تكاد
تكون قصة طوفان نوح عليه السلام من أشهر القصص على الإطلاق ، حيث وردتْ في
تاريخ معظم الحضارات ، وهي معروفة لدى كل شعوب العالم عن طريق الرسل
المبعوثين من السماء ، ولكن يد البشر طالتها فحرَّفتها بالإضافات وملأتها
بالفلسفات ، ولهذا دخلتْ في مسار الأسطورة وبقوة فشُوهت واقعية القصة ، فما
هي حقيقة القصة وقد تعددتْ رواياتها !
سفينة نوح
لقد
أخبر الله تعالى الناس جميعاً بقصة قوم نوح ، لتكون عبرة مؤثرة وعظة مبهرة
، وإنذاراً للعُصاة بأن غضب الله تعالى إذا استحقه قوم لا يصرفه شيء، وأن
اللهَ حليمٌ يمهل.. ولكنه منتقم لا يهمل ، وفي كل مرة كان الناس يَحْرفون
القصة عن مسارها ويُحرّفون كلام ربهم ولطالما اجترأتْ أهواء البشر حتى على
الكلمة المقدسة !
إن
القرآنَ الكريم هو المصدر الوحيد الأوحد الذي قدم الحقيقة كاملة متكاملة
لأنه كتاب السماء الوحيد الذي بقي دون تحريف فالله تعالى تعهد بحفظه
وتكفَّل بصونه : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ )الحجر/9 هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن ما ورد في القرآن عن
قصة نوح تؤكده الاكتشافات العلمية بتطابق مذهل يجعلك توقن بأن الذي أنزل
القرآن هو الذي يعلم السر المخبوء في باطن الأكوان ! والأبدع من ذلك أن
الدليل ينكشف على قدر ثقافة المتلقي والمستوى العلمي الراهن ، فلولا
الأقمار الاصطناعية والصور التي التقطتها لما كان لأي حديث علمي- عن
الطوفان- أي معنى ولبقي الكلام يلقى على عواهنه إذ أن من أهم خصائص العلم
هو الدليل المحسوس فهو الذي يعطي العلم هذه القيمة المعتبرة وهذا الحضور
المُقنع !
لمحات عن قصة طوفان نوح من الثقافات الشعبية المختلفة
لا
بد من استحضار شيء عن قصة الطوفان من بعض الثقافات العالمية ليسهل علينا
التأكد من أن القصة مصدرها واحد ، ومن ثم تَمَثل إمكانية انقلاب الواقع إلى
أسطورة أو حتى إلى خرافة فيما بعد ! لعل أشهر هذه الروايات هي البابلية
التي وردت في ملحمة غلغامش ، فحسب الأسطورة يقرر البطل غلغامش أن يجدَ
أسلافه ليحصل على سر الخلود رغم مخاطر هذه الرحلة التي لم يقمْ بها سوى إله
الشمس شامشا ، والتي فيها مياه الموت وجبال ماشو ، وعندما يعود البطل
مخفقاً في الحصول على سر الخلود يصارحه نابيشتيم بأن الآلهة فقط هي التي
تملك سر الحياة والموت ، ولا يعلم سر الخلود أحد من بني البشر ثم يحكي له
قصة الطوفان. وتوجد القصة أيضاً فيما يُعرف بالموائد العشرة من أسطورة
غلغامش ! وأما الأسطورة السومريّة فهي أن الإله أنليل يحذر البشر من أن
الآلهة الأخرى قررتْ إهلاك البشرية ولكنه يريد أن يتحدى الآلهة وينقذ البشر
! ويخبر الإله أنليل البطل زيوسودرا ماذا يفعل كي ينجو هو وأهله من
الطوفان المدمر، إذ عليه أن يحملَ في السفينة بذور كل الأحياء ، وأعلمه عن
حجم السفينة ، إن النسخة السومرية ناقصة ولكن تستطيع أن تتتبع بقية
التفاصيل المتعلقة ببناء السفينة وأسباب الطوفان وما يتعلق بالناجين من
الهلاك بالقياس مع الأسطورة البابلية الأكثر تفصيلاً !! وحسب الرواية
الآشورية فقد أنقذ البطل عائلته وخدمه وقطعانه والحيوانات الأليفة ! وفي
الروايات الثلاثة رست السفينة على جبل مرتفع ( ميت نيصير أو كوريديان).
وتتحدث الأسطورة الهندية ( الشاتاباثا والماها باهارتا ) أن البطل مانو قد
نجا من الطوفان المدمر بأن ربط السفينة إلى قرني السمكة العملاقة التي
علمته كيف يصنع السفينة ومن يحمل بها رداً لمعروفه المتمثل بإنقاذها عندما
كانت سمكة صغيرة ! وقادت السمكة العملاقة السفينة وأرستها على جبل هيسمافات
وفي أسطورة ويلز تتم نجاة دوينوين ودوينفاك من الطوفان الكبير(لينليون)
بركوبهم السفينة وعودتهم إلى بريطانيا من جديد ! وكذا في الأسطورة
الإسكندنافية حيث نجا بنفس الطريقة بلغالمير وعائلته هرباً من الطوفان
الأعظم في سفينة عملاقة ! أما أسطورة ليتوانيا فقد كانت أكثر طرافة حيث
تناسبت مع جنوح خيال اللتوانيين ، حيث حملت قشرة بندق عملاقة أرسلها الخالق
لنجاة الطيبين حملت قليلاً من أزواج البشر والحيوانات ورست بهم عند قمة
أحد الجبال العالية ! وفي الصين نجا ياو مع سبعة آخرين وزوجته في سفينة من
طوفان عظيم ترافق مع هزات أرضية بحيث تفجرت المياه من كل مكان حاملة
السفينة التي نجت في النهاية وانحسر الماء ! وجاء دور ملوك الأساطير،
الإغريق ، حيث قرر الإله زيوس إغراق الناس المفسدين بالطوفان كي لا يعم
فسادهم على الآخرين فنجا ديوكاليون وزوجته بيرا بفضل أبيه الذي نصحه بصناعة
السفينة التي رست على جبل بيرناسوس بعد تسعة أيام !
