الإقطاع والبورجوازية، المتكونين في عهد الاحتلال، لا يمكن أن يكونا إلا عميلين له.....
محمد الحنفي
والشعب المغربي، فقد الكثير من الخيرات، التي أنتجها في عهد الاحتلال الأجنبي، وفقد الأكثر في عهد الاستقلال الشكلي، مما يجعلنا، نجزم، بأنه لم يستفد أي شيء من تكوين الإقطاع، والبورجوازية، من العملاء الذين يتوددون إلى الحكم المخزني، الذين يتحولون إلى وسيلة للسيطرة على الجماهير الشعبية الكادحة، الأمر الذي يترتب عنه: أن المستفيد من مرحلة الاستقلال الشكلي، هو الحكم الفاسد، وعملاء هذا الحكم، الذين، يمتدون، عبر تراب الوطن.
واستمرار استفادة عملاء الاحتلال الأجنبي، الذين يتلقون الرعاية الكاملة، والحماية اللازمة، من قبل حكم ما بعد الاستقلال الشكلي، ليس إلا تعبيرا عن الوفاء للرأسمال الأجنبي، الذي يحرص على التحكم غير المباشر في الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، بجعل الحكم في المغرب تابعا له، على جميع المستويات، محتلا، بسبب ذلك، بطريقة غير مباشرة.
واستمرار تكون الإقطاع، والإقطاع الجديد، يعتبر مساهمة في تجميع الأراضي، التي تكون تحت تصرف الفلاحين الصغار، بين أيدي الإقطاعيين، أو الإقطاعيين الجدد، ليتحول الفلاحون الصغار، إلى عبيد الأرض، أو إلى خماسة، أو رباعة، أو مجرد عمال مياومين، بأجور زهيدة، إرضاء للاحتلال غير المباشر، وتنفيذ السياسة الهادفة إلى إذلال الشعوب على يد الحكام من أبنائها، الذين يستمتعون بعملية الإذلال، حتى يطمئن الاحتلال غير المباشر، على ما يحول إلى حساباته الخاصة، التي تعبر، فعلا، على أن المغرب غارق فيما يذهب إلى الاحتلال، بطريقة غير مباشرة، وإلى الديون الخارجية، التي صارت أكثر احتلالا للبلاد، ولكنها استفادة من الدخل الوطني، والذي قد يصل إلى 20 مليار دولار، كخدمة للدين الخارجي، وما تبقى، تستولي عليه الشركات العابرة للقارات، التي تنشط في مختلف المجالات، على المستوى الوطني، لتبقى استفادة المغاربة في خدمة الديون، التي يقترضونها، لإقامة مشاريع معينة.
وفي التزام الحكم بنهج الاحتلال الأجنبي، لم يكتف بالعمل على خدمة، ودعم، وحماية الإقطاع، والإقطاع الجديد، الذي أشرف الاحتلال الأجنبي على تكونه، والاستمرار في عملية تكوين الإقطاع، والإقطاع الجديد. بل إنه سيعد الالتزام في تقديم الخدمات، إلى البورجوازية المتكونة في عهد الاحتلال الأجنبي، يلتزم كذلك بالعمل على نهج الاحتلال الأجنبي، القاضي بتكوين البوجوازية من العملاء، بطريقة، أو بأخرى، حتى صار هؤلاء يشكلون بؤرا من الفساد، الذي يصعب التخلص منه؛ لأنهم عملوا على إفساد كل مجالات الحياة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي يصعب معها التخلص من الفساد على المدى القريب، والمتوسط؛ بل وحتى المدى البعيد؛ لأن كل شيء صار فاسدا. فالدولة فاسدة، والحكومة متكونة من الفاسدين، والبرلمان يملأ مقاعده الفاسدون، ومعظم الأحزاب فاسدة، والجماعات الترابية تسند إلى الفاسدين، ومحيط المعاملات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، فاسد، إلى درجة أننا لا نستطيع تصور الحياة بدون فساد. فالفساد هو الأساس، وما يقوم على الفساد، لا يكون إلا فاسدا.
