الحجر الأسود بين الحقائق والشبهات

إعلان الرئيسية

الحجر الأسود بين الحقائق والشبهات

حجرٌ عجيبٌ ليس من صخور الأرض ، بل نزل إليها جُرماً شريفاً، و زائراً كريماً ! هابطاً من الجنةِ منذ القديم منذ آدم أبي البشر عليه السلام .والآن الحجر الأسود هو الحجر المنصوب في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة المشرفة من الخارج في غطاء من الفضة ، والحجر الأسود مبدأ الطواف ويرتفع عن الأرض متراً ونصف المتر !  وهو حجر بيضي الشكل – عندما كان سالماً صحيحاً قبل سرقته وكسره – لونه أسود ضارب للحمرة  قطره كان حوالي ثلاثين سنتيمتراً وطوله حوالي طول ذراع متوسطة مقبوضة الأصابع ، وللحجر الأسود كساء وأحزمة من فضة تحيط به لحمايته ويذكر الأزرقي أن أول من ربطه بالفضة الصحابيُّ الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ، ثم كساه زياد بن عبد الله عام 140 هجرية  بصحاف جديدة من الفضة  ومع ذلك سرقه القرامطة في ولاية الخليفة العباسي المقتدر 317هجرية بعد أن قتلوا وسلبوا الحجيج !! وأعيد لمكانه في خلافة المطيع لله عام 339 هجرية !! قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم : ( نزلَ الحجرُ الأسودُ من الجنة وهو أشدُ بياضاً من اللبن فسودته خطايا بني آدم ) أخرجه أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي لفظ : ( أشدُ بياضاً من الثلج ) والحديثان صححهما الألباني .ولهذا اعتقد المسلمون وأيقنوا بأن الحجر الأسود ليس من حجارة الأرض لأن ذلك ثَبَتَ عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم .

يشيرُ الحجرُ الأسودُ وبقوةٍ إلى الدين الحَنيف دينِ التوحيدِ الخالص الذي أُرسل به أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام فهو الذي وضعَ الحجرَ بيديه الشريفتين علامة ًعلى بداية الطوَاف الذي تضمَّنته شعائرُ الحج فيما بعد، ومِنْ ثم أعاد وضعَه بيديه الشريفتين حفيدُه النبي محمد صلى الله عليه وسلم – قبل بعثته – لمّا تنازعتْ قريشٌ فيمن سيكون له شرفُ وضع الحجر الأسود مكانه عندما أعادوا بناءَ الكعبة بعد أن هُدمت , وكادوا أن يقتتلوا ولكن أحدَ عقلائهم قال لهم دعونا نُحكّم أولَ من يخرج علينا ! وليس صدفةً أنَّ الذي خرج عليهم سيدُنا محمد صلى الله عليه وسلم فما في الكون صدفة أبداً بل هو ترتيبُ السماء. فلما خرجَ عليه الصلاة والسلام قال جميعُهم هذا الصادقُ الأمينُ ارتضينا حُكمَه ! وأجدني مضطرةً ومرغمة على الوقوف قليلاً هنا لأن أهواءَ البشر تُصيبني بالعَجَبِ والأسَف ! فقبْل بعثته كان الصادقُ الأمين الذي يرتضون حُكمَه مهما كان ، دفعاً لاقتتالهم وتشتتتِ أرائهم ولمّا أرسلته السماءُ لمصلحتهم ووحدتهم وعُلو شأنِهم أصبح شاعراً مجنوناً وكاهناً سجَّاعاً ! والعيبُ في حقهم يَطمّهم منْ كل الجوانب ،لا سيما وأنهم أصحابُ البلاغةِ ويعلمون يقيناً أن القرآنَ ليس شِعْراً ولا سَجعاً ولا جُنوناً ولكنه خالفَ هواهم فنبذوه ، وحارب شهواتِهم المنحرفة فحاربوه !! وما زالتْ كلمة الحق إلى الآن تُحارَب وتشوَّه وتطمسها الأهواءُ والشهواتُ ورغائبُ الدنيا الدنيئة !


أخذ محمدٌ الحجرَ الشريفَ ووضعه وسط الرداء وقال : لتأخذ كلُ قبيلةٍ بطرف الرداء وترفع ! فاشتركوا جميعاً في حَمْلِه ورفعِه ولمَّا ساوى موضعَه من الجدار أخذه صلى الله عليه وسلم بيديه الشريفتين ووضعه مكانه. نعم لقد ظفر محمدٌ بالشرف الذي كانوا يقتتلون عليه جميعُهم وهذه أولى مقدمات تكريمه التي ترافقتْ وأولى اعترافاتِهم بأفواههم بأنه  الصادقُ الأمينُ !            

الحجرُ الأسودُ أشرفُ حجارةٍ موجودةٍ على الأرض – وهو ليس من حجارتها – فمنْ الذي يملكُ الحقَ في المفاضلةِ بين المخلوقات ؟؟

إذا اعترفتَ بأن الذي تعبدُه هو الذي خلقك وخَلقَ كلَّ شيء فإنَّ الخالقَ وحدَه هو الذي يُفاضلُ بين مخلوقاتِه في شرفها وعُلوِ قدرِها ، فهذا شأنه وحكمته التي لا يعلمُ غايتَها ومنتهاها إلا هو سبحانه وتعالى . والمخلوق يأتمرُ ويطيع ولا يحقُ له المفاضلة فهوَ إنْ فعَلَ كان كإبليس الذي فضَّلَ نفسَه على آدم لأن آدمَ مخلوقٌ من طين وهو مخلوقٌ من نار ففضلَ برعونته وهواه النارَ على الطيْن دون مقياس , إنه التفضيلُ بالهوى وفقط الهوى وهو مُهلكٌ يقلبُ الحقائقَ ويُبعدُ عن الحق ويُورثُ البعدَ عن الله  !

لقد فاضلَ اللهُ تعالى بين الأزمنة فليلة القدر خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وفاضلَ بين الأمكنة ففضَّلَ  مكة على سائر البلدان وفضَّل فيها المسجدَ الحرامَ على سائر المساجد وفضَّلَ فيه الكعبة المشرَّفة وفضَّل فيها الحجرَ الأسودَ على سائر الحجارة فجعل استلامَه بدايةَ الطواف .إذْ يبدأ المسلمون طوافَهم حولَ الكعبة المشرفة بالتكبير عند استلام الحجر، واستلامُ الحجر واجبٌ , والأصلُ في استلام الحجر ملامستُه لمَنْ قدر على الاقتراب منه دونَ مزاحمة وتقبيله دونَ صوت, فمن لم يستطعْ الوصولَ إليه فإنه يستلمه بالإشارة إليه من بعيد باليد أو بمحجن – عصا – أما التقبيلُ فهو سنة مستحبة وليس شرطاً ملزماً لا يتمُ الحجُ إلا به ، إنما تقبيلُ الحجر بمثابة أنس واستئناس بزائر كريم وفرحٍ وبشرى.. وحنين وشوق لأنه من حجارة الجنة كما ثبتَ !

