مفهوم الهدر المدرسي، مفهوم يصعب تحديد معناه بدقة .نظرا لتداخل مجموعة من العوامل المحدد له ,منها ما هو تربوي و منها ما هو اجتماعي و منها ما هو سيكولوجي . و نظرا كذلك لاختلاف المرجعيات العلمية التي حاولت ان تبحث في الموضوع .اذ هناك من يقصد بالهدر , التسرب الدراسي و هناك من يبحث في علاقته بالفشل الدراسي , و هناك من يربطه بالتخلف و اللاتكيف .
أما الهدر في مفهومه العام، فهو الانقطاع عن الدراسة, و عدم اتمام مرحلة من مراحل التعليم . و هو من بين المؤشرات التي يعتمد عليها في تحديد جودة منظومة تربوية ما . و قد سببت نسبه المرتفعة قلقا كبيرا لمختلف المعنيين والمهتمين بقطاع التربية و التكوين، نظرا لما يسببه من نزيف و هدر للموارد المادية و البشرية للوزارة , و نظرا لعواقبه الوخيمة على المجتمع و على المنقطع -عن الدراسة- نفسه . فقد يتسبب في انتشار الأمية و الجهل و البطالة . و يقلل من فرص الاندماج مع عالم اليوم ,الذي لا مكان فيه لأمي و لا لجاهل .
هذا بالاضافة الى نشر الانعزالية و التطرف و انعدام الثقة بالنفس .فما هي أسباب هذه الظاهرة الخطيرة ؟و كيف يمكن الحد منها ؟
لا شك ان للهدر المدرسي ,أسباب متداخلة , منها ما هو اجتماعي و منها ماهو اقتصادي و منها ماهو تربوي و منها ايضا ما هو ذاتي مرتبط بشخصية المتعلم و العوامل المؤثرة فيها .
1 - أسباب اجتماعية :
- نحن نعلم أن الأسرة هي المربي الأول ففي أحضانها تتحدد بعض سمات شخصية المتعلم، فكلما كانت متماسكة و متوحدة و منسجمة، شكلت اطارا آمنا للطفل. و كلما كان العكس، يشعر الطفل بعدم الرضى و يحس بالعزلة و التهميش، الشيء الدي يدفعه الى اثارة اهتمام الاخرين بمزيد من الشقاوة والشغب وعدم الامتثال، مما يضاعف من فشله الدراسي . و اذا لم ينتبه اليه في الوقت المناسب، سيتضاعف ذلك الفشل و يولد تكرار التكرار أو الفصل النهائي، أو المغادرة الطوعية له من المدرسة .
- رفقة السوء :
ان المتعلم الذي لا يحسن اختيار الأصدقاء، قد يتأثر برفقة السوء خصوصا اذا كان الرفقاء من المنقطعين عن الدراسة ، و المتلذذين بحرية غير مراقبة، فينجرف المتعلم مع تياراتهم ، وبذلك يتضاعف عنده الكره للمدرسة التي تتطلب نوعا من الانضباط و النظام .
- العادات و التقاليد:
ان الكثير من الأسر، تنظر الى الفتاة نظرة سلبية وتنطبع بالرؤية التقليدية لها التي ترى أن مآل و مصير البنت البالغة هو إلى بيت الزوجية ، ومن تم ينتظرون العريس في كل لحظة و حين , و كأنها مادة ينبغي التخلص منها بسرعة .
- النظر الى مآل مخرجات المدرسة:
هناك من الأسر التي تنظر الى مخرجات المدرسة نظرة تشاؤمية -شباب مجازعاطل أو حاصل على شهادات عليا ولا يجد عملا- و هي هنا تتغافل عن كون مهن المستقبل تتطلب نوعا من التعلم و التحكم في تقنيات التكنولوجية و الاليكترونية . فكم من الشركات الآن تبحث عن اشخاص بمواصفات خاصة في العديد من التخصصات الحديثة ولا تجدهم .
اضف الى ذلك أن العديد من الأسر تقتنع باليسير من العلم و تعمد الى اخراج ابنائها من المدرسة لتسيير تجاراتهم ، أو مساعدتهم في الأعمال الفلاحية أو الحرفية .
