السنن الإلهية في هلاك الأمم الظالمة

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية السنن الإلهية في هلاك الأمم الظالمة

السنن الإلهية في هلاك الأمم الظالمة

السنن الإلهية
في هلاك الأمم الظالمة
أولا: تعريف الظلم وأهله
ثانيا: الله هو القوى العزيز
ثالثا: من جنود الله في إهلاك الظالمين
رابعاً: السنن الإلهية في هلاك الظالمين
خامسا: هلاك الأمم بظلمها
سادسا: صور لأمم أهلكها الله عز وجل
سابعا: هلاك الظالمين في تاريخ أمتنا
ثامنا: الواقع المر لأمتنا اليوم
تاسعا: الجماعة المسلمة وسنة الله في الظالمين
عاشرا: سبيل الخلاص من الهلاك
وختاما: تضرع للقوى العزيز
مقدمة: السنن الإلهية وأنواعها وأمثلة لها
تعريف السنن:
لغة: جمع سنة وتطلق علي معان كثيرة منها: الوجه، الصورة، الطريقة، (والسيرة).
فقها:
ما يقابل الفرض وقد تطلق في مقابل البدعة
اصطلاحا:
هي أحكام الله الثابتة في الكون وعلي البشر في كل زمان ومكان
(2) أنواع السنن الإلهية:
تنقسم السنن الإلهية إلى أقسام عدة منها:
أ- سنن قدرية لا دخل لمؤمن ولا للكافر بها:
وهى السنن في خلق الكون والكائنات الحية وجميع الظواهر الكونية التي تتحرك وفق قانون ثابت ومستمر لا يتدخل فيه بشر ولا أي كائن آخر (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يّـس:40) (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) (يّـس:33) (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78)
ب- سنن خاصة بالمؤمنين دون غيرهم من البشر:
وهى سنن تتعلق بفئة المؤمنين دون غيرهم وهى التمكين لهم في الأرض إذا ما أخذوا بأسبابه (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55)
ج- سنن خاصة بالكافرين وحدهم دون غيرهم:
وهى سنن تجري علي أولئك الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا الذين ارتضوا بغير الله ربا وبغير شريعته0
هؤلاء تجري عليهم سنن الله منذ أن وجد البشر علي هذه الأرض ومن أمثلة هذه السنن:
1-إهلاك الكافر القوى
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (الأنعام:6) والقرن يقصد به الأمة من الناس التي مكثت في فسادها قرنا من الزمان أو عدة قرون.
2- عاقبة الكافرين واحدة.
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) (محمد:10) (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ* كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) (المرسلات 16:18)
3- أمثلة من سنن الله:
أ- سنة التغيير:
وهى سنة يقررها رب العالمين (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: من الآية11) فارتباط هذه السنن الإلهية بالتمكين للأمة الإسلامية واضح ذلك أن التمكين لن يحدث لها في ظل حياة المذلة والتخلف إلا إذا تغيرت ما حل بها من واقع وان تتحرر من أسره.
ب- سنة التدافع:
وهى سنة فطرية جارية بين الناس حفظا لاستقامة حال العيش واعتدالا لميزان الحياة فلولا أن الله يدفع ببعض الناس وهم أهل الطاعة له والإيمان به بعضا وهم أهل المعصية له والشرك به لفسدت الأرض وهلك أهلها بعقوبة الله لهم ولكن الله ذو فضل علي العالمين.
ج- سنة التدرج:
وهذه السنة من السنن الواجب مراعاتها والتي تعنى أن يتدرج الدعاة في عملهم من السهل إلى الصعب ومن الصعب إلى الأصعب ومن الهدف القريب إلى البعيد ومن الخطة الجزئية إلى الخطة الكلية مع المراعاة في ذلك فقه الأولويات فتكليفات الإسلام تدرجت حتى اكتملت خلال 23عاما.
       د- سنة الابتلاء:
وهى سنة جارية خاصة في الأمة الإسلامية لا تتبدل ولا تتغير ولا تتخلف وذلك لاختبار وتمحيص المؤمنين سواء علي المستوى الفردي أو الجماعي (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت1:2)
هـ- سنة الأخذ بالأسباب:
هذه السنة مقررة في كون الله تعالى بصورة واضحة فخلقه بقدرته وأودعه القوانين التي تضمن بقائه واستقراره وجعل المسببات مرتبطة بالأسباب فجعل عرضه تعالى محمولا بالملائكة وأرسى الأرض بالجبال وأنبت الزرع بالماء ولو شاء لجعل كل هذه الأشياء بقدرته محتاجة إلى سبب ولكن يريد رب العزة أن يوجه خلقه إلى ضرورة مراعاة الأسباب والأخذ بها ليستقيم سير الحياة علي النحو الذي يريده سبحانه (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105) (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) (مريم:25)
و- سنة الله في الأمم الظالمة:
وهذا ما سنتناوله بالتفصيل
أولاً: تعريف الظلم وأهله
الظلم:
هو الجور ومجاورة الحد، ويعرف لغة بوضع الشيء في غير موضعه. وشرعاً: بوضع الشيء في موضعه الشرعي.
وقد وردت مادة "ظلم" في القرآن الكريم علي عدة معان كلها تجتمع في معنى التعدي ومن تلك المعاني:
- الشرك لقوله تعالى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان: من الآية13)
- التعدي علي حدود الله (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (الطلاق: من الآية1)
- القتل (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً) (الإسراء: من الآية33)
- التعدي علي الناس بسلب حقوقهم (الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ) (الشورى: من الآية42)
- الضرر (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (الأعراف: من الآية160)
- الجور (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) (الزخرف:76)
- الجحود (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً) (النمل: من الآية14)
والظالم:
هو المتعدى وقد يكون ظالماً لنفسه أو لغيره من بنى جنسه أو لخلق الله وقد يقع الظلم من فرد أو جماعة أو دولة أو أمة وقد يقع من مسلم أو غير مسلم وله صور كثيرة إلا أن الله تعالى حرم الظلم كله بجميع صوره: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) (النساء: من الآية40) وحرمه علي نفسه والناس كما في الحديث القدسي "إني حرمت الظلم علي نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا".
انتقم الله من الظالمين في الأمم السابقة قوم نوح وعاد وثمود وفرعون وغيرهم ( وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام: من الآية147) وقوله (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) (السجدة: من الآية22) (وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا) (الحج: من الآية48)
وتوعد كل ظالم بالهلاك قال تعالى ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (الزخرف: من الآية65) (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) (الذاريات:59) (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف: من الآية29) (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (غافر:52) (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (إبراهيم:42) وفى الحديث "إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ النبي صلي الله عليه وسلم "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد)
وقد ذكر القرآن صوراً للظالمين منها (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: من الآية229) (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: من الآية254) (فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (آل عمران:94) (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة: من الآية9) (وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ) (العنكبوت: من الآية49) (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (لقمان: من الآية11) ( وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات: من الآية11) فمن تعدى علي حد من حدود الله بالكفر أو الكذب أو موالاة الظالمين أو جحود الآيات أو عدم التوبة أو غير ذلك فأولئك هم الظالمون.