قيل: إنَّ البيتَ أول ما بُني بنته الملائكةُ لآدمَ، لمَّا نزل من السماء؛ لأن في السماء البيت المعمور فجعل اللهُ الكعبةَ لبني آدم في الأرض على امتداد البيت المعمور في السماء، ولهذا فهو على سَمْته عمودياً، فوُضع الحجرُ الأسود في الكعبة، ومرَّ عليه الزمن، ولما جاءَ الطوفان هدمَ الجميعَ، وحفظ اللهُ الحجرَ الأسودَ في جبل أبي قبيس، حتى جاء إبراهيمُ وإسماعيلُ وقاما برفع القواعدِ من البيت التي كانت موجودة ووضعا الحجر الأسود في مكانه، ثم جاء القرامطة وأخذوه إلى بلادهم ومكثَ عندهم فترةً ثم ردوه.

 

 شبهة الطواف حول الكعبة واستلام الحجر الأسود وتقبيله:

لقد عظّم  العربُ الأصنامَ في الجاهلية ، وعبدوها مع الله وزعموا أنها تملكُ القدرة مستقلة كي تقربَهم إلى الله زلفى  ، فكيف يعيبُ المسلمون على المشركين عبادتهم للأصنام ، ثم يقبلون الحجر الأسود ويطوفون حول الكعبة وهي حجارة ما الفرق ؟ وهذه شبهة يكررها أعداءُ الإسلام في كل زمان ومكان كالببغاوات ولقد أعجبتْ ضعافَ النفوس فراحوا يسخرون من الحجر الأسود ويصبُّون جامَ غضبهم عليه, حتى أن الغربيين الذين ليس لهم أدنى معرفة بالعقيدة الإسلامية جعلوا من الحجر الأسود مادة لسخافاتهم الفكرية وامتلأت صفحاتهم بالمضحكات وكلمات تضحك الثكالى واللهِ !! فما هي الحقيقة وما هي الردود المناسبة والمسلم إذ يردُّ فواجبه إيضاحُ دينه وتجلية عقيدته والرد على الشبهات مهما كانت ليس لأننا نردُّ عن الإسلام ضعفاً أو قصوراً ولكن نزيحُ العصائبَ السوداء عن الأبصار لترى وعن البصيرة لتستشف, وإلا فإن شمسَ الإسلام واضحة جلية مشعة تجلبُ الحياة بكل أشكالها وجمالها ولا يمكن لنفخات البشر ولو اجتمعوا أن تطفئها : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) التوبة32

  إن دينَ الإسلام هو دين خضوع و استسلام لله الواحد الأحد، فهو الخالق الحكيم والمعبود العظيم الذي نعبده على مراده وليس على مرادنا ونطبقُ شرائعَه التي ارتضاها لنا ،  فإذا أمرنا اللهُ أن نطوفَ حول بيته وهو حجارة حججنا وطفنا ، وإذا أمرَنا أن نقبِّلَ حجراً قبَّلناه طاعة لله، لا تعظيماً للحجر، وإذا أمرنا أن نرجُمَ حجراً رجمناه طاعة لله، وإعمالُ العقل في مجال الشعائر التعبدية لا يجدي ولا يفيد فلا أحد يستطيع أن يسأل فضلاً عن أن يجيب لماذا الصلاة خمس مرات  ! ولماذا صلاة المغرب ثلاث ركعات وليست ركعتين كصلاة الصبح أو أربعة كصلاة العشاء وهي أقرب له وقتاً ؟!  فنحن المسلمين  كما وجهنا الله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] ، وقد بيَّنَ الله ذلك على لسان الملهم المحدَّث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، حينما جاء يقبِّلُ الحجر الأسود قال: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) أخرجه مسلم . لقد انقاد عمر رضي الله عنه إلى سنة نبيه بطواعية وطاعة لأنه رأى أن النبي الذي لا ينطق عن الهوى، {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4-5] جاء وقبَّل الحجر الأسود، فعلم عمر رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام عنده من العلم ما ليس عنده، وعنده ما يعتمد عليه، وأنه ملزم باتباعه، فعمر رضي الله عنه قبَّل الحجر استسلاماً وتأسياً واقتداء بمن هو أعلم منه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر، أو أمرنا المولى في كتابه بأمر، وعقولنا لم ترتفع إلى مستواه، ولم تدرك معناه؛ نعلم أن لا مجال في هذا لإعمال العقل وإرهاق الفكر، ونمضي في الطريق الذي لا مِرية فيه ولا شك. فإذا كنا نستسلم لأطباء أجسادنا ونطمئن لحكمتهم ولا نجرؤ في أحيان كثيرة على مناقشتهم والمجادلة في فحوصاتهم وهم مخلوقون مثلنا فلماذا نصرُّ على مجادلة تعاليم خالقنا وقد ثبتت في الكتاب ونماري في أقوال نبينا طبيب أرواحنا !!

 

أما فيما يتعلق بالأمر الأصولي:فإنك عندما تطوف تبدأ تقبِّلُ الحجر، ثم تطوفُ بالبيت الحرام بالحجارة المرصوصة، وتأتي تصلي ركعتي الطواف خلف المقام: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125] وتقرأ: (قل يأيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) ، فأنت تأتي وتصلي لمن؟ لله؛ إذاً: لا وثنية، وعندما تجعل الركعتين خلف مقام إبراهيم لله، الذي فال عنه الله تعالى إبراهيم : {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120] {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:35] ، إذاً: أنا مقتد بإبراهيم ولم أعبد الأصنام  فإذا كنت في هذه الصلاة تعلنها: (يا أيها الكافرون) يا عُبَّادَ الأصنام ! حجارة أو ذهباً أو خشباً أو ما شابه ذلك، {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون:2] فتعظيمكم للأصنام والحجارة هذا شرك لأنكم لم تُؤمروا به، وتقبيلي للحجر عبادة لأنني أُمرت بها، لكم دينكم مع أصنامكم، ولي دين مع ربي، وتأتي بعد ذلك بسورة الإخلاص، ومعنى ذلك أعلنها: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] هل بعد هذا من ادعاء شبهة وثنية في تقبيل الحجر أو الطواف بالبيت؟ لا والله !ّ!