طبعاً
معظم الأساطير صيغت بلغة أدبية وتخللت الأشعار والحكم بعضها، وتدخّلتْ
الاعتقادات السائدة في ذلك الزمان في هذه المجتمعات القديمة المتنوعة ، ولا
سيما مفهوم تعدد الآلهة وتخصصها ، بحيث عكستْ الأسطورة ثقافة العصر الذي
صيغت به ، وخاصة السذاجة العلمية ، والضحالة الفكرية ، وضعف محاكمة الأحداث
، وكذا وهن الربط المنطقي ، وفي مجمل الأساطير التي سُقتها مجموعة من
التناقضات التي لا بد منها لتوضح أن القصة محرَّفة عن قصص أخرى أخذ ت
بدورها من المصدر، فسفينة جلجامش مثلاً انتهى بها الأمر في المياه
المالحة، وهذا يعني أن التيار الشديد جرفها من نهر الفرات إلى بحر العرب،
ولكن السفينة في جلجامش استقرت على جبل نيصير ، وهذا مستحيل لأن السفينة لا
يمكنها أن تبحر ضد تيار جارف نحو المرتفعات الشيء الذي يؤكد أن القصة لا
تروي واقعاً ولكن قصة محرفة وكذا في بقية الأساطير حيث تحولت قشرة البندقة
إلى سفينة عملاقة وهذا يذكرنا بيقطينة ساندريلا التي تحولت إلى مركبة
جميلة ! وهكذا نجد حضور الخرافة في مثل هذه الأساطير بأعلى مستوى يمكن أن
يسجله الخيال البشري بسبب الضحالة العلمية كما ذكرت! بينما القصة في
القرآن وردت بشكل متوازن متناغم بحيث لا يستطيع العقل ولاسيما في عصر العلم
أن يعترض عليها لأنها أشبعت فضول علماء التاريخ والجيولوجيا والجغرافيا
والديموغرافيا مجتمعين دون تناقض كيف ذلك تعالوا معاً نستمتع بتتبع الحقيقة
نحن أهل القرن الواحد والعشرين عصر الأدلة والبراهين !!
الأدلة العلمية المتعلقة بطوفان نوح :
تشير
أحدث الدراسات التاريخية والأثرية والجيولوجية إلى أن هذا الحدث الضخم
المتميز قد وقع تماما كما رواه القرآن : (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ
اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ
التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ
إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ) المؤمنون/27 وقد شاء
الله أن يصنع نوح الفُلك بيده. لأنه لا بد للإنسان من الأخذ بالأسباب
والوسائل، وبذل كل ما في وسعه ، كي يستحقَ المعونة الإلهية ، فالمدد لا
يأتي للقاعدين الكُسالى الذين ينظرون و ينتظرون ولا يفعلون شيئاً ! أما
اللفتة الدقيقة التي لا بد منها فهي أن نوحاً – وإن كان نجّاراً- لم يرَ
سفينة في حياته قط لأنه كان في منطقة جغرافية صحراوية ليست على البحر كما
سيُثبت لنا الدليل وكان لابد أن يصنع الفلك بإرشاد ووحي ومعونة سماوية ،
ليتم أمر الله ، وتتحقق مشيئته عن هذا الطريق.لذلك كان قومه يمرون عليه
ويسخرون منه : (وَيَصْنَعُ الفلك وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن
قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ
مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود: 38] ذلك لأنهم لا يعلمون شيئاً عن سبب
انهماك نوح وانشغاله في هذا الشيء الضخم العجيب ! وهذا ما ذكره سفر (أخنوخ )
في مخطوطات البحر الميت التي المكتشفة قريباً تثبت الحقيقة التي أوردها
القرآن من أن نوحاً كان يتلقى المعونة بوحي من الله تعالى وعن طريق
الملائكة التي كانت تساعده ، بينما لم يذكر الكتاب المقدس شيئاً مثل هذا
وبالمناسبة فقد أعيد إخفاء قسم كبير من مخطوطات البحر الميت من جديد لأن
أعداء الحقيقة العقدية لا يريدون ظهورها فهذا يحطم مصالحهم فعلاً ولكنهم
يقعون تحت قول المسيح عليه السلام : ( ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله
وخسر نفسه ) متى 16 / 25
ولأن
الشيء بالشيء يذكر فمن عجائب القرآن ومعجزاته في مسألة الفُلْك قوله
تعالى: {وَلَهُ الجوار المنشئات فِي البحر كالأعلام} الرحمن: 24 يعني:
كالجبال العالية. وهذه الفُلْك لم تكُنْ موجودة وقت نزول القرآن إنما أخبر
الله بها، مما يدل على أنه تعالى الذي امتنّ علينا بهذه النعمة، وعلم ما
يمكن أن يتوصل إليه الإنسان من تطور في صناعة الفلك، وأنها ستكون عالية
شاهقة كالجبال ! ثم يأتيك أحمق ليقول :إن محمداً هو كاتب القرآن !! وهو
النبي الذي لم يركبِ البحر ولم يرَ سفينة في حياته !!
أثبتت
الدراسات الهيدرولوجية المستندة إلى تحليل صور الأقمار الاصطناعية مؤخراً
أن نوحاً عليه السلام لم يكن يسكن بلاد الرافدين ولاسيما المنطقة المنبسطة
ذات السهول الممتدة والتي لا تملك جبالا ًفي تضاريسها لأن الطوفان العظيم
الذي أرَّخته الأرض في تضاريسها كأهم حدث في تاريخ البشرية حدث في شبه
الجزيرة العربية وهذا يتطابق مع الأحاديث الصحيحة التي تشير إلى أن نوحاً
سكن الجزيرة العربية !!