فأحذر أخي المسلم أن يقع منك ظلما ففي الحديث "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" وأيضا من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شئ فليتحلله منه اليوم قبل إلا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" وقال أيضا "إن الرجل لترفع له يوم القيامة صحيفته حتى يري انه ناج، فما تزال مظالم بنى آدم تتبعه حتى ما يبقي له حسنة ويحمل عليه من سيئاتهم" واحذر دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب وفى الحديث "اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل علي الغمام يقول تعالى وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" وإذا كنا ننادى الناس أن يعدلوا وتراحموا ويتكافلوا فلنكن أول من يعدل ويرحم ويعفو حتى لا نكون مثل من قال الله فيهم (لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف: من الآية2)
وما ذكرناه فهو عن الظلم عامة سواء كان من فرد لنفسه أو لأهله أو مجتمعه أو أمته أو كان من أمة علي فرد أو جماعة أو شعب أو أمة وموضوعنا اليوم عن:السنن الإلهية في هلاك الأمم الظالمةفنخصها بالذكر والبيان مذكرين بقوة القوى العزيز، معرفين بجنوده، سائلين المولي الثبات والنصر والتمكين.


ثانياً: الله هو القوى العزيز
قد ينسي أو يسئ الظن بالله، كل طاغية ظالم أو مظلوم ضعيف عند فتنة الابتلاء.. وسبب ذلك أن الشيطان يأتي إلى الطغاة الأقوياء فيخدعهم ويزين لهم قوتهم وسلطانهم وكثرة أموالهم وعظم أسلحتهم، فيظنون أنهم ملكوا الدنيا وتحكموا في رقاب المستضعفين، فيقتلون ويغتصبون ويفسدون في الأرض ومن فرط كفرهم أو ظلمهم أنهم نسوا قوة خالقهم وهذا ليس بجديد علي الطغاة، فقد قالها من قبل قوم عاد (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ* فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) (فصلت15:16)
إن الظالمين ينظرون دائما إلى ضعف قوة المستضعفين البشرية ويقارنونها بقوتهم وينسون أن الله مع المؤمنين وأنه آخذ حق المظلومين وإن كانوا كافرين كما في الحديث "دعوة المظلوم -وإن كان كافرا- ليس دونها حجاب" ولينصرن الله المظلوم ولو بعد حين.
ولما خدع الشيطان الظالمين بقوتهم أرهب ضعاف الإيمان بقوة ظالمهم خاصة عند استعلائه حيث يتكرر السؤال: متى نصر الله؟ أين قوة العزيز؟ ألسنا علي الحق؟ ألسنا مظلومين؟ وغير ذلك من الأسئلة.. مع أن الله أخبرهم ( أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: من الآية214) ولكنهم قوم يستعجلون.
فإلي إخواني المستضعفين أقول.....
لا يتزعزع الإيمان في قلوبكم (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:139) وكونوا كسلفكم (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) (الأحزاب:22) ولتزدكم المحنة ثباتا (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173)
وأذكركم بحقائق تؤمنون بها.. أن الله مولاكم ولا مولي لهم وان الله معكم ولن يترككم أعمالكم ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز وأنه إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون وأنه مالك الملك يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعجز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو علي كل شيء قدير هو الرافع الخافض المعز المذل لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء له جنود السماوات والأرض وما يعلم جنود ربك إلا هو وهو الملك الجبار المتكبر مالك الملك ذو الجلال والإكرام.
واعلموا أن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار وأنه يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته.. وكونوا علي يقين أنها ليس لها من دون الله كاشفة فاستعينوا بقوة الله فهو ناصركم ولتكم أخي المؤمن ثابت الإيمان واثقا من نصر الله سالكا درب المجاهدين صابرا صبر المبتلين من النبيين والصديقين متضرعا مستغيثا برب العالمين (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (الأنفال:9) واذكر أن النصر لا يكون إلا منه (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران:160)
ثالثا: من جنود الله في إهلاك الظالمين
وجنود الله لا حصر لها (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) (المدثر: من الآية31) ولنذكر بعضا منها:
(1) الملائكة:
وهم خلق عظيم لا يعلم عددهم إلا الله وقد ورد في وصف كثرتهم، ما رواه جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله e ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك إلا أنا لم نشرك بك شيئا" وذكر من قوتهم أن حملة العرش ثمانية ( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) (الحاقة: من الآية17) والأرض بالنسبة للعرش حلقة في فلاة، ومن الملائكة جبريل ومن قوته ما ذكره ابن مسعود قال: رأي رسول الله eجبريل في صورته وله ستمائة جناح كل جناح منها قد سد الأفق، ومنهم ملك الجبال، لما آذى أهل الطائف النبي نظر إلى السماء فإذا هو بسحابة فيها جبريل فناداه فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداه ملك الجبال قائلا: يا محمد.. فما شئت... إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت. قال النبي e بل أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له ومن الملائكة من نزل ببدر وقاتل (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (لأنفال:12)
(2) السماوات والأرض:
قال تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً* لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً* تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً* إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً* لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) (مريم90:95) (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (الفتح: من الآية4) وانظر إلى طاعة السماوات والأرض في إهلاك قوم نوح: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) وما الصواعق إلا من السماء والزلازل والبراكين إلا من الأرض.
(3) البحار:
روي الإمام أحمد في مسنده عن عمر عن رسول الله e قال: "ليس من ليلة إلا والبحر يشرق فيها ثلاث مرات يستأذن الله تعالى أن يفضح عليهم فكيفه الله " وكان البحر جندا لله في هلاك فرعون وجنوده (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ) (الذريات:40)
(4) الرياح:
هي نعمة من نعم الله إلا إذا شاء الله أن يجعلها نقمة وعذاب كما كان إهلاك قوم عاد بها (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) (الحاقة6:7) وقوله (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) (الذريات:41) وكانت الريح جند الله في هزيمة الأحزاب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً) (الأحزاب:9)
(5) الصيحة:
قال تعالى (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ* فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ* فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (الذريات43:45) وقال تعالى (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ* كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) (هود67:68)


(6) الطير الأبابيل:
عن عبيد بن عمير قال: لما أراد الله عز وجل أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيورا نشأت من البحر بلقا أمثال الخطاطيف كل طائر منها يحمل ثلاثة أحجار مجزعة: حجرين في رجليه وحجرا في منقاره فجاءت حتى صفت علي رؤوسهم ثم صاحت وألقت ما في رجليها ومناقيرها فما وقع حجر علي رأس رجل إلا خرج من دبره".
