الحث على التوحيد والتسبيح وذم الشرك والكبر

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية الحث على التوحيد والتسبيح وذم الشرك والكبر

الحث على التوحيد والتسبيح وذم الشرك والكبر

الحث على التوحيد والتسبيح وذم الشرك والكبر
الخطبة الأولى
إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضلّ له ومن يضلل فلا هادي له .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, جل عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير. وأشهد أن سيدنا وقدوتنا وإمامنا وقائدنا محمد بن عبد الله صل الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين ما ذكره الذاكرون الأبرار، وما تعاقب الليل والنهار. ونسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا من صالح أمته, وأن يحشرنا يوم القيامة في زمرته .
أما بعد :
أيّها المسلمون، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله جل وعلا، في السر والعلن فهي وصية رب العالمين ، للأولين والآخرين، قال تعالى {وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} فاتقوا الله تعالى في أنفسكم وأهليكم (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)
عباد الله! لقد قص الله تعالى شيئا من أخبار الأنبياء السابقين في كتابه وذكر الله تعالى شيئاً من وصاياهم عند موتهم كما قال الله جل وعلا [وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون] البقرة
ومن تأمل في سيرة سيدنا رسول الله صل الله عليه وآله وسلم وجد انه أوصى بوصايا في حياته ثم أكد على عدد من الوصايا عند وفاته صلوات الله وسلامه عليه. وكان من أواخر ما قال قوله: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم..
نحن اليوم أيها المسلمون: نقف على وصية نوح عليه السلام عند موته عن عبد الله بن عمرو قال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن نبي الله نوحاً -عليه السلام- لما حضرته الوفاة؛ قال لابنه: إني قاص عليك الوصية: آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين: آمرك بلا إله إلا الله؛ فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله. ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة، قصمتهن لا إله إلا الله. وسبحان الله وبحمده، فإنها تسبيح كل شيء، وبها يرزق الخلق. وأنهاك عن الشرك والكبر.. قال: قلت - أو قيل -: يا رسول الله! هذا الشرك قد عرفناه؛ فما الكبر؟ أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: لا. قال: هو أن يكون لأحدنا حلّة يلبسها؟ قال: لا. قال: هو أن يكون لأحدنا دابة يركبها؟قال: لا. قال: هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: لا. قلت -أو قيل - يا رسول الله! فما الكبر؟ قال: بطر الحق وغمط الناس.
والحديث صحيح أخرجه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد، والبيهقي في الأسماء والصفات بإسناد صحيح، وصححه شيخنا العلامة الألباني -رحمه الله- في سلسلة الأحاديث الصحيحة
أيها المسلمون: إن أمر نوح عليه السلام لولده ب لا إله إلا الله دليل على شرف هذه الكلمة التي لأجلها بعث الله تعالى الرسل وأنزل الكتب. ولأجل إقامتها زهقت الأرواح ورفعت راية الجهاد, وما بعث الله تعالى من نبي إلا ليدعوا قومهم إليها لا إله إلا الله.
الأنبياء قد يختلفون في أمور من الشرائع إلا لا إله إلا الله, فما بعث الله تعالى من نبي إلا دعا إليها وجاهد من أجلها وبذل روحه وماله ووقته, وأهله وكل ذلك في سبيل تحقيق لا إله إلا الله.
عباد الله! إن في هذه الكلمة لشيئا عجيبا! فإن الله تبارك وتعالى صاغ اسمه العظيم –الله- من ثلاثة أحرف وهي (الألف واللام والهاء) ثم بعد ذلك كوّن من هذه الأحرف الثلاثة جملة مفيدة فائدة تامة تامة تامة، لا تجد أبدا أكثر منها فائدة على الإطلاق،  ولا أعلى منها، ولا أحلى منها، ولا أجمل منها، ولا أقوى منها، ولا أثقل منها أبدا أبدا أبدا؛ فهي أثقل من السماوات والأرضين بما فيها من ملائكة وبشر وحيوانات ونجوم وجبال وأشجار وبحار وانهار... وهذا من الإعجاز القرآني الذي تحدى الله به الناس على أن يأتوا بمثلهن فلا تجد أبدا أحدا يمكنه أن يكون اسمه من ثلاثة احرف ثم بعد ذلك يكون من هذه الحرف الثلاثة جملة مفيدة.