- انتشارظاهرة التعاطي للمخدرات في الأوساط الشبابية المتمدرسة . لها آثارها السلبي على المتعلم في التحصيل و مسايرة رفاقه في الصف الدراسي .
2 - الأسباب الاقتصادية
هنا يبرز الفقر كأهم سبب لهذه الظاهرة. فالعديد من الأسرالفقيرة، لها العديد من الأبناء المتمدرسين، مما يصعب مع ذلك توفير جميع مستلزمات الدراسة، من كتب و أدوات و نقل و اقامة -في العديد من المناطق التي تبعد عنها المؤسسات الاعدادية أو الثانوية-. فيعمد الأب الى اخراج البعض من أبنائه وقد تكون الفتيات هن الضحايا ,وهناك من الآباء من يفضل ان يتعلم ابنه حرفة من الصغر فيتوجه به الى ورشة ما. ويسعد هو بالأجر الزهيد الذي يحصله أسبوعيا من المعلم (صاحب الورشة). أو ان يرسله في هجرة داخلية للعمل بأوراش البناء بقصد مساعدة الأسرة.
3 - عوامل تربوية:
و نجد من ضمنها
- عدم توفر المدرسة على الشروط الضرورية التي تحبب المدرسة للمتعلم .
- قلة الأنشطة الموازية و الفنية و الرياضية .
- عدم قدرة المتعلم على الاندماج مع اصدقائه .
- الافراط في التأديب و العقاب
- برامج لا تجيب المتعلم عن أسئلته و احتياجاته .
- الشعور بالفشل الدائم ، و عدم التدخل في الوقت المناسب من طرف الأسرة أو المدرسة .
- بعد المدرسة عن السكن أوعدم توفر وسيلة النقل ،أو عدم انتظامها مع أوقاته و ايقاعاته المدرسية .
- ضعف التواصل أو انعدامه بين المدرسة و الأسرة .
- عدم التنفيذ الجيد للبرنامج السنوي للمؤسسة .
- انعدام الأمن بالمؤسسة أو بجنباتها .
4 - عوامل داتية تتعلق بشخصية المتعلم :
- احتقار النفس لضعف المستوى المادي أو الفكري أو للفشل الدائم .
- الرغبة الشديدة في الحرية و عدم القدرة على الانضباط .
- الانطوائية المرضية المبالغ فيها .
- عدم القدرة على الاندماج و التكيف مع الجماعة (ضعف القدرة التواصلية للمتعلم )
- ضعف الثقة بالنفس و الخجل المبالغ فيه ، أو الخوف المرضي .
5 - سبل الحد من الهدر المدرسي:
للحد من هذه الظاهرة، لابد من توعية الأسر بأهمية التعليم في حياتنا. وبأنه حق من حقوقهم الأساسية .تضمنه لهم المواثيق الدولية مثل: اتفاقية حقوق الطفل .كما يضمنه الدستور . و ان مصلحة الطفل الفضلى هي، في أن يتابع دراسته .
*تفعيل دور لجنة اليقظة لتتبع تغيبات المتعلمين ، والتدخل في الوقت المناسب ، قبل ان تتحول الى انقطاع كلي ، وذلك بدراسة اسبابها و مساعدة المتعلمين على حل مشاكلهم الخارجية و الداخلية ,المرتبطة بالحياة المدرسية .
*العمل ما أمكن على تقريب المؤسسات التعليمية بالتجمعات السكنية المهمة .كاحداث أنوية اعدادية .أو بناء داخليات ودور للطالبات .
*العمل ايضا على توفير النقل المدرسي و تنظيمه . او تزويد المتعلمين بدراجات عادية ,وذلك بشراكة مع جمعيات الآباء , أو جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالتربية و التكوين .
*تحبيب الفضاء المدرسي, و توفير جميع الشروط السوسيو بيداغوجية. و توفير بنية تحتية مناسبة .
*الانفتاح على المتعلم و التفاعل معه بشكل ايجابي ,باعتماد طرق تنشيط حديثة و مرنة ,تراعي خصوصية المتعلمين و حاجياتهم و رغباتهم و ميولاتهم .
*العمل على اشراك المتعلمين في كل القضايا التي تخصهم و التقرب منهم ما أمكن .
هذه بعض التدابير التي يمكن اعتمادها للحد من هذه الظاهرة.
لست ربوت