لقد
أظهرت صور الأقمار تضاريس لبحيرة هائلة مساحتها تقارب من مليون كيلومتر
مربع محصورة بين سلاسل جبال الحجاز في الغرب وحاجز جبال طويق الممتدة
طولياً وسط السعودية قبل أن تتقطع أوصال حاجز جبال طويق من فيضان البحيرة
الهائلة عند عدة أماكن متباعدة ! وقد أظهرت الصور أكبر كميات من المياه
الجوفية على سطح الكرة الأرضية في هذه المنطقة بالذات مما يدل على أن
الطوفان كان محليّاً في هذه المنطقة والمناطق المحيطة بها جغرافياً ولم يكن
الطوفان عالميّاً غمر الكرة الأرضية كلها ! وهذا ما أشار إليه القرآن
فالطوفان استأصل قوم نوح فقط عندما غمر منطقتهم بالذات ولم يغمر كل بقاع
العالم يقول الله تعالى : (فَكَذَّبُوهُ، فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ
مَعَهُ فِي الْفُلْكِ، وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا،
إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ» الأعراف/64 ويقول تعالى : (فَكَذَّبُوهُ
فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ
وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ) يونس(73) وإغراق الله للكافرين لم يكن
عشوائياً ظالماً وإنما كان قراراً عادلاً وجاء بعد إرسال نوح عليه السلام
نذيراً استمر يعظهم السنين الطوال دون فائدة ، وها كم القانون الإلهي :
(وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا
يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا، وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا
وَأَهْلُها ظالِمُونَ.)القصص/ 59
قبل
أن أتابعَ معكم أدلة العلم, يتحتم علي هنا أن أقفَ قليلاً معكم لألفتكم
إلى فروق لغوية في القرآن تؤدي إلى فروق في المعنى وهذه من خصائص اللغة
العربية فقط أجمل اللغات ! ليس لأن القرآن يكرر نفسه إنما هي لقطات غاية في
الدقة قلما يُنتبه إليها : الآية الأولى : ( فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ
وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) الأعراف 64 والآية الثانية :
(فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ
خَلَائِفَ ) يونس(73) يوجد في اللغة العربية فرق بين الفعل نجّى وأنْجى ،
فالفروق في المبنى تؤدي إلى فروق في المعنى وأقدّم الآن فرقاً واحداً فقط
لنقارن بين الآيتين ! وكي أفهم الفرق معكم نأتي بمثال أولاً الصورة الأولى :
أنجى الرجل ابنه من ضرب كاد يقع به من اللصوص !. الصورة الثانية : نجّى
الرجل ابنه من بين أيدي اللصوص وهم يضربونه بالفعل ! ففي الآية الأولى : (
فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك ) هنا الذين معه أي كل من كان على ظهر
السفينة من عاقل مكلف وحيوان لا يعقل فأنجى هنا إنجاءً عاماً شمل الجميع
ممن كان على ظهر السفينة ، لأن الحيوانات لم تستحق أصلاً العذاب الواقع فهي
غير مكلفة فشملها فعل الإنجاء قبل وقوع الطوفان فالله لا يريد إعدام
الحياة بل يريد معاقبة الظالمين ! أما الآية الثانية : ( فكذبوه فنجّيناه
ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف ) فهي تتحدث عن نجاة بالفعل للمؤمنين وهم
من العاقلين المكلفين لذلك استخدم (من) وهي للعاقل وهم نفسهم الذين
سيجعلهم خلائف في الأرض ، الذين من المنوط بهم حمل راية التوحيد بعد إهلاك
الفاسدين المشركين بالطوفان ! فكان الفعل نجّى هو الفعل المناسب لأنه أقوى
فهو تنجية من عذاب شديد وسخط عظيم وقع بالفعل و حصراً على الكافرين ! وهي
نجاة بالمفهوم العقدي استحقه عن جدارة المؤمنون الذين وعدهم الله بالنصر
دائماً ولو بعد حين !!
المظاهر الطبيعية لطوفان نوح
نعود
مرة أخرى للمعطيات العلميّة على الأرض لنعلم ما الذي حدث من مظاهر طبيعية
صاحبت الطوفان : لقد أعطى الله تعالى لنوح عليه السلام علامة وهي إشارة
البدء لحمل الكائنات , وكانت العلامة فوران التنور فما هو التنور وأين
تضاريسه وما هي التطورات الجيولوجية التي طرأتْ عليه بالفعل بسبب الطوفان
والمظاهر المصاحبة له ؟؟ يقول الله تعالى : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ
أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ
زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ
وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)
التنور
هو الكانون أي بيت النار المسجور ومكان اشتعالها وتأججها ، فالتنور هو
بركان وإشارة بدء الطوفان كانت ثوران هذا البركان ! فإذا عدنا لمطابقة هذا
الكلام على الطبيعة التضاريسية لمنطقة نوح عليه السلام نجد التطابق
النموذجي فمنطقة الجزيرة العربية منطقة الجبال و البراكين فهي ذات طبيعة
اندفاعية وما يثبت أنها منطقة جبال في القرآن قول ابن نوح نفسه عندما طلب
منه أبوه الركوب في السفينة بعد أن أخبره بأمر الطوفان حيث قال الابن :
(وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ-: يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا،
وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ. قالَ: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ
الْماءِ، قالَ: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ
رَحِمَ، وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ..»