ومن جديد فإن قريشاً عبدتِ الأصنامَ والأوثانَ وعبادتُها كانت موجهة للحجر، لذاته،  راجية منه جلبَ النفع ودفعَ الضُّر !!أما نحن المسلمين فإن عبادتنا لله الواحد الأحد لا شريك له فهذا هو التوحيد للخالص الذي أُمرنا به ومن ثم الطاعة الخالصة للمعبود الذي يأمرنا بحكمته بما يشاء وهذا هو الإخلاص والإتباع وليس الشرك والابتداع ! فإذا استلمنا حجرا فلا يعني ذلك أننا عبدناه وقدَّسناه ، بل الله وحده أمرنا باستلامه وجعله بداية الطواف حول بيته المشرَّف ، وأمْرُ الله فوق كل أمر مع علم عقولنا بل تيقننا بأن الحجر لا يضر ولا ينفع بذاته كما ذكرنا ، وفعلنا لا يستهزئ بعقولنا بل يعلمُ العقلُ أن له حدوداً يقف عندها متأدباً أمام مراد الله وحكمته أما فعل عابدي الأصنام المتوجهين إليها من دون الله ومخاطبيها والطالبين منها حوائجهم ويقينهم التام بأنها تسمعهم وتستجيبُ لهم فهو فعل يستخفُّ بالعقل بل ويلغيه !! وعندما يطوف المسلمون بالكعبة فإنهم يتوجهون إليها و يحترمونها تعظيماً لأمر الله بذلك ، وعندما نتوجه بصلاتنا نحو الكعبة فنحن لا نعبدها بل نعبدُ ربَها وحدَه متخذين منها حسبما أَُمرنا قبلة واتجاهاً ! حقاً إن الدين الإسلامي قمة الانضباط والالتزام في الزمان والمكان اللذين يريدهما الخالق أما إذا أصبح مجتروا الشبهات من الضحالة والتخبّط بحيث لا يمكنهم التفريق بين المخلوق ومرادات الخالق من المخلوق  أو بين الشيء ومكان الشيء أو زمانه فكلامي ليس لأولئك حتماً !!!

السجود على الحجر الأسود :

إنَّ علم الحديث الذي انفرد به المسلمون من أهل السنة والجماعة ، وتميّزوا به عن غيرهم قد ضَبَطَ  مسألة الدين فيما يتعلق بالسّنة النبوية من أجل أنْ يقتديَ المسلمون بنبيهم وجوباً أو استحباباً ، ولولا هذا العلم الفحل العظيم لانتشرتْ أقوال الكذابين الوضّاعين على لسان الصادق الأمين ، ولما أمكنَ التمييز بين الغث والثمين ولكن هكذا شاءت حكمة الله تعالى ! وخلاصة ما قاله العلماء من أهل الحديث عن سجود النبي صلى الله عليه وسلم على الحجر الأسود نقله السيد أبو إبراهيم عمر الجزائري جزاه الله خيراً في موقع أرشيف ملتقى أهل الحديث : إن السجودَ على الحجر الأسود لمْ يَصِحْ مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولمْ يَصِحْ كذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بل صحَّ عنه تقبيل الحجر ، ولكن صحَّ عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سجد على الحجر، وجاء الحديث موقوفاً على فعل  ابن عباس في سجوده للحجر في كتاب الأم للشافعي وقال الشافعي معلقاً : ( أُحبُّ ما صنع ابن عباس لأنه تقبيل وزيادة سجود لله ) ! وعند البيهقي في الكبرى وعند عبد الرزاق وابن أبي شيبة وفي أخبار مكة للفاكهاني وأخبار مكة للأزرقي وعند العقيلي في الضعفاء وكلهم من طريق ابن جريج والحديث الذي أوردوه جميعاً : ( روى ابن جريج عن محمد بن عباد بن جعفر قال : رأيت ابن عباس مسبّداً رأسه حتى أتى الركن فسجدَ عليه ثم قبَّله ) ! ومُسبّداً رأسه أي تاركاً لدهنه وتسريحه . وابن جريج كما يقول أهل العلم إمام مشهور مقدمة روايته على رواية جعفر بن عبد الله بن عثمان ، ولذا فإنَّ الراجحَ في الحديث الوقف ! وحديث ابن أبي شيبة عن سجود عمر رضي الله عنه على الحجر الأسود لا يَصِحُّ بل رفعُهُ منكرٌ لعلة الانقطاع ، فطاووس لم يدركْ عمرَ ،ولعلة الاضطراب فمرةً ذَكَرَ سجودَ عمر، ومرة لم يذكرْ سجودَ عمر !!             

 فالسجود على الحجر الأسود ليس من السنن المستحبة ، لأن الاستحبابَ حكمٌ شرعيٌ لا يثبتُ إلا بدليل شرعي، وأما الإمام مالك فقد حَكَمَ ببدعية فعل السجود على الحجر الأسود لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم . بقي لنا أن نؤكدَ أنه حتى لو ثَبَتَ وضعُ الجبهة على الحجر الأسود من قِبَلِ ابن عباس رضي الله عنه وهو حَبْرُ الأمة ومن أعظم علمائها، فهو ليس سجوداً للحجر وعبادةً للحجر- حاشى وكلا- بل هو سجودٌ وعبادةٌ متوجهة لربِّ الحجر الذي أنزله من الجنة وأمرنا باستلامه في شعائر الطواف ، و شوقٌ وحنينٌ إلى الجنة ، وراحةٌ للرأس المسبَّدة المُتعبة من آفات الدنيا ! والله تعالى أعلم بفعل ابن عباس رضي الله تعالى عنه !! وهذا التدقيق يدلُّ على مدى انضباط المسلمين في أمور التعبد الخالص لوجه الله تعالى ونفورهم من كل ما يُشْتمُّ منه رائحةُ شرك ، ولذلك فإن التبركَ بقبر النبي بلمسه منهيٌ عنه وكذلك فإن لمسَ منبره الشريف – عندما كان – على نيَّة التبرك منهيٌ عنه وهو صلى الله عليه وسلم عظيمُ الأمة الإسلامية ،وإمامُ الأنبياء والمرسلين وسيد الأولين والآخرين فكيف بالتبرك بقبور غيره من أولياء الله الصالحين !!!