(7) الإمطار بالحجارة:
قال تعالى (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (هود82:83) وقوله (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) (الذريات33:34)
(8) الظلة (السحب):
قال تعالى ( فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) (الشعراء: من الآية189) قال السدي: فتح الله عليهم بابا من أبواب جهنم فغشيهم من حره ما لم يطيقوه فتغوثوا بالماء فبينما هم كذلك إذا رفعت لهم سحابة فيها ريح باردة طيبة فلما وجدوا بردها وطيبها تنادوا عليكم بالظلة فأتوها يتغوثون فيها وخرجوا من كل شئ كانوا فيه فلما تكاملوا تحتها أطبقت عليهم بالعذاب فذلك قوله تعالى ( فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الشعراء: من الآية189)
(9) القحط والمجاعات ونقص الثمرات:
قال تعالى (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ) (لأعراف: من الآية168) وقال (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ) (الأنعام: من الآية42) فالسيئات تعم كل ما يسوء الإنسان والبأساء: الفقر والشدة والجوع والقحط والضراء: الآفات ومنها الأمراض وقال تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ) (لأعراف: من الآية130) وقال (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) (النحل: من الآية112)
(10) الجراد والضفادع والقمل:
قال تعالى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) (الأعراف:133) وفى تفسيرها لما أتى موسي فرعون قال له: أرسل معي بنى إسرائيل فأرسل الله عليهم الطوفان وهو المطر فصب عليهم منه شيئا ثم كشف فأنبت الكلأ والزروع فلم يؤمنوا فأرسل الجراد فسلطه علي الكلأ ثم كشف فلم يؤمنوا فأرسل القمل وهو السوس ثم كشف فلم يؤمنوا فأرسل الضفادع حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه من الضفادع ثم كشف فلم يؤمنوا فأرسل الدم فكانوا لا يستقوا من الأنهار والآبار وما كان في أوعيتهم إلا دما عبيطا ثم كشف فلم يؤمنوا فأغرقناهم في اليم.
(11) المؤمنون:
قال تعالي(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) (التوبة:14) وقال (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً* فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً) (الاسراء4:5) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) (المائدة: من الآية54)، (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) (التوبة: من الآية111)
(12) الرعب:
وفى الحديث "نصرت بالرعب مسيرة شهر" وقال تعالى (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) (آل عمران: من الآية151) فلله جنود كثيرة لا يعلمها إلا هو ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
(13) الخسف:
فعن عمران بن حصين أن النبي (ص) قال: "في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف" فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ومتى ذلك؟ قال: "إذا ظهر القيان والمعازف وشربت الخمور" وفى رواية "ليشربن ناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير أسمها يعزف علي رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير".
رابعاً: السنن الإلهية في إهلاك الظالمين
(1) الإنذار والتذكير:
فمن سنته تعالى في عباده أنه لا يعذب أحدا منهم إلا إذا ذكرهم وأنذرهم فإذا نسوا ما ذكروا به أهلكم حينئذ بغتة قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: من الآية15) وقوله (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ* ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ) (الشعراء208:209) فإن أعرضوا عما أمروا به ونسوا ما ذكروا به جاءهم عذاب الله (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام44:45) ومعنى الآية: أن الله إذا رأي من عباده انحرافا عن دينه ونسيانا لشرعه وما أنزل إليهم فتح لهم وقتئذ في وجوهم أسباب الرزق والترف وأغرق عليهم النعم ووسع عليهم في حياتهم حتى إذا فرحوا بما واطمأنوا إليها ومالوا إلى التمتع بها أخذهم الله مفاجأة من حيث لا يشعرون.
(2) الاستدراج:
ومن سنته تعالى انه قد يمهل أقواما ويرجئ عذابهم إلى وقت ما ويمدهم بالأموال والبنين ويوسع عليهم في حياتهم ويسهل فهم الصعاب فيظن الجهال منهم بسنة الله أنهم علي خير وأنهم ناجون غير معاقبين وان حالتهم تلك لا توجب لهم نقمة ولا يستحقون بها باسا والحقيقة أن الله يستدرجهم ويملي لهم وفى ذلك يقول تعالى (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ* نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) (المؤمنون55:56) يعنى لا يعلمون أن ذلك منا إملاء لهم واستدراج بهم. والاستدراج هو: الأخذ بالتدرج شيئا فشيئا وذلك بإدرار النعم وأنساهم شكرها وفى الحديث "إذا رأيت الله يعطى العبد من الدنيا - علي معصية - فإنما هو استدراج" ثم تلا (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) (الأنعام: من الآية44)
(3) يأخذهم بالمحن لعلهم يرجعون:
والله عز وجل قد ينوع لعباده أسباب الهداية والاتعاظ فيهلك ما حولهم من المدن والقرى ويصرف آياته حسب حكمته كما قال تعالى (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الأحقاف:27) وقد يأخذهم بالمحن والشدائد والبأساء والضراء والفتن لعلهم يرجعون قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ* فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام42:43) وقال تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف:130) وقال تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) (المؤمنون:76) ولكنهم أبوا إلا الجحود والكفران ورفض دعوة الرسل كما قال تعالى (ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (الأعراف:95) ويعنون بقولهم (قد مس آبائنا...) إن أصابتنا بالضراء مرة وبالسراء أخري هو شيء طبيعي في بني الإنسان لا نستحقه لا بطاعتنا ولا بكفرنا وانحرافنا بالدليل أن آباءنا قد أصيبوا بمثل ذلك من قبل فهي سنة عادية قديمة وهكذا قال قوم عاد لنبيهم (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ* وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (الشعراء137:138) فهم لا بالعذاب والعقاب يتأدبون ولا بالخير والرخاء يتهذبون فهم علي كل أحوالهم ظالمون.
(4) الانتقام من المجرمين والظالمين خاصة:
وجرت سنة الله في هذا لكون أن لا يعذب إلا الظالمين ولا ينتقم إلا من المجرمين والمفسدين قال تعالى (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) (الأنعام:47) ويقول (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف: من الآية110) ويقول (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) (الروم: من الآية47) ويقول (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) (السجدة: من الآية22) ويقول (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) (الزخرف: من الآية55) وقال (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (الأعراف:165) وفى الحديث: "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث ثم ببعثهم الله علي نيتهم".
(5) الاستئصال والإبادة:
فالأمم المعاندة للرسل وجحدوا رسالتهم وأسرفوا في الفجور ولذنوب كقوم عاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم تبع وغيرهم أهلكهم الله بعذاب الاستئصال والإبادة.