وقد ذكر أهل العلم انه ليس كل من قال- لا إله إلا الله- يكون قد حقق المراد منها، كلا بل إن- لا إله إلا الله- لابد أن يحقق المرء شروطها وهي: العلم والقبول والانقياد والصدق والإخلاص والمحبة واليقين بأنه فعلا –لا إله إلا الله -, فلا خالق لنا، ولا رازق لنا، ولا مميت ولا محيي، ولا مستحق للعبادة نعبده ونتقرب إليه... إلا الله عز وجل. أن تعتقد –ب لا إله إلا الله -فيقر في قلبك أن الضر والنفع بيد الله, أن التوكل هو على الله, أن الله هو القوي,  أن الله هو القادر, أن الله هو الشافي أنك تتعامل مع رب عظيم, يجيب دعائك إذا دعوته, ويجيب ندائك إذا نادينه, تستغيث به فيغيثك, وتستعين به فيعينك, أن يقر في قلبك حقيقة التوحيد -بلا إله إلا الله- ليس أن تقولها بلسانك ثم تخالفها بقلبك فيتوجه قلبك إلى ساحر أو أي أحد تطلب منه شفاء مريض, أو رد غائب أو غير ذلك من الحاجات.
فعودا أنفسكم على قول لا إله إلا الله، وبالعمل بمقتضاها؛ لأنه من عاش على شيء مات عليه، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة. جعلني الله وإياكم منهم.
ثم قال نوح عليه السلام: وآمرك ب سبحان الله وبحمده فإنها تسبيح كل شيء، وبها يرزق الخلق.
وهذا مصداق أيها المسلمون لقول الله تعالى: إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.
 وقد أوصى النبي صل الله عليه وسلم بالتسبيح والحمد, فقال عليه الصلاة والسلام [والحمد لله تملأ الميزان. وسبحان الله والحمد لله تملآن (أو تملأ) ما بين السماوات والأرض]
وقد بين النبي صل الله عليه وسلم في عدد كثير من الأحاديث فضل التسبيح، ومن ذلك ما روي انه قال عليه الصلاة والسلام:[ من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة]. وكان عليه الصلاة والسلام يسبح أول النهار وفي آخره. يقول: سبحان الله وبحمده يقول ذلك مائة مرة. ومن فعل ذلك لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلاّ أحد قال مثل ذلك أو زاد عليه رواه مسلم.
ثم قال نوح عليه السلام وأنهاك عن اثنتين عن الشرك بالله. والشرك أنواع كثيرة وأشكال عديدة، منها الحلف بغير الله، والذبح لغير الله، تقربا لطلب ولد، أو كف لأذى عدو، أو طلب لحمل زوجة أو لقضاء دين أو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله أو مع الله. وليس هذه الخطبة محلا للتوسيع في الشرك وأنواعه.
ثم قال نوح عليه السلام لولده وأنهاك عن الشرك والكبر. فخاف الصحابة من الكبرلأنه "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
وأول ذنب عصى الله به: الكبر! فأهل الكبر والإصرار والاحتجاج مع شيخهم وقائدهم إلى النار إبليس.
 وهنا خاف الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من الكبر. هل هو في الملابس الجميلة الغالية؟ أو في النعال ذات الطراز العالية؟ أم في الدابة والسيارات الجميلة؟ أو في عز الأصحاب؟ فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: الكبر "بطر الحق, وغمط الناس] يعني رد الحق. يعني نقول يا فلان أنت أخطأت على فلان بكذا وكذا اذهب واعتذر له فتقول لا لن افعل. أنت رددت الحق هذا هو الكبر.
وقد أكل رجل عند النبي صل الله عليه وسلم بشماله تكبرا فقال له عليه الصلاة والسلام: كل بيمينك, قال: لا أستطيع. فقال عليه الصلاة والسلام: لا استطعت. يقول راوي الحديث: فوالله ما رفعها بعد إلى فيه.  (أي شلت يمينه). فقال صل الله عليه وسلم: والله ما منعه إلا الكبر.