ونبقى عند ابن عباس لنورد حديثاً نُسب لابن عباس عن الحجر الأسود وننبّه بأن هذا الحديث لا يصحُ مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكل طرقه ! فعن ابن عباس : ( الحجر الأسود يمينُ الله في الأرض فمن صافحه وقبَّله فكأنما صافحَ اللهَ وقبَّل يمينَه ) !  قال الألباني : إن حديث : ( الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده ) حديث ضعيف . وهنا ندخل في إشكال آخر وشبهة أخرى وهي شبهة التمثيل والتجسيد وألخصُ الجوابَ بعون الله تعالى من كتب علماء الأمة المعتبرين كما يلي : يقول أبو سعيد الدارمي في كتابه النفيس ( تأول المعارض للآثار الواردة في اليدين ) : [ علمنا يقيناً أن الحجرَ الأسودَ ليس يدَ الله نفسها وأن يمينَ الله معه على العرش غير بائن منه ، ولكن تأويله عند أهل العلم إن الذي يصافحُ الحجرَ الأسودَ ويستلمه كأنما يصافحُ اللهَ كقوله تعالى : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ) . الفتح/10]  والتشبيه واضح جلي لمن عنده إلمام باللغة العربية .

 ويقول شيخ الإسلام في ( مجموع الفتاوى ) : [ وحتى لو صحَّ الحديثُ موقوفاً على ابن عباس فاللفظ لا إشكال فيه فإنه يقول : يمينُ الله في الأرض فقيَّده بقوله في الأرض ولمْ يُطلقْ فيقل يمينُ الله ! والمعلوم أنَّ حُكْمَ اللفظ المقيد يُخالفُ حُكْمَ اللفظ المطلق .. وأما عن مقولة : (من صافحه وقبَّله فكأنما صافحَ اللهَ وقبَّل يمينَه ) فمعلوم أنَّ المُشبَّه غيرُ المُشبَّه به ، وهذا صريحٌ في قول ابن عباس إذ أنَّ المُصافِح لمْ يُصافِح يدَ الله أصلاً ! ولكن شُبِّه بمن يُصافح اللهَ ، فأولُ الحديث وآخرُه يبيّنُ أنَّ الحجرَ ليس من صفات الله كما هو معلوم عند كل عاقل ! ولكن يبيّن ابنُ عباس أنَّ اللهَ تعالى كما جعل للناس بيتاً يطوفون به جعل لهم ما يستلمونه ليكونَ لهم بمنزلة تقبيلِ يدِ العظماءِ فإنَّ ذلك تقريبٌ للمقبِّل وتكريمٌ له كما جرتِ العادةُ ! وحتى لو كان هذا الحديث قد ثبتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم – وهو لمْ يثبتْ- فقد بيَّنَ لهم الحديثُ ما ينفي من التمثيل ، ولفظُ الحديثِ صريحً في أنَّ الحجرَ ليس هو من صفات الله إذ قال : ( يمينُ الله في الأرض ) فتقييده : ( في الأرض ) يدلُّ على أنه ليس هو يدُه على الإطلاق !

.فانتبهوا أيها المسلمون من أعداء الإسلام فعلى الرغم من ضَحَالة الشُّبهات وسهولة الرد عليها بعون من الله تعالى إلا أنها تمثّلُ دَخَناً عند ذوي الإيمان الضعيف ونحن نريد تقوية إيمان البشر بالأدلة الجميلة الواضحة ، وبالشروح المستساغة التي تخاطب عقولَ أكبر قدر ممكن من الناس ، وإلا فإنَّ هناك أدلة أكثرُ عمقاً وتشعباً وتخصصاً ولا سيما في علم الحديث وهذه لذوي التخصص من العلماء أنفسهم ولسنا منهم ! وقال عمر ابن الخطاب قولته الرائعة : ( خاطبوا الناس على قدر عقولهم )  !

ومن فوائد الزمن الذي نعيشُ به أنه عصرُ العلم والاتصالات وهناك طرائق كثيرة جداً للاستدلال بفرعيه المادي والمعنوي فهناك أدلة للعقول ، وهناك أدلة للقلوب ، وهناك أدلة للمسلمين الموقنين وهناك أدلة لغيرهم ،وهذه من عَظَمَةِ الدين الإسلامي التي تبدَّتْ كأوضح ما تكون في هذا العصر وهي القدرة العظيمة على مخاطبة الناس أجمعين !  فمن أحبَّ العلمَ التجريبي خاطبه الإسلامُ بلغته ، وجعلَ الأدلة منه فهذه لغة عقلية يفهمها فيطمئنَّ قلبُه ، ومن الناس من يُحبُّ منَ العلم الأدلة العلمية المفحمة القاهرة سيَجِدُ بغيته في الإعجاز العلمي في القرآن ومساحته كبيرة ! ومن أحبَّ علمَ الفلسفة وتتبعَ الحقائقَ عن طريقه خوطب بلغة الفلسفة ومفرداتها كما كان يفعل شيخ الإسلام في رده على الفلاسفة والمناطقة وكان يفحمهم ، وله ردود فلسفية بديعة بلغة الفلاسفة أنفسهم وقد أتقنها قبل مناقشتهم !! ووله كتابٌ عظيمٌ بديع اسمه ( الرد على المنطقيين ) ،  وهذه ردود لا يتقنها الجميعُ حتى وإن ادّعوها ،ولقد رأيتُ مسائلَ في الدين يدّعي الملحدون الجدد على مواقعهم أن أدلتَها من علم الفلسفة ، وهي ليست كذلك على الإطلاق، بل إن استدلالاتهم يضربُ بعضُها بعضاً فيقعون في فخهم الفلسفي المزعوم فيبدؤون بالفلسفة وينتهون ب (السفسفة ) وإذا بهم قد ضاعوا وأضاعوا ! ويزينون مقالا تِهم بمصطلحاتٍ فلسفيةٍ رنانة لا تأخذ مواقعها الحقيقة ولا مدلولاتها الأصيلة في علم الفلسفة ،  ليوهموا القارئ بثقافتهم الفريدة وضحالته الفظيعة !! فعليك أيها الشباب المسلم أن لا تُخدع بكلامهم فليس كل ما يبرقُ ذهباً فبرقهم خُلبِي.. وبرنامجُهم غريب أجنبي.. وفيهم المغرر به ، وأكثرهم كافر ذئبي !! 