)
هود/42 – 43 ولكن الطوفان سيكون من الارتفاع بحيث سيصل إلى قمم الجبال في
هذه المنطقة المنكوبة بالذات ، وليس على الكرة الأرضية كلها فالطوفان كان
إقليمياً ولم يكنْ عالمياً كما تقدم ! هذا من جهة ومن جهة ثانية نتحدث عن
مصادر الماء فالقرآن قال إن الماء الذي سبب الطوفان هو ماء منهمر من السماء
من الأعلى ومتفجر من الأرض نفسها من الأسفل فكيف ذلك ! يقول القرآن الكريم
: ( فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا
الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ) القمر
11-12
إن
الظاهرة الطبيعية التي حدثت عند ثورة البركان وحدوث الطوفان كانت بأمر من
الله مباشر وبقدرته : ( فجرّنا ) (فتحنا ) وهو أسلوب قدرة إلهية قاهرة
وإرادة خالق جبار ! وهذه الظاهرة الطبيعية المأمورة تركت آثاراً ملموسة (
جيولوجية – تضاريسية ) تدل على صدق رواية القرآن فالماء المنهمر من السماء
على أعلى البراكين أثّر على شكلها ، إذ عمل على تآكل الطفوح البركانية بهذا
الشكل الكبير الواضح والذي يخص هذه المنطقة بالذات ، بحيث تبقَّى من هذه
الطفوح البركانية حوافٌ بركانية بارزة يفصل بينها أخاديد غائرة إلى السطح
الأصلي للصخور قبل الطفح البركاني ، وهذا كله من أدلة ودراسات موثقة قام
بها الدكتور وليد البسطويسي وحاضر بها في جامعة أوكسفورد البريطانية حيث
قدَّم بحثه في التدليل على مكان الطوفان العظيم ! وحسب الدكتور البسطويسي
فإن هذه المنطقة تنحدر من الجنوب عند انحدار ألف متر تقريباً فوق مستوى سطح
البحر إلى الشمال حتى منخفض الأزرق في الشام عند ارتفاع 570 متراً لافتاً
إلى رسوبيات هذه البحيرة والأذرع المائية المنسابة منها انتشرت إلى وسط
وشرق السعودية وحوض الهلال الخصيب في شرق سوريا ودولة العراق ، ولذلك فإن
آثار الطوفان امتدت إلى العراق وأثَّرت على البنية الجيولوجيّة لسهول وادي
الرافدين مما جعل البعض يظن بأن مركز الطوفان كان في بلاد الرافدين ، هذا
ويجب التنويه إلى أن بلاد الرافدين شهدت بالفعل فيضانات عدة كبيرة بسبب
الأنهار ولكنها ليست هي الطوفان العظيم الذي استأصل الكافرين في ذلك الوقت
!
هل كان طوفان نوح عالمياً وما هي الحيوانات التي كانت على السفينة :
لم
يكن الطوفان الذي حدث في عهد سيدنا نوح عليه السلام طوفاناً عالمياً بل كان
طوفاناً إقليمياً، لأن العالم المأهول في ذلك الفترة كان العالم القديم
حسب الدراسات العلميّة المختلفة لانتشار الإنسان على سطح الكرة الأرضيّة ،
ولذلك كانت الرسالات تنزل في هذا الجزء من الكرة الأرضية على بني البشر،
واستشهاد البعض على أن الطوفان كان عالمياً بقول نوح نفسه : ( وَقالَ نُوحٌ
رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) نوح /26
هو استشهاد مبتور ليس في محله بل ويخالف كل تأكيدات القرآن على أنه كان
إقليمياً ! لأن كلمة (الأرض ) في اللغة العربية تُعَمَم وتُخَصَص حسب
السياق نفسه ، فالله تعالى عندما قال : (قُلْ: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ،
ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ» .) الأنعام / 11أي
في كل الأرض أينما تريدون فكلمة الأرض هنا عامة وعندما قال تعالى : (أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ
مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) الحج 63 أي الأرض التي نزل
عليها المطر فقط هي التي تخضر وإلا فهناك أراض صحراوية كثيرة تبقى مجدبة ،
فكلمة الأرض هنا خاصة ومحددة للأرض الخصبة ! ومثلها قول أحد إخوة يوسف عليه
السلام عندما رفض مغادرة مصر بدون أخيه الأصغر الذي استبقاه يوسف عنده
بقوله : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي، أَوْ
يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) يوسف /80 . وقول نوح
عليه السلام : ( لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً )
هو دعاء على الكفرة الذين عايشهم ونصحهم وسكن معهم على أرض واحدة ، والدليل
أن العذاب خصَّهم وعمَّهم وحدهم : ( فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا
الذين كذبوا بآياتنا ) وحتى لو كانتْ الأرض كلمة يقصد بها النبي نوح عموم
الأرض فهو دعاء له طابع عقدي وليس بعداً تضاريسياً ، والمقصود أي ربي لا
تترك الكافرين يعيثون فساداً على الأرض كلها فلتستأصلهم في كل مكان وكل
زمان حسب ما تقتضيه مشيئتك وحكمتك ! فإذا علمنا أيضاً أن العالم القديم فقط
هو الذي كان مأهولاً زمن نوح بحسب علم السكان ( الديموغرافيا) كان هذا
الدليل إضافياً على كل ما سبق من أن الطوفان كان إقليمياً محلياً ولم يكنْ
عالمياً !
الحيوانات التي حملها نوح عليه السلام :
لأن
طوفان نوح كان طوفاناً إقليمياً حدث في منطقة الكافرين وهي منطقة بعينها
كما أثبتتْ الدراسات ، فإن الحيوانات التي حملها نوح عليه السلام في
السفينة كانت إقليمية أيضاً، ومع ذلك فإن نوحاً عليه السلام ومن معه من
المؤمنين لم يجمعوا كل أنواع الحيوانات الموجودة في محيطهم بل جمعوا
الأنواع الأليفة المستأنسة مثل الغنم والبقر والجمل والحصان والديك وما
شابه من الحيوانات التي تخدم الإنسان بشكل مباشر أثناء متابعة عملية
استخلافه على الأرض ، وبناء حياة جديدة وإعادة انتشار البشرية مرة أخرى
وهذا الكلام يدعمه المنطق والعقل أولاً ومن ثم الدراسات العلميّة التي
أثبتت أنه طوفان جزئي – أدلة عقلية لمن يشك في أدلة النقل من غير المسلمين
وإلا فالنقل الصحيح مقدم – ويؤكد ذلك القرآن الكريم الحكيم الذي ما ترك
ثغرة اشتباه إلا سدَّها ولو لغوياً فانتبهوا معي إلى ما تقوله الآية
الكريمة فتدركوا قصر الزمن الذي سيجمع فيه نوح الحيوانات : ( َفإِذَا جَاءَ
أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ
اثْنَيْنِ) المؤمنون27 الأداة إذا شرطية فجائية مقترنة بالفاء الاستئنافية
وجواب الشرط مقترن بالفاء للتعاقب الزمني المباشر وليس للتراخي والمعنى أنه
بمجرد رؤيتك لبدء الاندفاع البركاني احمل في السفينة مع أهلك والمؤمنون
القلة احمل حيواناتكم الأليفة الضرورية لكم واجمعوها زوجين ليس لحفظها من
الانقراض بل كي تتكاثر لكم وتشكل لكم حظائر الاستخلاف الجديدة . إن عملية
الجمع هنا تبدو في غاية الإمكان والمنطقية والسهولة بحيث تمكن من بناء حياة
جديدة وهو المطلوب وليس حفظ الحيوانات من الانقراض !