(6) الاستبدال:
ومن سنة الله تعالى الكونية التي يسلكها مع عباده المنحرفين انه يهلكهم ويبيدهم ويستأصلهم ويستبدل بهم قوما آخرين قال تعالى (وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) (الأنعام: من الآية133) (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: من الآية38) والاستبدال ليس خاص بالكافرين بل إذا أعرض من المسلمين عن دين الله استبدل غيرهم قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) (المائدة:من الآية54) وقال تعالى (كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ) (الدخان:28)


خامساً: هلاك الأمم بظلمها
من سنة الله في الأمم أنها تهلك إذا ما استشرى الظلم فيها وأضحى هو مأكلها ومشربها وأصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا فعند ذلك تتحقق سنة الله في هلاكها (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ) (الأنبياء:11) (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) (الحج: من الآية45) إذا هي سنة دائمة في الأمم وهلاك الأمم الظالمة له أجل محدود بمعنى أن بقاءها محدود المدة إذا انقضت المدة جاء أجلها فتهلك كما يهلك الإنسان ويموت ولكننا لا نعرف متى يكون الهلاك بالضبط ولا يمكن أن يحدد بالسنين والأيام لكنه محدد عند رب العزة جل وعلا بالساعات (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف: من الآية34)
ويبقى السؤال: لماذا يتأخر عقاب الظالمين؟
ذلك أن من صفات الله وأسمائه الحسنى (الحلم) فحلمه واسع يسع الناس جميعا فلا يعجل عقوبتهم لظلمهم يقول تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (النحل:61) فبعد الإمهال والمتاع والابتلاء والإعذار بالرسل والدعاة المصلحين وبعد أن يسود الظلم ويسيطر الظالمون وتسير الأمة نحو الضلال تأتى سنة الله التي لا تتخلف ولا تتبدل علي مدار الزمان والمكان (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) (هود: من الآية101) (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ) (هود: من الآية102) فعذاب الله ليس مقتصر علي من تقدم من الأمم الظالمة بل أن سنته تعالى في أخذ كل الظالمين سنة واحدة فلا ينبغي أن يظن أحدا أن الإهلاك قاصر علي الأمم السابقة بل إن من شارك أولئك المتقدمين في أفعالهم التي أدت إلى هلاكهم فلابد منان يشاركهم كذلك في الأخذ الأليم الشديد فلا يغتر الظالم ولا الأمم الظالمة بالإمهال وحلم رب العالمين عليهم، عن أبي موسى  قال: قال رسول الله e : "إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102)
اعلم أخي المسلم:
أنه قد يخطر ببال بعض البسطاء والجهَّال من أن هذا العذاب والانتقام لا يكون إلا لمن كفر بالله وجحد آياته أما من آمن بالله واعتقد حقيقة ما جاءت به الرسل فهو غير معرض لانتقام الله ونزول باسه وإن عصي الله ورسوله وأسرف في ذنوبه فيقال لهذا إن المحسوس الواقعي يكذبه واعلم أن الذنوب التي أهلك الله بها الأمم قسمان:
أحدهما: معاندين للرسل وجحدوا رسالتهم فأهلكهم الله بعذاب الاستئصال والإبادة كما فعل بقوم نوح وعاد وثمود ولوط وشعيب وأضرباهم
والثاني: فيصابون بالمجاعات والجوائح والأمراض والاختلاف والزلازل وأنواع أخري سيأتي ذكرها وعذاب هذه الأمة من هذا القبيل فإن الله لا يستأصلها ولا يهلكها بالمرة كما فعل بالأمم السابقة
ولنبدأ بأسباب المهلكات في الأمة المسلمة العاصية لله ورسوله ثم نعقب بالأمم الكافرة.
أسباب هلاك الأمة الظالمة (من المسلمين):
(1) كثرة الخبث:
فعن زينب بنت جحش رضي الله عنها دخل عليها يوما فزعا يقولك لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها فقالت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث". متفق عليه.
(ويل للعرب): خص العرب بالذكر لأنهم كانوا وقته معظم من أسلم أو لأنهم أول من دخل في الإسلام وللإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك أسرع إليهم من غيرهم
(من شر): المراد به ما حصل بعده من الفتن بمقتل عمر وعثمان وعلي ثم تتابعت الشرور والفتن جيلا بعد جيل حتى جاء عصرنا الحاضر فأصبحت الفتن فيه بمنزلة الأمطار تبعا وكثرة كما في الحديث "هل ترون ما أري قالوا: لا قال: فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع المطر".
و(الهلاك) قد يكون بالكفر والابتداع وبالفجور والفسوق والقتل والسجن والضرب والتفرق والاختلاف وتشتيت الكلمة والمقاطعة والهجران وظهور الجهل ووقوع الذل والهوان والحكم بالفجور والإجبار علي العمل بالقوانين الوضعية كمما يكون بالحروب الطاحنة الساحقة التي تفنى المدن وتخرب العمران ونسفها نسفا فكل هذا يصدق عليه الهلاك وقد وقع في الأمة ذلك كله.

(2) حب الدنيا وكراهية الموت:
كما ورد في حديث ثوبان: "يوشك أن تداعي عليكم الأمة كما تداعي الأكلة إلى قصعتها قالوا: ومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ينزع الله من قلوب أعدائكم المهابة ويلقي في قلوبكم الوهن، قالوا وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت.
(3) التنافس في الدنيا:
ومن أسباب الهلاك التنافس في الدنيا والرغبة فيها والمغالبة عليها وقال (ص) "فوالله ما الفقر أخشي عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت علي من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم" والحديث ظاهر في أن التنافس علي الدنيا وجمع مالها وحب الاستئثار بها من أسباب الهلاك لأن ذك يؤدى إلى إضمار الأضغان والأحقان وظهور الحسد والعداوة وفى ذلك هلاك المجتمع وفى صحيح مسلم عن ابن عمر عن رسول الله e أنه قال: "إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم انتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما امرنا الله.. قال رسول الله e أو غير ذلك.. تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون..." الحديث.
(4)ظهور الربا والزنى وتعاطى الرشوة:
ومن أسابب الهلاك العظيمة التي تخرب الديار وتهلك الأمم وتفسد المجتمعات وتقضى علي الكرامة وترفع العفة وتخلط الأنساب وتجلب الفوضى وتنشر الظلم وتخرب نظام العالم ظهور الربا وانتشار الزنا وتعاطى الرشوة فعن ابن مسعود عن النبي e قال: "ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل" وعن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله  eيقول: "ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب" والسنة: الجدب والقحط.
(6) البخس في الكيل والميزان ومنع الزكاة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال: رسول الله e "يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن - وأعوذ بالله أن تدركوهن - لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا الكيل والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم".
(7) ترك الجهاد:
ومن أسباب الهلاك التشاغل بالحياة والتوغل في اكتساب الأموال من الحرام وانتشار الغش والخديعة والضن بالأموال والبخل بها من الإعراض عن الجهاد في سبيل الله فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله  e يقول: إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعين واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلم يرفعه عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم" رواه أحمد وفى لفظ لأبي داود "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".