 ومَنْ عَشقَ التاريخَ وعلم استشفاف الأحداث من خلال تجارب الأمم – علمٌ حديث- وجد أدلة تثلج صدرَه في القرآن الكريم عن تاريخ الأمم وسيرورتها الإجتماعية والأخلاقية ! ومنْ هو شغوف بالحقوق والدفاع عن المظلومين والانتقام من الظَلَمة وجدَ في الإسلام بغيتَه وميزانه الدقيق العادل ، ومن أحبَ تتبع الحِكمَ  والدقائق واللطائف علم لماذا نفع قوم يونس إيمانهم وقد عصوا نبيهم من قبل ولمْ ينفعْ فرعونُ إيمانَه واعترافه بالله ! ولماذا عفا اللهُ عن آدم وقد عصاهُ بأكله من الشجرةِ المحرمةِ ولم يَعفُ عن إبليس وقد امتنع عن تنفيذ أمره وبيَّنَ العلة لربه !؟ وفي هذه بالذات ستجدون في تفسير الشيخ الشعراوي رحمه اللهُ ونوَّرَ قبرَه ما يُثلجُ صدورَكم ويُرضي غرورَ عقولكم وهي تجمح في طرقات الحقيقة !!!

لقد سقتُ هذا الكلام ليكونَ مقدمة لما سأكملُ به حديثي عن الحجر الأسود ، لنتأكد أن الذي أنزلَ القرآن هو الذي خلق الأكوان من التطابق البديع المذهل بين الحقائق الإسلامية والحقائق العلمية .

الحجر الأسود7

الحجر الأسود بلغة العلم الحديث :  

يقول العلمُ إنَّ الحجرَ الأسودَ ليس من حجارة الأرض وهذا ما أكدته وكالة ناسا للأبحاث  الفضائية على موقعها الإنكليزي المعتمد ، بل هو قادمٌ إليها من الفضاء البعيد ويصادقُ هذا القول على قول نبي الإسلام محمد عليه الصلاة و السلام في أنَّ الحجرَ الأسودَ ليس من حجارة الأرض ، والمفارقةُ العجيبة أن الحجرَ الأسودَ لم يكنْ يلفتُ الانتباهَ العلمي في البداية لأن الحجارةَ في مكة حجارةٌ سوداء بركانيّة اندفاعيّة ( ناريّة متحولة) ، ولكن علماءَ الغرب شُغفوا به وأرادوا أنْ يعرفوا سببَ اهتمام المسلمين بهذا الحجر بالذات ! وعندما درسوه احتاروا في تصنيفه فقالوا : هو نيزكٌ قدمَ من الفضاء الخارجي ! ولكن الحجرَ الأسودَ لا يحملُ في تركيبه الكيميائي ولا في تركيبه النسيجي الصخري صفاتِ النيازك التي ترشُق الأرض ! فالنيازك على كثرتها تنضوي تحت قسمين كبيرين هما : النيازك الصخريّة والنيازك الحديديّة, والنيازك الصخريّة إما كوندورليّة وهي النسبة العظمى أم لا كوندورلية . أما النيازك الحديديّة فقسم يبلغ الحديد 90% من تركيبها والباقي نيكل وكوبالت وقسم يبلغ الحديد 50% وبسبب المغنزيوم والحديد تملك لوناً ًجميلاً أخضر زيتونياً مشوباً بصفرة بديعة مما يجعلها في مرتبة الأحجار الكريمة ! وهناك نماذج فرعية للنيازك الحديديّة ومنها نيازك حديديّة بديعة ذات أنوية من الألماس بسبب تعرض الفحم الموجود في قلب النيزك لحرارة وضغط شديدين ! فما هو سرُ الحجر الأسود فهو ليس نيزكاً وهو ليس من صخور الأرض ، وثبتَ عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه من حجارة الجنة وأنَّ لونَه الأصلي كان الأبيض ؟!

 

واحدة من مواصفات الحجر الأسود الفيزيائية أنه حجرٌ لا يغرقُ بالماء ولا يسخنُ بالنار، وهذه مواصفات أشباه الموصلات  semiconductor التي حوَّلتْ الأجهزة الضخمة إلى أجهزة بالغة الصِغَر وكانت هذه المواد هي السبب الرئيسي للتقدم الذي حدث للعالم هذا وإنَّ مادة أشباه الموصلات لم تُصَنَّعْ وإنما اكتُشفتْ وأميط اللثامُ عنها بعد خفاء ! والآن أين الأعجوبة إذاً في الحجر الأسود ؟

إنَّ قدرةَ الحجر الأسود أعظمُ بكثير جداً من قدرة أشباه الموصلات كمادة فريدة في التسجيل والنقل والعرض والاحتفاظ والتذكّر، فإذا قبلنا أنه من أشباه الموصلات- وأنواعها كثيرة وقدراتها على التوصيل متفاوتة – فإنَّ قطعة صغيرة جداً  قدرتها أكثر بعشر مرات من قدرة قطعة كبيرة من (الفيبر غلاس) فماذا عن قدرة الحجر كله على التوصيل والتسجيل !! والحجر الأسود أرقى من ذلك بكثير فإنه يستطيع أنْ يعملَ عملَ شاشةٍ لاقطةٍ متطورةٍ بأشعة متميزة غيرِ مرئية  تُوثِقُ بسجلها الخاص كلَّ الأشخاص الذين طافوا حول الحجر الأسود واستلموه منذ زمن بعيد وذلك عن طريق اختراقهم بهذه الأشعة ، فقدرة الحجر الأسود قدرة هائلة كمَّاً وكيفاً ، أما العالم (كارنار) وهو من علماء ناسا فيقول إنَّ الحجرَ يُطلق حزماً من أشعة غير مرئية ذات أمواج قصيرة في اتجاهات مختلفة ، وكل شعاع يستطيع أنْ يخترقَ عشرةَ آلاف رجل,وبالتالي يمكن أن يسجلَ الأشخاص ويوثقهم ، وهذا ما ذكره الإمام الشافعي قبل (كارنار) فالإمام الشافعي أدلته نقليّة والعالِم (كارنار) أدلته علميّة ولا يمكن أن تتناقض الأدلة لأن الذي أنزلَ القرآن هو الذي خلق الأكوان !!   وهكذا يعلمنا اللهُ وبالدليل العلمي أنْ نتواضع أمام علمه الواسع ، ففي بيته الذي يطوفُ المسلمون به حجراً واحداً وليس من حجارة الأرض ولديه طاقة مذهلة على التسجيل تفوق طاقة كل أشباه الموصلات على الأرض !!

قديماً كانوا يخصصون لكل خطِ هاتفٍ سلكاً خاصاً به ، أما الآن وبعد اكتشاف مادة الفيبر غلاس ( أشباه موصلات ) أصبح بالإمكان وبخرطوم واحد متوسط الحجم أن يمرَّ أكثر من مليون خط هاتف !

