذلك أن أقول فلان شجاع وذكي، فهذه الصفات ما كانت لتعرف إلا بوجود ذات الشخص، فتظهر عليه، وهكذا العقل، فقولنا العقل لا بد أن يكون له حيز ومكان في الجسم يستقر فيه ليظهر دوره وميزاته سلباً أو إيجاباً، بالإضافة.
حديث صلاح القلب:
عن النعمان بن بشير قال سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: -وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه-: «إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»(7)، والشاهد من الحديث في موضوعنا هذا هو قوله صلى الله عليه وسلم: «وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» يستنبط أهل العلم من هذا أن القلب محل الصلاح والفساد، فإن وصفه ظاهر في الحديث، ويشبهونه بالقائد، ولذلك بأن يكون محل وموضع للقيادة أمثل من غيره، ولهذا يشير النووي رحمه الله فيقول: "واحتج بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس وفيه خلاف مشهور، مذهب أصحابنا وجماهير المتكلمين أنه في القلب، وقال أبو حنيفة هو في الدماغ، وقد يقال في الرأس، وحكوا الأول أيضاً عن الفلاسفة والثاني عن الأطباء.
قال المازري واحتج القائلون بأنه في القلب بقوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46] وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ [ق: 37]، وبهذا الحديث فإنه صلى الله عليه وسلم جعل صلاح الجسد وفساده تابعاً للقلب مع أن الدماغ من جملة الجسد فيكون صلاحه وفساده تابعاً للقلب؛ فعلم أنه ليس محلا للعقل، واحتج القائلون بأنه في الدماغ بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل، ويكون من فساد الدماغ الصرع في زعمهم، ولا حجة لهم في ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ مع أن العقل ليس فيه ولا امتناع من ذلك، قال المازري لا سيما على أصولهم في الاشتراك الذي يذكرونه بين الدماغ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة والدماغ اشتراكا والله أعلم"(8).
أما ابن القيم فإنه يجمع بين العقل والقلب والدماغ بطريقة جميلة فيقول: "الصواب إن مبدأه ومنشأه من القلب -أي العقل- وفروعه وثمرته في الرأس، والقرآن قد دل على هذا بقوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ وقال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ [ق: 37]، ولم يرد بالقلب هنا مضغة اللحم المشتركة بين الحيوانات بل المراد ما فيه من العقل واللب(9).
الحقائق العلمية في هذا الصدد:
في خبر نشرته قناة mbc قبل أيام مفاده أن مجموعة من الأطباء الأمريكان وجدوا مجموعة من الخلايا العصبية في جدار القلب، وأن هذه الخلايا مسئولة عن اتخاذ القرار في الجسم، وفي برنامج وثائقي عرضته أخيراً إحدى المحطات الأجنبية، ورد خبر يتحدث عن اكتشاف جديد، مفاده أن القلب هو أحد أهم مراكز الذكريات والمواهب والقدرات الفكرية لدى الإنسان، وأن هذا الدور ليس حكراً على الدماغ، أما البرهان القاطع على هذه الفرضية، فمنحته إحدى عمليات زرع القلب الغريبة التي تمت أخيراً، حيث أودع قلب شاعر توفى حديثاً صدر سائق شاحنات هجر المدرسة في الخامسة عشرة من عمره، وبعد الجراحة، شرع سائق الشاحنات، ذو الجسد المغطى بالأوشام، في كتابة القصائد، ولدى مقارنة نصوص هذا السائق بقصائد الشاعر الراحل الذي وهبه قلبه، تبين أنها متشابهة للغاية، وقد فسر العلماء ذلك بأن القلب يحتوي على خلايا عصبيه تؤدي دور دماغ صغير موصول بالدماغ الرئيسي، تتيح له أن يخزن الذكريات والميول الفكرية، لا المشاعر فحسب، ما يجعل متلقي القلب الموهوب يصاب بعدوى سلوك الواهب وشخصيته وطباعه وذوقه، بل وحتى ثقافته(10).
وجه الإعجاز:
وإن كانت الحقائق العلمية ما زالت في طور التجدد والاكتشاف إلا أن ما وصلنا منها يشير إلى صحة القول بأن العقل هو في القلب وليس في الدماغ، وهذا ما أشارت إليه الآيات الكريمات بمجموعها، وإن كان بعضها أدل من بعض بهذا الخصوص ولا أدل من قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46] على أن العقل الذي هو مناط التكليف وسيد الجسد وقائده إنما هو في القلب، فقوله: ﴿فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ لا يحتاج إلى كثير تأمل في أن القلب هو محل العقل، وإنما جاءت الاكتشافات العلمية الحديثة بمثابة برهان جديد من نوع البراهين العلمية التي تؤكد المعنى القديم وتزيده وضوحاً وسطوعاً، وليكون هذا الدليل الجديد صرخة في آذان الذين يصمّون أسماعهم عن القول الحق، شعارهم في ذلك مثل سلفهم من الجاحدين﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: 26]، وبالمناسبة فإنه وفي نفس السورة تجد أن الله سبحانه بشرنا بأنه سيرينا ما به تقوم الحجة على الكافرين المعاندين، فقال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: 53]؛ لأن سماع القرآن يفتح الآفاق أمام من قرأه وتأمل به، ويبشر المؤمنين بأن الله الذي أنزل هذا القرآن وحفظه سيجعل فيه الآيات والبراهين والأدلة لكل زمان ومكان ولا يستثني به طائفة دون أخرى من غير أن تقوم عليهم الحجة، سواء كانوا علمانيين لا يؤمنون إلا بالمادة ومشتقاتها أو كانوا ملحدين لا يؤمنون إلا بالعلم واكتشافاته، وهكذا فإن كلام الخالق هو سر الأسرار وكنز لكل عاقل، فالحمد لله الذي جعل لمن آمن به الحجة القاطعة، والمدد الإيماني بهذا الحق الذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42].
إعداد: قسطاس إبراهيم النعيمي

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button