وسواء تعلق الأمر بالريع، الذي عمل به الاحتلال الأجنبي، لتكوين بورجوازية هجينة، أو بالريع المخزني، لتكوين نفس البورجوازية، فإن البورجوازية الهجينة، التي لا ترعى إلا، ولا ذمة، بقدر ما تسعى إلى الربح السريع. وهي أبعد ما تكون عن صيرورتها بورجوازية وطنية، تهتم بأبناء الشعب المغربي، وبناته، الذين، واللواتي، تشغلهم، وتشغلهن، ويحرصون، وتحرصن، على تطور، وتطوير الأداء الصناعي، والخدماتي، مع تمتيع كافة العاملين، والعاملات، بكافة الحقوق الإنسانية، وحقوق الشغل، حتى تعبر هذه البورجوازية عن الانتماء، إلى هذا الوطن، غير أن من صار ينتمي إلى هذه الطبقة، وصار يتمتع بدخل مرتفع، من وراء انتمائه، ولا يعرف إلا التمتع بالمزيد من الخيرات، التي يتم الاستيلاء عليها، عن طريق مضاعفة استغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وهو ما يمكننا من وصفها بالبورجوازية الاستهلاكية.
ومعلوم أن الربح السريع، والتعود عليه، مدعاة إلى ممارسة الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
فممارسة الفساد، بمظاهره الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، صار سمة تميز البورجوازية، التي لم تعد مكتفية بالاستئثار بالاستغلال الهمجي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؛ بل أصبحت ترى أن النهب الممنهج، لثروات الشعب المغربي، من خلال نهب الثروات المخصصة للمشاريع، التي لا تحترم في إنجازها دفاتر التحملات، ونهب الموارد المخصصة للجماعات الترابية، وغيرها، بما في ذلك الموارد المخصصة للمشاريع الكبرى على المستوى الوطني، ليصير النهب أفضل من مجرد الاستغلال، في تحقيق الربح السريع.
وهذه البورجوازية المتخلفة، والمتعفنة، تحرص على تزوير الانتخابات الجماعية، والبرلمانية لصالحها، حتى تتمكن من التشريع لصالحها، ومن نهب الثروات الجماعية، بدون حدود تذكر، وبدون محاسبة، وبدون مساءلة عن نهب المال العام، الذي يؤول كله إلى البورجوازية الهجينة، والمتخلفة، التي لا تعرف إلا الاستهلاك، ولا شيء آخر غير الاستهلاك؛ لأنها لم تأت من عالم الإنتاج، والاستثمار.
وحتى تتعود البورجوازية على الإنتاج، والاستثمار، واحترام حقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل أن تكون مفيدة لمستقبل هذا الوطن، بقدر ما تصير وسيلة لإلحاق كافة الأطر الإدارية بها على مستوى الممارسة.
والفساد الذي صار ينتشر في كل ربوع الوطن، يقف من ورائه شره المتطلعين إلى التبرجز السريع، على حساب الجماعات الترابية، وعلى حساب المشاريع العمومية: المحلية، والجهوية، والجماعاتية، والدولتية، التي لا يستفيد منها الشعب أي شيء، وحتى إذا أنجزت، فإنها تتحول إلى مشاريع مغشوشة، قد يكون عمرها الوطني قصيرا، خاصة، وأن البورجوازية الهجينة، التي لا تفكر إلا فيما يؤول إليها، وبالسرعة الفائقة، ولا تفكر أبدا في مصالح الشعب.
ومعلوم، ما يصيب الوطن من انتشار الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري، ومن انتشار الاتجار في الممنوعات، التي لا تهم إلا البورجوازية الهجينة، الممارسة لها؛ لأن ما يترتب عنها من أضرار كثيرة، لا تلحق إلا الشعب المغربي، إلى درجة أن انتشار الفساد، وتجذره في بنيات الشعب المغربي، وفي الإدارة المغربية، وعلى يد الأحزاب الرجعية، والأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، التي طال إفسادها للدين الإسلامي، إلى جانب الانخراط في ممارسة الفساد السياسي، وكل أشكال الفساد الأخرى، التي تدعي أنها ستعمل على التخلص منها، في حالة تمكنها من الوصول إلى الحكم، باعتبار ذلك الوصول، مدخلا إلى فرض الإصلاح، الأمر الذي ترتب عنه أن الحزب المؤدلج للدين الإسلامي الرئيسي، صرار يرأس الحكومة في المغرب، لفترتين متتاليتين، في إطار ما صار يعرف بديمقراطية الواجهة، التي قبل مؤدلجو الدين الإسلامي، اعتبارها هي الديمقراطية، فلم يقوموا بأي إصلاح، بل إن الفساد، في عهدهم، ازداد، وخاصة إن أعلنوا أن المحاسبة على أساس الماضي، أصبحت غير واردة، مستعملين الشعار الديني المشهور: (عفا الله عما سلف)، أي أن مشاركتهم في الانتخابات، صارت ببعد ديني، والتخلي عن الوعود الانتخابية، تم إعطاؤه بعدا دينيا كذلك، والبعد الديني في الأمور السياسية، لا يلجأ إليه إلا المنافقون، الذين فقدوا الصدق في علاقتهم مع الشعب، وفي هؤلاء المنافقين، ترد الآية الكريمة: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار)، حسب منطق مؤدلجي الدين الإسلامي.