كيف سارت وأين رست سفينة نوح :
لا
يزال موضوع إبحار سفينة نوح ومن ثم رسوها موضوعاً جدلياً يثير العديد من
التساؤلات ، وهل كان ارتفاع الماء كافياً لتغطية الجبال !
قد
نستأنس بالأدلة العلمية ولكن يجب أن لا ننسى أبداً أن الموضوع أصلاً موضوع
إعجاز إلهي وإرادة حتمية للإله بالإضافة إلى مباشرة الأسباب الدنيوية ،
لأن الحياة على الأرض إنما أرادها الله بمباشرة أسبابها ثم تأتي المعونة
فنوح عليه السلام بنى السفينة بيديه ولم ترسلها له السماء جاهزة للإبحار
تحملها الملائكة مثلاً ! ونوح عليه السلام جمع الحيوانات الضرورية للحياة
للأكل والشرب والثياب والسكن وهي أهم احتياجات الإنسان في كل زمان ومكان ،
ونوح فعل كل ما في وسعه مع قومه الكافرين ليعودوا إلى التوحيد والانتهاء عن
المعاصي ، وأيضاً نصح ابنه العاصي بالركوب ، ولما اكتملت أعمال نوح
المادية والمعنوية جاء دور السماء واستجابة الدعاء وتنفيذ الأوامر من قبل
جنود الله وعلى رأسها الماء !! ولقد عبَّر القرآن عن ذلك بمنتهى الروعة
فالسفينة هي التي تجري بهم في موج كالجبال ضخامة وعلواً : {وَقالَ
ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي
لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ})
والسفينة كانت مغطاة وليست مكشوفة ويقتضي التعبير وجود فتحة لتمرير
المخلوقات كالباب أو ما شابه ذلك وقد علمنا ذلك من الإبداع اللغوي حيث
عبَّر البيان الإلهي عن إدخال الحيوانات إلى السفينة بالفعل : (اسلك )وبحرف
الجر (فيها) وسلك الشيء في الشيء أي إدخاله ضمن حدود محيطة ومثلها قول
الله تعالى لموسى عليه السلام : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ
بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) القصص 32 أي أدخلها في فتحة الثوب من العنق
من الأعلى ، وليس كما يفهم البعض عن الجيب أنه الذي يكون في جانب الثوب أو
العباءة أو البنطال فهذا مفهوم حديث للثوب وجيبه !!
من
كل ما سبق يتبين لنا أن نوحاً كان يسكن في وسط جزيرة العرب ، ولما ركب
والمؤمنون سفينة الخلاص غمر الطوفان منطقته ، وسارتْ السفينة بهم في خضم من
الأمواج المتلاطمة ثم هبطتْ بعد انحسار المياه واستوت على الجودي كما يقول
القرآن الكريم : ( وَ قِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَ يَا سَمَاءُ
أَقْلِعِي وَ غِيضَ الْمَاءُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ اسْتَوَتْ عَلَى
الْجُودِيِّ ( والجودي في اللغة العربية أحد أسماء الجبل وقد يكون جبلاً
بعينه ويتداول الناس أن السفينة هبطت في جبل اسمه ( آرارات ) وهذا مأخوذ
من الإسرائيليات و يعتقد الكثير من الناس أن هذا الجبل يقع في أرمينيا إلى
الشرق من تركيا ، لكننا إذا علمنا أنه في الشمال من مكة موقع يدعى (
السفينة – صفينة ) يقع على جبل في سلسلة جبال تدعى ( الحرّات – حررات-
آرارات ) و هي الجبال البركانية الممتدة الى الشرق من مكة حتى شمالها ، إذا
علمنا ذلك أدركنا أنه من جبل السفينة (صفينة) انطلقت سفينة نوح – لذلك
احتفظت هذه المنطقة باسمها وعلمنا أن المقصود في ( آرارات ) التوراتية هو (
الحرّات -بتشديد الراء ) فإذا علمنا أيضاً أن آرارات معناها (الغضب) في
الآرامية ومعناها (النار) بالأرمنية حصلنا على التطابق لأنه بهذا يكون نوح
قد غادر من الحرّات بالفعل وهي الأرض المعذبة ذات البركان الناري الثائر !!
ما الفائدة الحقيقية من العودة إلى قصة نوح :
إن
قصة نوح كما أوردها القرآن من المسلمات عند أهل الإسلام الحق !! ولكن تغزو
الصفحات المعادية للإسلام موجة إنكار عارمة للقرآن ولاسيما تأكيدهم على
استحالة وقوع طوفان على الكرة الأرضية ! ولكن واجبنا كمسلمين دائماً أبداً
يحتم علينا إيضاح الحقيقة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً لكل البشر دون تمييز،
فهي غايتنا المرجوة بعون من الله تعالى مع العلم بأن رسالة الإسلام تتميز
بالعالمية البديعة وليس بالعنصرية المقيتة !! ومن جهة أخرى فإن قصة نوح في
القرآن مختلفة جداً عن القصة الواردة في الكتاب المقدس مما يوضح ( لأصحاب
الأسطوانة المشروخة) بأن محمداً عليه الصلاة والسلام لم يتعلمْ على يد أهل
الكتاب ، وقد مللنا من كثرة الرد على هذا الهراء ولكن لا بأس لابد من الصبر
لنقدم الحقيقة التي يحملها قرآننا لمن يبحث عنها ، لعلنا ننقذ أحدهم فتكون
أدلتنا التي نقدمها له على صدق القرآن الكريم ومحمد الأمين بمثابة سفينة
نوح التي تعد أعظم لون من ألوان النجاة على الإطلاق جسداً وروحاً !!!