والحديث يتضمن أربعة مهالك:
أولها: الضن بالدينار والدرهم والبخل بهما وإمساكها وكنزهما وعدم إنفاقهما والضن بذلك أعم من البخل بأداء حق الله من زكاة ونفقة من تلزم الإنسان نفقة وحق إخوانه ودعوته0
الثاني: المعاملة بالغش والخديعة والخيانة والحيل وعبر النبي e عن ذلك بنوع واحد منها وهو العينة لأنها من أقبح أنواع الحيل والخديعة.
الثالث: اتباع أذناب البقر والمراد به لزوم الحراثة واستثمار الأرض والتشاغل بها عن الدين وواجباته وعبر عن أذناب البقر لأن المخاطبين كانوا أهل حراثة وفلاحه وإلا فكل أنواع الاكتساب داخلة في ذلك إذا شغل بها المسلمون عن مهمات دينهم الفردية والاجتماعية.
الرابع: ترك الجهاد أي قتال أعداء الدين وغزو طوائف الكفر.
(8) ظهور المعاصي وعدم تغييرها:
ومن أسباب الهلاك ظهور المعاصي بين الناس وانتشارها في المجتمع مع سكوت الناس عن تغييرها وذلك لأن المعصية في الخفاء لا تضر إلا صاحبها وأما إذا أصبح المجرمون والمنحرفون يعلنون المعصية ويتظاهرون بفسقهم ولم يجدوا من يأخذ بأيديهم ويردعهم دب حينئذ وباؤها إلى العامة والخاصة ولم يبق وبالها علي فاعلها فحسب بل علي العامة قال تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (لأنفال: من الآية25) وفى حديث حذيفة عن النبي e "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".
وفى رواية عن أبي الرقاد قال: خرجت مع مولاي فانتهينا إلى حذيفة وهو يقول: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة علي عهد رسول الله e فيصير بها منافقا وإني لأسمعها اليوم في المقعد الواحد أربع مرات لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتحاضن على الخير أو ليسحتتكم الله تعالى بعذاب أو ليؤمرن عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم". وعن عبد الله بن عمرو أن النبي e قال: إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول إنك ظالم فقد تودع منهم".
(9) عدم المساواة في القصاص:
ومن أسباب الهلاك عدم المساواة في القصاص وإقامة الحدود وهضم حق الضعيف والتعدي عليه وإهانته وتقديس الشريف ذي الثروة وغض الطرف عما يقترفه من آثام وإجرام فعن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله؟ فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله e فكلمه أسامة فقال رسول الله e "أتشفع في حد من حدود الله" ثم قام فخطب فقال: "إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله.. لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، وعن جابر رضي الله عنه قال رجعت مهاجرة الحبشة إلى رسول الله e فقال: "إلا تحدثوني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ "قال فتية منهم: يا رسول الله بينا نحن جلوس مرت علينا عجوز من عجائزهم تحمل علي رأسها قلة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفها ثم دفعها علي ركبتها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت التفتت إليه ثم قالت: ستعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم أمري وأمرك عنده غدا فقال رسول الله e : "صدقت صدقت كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم".
(10) التشبه ببني إسرائيل والكفار:
عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج وهو علي المنبر وتناوله قصة من شعر كانت في يد حرس يقول: يا أهل المدين أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله e ينهى عن مثل هذه ويقول: "إنما هلكت بنو إسرائيل حيث اتخذ هذه نساؤهم".
(11) مخالفة أمر رسول الله e:
فعن ابن عمر قال: قال رسول الله e : "بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعلت الذلة والصغار علي من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم".
جعلت الذلة والصغار: معناها الهوان والخزي فإننا نري المسلمين اليوم وقبل اليوم لما خالفوا أوامر رسول الله e وأعرضوا عن هديه أهانهم الله وذلهم وصغرهم في أعين الأمم المعاصرة لهم وأصبحوا محتقرين بين سائر الدولة الراقية في دنياها
من تشبه بقوم: يقول المودودي: ليس اختيار أمة للباس أمة غيرها وطريقها للمعيشة إلا نتيجة وإعلان لما في هذه الأمة من مركب النقص وبكلمة أخري فإنها تعتبر نفسها امة ذليلة ليس عندها شيء تفتخر به أو تعتز به وأن أسلافها ما كانوا قادرين علي أن يتركوا لها شيئا تحتفظ به وتعلن نسبته إليها بدون خجل ولا غضاضة وإن ذوقها القومي وفكرتها القومية في غاية الدناءة والبلادة.
أسباب هلاك الأمم الظالمة (من غير المسلمين):
(1) المعصية لله عز وجل:
وأعظم معاصيهم الكفر بالله وتكذيب الآيات قال تعالى (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ) (الأنفال:54) وقال تعالي:- (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً عَمِينَ) (الأعراف: من الآية64) وقال تعالى (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) (المزمل:11)
(2) الظلم
ظلم الناس وأخذ حقوقهم وسلب أموالهم يجعل ذلك سببا لهلاكهم قال تعالى (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ) (الأنبياء:11) وقوله e "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القري وهى ظالمة).
(3) الاستهزاء بالدين والرسل:
قال تعالى (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) (الرعد:32)
(4) نشر الفساد في الأرض:
قال تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:33) وقال تعالى (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (الأعراف: من الآية103) وقال تعالى (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ* الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ* فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ* فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ* إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر10:14)
(5) الاغترار بقوتهم:
قال تعالى (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ* فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ....) (فصلت: من الآية: 15)
(6) إيذاء وقتل الصالحين:
قال رسول الله (ص) "من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب"
(7) المكر والخداع لاستعباد الناس:
قال تعالي: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (آل عمران:54)
سادسا: صور لأمم أهلكها الله
أهلك الله عز وجل أمما وأقواما وقرونا وأجيالا كانوا أشد من قوة وأطول أعمارا وأرغد عيشا وأكثر أموالا فاستأصلهم وأبادهم ولم يبق لهم ذكرا ولا أثرا وتركوا وراءهم قصورا مشيدة وآبارا معطلة وأراض خالية وزروعا مثمرة ونعمة كانوا فيها فاكهين وأورث كل ذلك قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين.
قال تعالى (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (الأنعام:6) وقال تعالى (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا) (لأعراف: من الآية4)، (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ) (محمد:13) وقال (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً) (الطلاق:8) وقال تعالى (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) (القصص: من الآية78) وقال (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) (سـبأ:45) وقال (فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) (الزخرف:8)
فلا تخشوا عباد الله قوة أعدائكم اليوم فانظروا إلى قوة من كان قبلكم؟ قد دمرهم القوى العزيز..