ومعلوم، كذلك، أن الانتقال في الجهاز الإداري المخزني، مدعاة للابتلاء بالتطلعات الطبقية، الذي يدفع إلى جعل كل إداري، يشتغل على أساس المبالغة في الارتشاء، وإعادة تربية المواطنين، من أصحاب المصالح، في تلقي الخدمات الإدارية، على أساس الإرشاء، ليصير كل ذي مصلحة، قصد الإدارة، المخزنية، من أجل تلقي خدمة معينة، يكون مستعدا للإرشاء، إما في حدود تلقي الخدمة، أو من أجل السطو على حقوق الغير؛ لأن الإرشاء، والارتشاء، لا يلتزم فيه مقدم الخدمة بالمحافظة على حقوق الغير، بقدر ما يشترط مضاعفة الرشوة، إلى حدود قيمة، ومستوى الخرق الحقوقي، التي يتلقاها من صاحب المصلحة، في تلقي الخدمة، التي يتلقاها.
ولذلك، كان الفساد الإداري، هو البوابة التي ينفذ منها الفساد، بكل أنواعهن إلى الحياة العامة، والخاصة معا؛ لأن الفساد، لا يميز بين العام، والخاص. فهما، بالنسبة إليه، سواء.
ومعلوم، أيضا، أن الارتشاء، والنهب، من أهم مظاهر الفساد الإداري؛ لأن المسؤولين الإداريين، سواء تعلق الأمر بالسلطات الإدارية، أو تعلق بالجماعات الترابية، فإن المسؤولين الإداريين، يمارسون الارتشاء، وبدون حياء، ولكن، في نفس الوقت، يمارسون نهب ثروات الشعب المغربي، وبدون حياء، لا من الشعب، ولا من التاريخ. وكل المسؤولين الإداريين، يعلمون علم اليقين، أن ما صاروا يملكون، ليس من حقهم؛ لأنه من أصول غير مشروعة، وإلا، فبماذا نفسر أن موظفا من سلم 11، مسؤول عن أسرة من عدة أفراد، عددهم ستة على الأقل، صار يملك من العقارات، ما قيمته مليار ونصف تقريبا، بالإضافة إلى الملايين المكدسة في العديد من الحسابات البنكية، بالإضافة إلى السيارات الفارهة، التي يستعملها. وهو ما يعني: أن الفساد إذا صار شائعا في المجتمع، فإن كل شيء، يصير ممكنا، والممكن في ظل الفساد، هو الإثراء السريع، وغير الممكن، هو قيام الدولة، بمساءلة ذوي الممتلكات، من مصادر غير مشروعة. وهو ما يترتب عنه التمادي في ممارسة الفساد الإداري، المتمثل في الارتشاء، ونهب ثروات الشعب المغربي، بالإضافة إلى المساهمة في ممارسة أشكال أخرى من الفساد، كالاتجار في الممنوعات، وتهريب البضائع، من وإلى المغرب.