تقول
أسفار موسى الخمسة بأن الطوفان كان عالمياً وأنه غطى الدنيا كلها ومات كل
ما على وجه الأرض حتى طيور السماء طالها الطوفان أيضاً !وهذا نجده مكرراً
جداً! ففي التكوين 6 / 7 ( قال الرب أمحو الإنسان الذي خلقته عن وجه الأرض
مع سائر الناس والحيوانات والزواحف وطيور السماء لأني حزنت أني خلقته) !
وفي التكوين 6 / 12 : ( قال الإله لنوح قد أزفت نهاية البشر جميعاً أمامي
لأنهم ملؤوا الأرض ظلماً لذلك سأبيدهم مع الأرض ) ! وفي التكوين 7 / 21 : (
فمات كل كائن حي يتحرك على الأرض من طيور وبهائم ووحوش وزواحف ) ! وفي
التكوين 6 / 17 : ( فها أنا أغرق الأرض بطوفان من المياه لأبيد كل كائن حي
فيها ممن تحت السماء كل ما على الأرض لا بد أن يموت ) ! وفي التكوين 7 / 4 :
سأمحو عن وجه الأرض كل مخلوق حي ) ! وهذا يعترض عليه القرآن ويرده كما
ذكرت لأن الطوفان حدث في منطقة العُصاة فقط كما أشارت الآيات بوضوح فلا دخل
لباقي المخلوقات كي تستأصل حتى طيور السماء والسؤال الآن طالما أن العذاب
عام شامل لماذا لم تُعدم الحيوانات المائية أيضاً مثل طيور السماء طالما أن
الله أعلن أنه سيمحو كل مخلوق حي بالجملة !! أم الذي كتب التوراة من
اليهود كتبها حسب تصور البشر فخيل له أن الله لا يقدر على ذلك لأنها أصلاً
تعيش في الماء !
وكذا
تقول التوراة بأن نوحاً قد اصطحب معه كل أنواع حيوانات الأرض حتى الوحوش
والزواحف .! في التكوين 7 / 14 : ( ودخل معه أيضاً من الوحوش والبهائم
والزواحف والطيور وذوات الأجنحة كل حسب أصنافها من جميع الحيوانات الحية
أقبلت إلى الفلك ) ! على أما النقطة الهامة التي لا بد من عرضها فهو
التناقض الحاصل في التوراة نفسها ففي التكوين 7 / 2 – 3 : ( خذ معك من كل
نوع من الحيوانات الطاهرة سبعة ذكور وسبع إناث وزوجين ذكراً وأنثى من كل
نوع من الحيوانات النجسة ) !! أما التكوين 6 / 19 : ( تأخذ معك في الفلك
زوجين ذكراً وأنثى من كل كائن حي ذي جسد واثنين من كل صنف من أصناف الطيور
والبهائم والزواحف على الأرض ) ! أما عن علو الماء ففي رواية استمر ارتفاع
الماء أربعين يوماً : ( ودام الطوفان أربعين يوماً على الأرض … وأغرقت
جميع الجبال العالية التي تحت السماء كلها ) التكوين 7 / 19 ! بينما في
رواية أخرى استمر 150 يوماً : ( ولم يبق سوى نوح ومن معه على الفلك وظلت
المياه طافية على الأرض مدة مئة وخمسين يوماً ) والسؤال الآن الذي في محله
تماماً إذا كانت التوراة مقدسة لأنها كلام الله أو كلام موسى وحياً من
الله فهل لا يستطيع الله في التوراة إعطاء معلومات محددة عن أزواج
الحيوانات أو عن مدة دوام الطوفان على الأرض حاشى وكلا لإله عليم بكل شيء
وعنده مقادير كل شيء مهما صغر أو كبر كما يقول القرآن الكريم : (عالِمِ
الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي
الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ
مُبِينٍ سبأ(3) !!
سبب العقاب بالطوفان هو أن الله في التوراة ندم لأنه صنع الإنسان :
إن
الله في القرآن خالق حكيم قد كتب كل مقادير الخلائق ، وهو عليم بما سيكون
فلا تفاجئه تصرفات البشر وجحودهم لأن هذا من أهم صفات الخالق ، وإلا تحول
إلى مخلوق تفاجئه المعصية فيندم ويتحسر ويأسف كما في التوراة ، بل الله في
القرآن عالم بالكافرين وهم لم يسبقوا الله بمعصيتهم فقد علمها حتى قبل
خلقهم يقول الله تعالى في القرآن الكريم : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ ) سبأ (59) والاختلاف بين
البشر في كل الأرض والمتراوح بين الطاعة والمعصية معلوم مطلوب عند الله في
القرآن لأن الدنيا قامت أصلاً على التضاد : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ
النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ
رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ )هود 118 أما استئصال قوم نوح فعن
استحقاق عظيم بسبب كفر عنيد مديد لم ينفع معه التحذير من العذاب ولا
المواعظ البليغة ، فأصبح استئصالهم واجباً لأن البشرية في زمن نوح في
بدايتها ويجب ترسيخ مفهوم التوحيد جيداً ! وترك الكافرين المجرمين عبرة كي
تستبين الطريق جيداً لمراد الله من خلقه . ولقد ورد في التوراة أن الإله
ندم وتأسف لأنه صنع الإنسان لما رأى شر ه فأراد أن يبيدَ صنعته ويحطمها : (
ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو
شرير كل يوم فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه فقال الرب
أمحو عن وجه الأرض الذي خلقته الإنسان مع البهائم والدبابات وطيور الأرض
لأني حزنت أني عملتهم ) !! أولاً ليس من الصعب أن يلاحظ أي مبتديء غر أن
التوراة التي كُتبت بعد موسى بمئات السنين تتحدث بنَفَس آدمي وأسلوب مخلوق
بشري ، وليس بأسلوب خالق قاهر حكيم علم ما يريد وأنفذ مشيئته !! بل أكثر من
ذلك هي تتحدث بأسلوب اليهود حصراً وندمهم على كل شيء وتحسرهم في سنوات
الضياع والتيه والتيهان !! بينما يقدم القرآن بكل جلال وجمال وبأسلوب إلهي
آسر يقدم القانون العقدي لإهلاك المجرمين فهو ليس إهلاكاً عشوائياً
وانتقاماً ساذجاً على طريقة البشر، بل هو إهلاك بحق وفي مكانه ولمن وقع
عليه القول فاستحق الفصل ، وذلك بعد أن أرسل الله رسله الكرام الفضلاء،