وإليكم صورا من قوتهم وكيف أهلكهم الله تعالي:
* قوم نوح: قال تعالى (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ* فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ* فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ* وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ* تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ* وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر9:15)
* قوم عاد: قال تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ* إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ) (الفجر6:8) وقال لهم نبيهم هود (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً) (لأعراف: من الآية69) وقال أيضا (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ* وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ* فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ* أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ* وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (الشعراء128:134) وقال تعالى (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ* فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) (فصلت15:16) فأهلكهم الله (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ* تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (الاحقاف24:25) وقال تعالى (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ* مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) (الذريات41:42) وقال تعالى (تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (القمر:20)
* قوم ثمود: قال تعالى (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ* فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ* فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (الأعراف73:78)
وقال تعالى (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ* وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ* وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ* فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ* فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الحجر80:84) (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا* فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا* فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا* وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) (الشمس12:15) وقال تعالى (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) (هود: من الآية68).
* قوم لوط: قال تعالى (وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ* أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ* قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ* وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ* إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ* وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (العنكبوت28:35) وقال تعالى (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (هود82:83)
* قوم شعيب: قال تعالى (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ* وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ* قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ* قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ* وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ* فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ* الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ) (لأعراف85:92)
* أصحاب قوم يس: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ* إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) (يّـس28:29)
* فرعون وجنوده: قال تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ* وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص4:6) وقصة موسي مع فرعون طويلة وهى أكبر قصص في القرآن فلتراجع بتدبر لأن فيها هلاك الطاغية فرعون كما قال تعالى (وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ* فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ* فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ) (الذريات38:40).
* خسف قارون: قال تعالى (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ* وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ* قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ* فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ* فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) (القصص76:81)

سابعاً: هلاك الظالمين في تاريخ أمتنا
لو نظرنا في التاريخ ولو نظرنا في تاريخ أمتنا لوجدنا دعوات ومذاهب وأعداء قد أهلكها الله عز وجل بعد أن علت في الأرض بالفساد، وما كان يتصور هلاكها سواء من قوة عسكرية كالتتار والشيوعية، أو فكرية كالبهائية والقاديانية أو تنصيري صليبية كما نعلم من الحروب الصليبية ولنضرب أمثلة من هلاكهم.
(1) التتار:
وكانت أمة عظيمة غزت بلاد المسلمين وأذاقتهم ألوانا من الذل والعذاب والتشريد ما لم يتخيله بشر واستمع إلى المؤرخ ابن الأثير الذي عايش الأحداث وهو يسطرها في كتابه "الكامل" لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها كارها لذكرها فأنا أقدم لها رجلا وأؤخر أخري فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك، فيا ليت أمي لم تلدني ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا إلا أنى حثني جماعة من الأصدقاء علي تسطيرها وأنا متوقف ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعا فنقول هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عظمت الأيام والليالي عن مثلها فلو قال قائل أن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالي آدم إلى الآن لم يبتل بمثلها لكان صادقا فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها ثم قال: ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج فأما الدجال فإنه يبقي علي من اتبعه ويهلك من خالفه وهؤلاء لم يبقوا علي أحد بل قتلوا النساء والرجال والأطفال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة فإنا لله وإنا إليه راجعون.." إلى بقية كلامه رحمه الله ومع ذلك أهلك الله التتار وأوقف زحفهم علي يد المقاتل قطز، ولم يبق لهم ذكر.
(2) الشيوعية:
نشأ الفكر الشيوعي علي يد كارل ماركس وهو من أبوين يهوديين ونادي بالاشتراكية وحاربت الأديان واعتبرت أن الدين أفيون الشعوب وان الوحي الإلهي فكرة خرافية ووضع الماركسيون خططا لهدم الإسلام وحكموا بالحديد والنار وهدموا المساجد وأحدثوا فتنة عظيمة في البلاد التي كانت تحت وطأتهم مثل الجمهوريات الإسلامية والبوسنة وألبانيا.. الخ ثم ماذا أهلكهم الله ولم يبق من الشيوعية إلا الاسم.

(3) البهائية:
وهى من الطوائف الباطنية التي ساندها الأعداء ونادوا بها للتحلل من القيود الإسلامية وإلغاء كل ما جاء به الإسلام وان الحج ليس إلى الكعبة وإنما يحج الناس إلى مقام البهاء إلى غير ذلك وانتشرت تلك الطائفة في باكستان وما جاورها وأهلكهم الله.
وإذا نظرنا إلى دعوات كثيرة منحرفة أو جماعات ليست علي منهج الله لم يبق عنهم إلا الأسماء وعرفنا كيف أهلكهم الله لكان لنا في ذكر عبرة.
ثامناً: الواقع المر لأمتنا اليوم
المتأمل في واقع المسلمين اليوم يجد أنهم يذوقون صنوف العذاب وأصبحوا لقمة سائغة في أفواه الأعداء تنتهك حرمتهم ويتعدى علي أرضهم وتسلب أموالهم وتغتصب نساؤهم وتسلب إرادتهم وتحكم فيهم القاصي والداني فإنا لله وإنا إليه راجعون، أن الحرب اليوم علي الإسلام أصبحت معلنة اجتمعت أحزاب الكفر وتحالفت علي الإسلام ويعاونهم أخوة لنا بكل ما يملكون من سلطة ومال وإعلام.. فازدادت الفتن وكثر الأعداء وليس لنا إلى الله وحده.. مكروا لنا بالليل والنهار فكن معنا يا قوى يا عزيز واحفظنا من شرورهم.
ويا أخوة الإسلام..
عليكم بالتمسك بدينكم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: من الآية103) كونوا دعاة الحق لا دعاة الكفر ولا تخشوا اجتماعهم (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173) وثقوا بنصر الله فإن نصر الله قريب وسارعوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. أنتم النور الذي جعله الله هداية للبشرية (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف:8) وأذكركم بقول نبينا (ص) "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين علي الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله".
