ا لهدر المدرسي من المصطلحات الفضفاضة التي يصعب تحديدها لاعتبارات عدة. أولاها تعدد المسميات لنفس المفهوم و اختلاف الكتابات التربوية في المنطلقات الذي يوصل إلى الاختلاف في فهم الظواهر، و بالتالي الاختلاف في توظيف المصطلح
أحيانا نتحدث عن الهدر المدرسي و نعني به التسرب الذي يحصل في مسيرة الطفل الدراسية التي تتوقف في مرحلة معينة دون أن يستكمل دراسته. لكن نفس الظاهرة يرد الحديث عنها في كتابات بعض التربويين بالفشل الدراسي الذي يرتبط لدى أغلبهم بالتعثر الدراسي الموازي إجرائيا للتأخر. كما تتحدث مصادر أخرى عن التخلف و اللاتكيف الدراسي و كثير من المفاهيم التي تعمل في سبيل جعل سوسيولوجيا التربية أداة لوضع الملمس على الأسباب الداخلية للمؤسسة التربوية من خلال إنتاجها اللامساواة
إلا أننا بشكل عام نتحدث عن الهدر المدرسي باعتباره انقطاع التلاميذ عن الدراسة كلية قبل إتمام المرحلة الدراسية أو ترك الدراسة قبل إنهاء مرحلة معينة
و كيفما كان التعريف الذي نرتضيه لهذه الظاهرة، فإننا يجب أن نعترف أننا أمام ظاهرة تؤرق المجتمعات العربية بشكل عام. فهي تحمل كل مقومات الفشل سواء على المستوى الفردي أو على مستوى المجتمع. و هي من العوامل القادرة على شل حركة المجتمع الطبيعية و تقهقره عائدة به إلى عتمة الجهل و التخلف و الانعزالية بعيدا عن نور التطور و مواكبة لغة العصر في التقدم و الانفتاح
حجم الإشكالية:
من خلال البحث الذي قامت به منظمة اليونسكو سنة 2004 تبين أن نسبة الهدر المدرسي مرتبطة بالناتج المحلي، ولهذا دول الخليج مثلا والتي تتميز بإقتصاد جيد بعائد إجمالي أكبر من 5000 أورو. هذه البلدان نسبة الهدر المدرسي فيها هي أقل من 3% فيما يتعلق بالسنة الخامسة من التعليم الابتدائي. أما بالنسبة للمغرب و موريتانيا اللذان يتراوح عائدهما الاجمالي بين 3350 أورو و 1750 أورو،فــإن نسبة هدرهما المدرسي في السنة الخامسة من التعليم الابتدائي هو ما بين 6% و 22% . وجب الاشارة إلى وجود استثناء مثل فلسطين والأردن.
إن الوسط القروي هو الأكثر تعرضا لظاهرة الهدر المدرسي أكثر من غيره. أما في الوسط الحضري: بالنسبة للأحياء الشعبية حيث الوضع الإقتصادي ضعيف، نجد ظاهرة الهدر متزايدة مقارنة مع الأحياء الأخرى.
في الحقيقة مشكل المغادرة المبكرة للمدرسة هو معقد جدا و المعقد اكثر هو تحديد الأسباب التي تؤدي إلى مغادرة التلاميذ لمدارسهم. يقول السيد الشداتي مستشار اليونسيف : "عندما نلاحظ عامل يخص عدد كبير من التلاميذ الذين يغادرون الدراسة فهذا لا يعني وجود رابط السببية بين العامل و القيام بالمغادرة".
إن البحث الذي قامت به اليونسيف ، يوضح الأسباب الرئيسية للهدر المدرسي ، و قد قسم هذا البحث هذه الأسباب الى أسباب مدرسية و أسباب غير مدرسية.
أسباب الهدر المدرسي:
*الأسباب غير المدرسية: هي التي يصعب تحديدها لأنها تتعلق بالظروف الشخصية للفرد و التي تتعلق بظروف إجتماعية و إقتصادية.
الأسباب غير المدرسية يمكن تلخيصها في ما يلي:
- ضعف الدخل المادي للاسرة
- تشغيل الأطفال
- الوضع الصحي للطفل
- المشاكل العائلية : الطلاق، الشجار بين الأزواج ...
- أمية الآباء
- رد الفعل السلبي للآباء اتجاه المدرسة
- بعد المدارس عن المنازل
- الزواج المبكر عند البنات.