والشعب المغربي، بطبيعة الحال، هو المتضرر الأول من الفساد الإداري، الذي يعلم الجميع، أنه متفشي إلى أقصى الحدود، في مختلف الإدارات المغربية: السلطوية، والجماعية، وغيرها من الإدارات، التي تعود العاملون فيها، على اعتبارها مجال الاغتناء السريع، الذي أصبح عادة متبعة من قبلهم، لتحقيق التطلعات الطبقية، المبالغ فيها، أكثر من اللازم، وأمام أنظار السلطات الإدارية السلطوية، والجماعية، التي تقوم بدور كبير في تمكين أولئك المسؤولين، من المسؤولية السلطوية، أو المسؤولية الجماعية، التي صارت مشهورة بارتشاء المسؤولين عنها، في كل ربوع الوطن، ولا من يراقب، ولا من يحاسب، رغم اشتهار أولئك المسؤولين بالاغتناء السريع.
وقد كان المفروض، أن يوضع جميع المسؤولين، مهما كان مستواهم، تحت المراقبة العينية، لهيئات يتم إنشاؤها لهذا الغرض، من أجل محاصرة انتشار الفساد، الذي استمر في الانتشار، بالاغتناء السريع، إلى ما لا نهاية، إلى درجة أن العامل، في أي إدارة سلطوية، أو جماعاتية، لا يستطيع أن يعمل بدون هوى ممارسة الفساد، حتى وإن التحق بالعمل في آخر لحظة.
فأي مسؤول في إدارة السلطة، أو في الإدارة الجماعية، لا يمكن أن يكون إلا فاسدا، والفاسد لا يمكن أن ينتج إلا الفساد، والفساد في الممارسة الإدارية اليومية، يتوالد، وينمو نموا سرطانيا باستمرار. ودليلنا في ذلك، أن العامل في إدارة السلطة، أو في الإدارة الجماعاتية، سرعان ما يصير ثريا، وصاحب ممتلكات، حسب المنصب الذي يشغل. وقد فضحت كورونا هذه الممارسة، عندما يأتي ثري، ليزاحم الذين لا يملكون أي شيء، بسبب إرشائهم للمقدمين، والشيوخ، في الاستفادة من من منحة صندوق كورونا، الذي مول في معظم مداخيلها، من الاقتطاعات التي اقتطعت من أجور الموظفين، والتي تقدر بمئات الملايير، والتي يتعرض لها، كذلك، أصحاب الثروات اللا محدودة، من أجل التعويض عن الخسائر التي لحقتهم.
وانتشر الفساد المستمر، والذي لا يستطيع الفاسدون الإداريون، إلا أن يحافظوا على فسادهم، الذي لا يتوقف عند حدود معينة، بل يتجاوز كل الحدود، من أجل أن يتحول إلى فساد عابر للحدود، من خلال لجوء الفاسدين إلى الاتجار في الممنوعات، على المستوى الدولي، استيرادا، وتصديرا، من أجل أن يتحول الفاسدون الإداريون، إلى أباطرة لتكديس الثروات الآتية من الفساد، مهما كان مصدر ثروتهم، التي تعرف طريقة في اتجاه المطلق، الذي يستمر، غالبا، باستغلال الدين: أيديولوجيا، وسياسيا، حتى يقول الناس جميعا، أن ما يتوفرون عليه، هو عطاء من الله، وليس من الارتشاء، ومن النهب، ومن الاتجار في الممنوعات، فكأن الله لا يغني إلا الفاسدين، الذين تصير ممتلكاتهم باسم أبنائهم، الذين لم يغادروا الفراش بعد، أو لم يولدوا بعد، الذين يعتبرون أن الله أعطاهم أموالا طائلة، وهو كذلك، منحاز إلى الفاسدين. وتعالى الله أن يكون كذلك، فالله لا يمد الإنسان إلا بالقوة، التي تجعله يشق طريقه، اعتمادا على نفسه، لتحقيق طموحاته، بعيدا عن الفساد، وعن الفاسدين، أو المفسدين، الذين لا يتوقفون عن ممارستهم له، وعن إنتاج المزيد منه، في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية؛ لأن الفساد الإداري، هو الذي ينتج كل أشكال الفساد الأخرى، لأن تلك الأشكل من الفساد، لا تستطيع أن تتحرر من الفساد المادي، والمعنوي، الذي صار يتخلل كل مناحي الحياة، التي لم تعد كذلك، حتى يتبين أن الإنسان في هذه الحياة، يرتبط استمراره بالفساد، وإلا فلا وجود له، لو لم يكن كذلك.
لست ربوت