منهج التيسير في سيرة النبي الأمين

إعلان الرئيسية


 


الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ، الحمد لله الذي كان بعاده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق كل شيء فقدره تقديراً، وجعل العباد إما شاكراً وإما كفوراً، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وسلم كلما اغتنمت الأعمار وكلما حفظ الليل والنهار.أما بعد، فما زلنا مع سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، نتفيأ ظلالها، ونتنسم نسماتها العطرة. واليوم سنتحدث عن ميزة من مميزات منهجه صلى الله عليه وسلم الذي حاد عنه كثير من الناس.لقد كان منهجه صلى الله عليه وسلم مبنيا على التيسير وعدم التنطع والتشدد. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم  بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه". كما روي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا".

 وكيف لا يكون التيسير منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بعثه الله تعالى رحمة للعالمين. قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ). فمن مقتضيات الرحمة التيسير ورفع الحرج والمشقة، والبعد عن الشدة والعنت. وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: ﴿لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾.إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسلك بأمته منهج التيسير إنما كان ينفذ إرادة الله تعالى. الذي قال في محكم كتابه: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ). وقال عز من قائل: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾. بل إن الله تعالى وضح لعباده أن الأحكام التكليفية والعبادات التي شرع ليس المقصود منها تعنيت الناس أو إرادة الحرج بهم، ولكنها وسائل إيمانية للتخلص من ثقل الشهوات، والتطهر من أدران الماديات، وتلك هي النعمة في تمامها. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ. مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).وهكذا يظهر أن منهج التيسير ليس خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل هو منهج الإسلام نفسه. وكل من حاد عنه فقد حاد عن منهج الإسلام وسنة النبي عليه السلام، مهما ادعى أنه يطبق السنة. ولما كان منهج التيسير لعامة المسلمين، فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن يتربى أصحابه وسائر المسلمين على هذا المنهج، فما زال عليه السلام يؤكد عليه في كل مناسبة بالفعل والقول أيضا. ومن ذلك قوله عليه السلام: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا"، وقوله صلى الله عليه وسلم : "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون".ومن نتائج تربيته صلى الله عليه وسلم  للصحابة على منهج التيسير أنه صار لهم خلقا، كما كان له خلقا، وصاروا يقومون به كل الاعوجاجات والانحرافات التي تظهر لدى البعض. فقد خرج عمر رضي الله عنه في ركب فيهم عمرو بن العاص ، حتى وردوا حوضا، فقال عمرو: يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر : لا تخبرنا فإنا نرد السباع وترد علينا. ومر عمر رضي الله عنه مع صاحب له، فسقط عليه شيء من ميزاب، فقال صاحبه : يا صاحب الميزاب ماؤك طاهر أم نجس؟ فقال عمر: يا صاحب الميزاب لا تخبرنا . ومضى .وليس الأمر خاصا بعمر رضي الله عنه، بل هو شأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول عمير بن إسحاق : لما أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ممن سبقني منهم، فما رأيت قوما أيسر سيرة ولا أقل تشدداً منهم .عباد الله، إن بعض المسلمين ممن لم يتشبعوا بمنهج الإسلام الصحيح، ولم يتربوا على السنة كمنهج، وإنما أخذوها أحاديث متناثرة، فيخرجون بعضا منها عن سياقها، ويرتبون عليها أحكاما لم تقصدها، ويعتبرون ذلك من السنة التي لا محيد عنها، فتراهم يبحثون عن مضايق الأمور، وينقبون عن وشدائد الأحكام. والأخطر من ذلك أنهم يلزمون الناس بها، ويعتبرون أن من لم يلتزمه فهو مبتدع ضال بعيد عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.ونتيجة لهذا الفهم العليل ينفر الناس من الدين ومن السنة، فيكون هؤلاء قد أفسدوا من حيث ظنوا أنهم يصلحون، وهدموا من حيث ظنوا أنهم يبنون.كما أن بعض الناس  الذين لا يعرفون في الدين إلا القشور والرسوم، ولا يفقهون لب هذا الدين القائم على اليسر ورفع الحرج، يجعلون من بعض العبادات اليسيرة الميسرة عبادات شاقة مرهقة. ولا يكتفون بذلك لأنفسهم بل يفتون به لغيرهم. ومثال على ذلك الغسل من الجنابة. اسمعوا إلى حديث ميمونة رضي الله عنها وهي تشرح ببساطة كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل من الجنابة. قالت رضي الله عنها: سَتَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ ، فَبَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى الْحَائِطِ أَوِ الأَرْضِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ الْمَاءَ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ". فلماذا نرى بعض الناس يجعلون من هذا الأمر البسيط الميسر، قضية كبرى وفتنة عظمى، حتى إنه ليخيل إليك أنه الفارق بين الكفر والإيمان.والأدهى من ذلك أن هؤلاء جعلوا الحرج والعنت والشدة حتى في الأمور التي جعلها الله تعالى للتيسير والرخصة. فتراهم في التيمم مثلا يدلكون على الحجر وكأنهم يغسلون به، وما هو إلا للمسح فقط.أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى. لي ولكم ولسائر المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
     الحمد لله حق حمده، ولا نعمة إلا من عنده وبفضله، والصلاة والسلام على نبي الرحمة والهدى وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم منهم آمين.أما بعد، فكما أن هناك بعض الناس يحيدون عن منهج التيسير إلى منهج التشدد والتعنت، فإن هناك بعض الناس أيضا يتخذون منهج التيسير ذريعة للتحلل من أحكام الدين، والتفلت من الشرع الحكيم. فتراهم منغمسون في المنكر، معرضون عن طاعة ما جاءهم من الله تعالى من أمر، لا يقومون بواجباتهم الدينية، ولا يأبهون بالأحكام الشرعية، وعندما تنصحهم يقولون لك بكل بساطة: إن الدين يسر.وهؤلاء مثل أولئك حائدون عن منهج الله تعالى ومنهج نبيه صلى الله عليه وسلم. بل إن هؤلاء المفرطون أسوء من أولئك المتنطعون. وإذا رجعنا إلى الحديث الذي روته أمنا عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما. نجدها تؤكد أن ذلك مشروط بألا يكون إثما. "فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه".فاليسر ليس هو اتباع شهوات النفس، كما أن اليسر ليس لتعطيل أحكام الشرع والتخلص منها. فليس من اليسر ترك الصلاة إلى آخر النهار أو نقرها، وليس من اليسر أخذ الربا بدافع الحاجة، وليس من اليسر ترك الحجاب ومجاراة الموضة.اليسر هو اتباع دين الله، كما أنزله الله، وبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم.   الدعـــاء

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button