الكبر، رد الحق, يقال يا فلان أنت ظلمت فلاناً, أو ظلمت صديقك أو أخاك, أنت أخذت من فلاناً مالاً ظلماً, تؤمر بأي شيء من الحق فترده قال: الكبر الذي يعذب به الإنسان يوم القيامة هو بطر الحق.
يأتيك شخص ينصحك نصيحة في الدين فتقول له: أنا أفضل منك، أني أكبر منه سنا، عندي شهادات أكثر، عندي علم أكثر منه، عندي خبرة وتجربة، فكيف تنصحني؟ أنت رددت الحق، ففيك تكبر.
والمتكبر لا يمكن أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه، فما من خلق ذميم إلا وصاحب الكبر مضطر إليه ليحفظ كبره، وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه خوفا من يفوته عزه، فمن هذا لم يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من كبر. ولذلك جعل الله النار دار المتكبرين. كما قال تعالى: }ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ{
ما أعظم حمق المتكبرين وما أضلهم وأجهلهم! بأي وصف يتكبرون، وبأي عمل يتجبرون، من علم أنه مخلوق حقير ناقص من كل وجه فبأي شيء يتكبر، ومن عرف أن أوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة وهو بين ذلك يحمل العذرة، فبأي شيء يعجب ويفتخر؟ تالله إن الفضل كل الفضل بالتواضع لله ولعباد الله. فالكبر من خصوصيات الله سبحانه وتعالى، ولا يليق إلا به لا غيره، فكم مرة يكرر المسلم في صلاته عبارة (الله أكبر)؟ فمن نازع الله في الكبر أدخله الله النار ولا يبالي.
إننا نجد داء التكبر والتعالي منتشرًا بين صفوف الكثير منا. فترى الناس يتكبر بعضهم على بعض بالعلم، أو بالحسب والنسب، او بالمال، أو بالمنصب.. إلى غير ذلك مما يتكبر به. وأخطر أنواع الكبر من يتكبر على شريعة الله فتأتيه بالأية والحديث الدالة على خطأ ما هو فيه فيقول لا أستطيع الحياد عما أنا فيه وقد يحتج بالظروف وتغير الزمان وغيرها. وميزان الإسلام مختلف عن هذا الميزان تمام الاختلاف، فالتقوى في الإسلام هى الميزة الأساسية التي يتفاضل بها الناس: }إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ{
وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ربه، فجعل من التواضع رداءً لم يخلعه عنه أبدا، فقد كان مثالا يحتذى به في التواضع. وقد وصفته أقرب الناس إليه السيدة عائشة رضي الله عنها بأنه كان يتخلق بالقرآن.
وغمط الناس وفي رواية, (وغمص الناس) يعني ظلم الناس في حقوقهم, وضع في مكان له مكانة ورئاسة.., وتصدر فاستعمل هذا الشرف والتصدر في ظلم الناس وأكل حقوقهم, فاعتدى على بيت لفلان أو أرض لفلان, أو مال لفلان، أو نفس لفلان وربما عرض لفلان.
اسأل الله جل وعلا أن يصلي على أنبيائه ورسله ما ذكرهم الذاكرون الأبرار وما تعاقب الليل والنهار وأن يجمعنا الله تعالى بهم في جنته.
أقول ما تسمعون واستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه انه هو الغفور الرحيم
                                         الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه. واشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه. صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن سار على نهجه واقتفى اثره واستن بسنته إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه ومالم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم. اللهم إنا نسألك أن تصلح أحوال المسلمين في كل أرض من أرضك وأن تجمع قلوبهم على الخير والهدى, وعلى منهج رسولك عليه الصلاة والسلام يا رب العالمين اللهم صب علينا الخير صبا صبا ولا تجعل عيشنا كدا كدا يارب العالمين
اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى كل المسلمين في كل بلادك يا رب العالمين. واجعل لنا من كل همّ فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية، وارحمنا رحمة تغننا بها عن رحمة سواك.
اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وثبتنا على الصراط المستقيم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. اللهم اجعلنا من المتقين الذاكرين، الذين إذا أساؤوا استغفروا، وإذا أحسنوا استبشروا.
نسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يأخذ بأيدينا ونواصينا إلى الخير. وأن يتقبل منا العمل الصالح إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين.
وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button