: إن الحجرَ الأسود يسجلُ اسم من زاره هكذا قال الإمام الشافعي بل ويُسجل بصمة لهذا الشخص بالذات فيتعرف عليه في المرات القادمة بعدد مرات حجه واعتماره !! نعم نعم إنه يُسجل الأسماء في سجل التشريفات الإلهية يُسجلها في وقت واحد ثم وبمعلوماته هذه يأتي ليشهد يوم الدينونة  !!

ألم يقلْ نبي المسلمين محمد صلى الله عليه وسلم (الذي لا ينطقُ عن الهوى) عن الحجر الأسود : (والله ليبعثنَّه اللهُ يوم القيامة له عينان يبصرُ بهما ولسانٌ ينطقُ به يشهدُ على من استلمه بحق ) الحديث صحيح ثابت قال عنه الترمذي حسن صحيح وصححه الألباني . إذاً الآن فقط أصبح المسلمون قادرين على فهم هذا الحديث الشريف فهماً علمياً وقد كانوا من قبل قد آمنوا به إيماناً غيباً لأن الذي لا ينطق عن الهوى قاله وكأن لسان حالهم يقول : آمنا بما أنزل إلينا من ربنا الذي خلق الأكوان !! ولكن اللهَ وعدهم قائلاً (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) فصلت(53)

بعد ظهور حقيقة الحجر الأسود العلميّة للعالم كله لم يعدْ أحدٌ قادراً على إنكارها حتى من مهاجمي الإسلام لأنها حقيقة علمية وهم يقدسون العلم التجريبي بزعمهم ولكن أين تكمن مشكلتهم معه ؟ مشكلتهم في أنَّ رجلاً من أمة أمية لم تكن تملك أدنى درجة من الرقي العلمي، تحدث عن حقيقة هذا الحجر العلمية منذ ألف وخمسمائة عام ( قرن ونصف ) في أحاديث صحيحة ومثبتة وهذا الرجل يدعو إلى عبادة إله واحد فاحتاروا أيؤمنوا بهذا الرجل نبياً مرسلاً من خالق الكون وعالم أسراره ؟! أم يكفرون بالعلم وحقائقه التجريبية فلا يبقى لهم شيءٌ ( يتمحكون) به ويحتكمون إليه  !! والجواب لا هذا ولا ذاك فانبروا بجنون يَسخرونَ من الحجر الأسود ويكذّبون عتاولة علماءِ المسلمين الذين يتحدثون بمفردات العلم عن الحجر الأسود ويسفهونهم ، بل ويسبونهم ، ويفردون لذلك السفه الصفحات الطوال المملوءة بالشتائم ، وكل إناء بما فيه ينضح ! ومنهم من تدنى مستواه وانحطَّ حتى عن مرتبة الحيوان -لأن الحيوانَ مخلوقٌ مسكين لا يفتري على أحد ولا يطمِسُ الحقَ-  إلى درجةٍ زعموا بها أن الحجرَ الأسود يشبه الجهاز التناسلي للمرأة وأن المسلمين يعبدونه لذلك !! أما من بقي له ذرةٌ عقل فقد زعمَ أن مخلوقاتٍ فضائيةً متطورةً زارتِ الأرضَ في قديم الزمان وسالف العصر والأوان وتركتْ هذا الحجر المتطور الذي يدلُّ على تطورهم العظيم بمثابة كاميرا لمتابعة أهل الأرض ومراقبتهم تمهيداً لغزو الأرض !! وليس لسرقة تطورنا العلمي لأنهم أكثر منا تطوراً !! وإلى الآن ومنذ إبراهيم لم تغزَ الأرضُ من المخلوقات الفضائيّة الذكيّة ولم يسرقوا أبحاثنا  !!! والأعجب مما سبق كله أن الفضائيين تركوا حَجَرَهُم في أرض المسلمين بالذات ليكون في صَرْحِ الكعبة التي يطوفون حولها مبتدئين وجوباً حسب عقيدتهم منذ إبراهيم أيضاً باستلام الحجر الأسود !! وأن هذا الحجر بالذات هو الذي تحدث عنه نبيُّ الإسلام منذ ألف وخمسمائة عام شارحاً خصائصه المذهلة فيكون عليه الصلاة والسلام  بذلك قد وازى الفضائيين علماً إن لم يكن قد سبقهم !!!! فتفكر وتدبر يا رعاكَ الله ثم اعتقدْ ما شئت ! واعلمْ أن الشاتمَ المسفهَ ليس طالباً للحقيقة بل هو نوعٌ من أنواع الجاحدين المستكبرين ونحن لا سلطة لنا على العباد لهدايتهم بل نعرضُ الحقائق والبراهين فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم نفسه خاطبه الله تعالى بقوله: (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) القصص2، وهنا تكمن عظمة الدين الإسلامي أنْ تأتيَ إلى الله تعالى طواعية وليس قسراً فالإسلام يأسر القلوب بجماله ولا يكسر الأعناق رغم جلاله !!

شبهات جديدة حول الحرم المكي و الحجر الأسود !        

1-  لماذا عُوقب أصحاب الفيل القادمين من الحبشة عقوبة عاجلة عندما حاولوا الاعتداء على الكعبة وهم لم يفعلوا شيئاً مما فعله القرامطة المجرمون ، ولم يُعاقبْ القرامطة على فعلتهم الشنيعة بالحجيج وبالحجر الأسود ؟

الجواب : لقد عُوقبَ أصحابُ الفيل إظهاراً لشرف البيت العتيق لأنه كان يُعد للتشريف العظيم المتمثل بقدوم النبي الكريم في البلد الأمين ، فلما أرادوا إهانة هذه البقعة التي أراد الله تشريفها من جديد ، بإرسال الرسول الخاتم منها ،أهلكهم سريعاً عاجلاً ولم تكن هناك شرائع مقررة تدلُّ على فضل هذا النبي المرسَل فلو دخلوا البيتَ وخرَّبوه لأنكرتِ القلوبُ فضله ! فكانتْ معاقبة أصحاب الفيل زيادةً في إظهار شرفِ البيتِ وفضلِ النبي الذي سيخرج من بقعته المباركة ، إذ لا بد من دعمٍ إلهي لولادة هذه الشريعة الخاتمة وانبلاج فجرها ! وأما القرامطة فإنما فعلوا فعلتهم الشنيعة بعد تقرير الشرائع وتمهيد القواعد ، والعلم بالضرورة من دين الله بشرف مكة والكعبة ، فلهذا لم يحتجْ الحال إلى معالجتهم بالعقوبة العظيمة بل أجلَّهم ربُهم ليوم تشخَصُ فيه الأبصار !! هذا مع التنويه بأن الأفرادَ من القرامطة الذين قادوا عملية الإجرام في مكة انتهتْ حياتهم بالفواجع المرعبة فقد ذُبح أبوسعيد القرمطي ذبحَ النعاج في حمام بقصره على يد خادمه بعد فواصل من رعب وعويل !! وأما ابنه أبو طاهر القرمطي فقد تفسخ جسده من مرض يشبه الجدري ، وكان منظره مرعباً وعبرة لكل معتبر ثم هلك بحجر عظيم أصاب رأسه فشدخه إلى نصفين !! ثم إنَّ لهما مع ذلك مرداً فاضحاً مخزياً إلى ربهم فيعذبهم عذاباً نكراً إلى أبد الآبدين !!

