مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، ومسيرة التعلم تبدأ بكلمة وتستمر من المهد إلى اللحد، كما هي الحياة تبدأ بصرخة وتستمر كمعترك صراع لحل المشاكل التي يعرفها المجال بمختلف أنواعها،ويتحداها الإنسان في مد وجزر، ليتعلم كيف يحسن أحواله ويضمن بقاءه...
من هذه العلاقة الجدلية بين التعلم ومشاكل الحياة نفهم أن التعلم هو سلاح لكسب معركة الحياة وتحسين ظروفها،فهناك تعلم مادامت هناك حياة...
قد نتعلم بالفطرة ونراكم التجارب ونبني السلوكات الإيجابية لمواجهة المشاكل عبر تكرار المحاولة أو الملاحظة والمقارنة بين سلوك جميع المخلوقات ولو كان غرابا يواري سوأة أخيه.
لكن يبقى التعلم ناقصا إذا لم ينهل من منابع العلم والمعرفة، وإذا لم يكن مؤطرا وموجها بهذه المنابع.وعليه فالتعلم لابد أن يبنى بشكل ممنهج وعلمي وتكون غايته اكتساب القدرات والمهارات الضرورية لحل المشاكل، ولا يمكن اكتساب هذه القدرات الا من خلال تعلم تقنيات حل المشاكل بوضع اليد في العجين بعيدا عن المكننة...
نفهم إذا أن التعلم ليس هو الإلمام بالمبادئ الأساسية( القراءة، الكتابة والحساب ) فحسب، بل هو سيرورة بناء متدرج لشخصية المتعلم ليكتسب المهارات والقدرات التي تخوله حل المشاكل موظفا ما تعلمه أساسا.
والتعلم بمفهومه الحديث لا يقف عند هذا الحد، بل لابد من تحويل هذه المهارات والقدرات المكتسبة إلى منظومة راسخة(système intégré )تمكن المتعلم من تطويع المشاكل وحلها بشكل مندمج في محيط التعلم استجابة لحاجياته التنموية...
وهذا ما يعبر عنه باكتساب الكفاية(compétence)التي تأتي كتتويج لمسار تعلمي يبدا بالمعرفة( savoir )ويمر عبر معرفة الفعل والتفاعل( savoir-faire )ثم معرفة الذات والقدرة على الأجراة والتأثير(savoir être et agir )،كل هذا يتم في إطار مندمج مع محيط التعلم( التعلم الهادف الذي يؤثر ويتأثر مع حاجيات التنمية )...
و التعلم في أسمى مراحله وأنبل غاياته وحينما يتحول إلى كفايات( منظومات مندمجة لحل المشاكل ) لا يبق حبيس جدران المؤسسة التعليمية بل لابد وان ينفتح على المحيط للمساهمة في مشاكل الحياة في تقاطع شامل(مقاربة شمولية ) مع مختلف الكفاءات البشرية لإيجاد حلول واقعية لمعضلة التنمية والتقارب في شأنها مجاليا(المقاربتين المجالية والالتقائية )...
الانفتاح الذي نقصده ليس بمفهومه التقليدي الميكانيكي( انتظارالحصول على الشهادة للخروج إلى معترك الحياة ومواجهة المصير الغامض )، بل التعلم يقتضي الانفتاح على الحياة ومشاكلها الحقيقية منذ بدايته، برؤية وأهداف واضحة محددة للأدوار بشكل متكامل بين جميع المتدخلين ومجيبة عن سؤال( أي متعلم نريد لتنمية مجالنا ؟).ليبدأ دور المربي والمكون في نقل المعرفة وتحديد شروط تدريسها واختيار بالتالي المناهج والمقررات المناسبة لتحقيق غايات التعلم كرافعة أساسية للتنمية...
نجزم إذا أن التعلم مرتبط ارتباطا عضويا بالمشروع المجتمعي لتحقيق التنمية المنشودة.
ويقتضي هذا رد الاعتبار للمؤسسة العمومية وضبط مخرجاتها من كفاءات بشرية مع حاجيات المجال التنموية...ويجب أن لا ننسى أن التعلم حق كفله الدستور للجميع، والرهان على العنصر البشري والاستثمار في هذا الشأن في إطار من تكافؤ الفرص هو السبيل الوحيد لكسب رهانات التنميةالمستدامة...
مدينة ابن جرير بانضمامها إلى شبكة اليونسكو لمدن التعلم تكون قد فتحت بوابة عالمية للتعلم والاستفادة بالنظير من تجارب مدن سبقتنا إلى ترسيخ مفهوم التعلم وربطه بحاجيات التنمية، ولدينا كل التقة في أطرننا وكفاءاتنا داخل المجال وخارجه وقطب المدينة الخضراء بمختلف مكوناته العلمية والمعرفية والتكوينية لتقديم كل الدعم للنهوض بمنظومتنا التعلمية خدمة لتنمية المدينة وتحسين ظروف عيش ساكنتها...
عبد العاطي بوشريط
ابن جريرفي 26/09/2020
لست ربوت