صفوة البشر أجمعين أرسلهم مبشرين ومنذرين ، أخلاقهم سامية وأعمالهم فاضلة
وتوجهاتهم طاهرة فقدموا للبشر قانون ربهم في الإيمان وتحملوا أنواع
الإهانات لأنهم موقنون أن أجرهم على الله وعنده ، ومع ذلك استخف الكافرون
بالرسالة وأصروا على العصيان واستكبروا وظنوا أنهم شيء وما هم بشيء فقد
أخذهم الطوفان أخذ عزيز مقتدر وبترهم من على وجه الأرض وقطع دابرهم لأن
السرطان إذا استفحل في عضو فلا بد من استئصاله !! (إِذْ قَالَ لَهُمْ
أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ
إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الشعراء 106- 109 :
(إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) نوح/1 (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ
قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ)
القمر/9: (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ
إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) هود
/36 : (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) القمر/10 :
(وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) الصافات/75 :
(فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ
خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا. فَانْظُرْ كَيْفَ
كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ» . ) يونس/73
ولأن
التوراة صياغة بشر فستجد أن الله فقد الاتصال مع سفينة نوح !!! فأرسل
ريحاً على الأرض لتجفف المياه وتسد مزاريب السماء كي يتراجع الطوفان : ( ثم
افتقد الله نوحاً وما معه في الفلك من وحوش وبهائم فأرسل ريحاً على الأرض
فتقلصت المياه وانسدت ينابيع اللجج و مزاريب السماء واحتبس المطر وتراجعت
المياه عن الأرض تدريجياً ) التكوين 8 / 1 – 3 ولأن الشيء بالشيء يذكر
والله دائماً في التوراة لا يعلم أين يختبئ منه العُصاة فآدم عندما عصى ربه
اختبأ منه فسأله الله أين أنت يا آدم : ( ثم سمع الزوجان صوت الرب ماشياً
في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ من حضرة الرب بين شجر الجنة فنادى
الرب الإله آدم أين أنت ؟؟ فأجاب : سمعت صوتك في الجنة فاختبأت خشية منك
لأني عريان ) التكوين 3 / 8 – 10 !! ولكي لا ينسى الله فيلعن الأرض مرة
ثانية كان لا بد أن يضع علامة تذكره عندما يراها كي لا يهلك الأرض مرة
ثانية بالطوفان بسبب النسيان !! لذلك فهو يرسم قوس قزح على صفحة السماء كي
لا تتحول الأمطار إلى فيضان مدمِّر مرة أخرى ففي التكوين 8 / 12 – 16 : (
وقال الرب : وهذه هي علامة الميثاق الأبدي الذي أقيمه بيني وبينكم وبين
المخلوقات الحية التي معكم أضع قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين
الأرض فيكون عندما أخيم بالسحاب فوق الأرض وتظهر القوس أني أذكر ميثاقي
الذي بيني وبينكم وبين كل المخلوقات الحية من ذوات الجسد فلا تتحول المياه
إلى طوفان يبيد كل حياة وتكون القوس في السحاب فأبصرها وأذكر الميثاق
الأبدي المبرم بيني وبين جميع المخلوقات الحية على الأرض ) !!! هل هذا
تدبير خالق عليم حكيم ، يضع كالبشر رسماً مرئياً يذكره كي لا ينسى؟؟!! ألم
تكتب التوراة بأسلوب مخلوق ومبتدئ في ممارسة شؤون الدنيا ومعرفة قوانين
الطبيعة؟ !! حاشى وكلا أيها الإله العظيم الحكيم فكل شيء عندك معلوم محسوب
وبقدر، وهذا مرئي واضح في قوانين الكون البديعة المنتظمة حشاك أيها الإله
الحكيم العليم القادر القاهر أن تنسى أو تسهو أو تخطئ أو تندم وتتحسر !!!
يقول القرآن المحفوظ من الله تعالى : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ
جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ
مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) المجادلة (6) ( إِنَّا كُلَّ
شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ) القمر(49)
شكل وأبعاد سفينة نوح :
أعطت
التوراة أبعاد سفينة نوح كما جاء في التكوين 6 / 15 : ( ليكن طوله ثلاث
مئة ذراع وعرضه خمسين ذراعاً وارتفاعه ثلاثين ذراعاً واجعل له نافذة على
انخفاض ذراع من السقف ) نلاحظ أن الطول ستة أضعاف العرض فهي إذًا مستطيلة
جدًّا ولذلك عندما رسموها وجدوها تشبه الصندوق وبالفعل هذا اسمها
بالإنجليزية Noah’s ark، أي ” تابوت نوح ” يقول علماء هندسة السفن إن هذه
الأبعاد لا تصلح لبناء سفينة وإلا انقلبت وتحطمت لأنها غير متوازنة في
الماء، ولن تستطيع أن تمخر عباب الماء لأنها صندوق واجهته عريضة وليست
مدببة تقشر وتسفن صفحة الماء كي تسير حسب قوانين الفيزياء المائية وليست
هذه المرة الأولى التي يزج كاتب الكتاب المقدس نفسه في أبعاد غير واقعية
البتة وها أنا ذا أدعو كل المهندسين ليأخذوا أبعاد هيكل سليمان التي وردت
في التوراة ويحاولوا صنع مجسم له على الحاسوب ، فلن تساعدهم الأبعاد
المزعومة ولا يمكن هندسة بناء على الأرض هذه أبعاده النظرية ! بل إن أبعاد
البركة المائية التي سيحصلون عليها أكبر من أبعاد الأرض التي من المفترض أن
تبنى في وسطها !! وهذا كله تأكيد على أن القرآن الكتاب السماوي الخاتم
المهيمن المحفوظ مباشرة من الله تعالى الذي لم ولن تمتد إليه أيدي العابثين
أبداً ولذلك فهو يملك الخبر اليقين !