2- شُبهة : الأمر بتأمين من دخل البيت الحرام ، في قوله تعالى : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا )آل عمران 96-97

 يقول نظام الملك في كتابه : ( سير الملوك) : ( وَأخرج القرامطة الْحجر الْأسود من الْكَعْبَة وصعدوا إِلَى سطحها وخلعوا ميزابها الذَّهَبِيّ وهم يرددون لقد صَار ربكُم إِلَى السماء وخلى بَيته الْكَعْبَة نهباً مضاعاً فِي الأَرْض ، انهبوه ودمروه !! ثمَّ نزعوا كسْوَة الْكَعْبَة عَنْهَا ونهبوها قِطْعَة قِطْعَة وهم يرددون باستهزاء بعض الْآيَات الْكَرِيمَة {وَمن دخله كَانَ آمنا} {وآمنهم من خوف} وَيَقُولُونَ أَيْضا لماذا لم تأمنوا شَرّ سُيُوفنَا وَقد دَخَلْتُم الْكَعْبَة !! لَو كَانَ لكم إِلَه لوقاكم جراحات سُيُوفنَا وأمنكم من خوفها !! وَغير هَذَا من عِبَارَات الْكفْر، ثمَّ استولوا على نسَاء المكيين وَأَبْنَائِهِمْ وأخذوهم سَبَايَا مَعَهم أما الْقَتْلَى فَتَجَاوز عَددهمْ عشْرين ألفا فضلا عَمَّن ألقوا بأنفسهم فِي الآبار أَحيَاء حَتَّى هَؤُلَاءِ أَمر أَبُو طَاهِر بإلقاء الْقَتْلَى فَوْقهم ليلقوا حتفهم أَيْضا وأما غنائمهم فَكَانَت مائَة ألف بعير ومقادير لَا حصر لَهَا من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالدَّنَانِير والقصب والمسك والعنبر وطرائف أُخْرَى ثمينة )

 

 والشبهة : ألم يقل الله تعالى عن الحرم المكي ومن دخله كان آمناً فأين الأمان وقد سُفكت دماءُ الحجيج في البقعة المباركة !؟

الجواب : إنَّ للخالق نوعين من الأمر: الأمر الكوني وهو حتمي الوقوع لا يملك أن يخالفه أحدٌُ  وليس لأحد اختيار فيه  ومثاله : ( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود  ) هود82 فهذه مشيئة كونية وستقع حتماً ولا يملك أحد مخالفتها على الإطلاق ! والثاني الأمر الشرعي التكليفي وهو ما كلفَّ الله عباده أن يفعلوه ومثاله : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) النساء/ 58 فهل استجاب كل الناس وأطاعوا ؟ لا ! فبعض الناس استجاب لأمر ربه الشرعي وأدى الأمانة لأصحابها وحكم بالعدل وبعضهم خالف أمر الله الشرعي وعصى ربه ، فهو تشريع من الله لعباده وهم يختارون إما الطاعة أو المعصية و يدخل ضمن الأمر الشرعي التكليفي قول الله تعالى : ( من دخله كان آمناً ) فهو أمر تكليفي وقد ينفذ وقد يُعصى   

والمعنى: أيها المؤمنون اجعلوا من يدخل البيت الحرام آمناً. ولكن يحتمل أن يَعصيَ أحدٌ اللهَ فلا يجعلْ البيتَ الحرامَ آمناً مثل القرامطة مثلاً

. كما تقول لولدك - ولله المثل الأعلى -: يا بني هذا بيتي مفتوح للضيوف من دخله يكرم. أهذا يدل على إنجاز الإكرام لكل من دخل بيتك وحصوله له بالفعل وأن هذا لا يتخلف أبداً ! أم أنك قلت الخبر وتريد لولدك أن ينفذه؟

إن هذا خبر يحملُ أمراً لابنك وهو ضرورة إكرام من يدخل هذا البيت، وتلك الوصية عرضة لتطاع وعرضة لأن تُخالَف، لذلك فنحن نفهمُ من قول الحق: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} على أساس أنها أمر تكليفي، عرضة للطاعة وللعصيان فمن أراد أنْ يكونَ صادقا فيما كلفه الله به فليُؤَمِّن مَن دخلَ البيتَ الحرام. وبعد ذلك يقول الحق سبحانه: فالداخل إلى الكعبة آمن حتى ولو كان قاتلاً. وبالفعل كان الرجلُ يلتقي بقاتل أبيه في الكعبة فلا يتعرض له احتراماً لأمر الله الشرعي ! وبهذا أيضاً يكون هذا التشريع قد  أعطى للبشر مزيداً من مقومات الحياة النافعة في هذه البقعة لأنها مباركة وحجب عنهم  الضرر ما استطاعوا هم إلى ذلك سبيلاً بأمرهم وليس بإلزامهم !!

إذاً على الجميع أن يعلموا أن هناك فارقاً بين الأمر التكليفيّ والأمر الكونيّ.فهذا أمر غاية في الأهمية لكي لا يحدث التشوش والاشتباه !!

وهذا نفسه في قوله تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً ... } [القصص: 57] إذاً الآية: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً … } [آل عمران: 97] جملة خبرية غرضها الأمر والحثّ، كأنه تعالى قال: أمِّنوا منْ دخل الحرَمَ. وهذه ليست قضية كونية، إنما قضية شرعية، وفرْق بين القضيتين: الكونية لا بُدَّ أن تحدث، أما الشرعية فأمر ينفذه البعض، ويخرج عليه البعض،.ولو كانت القضية قضية كونية ومراد كوني لله لا يتخلف لما قال الله تعالى : (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ) البقرة 191 فهاهو الله تعالى يأمرهم بقتلهم عند المسجد الحرام إذا بدؤوا الاعتداء والبادي أظلم !!