تاسعا: الجماعة المسلمة وسنة الله في الصالحين
عندما قامت الجماعة المسلمة قامت استجابة لأمر من الله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104) فعليها أن تقوم بدورها الذي من أجله قامت وهو إقامة منهج الله في الأرض وتغليب الحق علي الباطل والمعروف علي المنكر والخير علي الشر ومن أقبح المنكرات التي علي الجماعة المسلمة أن تحدده وتظهره وتبينه للناس هو الظلم المستشري في المجتمع وذلك في ضوء قواعد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
والجماعة المسلمة في سبيل تحقيق ذلك عليها أن تدرك حقيقة هامة ألا وهى: أنها أقوى من الفرد واضعف من الدولة وان قوى الظلم تتربص بها ما دامت علي المنهج الإسلامي الصحيح فعليها إذا أخذ مبادرة فقه الموازنات وفقه الأولويات وان تتصرف وفق معادلات المجتمع الذي تنمو فيه وتختار الأسلوب الأمثل الذي يضمن لها تنفيذ مهمتها وبما يمكن لشرع الله من أن يسود في الأرض مع الأخذ في الاعتبار التحالفات الدولية وواقع الأمة في الوقت الراهن وفى ظل هذه المحددات وما هو مطلوب منها عليها أن تراعي ما يلي:
1- أن تحذر الجماعة المسلمة من الركون إلى الظالمين:
ولو بحسن النية فعليها ممثلة في كل أفرادها عدم مخالطة الظالمين أو الظهور معهم أمام الناس دون إعلان الإنكار عليهم وذلك حتى لا يتشكك الناس في إخلاص الجماعة بل قد يشركونها في المسئولية من الظلم الواقع وبالتالي يمكن أن ينفض الناس عنها ولا يسمعون منها حتى ولو أن ما تقوله له هو حق وصواب لأن الناس جبلوا علي عدم قبول القول ولو كان حقا ممن يخالفه عملا ويستثنى من ذلك وجود ضرورة تدعو له أو دفع ضرر أو اجتلاب منفعة عاجلة مع عدم التوسع بالأخذ بهذا الاستثناء (الضرورة تقدر بقدرها) فهذه مسالة تقديرية متروكة لها ومع تقوى الله والإخلاص والأخذ بكافة الأسباب ثم بالدعاء توفق إلى الصواب بإذن الله تعالي.
2- علي الجماعة المسلمة أن تبصر الأمة بتقصيرها وواجبها:
فعليها إذا أن تقوم بتبصير الأمة بتقصيرها وواجبها في معاداة الظالمين:
أما تقصيرها فهو: سكوتها علي الظالم ورضوخها إليه واستكانتها له وركونها إليه بل ومعاونة الظالمين ولولا هذا التقصير منها لما بقي هذا الظالم ظالما ولا استمر في غيه فإذا أرادت الأمة أن تتخلص من هذا الظالم فعليها أن تعرف وتقوم بواجباتها.
وواجباتها هو:
1- استئصال كل الأسباب التي تؤدى إلى تسلط الظالمين سواء كانت هذه الأسباب تظالم الأمة فيما بينها وانتشار المعاصي فيها أو تفرق كلمتها أو إعانة الظالم بأي شكل من أشكال الإعانة
2- الالتفاف حول الجماعة المسلمة واتباع منهجها في تغيير المنكر.
3- على الجماعة المسلمة أن تحذر الناس من الكفر بسبب الظلم:
- لا شك أن استشراء الظلم وظهوره في الأرض قد يؤدى بضعفاء الإيمان إلى أن يراجعوا موقفهم من دينهم ويتساءلون فيما بينهم وبين أنفسهم أسئلة تدور حول لماذا لا ننصر؟ هل نحن علي الحق؟ أم عدونا علي الحق؟ وغيرها من الأسئلة التي قد تؤدى بالناس للكفر والشرك عند ذلك علي الجماعة المسلمة أن ترد الناس إلى ربهم وتحذرهم من مغبة الكفر والردة عن الإسلام باعتراضهم علي الله واتهامهم إياه - نعوذ بالله - بتأييد الظالمين بدليل مكوثهم الطويل في الأرض وتمتعهم بخيراتها وامتلاكهم أسباب القوة والحياة فيها.
- في هذه الحالة علي الجماعة المسلمة أن تبصر الناس بجهلهم وأنهم إن أرادوا العدل وان ينقشع عنهم الظلم وتزول دولة الظالمين فلابد أولا أن يقيموا العدل فيما بينهم "كيفما تكونوا يولي عليكم".
- كذلك علي الجماعة المسلمة أن توضح للناس أن أمور الحياة تجري وفق سنن الله العامة ومنها سننه في الأخذ بالأسباب وسنة التدافع بين الحق والباطل وان الله لن يخرق هذه القوانين وهذه السنن العامة من أجلهم فهم ليسوا أحسن حالا ولا أكرم من أنبيائه ورسوله محمد e وصحابته الكرام ودعاته المصلحين علي مر العصور والأزمان، فقد قص علينا القرآن الكريم ما لقيه أصحاب الحق من ويلات وشدائد وأذى وما تحملوه في سبيل الله وما قدموه من تضحيات حتى أتاهم نصر الله بإزالة الطواغيت من الأرض.
4- ليس بالأماني وحدها يتحقق العدل:
علي الجماعة المسلمة أن تبصر الناس وتعلمهم بأن إزاحة الظالمين والانتصار علي الأمم الظالمة لا يكون بمجرد التأفف والتضجر والتحسر أو بالاحتجاج بأننا مسلمون وغيرنا كافرون فلابد أن يهلك الظالمون..
لا يمكن إزاحة الظالمين والأمة راقدة في نومها جالسة في بيوتها يمنون علي الله بإسلامهم فيريدون أن يرسل ملائكته لتحارب عنهم وتزيل الظالمين فتخلصهم من شرورهم.
كلا.. لا يكون هذا ولن يكون فهذا يتنافى مع سنن الله في الكون، لكن عندما يكون هناك مسلمون حقيقيون يطبقون الشرع وينفذون أوامر الله ويهتدون بسنة نبيهم ويعدون العدة اللازمة ويأخذون بكل أسباب القوة اللازمة عند ذلك يتحقق نصر الله ويتحقق وعده لأن ذلك ينسجم مع سنن الله في الكون (..وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج40:41)، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ..) (لأنفال: من الآية53)، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214)
عاشرا: سبيل الخلاص من الهلاك
لاشك في أن التدافع الذي يحدث حاليا بين الأمة الإسلامية وأيا من الأمم الظالمة التي نصبت نفسها عدوا أساسيا للأمة الإسلامية منذ أن انحل عقد الاتحاد السوفيتي في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، لا شد أن هذا العداء السافر والعدوان الذي تتعرض له الأمة الإسلامية في الوقت الراهن لهو أمر متوقعه وحتمي في ظل غيبة المسلمين عن دينهم ولا ضعف والاضمحلال الذي حدث لهم قرابة 300 عاما الأخيرة كذلك هو أمر حتمي لأنه صراع بين الحق متمثل في الدين الإسلامي وباطل متمثل في كافة المعتقدات الفكرية المادية الأخرى التي تسيطر علي عقول القوى الظالمة هذه القوى الظالمة تريد تدمير الإسلام وإبادة أهله والسيطرة علي مقدراته سواء بالقوة أو صد الناس عن الإسلام ببذل المال أو بالقتال أو بأساليب الرهيب والترغيب.