أعطى
القرآن سفينة نوح أعطاها اسم الفُلك للتعبير عن هندسة حوافها المستديرة
البيضوية ( فلوكة عملاقة) وأعطاها اسم سفينة أيضاً لأنها مدببة تسفن صفحة
الماء بمقدمتها ، وأعطاها اسم الجارية لأنها ناجية بمشيئة ربها تجري بسرعة
لوحدها محفوظ طريقها من الله مباشرة !!
أين استوت سفينة نوح :
يقول
القرآن الكريم أنها استوت على الجودي : ( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي
مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ
وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
هود 44 . ـ
لم
يذكر القرآن الكريم مكان الجودي لأن القرآن قص الواقعة العظيمة للعبرة و
العبرة ليست في المكان وإنما في الأحداث التي شملتها قصة الطوفان وأسباب
وقوعه، وما آل إليه مصير الكافرين حيث تمت كلمة الله وقيل بعداً للقوم
الظالمين.
هناك
من يثبت من خلال الأدلة التاريخية وجود سفينة نوح عليه السلام في مدينة
مكة المكرمة على جبل الجودي ( جودا)، وينفي نفياً قاطعاً أنها رست على جبل
أرارات لأنه جبل السخط واللعنة باللغة الآرامية وباللغة الأرمنية جبل
النار ! فهذا يتعارض مع طلب نوح عليه السلام من ربه في القرآن الكريم :
(وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ
الْمُنْزِلِينَ )المؤمنون 29 . وقد تكون السفينة رست على جبل الجودي
الواقع بالقرب من أميد – ديار بكر – التي استوطنها زمن معاوية رضي الله عنه
قبيلة بكر بن وائل ! وهذا الاحتمال تدعمه بعض الأدلة وتقويه : 1- قال الله
تعالى لنوح في القرآن الكريم : ( يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا
وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ) هود 48 فإذا علمنا
أن جبل الجودي يتبع بلاد الشام تضاريسياً قبل أن يُضم لتركيا كحدود سياسية
بموجب اتفاقية لوزان ، والله تعالى جعل بلاد الشام بلاد مباركة في القرآن :
( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ )
الإسراء/1وبناء على ما سبق يكون الجودي مرشحاً قوياً لرسو سفينة نوح ! 2-
إن القرآن الكريم يقول عن سفينة نوح أنها عندما رست استوت على الجودي :
(وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ) هود 44وهذا يفهم منه أن هذا الجبل ذو
قمة مستطيلة وانحدار متلطف يجعل السفينة الضخمة مستوية على سطحه وموازية
وليس جبلاً بقمة ضيقة وانحدار شديد يجعل السفينة تميل ولا تستوي ! وبالفعل
فإن جبل الجودي يتمتع بقمة مستطيلة فهو مرشح جغرافياً وبشكل قوي ! 3- وجد
بالقرب من جبل الجودي عدد من مراسي السفينة وهي مراسي كبيرة جداً تليق
بسفينة ضخمة تحمل حمولة كثيرة عبر عنها القرآن الكريم ب : ( الفلك المشحون
)! وتليق بأجساد كبيرة بالفعل كما ثبت في الأحاديث الصحيحة أن البشر كانت
أجسادهم كبيرة منذ عهد آدم وبالطبع نوح الذي أتى بعده ثم تناقصت أبعاد
أجسادهم !! يقول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
«كَانَ طُولُ آدَمَ سِتِّينَ ذِرَاعًا فِي سبع أَذْرع عرضاً فَلَمْ يَزَلِ
الْخَلْقُ يَنْقُصُ بعدَه حَتَّى الْآن»الحديث صحيح 4- يقول الله تعالى : (
وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) القمر/15 والعلماء
المتخصصون يقولون إن تحليل ما أدعوا أنه مادة من هيكل السفينة في الجودي إن
تحليله بالكربون المشع يعطي عمراً للسفينة متقارباً مع الزمن الذي عاش فيه
نوح عليه السلام !
ومما
قاله العلامة محمود محمد شاكر في تقديمه لكتاب “جمهرة نسب قريش” للزبير بن
بكار عن الجودي أنهم زعموا أنه جبلٌ بالجزيرة، استوت عليه سفينة نوح، ولا
أقطع القول في أي جبل هو؟ فإنهم ذكروا أن “الجودي” أيضاً جبل آخر بأجأ،
أحدِ جبلَيْ طيّء. وقيل أيضاً: إن الجودي اسم لكل جبل. وقيل: الجودي هو جبل
الطور. وهذا كله لم يأت فيه بيانٌ فصلٌ في كتاب الله، فهو من الحقائق التي
لا تُدرك إلاَّ بخبرٍ صحيح عن رسول الله فإنْ لم يأت البيانُ عنه،
فالتوقف فيه واجب .
سفينة نوح
لقد
تُركت قصة نوح لتعيد الأجيال المتعاقبة قراءتها والتمعن بها من جديد
(وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) القمر15 !! فهل من
معتبر حصيف عاقل!! والقصة تثير حملة مرعبة مفزعة على قلوب المكذبين
الكافرين المستهزئين بكلمات ربهم وأوامره وإنذاراته المتكررة .. ! وفي نفس
الوقت فإن نفس القصة تزيد القلوب المؤمنة المطمئنة إيماناً وسكينة وتصديقاً
!! فالقرآن وحده لديه هذه القدرة العجيبة في نفس السورة بل وفي نفس الآية
يعطي كل واحد منا ما يستحقه من كلام ربه فيترجم إلى مشاعر نحملها في قلوبنا
وتؤثر على أخلاقنا ومن ثم سلوكنا مع كل من حولنا !!
اقرؤوا
القرآن من جديد.. بتمعن.. بتدبر.. لتشاهدوا الحركة الكونية الهائلة
العظيمة التي ائتمرت بأمر ربها ، فوقفت كل قوى الكون ضد المجرمين وفي نفس
الوقت هذه القوى نفسها وقفت في خدمة المؤمنين ونصرتهم لأن الله وراءهم
بجبروته وقدرته ! فإذا كان الله معك فمن عليك وإذا كان الله عليك فمن معك
!! ولعل أعجب ما في الأمر أن الذي أهلك بالماء أنجى بالماء فسبحان رب الأرض
والسماء !!