بقي أمرٌ لا بد منه وهو ضرورة إتقان اللغة العربية لأنها وعاء الدين الإسلامي فعلى من يريد فهم مصطلحاته عليه أن يفهم اللغة أولاً فالذي يفهم مدلولاتها حقاً هو صاحب الملكة اللغوية وليس صاحب الصنعة اللغوية ، لذلك تجد أن معظمَ الشبهات من هذا النوع التي تختلط فيها المعاني أي شبهات مختلطة لغوية -دينية هي شبهات المستشرقين فلا هم أتقنوا اللغة العربية بحيث توصلهم إلى المعنى المراد، ولا هم درسوا العقيدة الإسلامية دراسة جادة تمكنهم فعلاً من إلقاء شبهات ذات معنى   ! وتحضرني الآن طرفة هذا مكانها فقد كتب أحد المستشرقين حول آية : ( فأمه هاوية ) [انظروا إلى تناقض الإسلام فهو يقول : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) وهانحن نرى أن أمه تهوي عنه في الجحيم] ونحن بدورنا نقول لله دره  هذا المستشرق من مبدع مفسر للدين ومن فاهم للغة العربية ومتقن لها  !!

 

أحاديث أخرى ثبتت وصحت عن الحجر الأسود:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الركنُ والمقامُ ياقوتتان من يواقيت الجنة  ولولا أنَّ اللهَ طمسَ نورَهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب ) صححه الشيخ الألباني والشيخ أحمد شاكر

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الركنَ والمقامَ من ياقوت الجنة ولولا ما مسهما من خطايا بني آدم لأضاء ما بين المشرق والمغرب وما مسهما ذو عاهة ولا سقم إلا شفي )أخرجه البيهقي بإسناد جيد والترمذي مختصراً 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ مسحَ الحجرِ الأسودِ والركنِ اليماني يحطان الخطايا حطَّاً ) صححه الشيخ الألباني

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الحجرُ الأسود لولا ما مسه من أنجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا شفي وما على الأرض شيء غيره من الجنة ) أخرجه البيهقي في السنن والشعب ، وذكره الشيخ الألباني في صحيح الترغيب

الآن وقد علمنا شيئاً عن عظمة الحجر الأسود أصبح استقبالنا لمعلوماتٍ أكثر غرابة عن الحجر الأسود لا يصيبُنا بالاستغراب ، لاسيما وأنها وردت في أحاديث صحيحة ، وواضح من الأحاديث أن الحجرَ الأسود يملكُ قدراتٍ إضافيةً بديعة خارقة تليق بكونه حجراً من الجنة ، فقد كان أبيض أنيقاً ذا طبيعة ياقوتية كريمة منيرة ، ولم العجب فهذا ليس من المستحيل عقلاً فهناك من حجارة الأرض الكريمة ما يشبه الألماس يخطفُ ببريقه الأبصار، فإذا أحلنا المسألة برمتها لقدرة الخالق العظيم على خلق الأشياء فسيكون وصف حجر من الجنة يتناسب مع قدرة خالق الجنة نفسها ولك أنْ تُطلقَ العنان لخيالك كي يحاولَ رصدَ الأنوار  والتلألؤ والضياءات المبهرة التي كان يطلقها الحجر الأبيض ،ثم تطلق العنان لعقلك في مجال العلم إذ قد يكون الحجر الأسود فيه من المركبات الفريدة ما يجعلها تتفاعل تفاعلات نووية خاصة بشكل قريب مما يحدث في النجوم ، ومن الواضح أن الحجر المتلألئ المشع كان يحمل قدرات على شفاء الأمراض ولم العجب وهو يطلق حزماً من أشعة لا زلنا لا نعلم عن خصائصها إلا القليل ! فالذي خلق الحجر أودع فيه ما يشاء من مميزات فريدة قد تقصر عن استيعابها عقولنا ، ثم من قال أصلاً أن العقل أدرك كل شيء عن هذا الكون الممتد نحو اللانهاية ! ثم أليس هناك علاج طبي قائم بذاته هو العلاج بالأشعة  وهذا كله تقريبٌ واجتهاد بشري والله تعالى أعلى وأعلم وبيده وحده شفاء العبد يضعه في أي دواء ويجعله سبباً للشفاء وبيده وحده أسرار كونه وقد يكشفها تباعاً للعقل البشري كما يحدثُ الآن في عصر العلم !!

أتعلمون أيها الناس أين تكمن حقيقة المشكلة في حقائق الدين ؟ تكمن في أنَّ البعضَ لا يريد أن يُسلِّم أنَّ الخالق له قدرات عظيمة تتناسب مع عظمته وعظمة كونه وإبداعه ، فالمخلوق الضعيف الذي يُحيط به القصور من كل الجوانب يريد أن يقيسَ خالقه العظيم القادر القاهر بمقاييسه البسيطة ونظرياته الساذجة !! ومن جهة أخرى فإنَّ غرورَ العقل البشري جعل البعض يظنُّ أنه عرف كل شيء عن الكون المترامي العظيم وملك أسراره ولم يبقَ إلا أن يستهزئ ويعترض على كل حقيقة دينية لا تعجبه فهذا يريحه كالطالب الكسول الذي يريحه (غياب ) المعلم القدير لأنه حضوره يشعره بقصوره وبسذاجته وبضحالة ثقافته !!

بقي أن ألفتكم إلى عدمَ صحة ما تتناقله الصفحات غير المتخصصة على أنه لم يبقَ من الحجر إلا ثماني قطع صغيرة فقط فهذا ليس صحيحاً لأن الحجر وإن تعرض للسرقة والكسر وألصقت قطعه المكسورة به فهو مازال حجراً ذا حجم معتبر قريب من مقاييسه الأصلية ، وعدم رؤيته بحجمه الكامل لأنَّ بقيِّة الحجر الأسود داخلة في بناء الكعبة المشرفة أما الفجوات الثمانية فكما ذُكر في تاريخ المسجد الحرام فهي مواقع الحجارة الثمانية التي تساقطت منه عند محاولات الاعتداء على الحجر ويبدو هذا واضحاً في الصورة المرفقة !!  

ويبقى الحجرُ الأسود ياقوتَ الجنة الكريم  و ضيفَ الأرضِ الشريف ومبدأ الطواف حول الكعبة المشرفة في الدين الحنيف ، ما زادني الحديث عنه إلا وإيماناً وتسليماً بهذا الخالق العظيم وشوقاً لجنة ربي البديعة وصلاة وسلاماً على سيد المرسلين !!


التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button