ويقف المسلم الآن علي مفترق طرق إما مع الاستسلام لما هو حادث أو العودة الصحيحة لدين الله، لاشك أن إعادة الأمة الإسلامية لسابق عصرها لا يبدأ إلا من خلال بناء الفرد المسلم الذي إذا وجد وجدت معه أسباب الحياة كلها ولكن علي الفرد المسلم واجبات عدة لتحقق وعد الله تعالى في إهلاك الأمم الظالمة وهى:
1- الإيمان والثقة في نصر الله تعالى (...وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم: من الآية47) (..وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال: من الآية19)
2- التمسك بكتاب الله تلاوة وعملا وتدبرا ودعوة
3- اقتدوا بسيد الرسل" من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبي"
4- تقوى الله (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ* بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ) (آل عمران124:125)
5- نصرة دين الله (... إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: من الآية7) ونصرة دين الله تتحقق بأن يسلم المسلم نفسه لله رب العالمين ويظهر الخضوع والاستسلام لشرعه.
6- الالتزام بالجماعة والبعد عن العزلة "عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة".
7- إعداد القوة: سواء كانت قوة مادية أو معنوية (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (لأنفال: من الآية60)
8- تمسكوا بأخوتكم ولتفشوا بينكم السلام والحب والتناصح والتكافل والتراحم وكل مكارم الأخلاق
9- احرصوا علي الإخلاص في العمل والصدق في القول والجهاد المتواصل
10- الصبر والمصابرة والمرابطة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران:200)
اصبروا: علي ما يلحقكم من أذى في قتال الأعداء ومدافعتهم
صابروا: الأعداء الذين يقاومونكم ليغلبوكم علي أمركم ويخذلون الحق الذي معكم.
ورابطوا: أقيموا في ثغوركم مرابطين مترصدين للعدو لئلا يتسلل إليكم
11- ذكر الله وكثرة الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل: (... وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً..) (لأنفال: من الآية45)
12- الأخذ بالحيطة والحذر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ...) (النساء: من الآية71) سواء بالكلام أو الأفعال والالتزام بقواعد السلامة في كل الأوقات وعدم التهاون ولا تنخدع بما تراه من عدوك سباتا بل هو نوم كنوم الثعلب يترقب اللحظة التي ينقض فيها علي فريسته.
13- الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعدم الركون للذين ظلموا.
14- اجتناب المعاصي ومجالس اللهو وأصحاب السوء.
15- إياكم والظلم مهما كان قدره واتقاء دعوة المظلوم وإن كان كافرا.
ختاما: تضرع واستغفار للقوى العزيز
- اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا.. وقلة حيلتنا.. وهواننا علي الناس يا أرحم الراحمين.. أنت رب المستضعفين وأنت ربنا إلى من تكلنا؟ إلى بعيد يتجهمنا؟ أم إلي عدو ملكته أمرنا؟ أن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي، ولكن عافيتك أوسع لنا، نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بنا غضبك أو يحل علينا سخطك لك العتبي حتى ترضي ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- اللهم إنا ضعفاء فقونا.. فقراء فأغننا... أذلة فأعزنا
- اللهم أرحم ضعفنا.. واجبر كسرنا.. وأتم نقصنا.. وتولي أمرنا... وأحسن خلاصنا.. واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا.. وبعفوك عمنا.
- اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك... وبمعافاتكم من عقوبتك.. وبرحمتك من غضبك... ونعوذ بك منك... لا نحصى ثناء عليكم أنت كما أثنيت علي نفسك.. ونعوذ بك من جهد البلاء.. ودرك الشقاء.. وسوء القضاء.. وشماتة الأعداء.
- اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك.. وتحول عافيتك.. وفجأة نقمتك... وجميع سخطك.
- اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.... ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا
- اللهم احفظنا بالإسلام قائمين... واحفظنا بالإسلام قاعدين... واحفظنا بالإسلام راقدين.. ولا تشمت بنا عدوا ولا حاسد يا أرحم الراحمين.. اللهم نسألك من كل خير خزائنه بيدك.. ونعوذ من كل شيء خزائنه بيدك.
- اللهم استر عوراتنا... وآمن روعاتنا.. واحفظنا من بين أيدينا.. ومن خلفنا... وعن أيماننا.. وعن شمائلنا.. ونعوذ بك أن نغتال من تحتنا.
- اللهم إن أردت بعبادك فتنة فنجنا منها واقبضنا وأنت راض عنا.. اللهم لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين
- اللهم احفظ الإسلام والمسلمين من كيد الحاسدين ومكر الماكرين وخيانة الخائنين.. اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائنا ونعوذ بك من شرورهم..اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين.. اللهم أحصهم عددا.. واقتلهم بددا... ولا تبقي منهم أحدا.
- اللهم شتت شملهم.. وفرق جمعهم.. وزلزل الأرض من تحت أقدامهم.. وأجعل تدميرهم في تدبيرهم
- اللهم يا منزل الكتاب... ومجري السحاب.. سريع الحساب.. اهزم الأحزاب.. الهم اهزمهم وزلزلهم.. اللهم إنهم لا يعجزونك فأرنا فيهم عجائب قدرتك.. اللهم أهلكهم كما أهلكت عادا وثمود.
- اللهم أنت المنتقم الجبار... خذهم أخذ عزيز مقتدر.. فإنك أنت القوى العزيز
- اللهم انصرنا ولا تنصر علنيا... آثرنا ولا تؤثر علنيا.. وأرضنا وارض عنا..
- اللهم أنزل رجزك وعذابك علي القوم الكافرين.. الهم أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا علي القوم الكافرين.
- اللهم اجعلنا عند البلاء من الصابرين.. وعند النعماء من الشاكرين.. وعند الغفلة من الذاكرين.. وفى إيماننا صادقين... وفى صلاتنا خاشعين.. وفى صبرنا محتسبين.. وفى عبادتنا مخلصين.. وبأعمالنا مأجورين.. وعلي طاعتك مذعنين.. ولحكمك راضين.. ولرسولك متبعين.. وفى جنتك داخلين.. وعن نارك مبعدين.. ومع أنبيائك ورسلك محشورين.. وعلي سرر جنتك متقابلين.
- الله إنا نعوذ بك من الضلال بعد الهدى.. ومن الزيغ بعد الهداية... ومن الجهل بعد العلم.. ومن الفقر بعد الغنى.. الهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك.. ومن الخوف إلا منك.. ومن الذل إلا إليك.. ومن التوكل إلا عليك..
- اللهم ألف بين قلوبنا..، أصلح ذات بيننا.. واذهب الغل والحسد من بيننا.
- اللهم اجعلنا هداة مهتدين مصلحين.. نصدق في قولنا.. ونعدل في حكمنا.. ونحسن في عملنا.. وننصر في جهادنا.. ونرحم في استغفارنا.. اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا.. وما أسررنا وما أعلنا.. وما أنت أعلم به منا.. أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت..
- ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.. ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته علي الذين من قبلنا.. ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به.. واعف عنا.. واغفر لنا.. وارحمنا.. أنت مولانا فانصرنا علي القوم الكافرين.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button