* الأسباب المدرسية: لها علاقة بالنظام التربوي السلبي الذي يعوق التلاميذ عن متابعة الدراسة.
الأسباب المدرسية يمكن حصرها فيما يلي:
- الفشل في الدراسة
- سوء العلاقة بين المعلم و التلميذ
- ضعف الوسائل البيداغوجية
- ضعف البنية التحتية للمدارس
- الغياب المتكرر للأستاذ
- الإحباط
- قلة الأنشطة الترفيهية
- ضعف المؤهلات لدى مديري المؤسسات
- قلة التكوينات الخاصة بمديري المؤسسات
- عدم ملاءمة التكوينات الأساسية للأساتذة مع متطلبات المدرسة و التلاميذ.
إن الأسباب الغير مدرسية تجعل ولوج التلاميذ الى المدرسة أمرا صعبا ، أما الأسباب الدراسية فهي تجعل الأطفال غير مهتمين بالمدرسة.
و الأمر الأكثر تعقيدا هو أن الآباء لا يرون في المدرسة سوى مؤسسة لتخريج المعطلين عن العمل، فالحصول على شهادة عليا لا يعني بالضرورة الحصول على عمل محترم.
ما هي نتائج الهدر المدرسي ؟
أول نتائج الهدر المدرسي هو انتشار الأمية بين الشباب: النتيجة المباشرة للأمية هي من دون شك عدم الوعي والبطالة التي من شأنهما أن يولدا لدى الشباب الرغبة في الهجرة الى أوروبا -الحريك- ،أو الرغبة في الربح السريع عن طريق القيام بأنشطة غير مشروعة. باختصار الهدر المدرسي و البطالة هما سببان رئيسيان في انحراف الشباب. الشيء الذي يؤدي الى إنتشار الجريمة و ارتفاع مصاريف الدولة فيما يتعلق بتأسيس نقط للمراقبة وأيضا لإنشاء مؤسسات إصلاحية لإعادة تأهيل هذه الشريحة.
ما هي استراتيجية محاربة الهدر المدرسي؟
نظرا لصعوبة هذه الاشكالية و ارتباطها بمختلف تكوينات المجتمع، فإن تحديد استراتيجية لمحاربة الهدر المدرسي تبقى من التحديات التي تواجهها الحكومات. و لشرح ذلك يجب التطرق الى الموضوع من خلال محورين رئيسيين:
المحور الأول: بناءا على البرامج التي تم تحقيقها في السنوات يمكننا تسجيل ثلاث نقط رئيسية:
1. ضرورة إنشاء مقاربة نظامية يعني تسليط الضوء على العلاقات بين أطراف المجتمع : التلاميذ ، المعلمين ، ...
2. ضرورة إنشاء مقاربة تشاركية ممكن من خلالها اعتبار التلاميذ المشاركين الرئيسيين في العمل التربوي ، لهذا يجب الانصات لهم و لاقتراحاتهم.
3. الوقاية خير من العلاج ، للقيام بهذا وجب العمل على تحقيق سبل الوقاية من الهدر المدرسي:
1. الوقاية من الهدر المدرسي
2. دعم و إعادة إدماج التلاميذ الذين غادروا المدرسة
ان الوقاية من الهدر المدرسي يمكن القيام به من خلال إنشاء خلايا في كل مدرسة ، هذه الخلايا يجب أن تتكون من المديرين، الأساتذة ، الجمعيات المحلية و الأباء. هدف هذه الخلايا هو تقديم الدعم للتلاميذ المعرضين للمغادرة. ويمكن أن يكون هذا الدعم:
- بيداغوجيا للذين يغادرون بسبب الرسوب
- اجتماعيا للذين يعانون من مشاكل اجتماعية.
دور هذه الخلايا هو البحث عن التلاميذ الذين يفكرون في المغادرة ، وتوجيههم و ايضا دراسة وتحليل مشاكل التعلم عندهم و اقامة فضاء للانصات للمشاكل الاجتماعية و النفسية التي يعانون منها.
المحور الثاني: يتعلق بإنجاز برنامج تربوي غير نظامي للأطفال الذين غادروا المدرسة : التربية الغير نظامية توفر للأطفال الذين غادروا المدرسة فرصة انهاء دراستهم في دروس مبسطة . إن مشروع التربية الغير نظامية مسير عموما من طرف الجمعيات المحلية، الوطنية و الدولية.
لست ربوت