الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وبعد موضوع اليوم { صلة الأرحام } أيها الناس إن من الخير لهذه الأمة أن تتماسك ولا تتفرق وأن تقترب ولا تبتعد وتنسى الخلاف ولا تضخمه وتتجاوز عن الهفوات ولا تتبعها وأجمل طريق لذلك صلة الرحم فإنها من أحسن ما يقوي الروابط ويحيى الصلات ويذهب بسواد القلوب ويخفف من ءاثار الشحناء .إنه من المؤسف أن نرى بعدا بين الأقارب وشحناء قائمة تنهار خلالها كل رابطة وتفصم فيها كل عروة ينشأ عليها الصغير ويهرم عليها الكبير وبذلك يتأكد البعد ويبتعد الناس من كل خير وينقلب المجتمع إلى قوى مضادة يكيد بعضه إلى بعض ويؤذي بعضه بعضا ولعل واقع المسلمين اليوم قد قارب هذا أو وقع فيه لما نرى من بعد الهوى بين الأخ وأخيه والصديق وصديقه بل بين الولد وأبيه وصلة الرحم تكون بإكرام الأقارب والإحسان إليهم والحفاظ على علاقة الود معهم... ومما تجدر الإشارة أن نعرف بصلة الرحم ما هي .فالوصل ضد الهجران
.والصلة : كما قال ابن الأثير : كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار والتعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم وقطع الرحم ضد ذلك يقال : وصل رحمه يصلها وصلا وصلة فكأنه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر .واختلف أهل العلم في حد الرحم التي تجب صلتها فقيل : هو كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى حرمت مناكحتهما فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال <<<والصواب>> : أنه يطلق على الأقارب وهم من بينك وبينهم نسب سواء كان يرثه أم لا سواء كان ذا محرم أم لا لأدلة كثيرة:
منها : ما جاء عن أبي هريرة قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ قَالَ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ} البخاري. فقوله { أدناك ثم أدناك } دليل على عموم القرابة ومنها قوله ص} : عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا أَوْ قَالَ ذِمَّةً وَصِهْرًا} أخرجه مسلم من حديث أبي ذر ...فأما الرحم فلكون هاجرأم إسماعيل منهم. وأما الصهر فلكون مارية القبطيةأم إبراهيم من مصرفهذه الأخبار وغيرها دليل على أن الرحم معني بها مطلق القرابة وأطلق الرحم عليها لأنها سبب القرابة والله أعلم ...والآن وبعد هذه الجولة إليكم أيها الناس ما يلي
أولا من الأسس التي بني عليها الإسلام الألفة والمحبة وذلك ليكون المجتمع مترابطا متماسكا متئاخيا لا تتحكم فيه العصبيات ولا تفرقه الشهوات بل استنكر الإسلام على من خالف مبدأ الألفة والمحبة وصمه بالإثم والعدوان والابتعاد عن دين الله فهذا قوله تعالى : <<إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم } يشير إلى الإصلاح والسعي إلى إفشاء المحبة بين أخوة الإيمان وإذا خطا المجتمع هذه الخطوة صاروا كيد واحدة أحزانهم واحدة وأفراحهم واحدة وبذلك يصلون إلى وصف
<1197>
النبي ص} للمجتمع المؤمن المتماسك ويتحقق فيهم ذلك الوصف المشار له بقوله ص} : فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى} .مسلم .قال النووي فِي هذا تَعْظِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض ، وَحَثّهمْ عَلَى التَّرَاحُم وَالْمُلَاطَفَة وَالتَّعَاضُد فِي غَيْر إِثْم وَلَا مَكْرُوه . وَفِيهِ جَوَاز التَّشْبِيه وَضَرْب الْأَمْثَال لِتَقْرِيبِ الْمَعَانِي إِلَى الْأَفْهَام . اهـ .
ولقد جعل الإسلام لتطبيق ذالك ثلاثة أمور : 1} المحبة 2} السلام . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ} مسلم وأبو داوود والترمذي .3} والزيارة لأنها مرحلة أخرى من مراحل المحبة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ >مسلم وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا> قوله ( وَطَابَ مَمْشَاك ) مَصْدَرٌ أَوْ مَكَانٌ أَوْ زَمَانٌ مُبَالَغَةً . قَالَ الطِّيبِيُّ : كِنَايَةٌ عَنْ سَيْرِهِ وَسُلُوكِهِ طَرِيقَ الْآخِرَةِ بِالتَّعَرِّي عَنْ رَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ وَالتَّحَلِّي بِمَكَارِمِهَا.... هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ} البخاري ومسلم
ولقد توعد الإسلام من يكون سببا للهجر والقطيعة فيفرق بذلك جماعة المسلمين .عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} البخاري ومسلم .في الفتح : وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث عَلَى أَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِم وَامْتَنَعَ مِنْ مُكَالَمَته وَالسَّلَام عَلَيْهِ أَثِمَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ نَفْي الْحِلّ يَسْتَلْزِم التَّحْرِيم ، وَمُرْتَكِب الْحَرَام آثِم . قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز الْهِجْرَان فَوْق ثَلَاث إِلَّا لِمَنْ خَافَ مِنْ مُكَالَمَته مَا يُفْسِد عَلَيْهِ دِينه أَوْ يُدْخِل مِنْهُ عَلَى نَفْسه أَوْ دُنْيَاهُ مَضَرَّة ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ جَازَ ، وَرَبّ هَجْر جَمِيل خَيْر مِنْ مُخَالَطَة مُؤْذِيَة ......ولقد حض الإسلام على أن يكون في المجتمع أدوات لغرس الألفة والمحبة بين المتباعدين ونزع الغل والحقد بينهما وأجاز لهم سلاحا في تورية الكلام بينهما وإدخال فيه ما لم يكن وإخراج منه ما كان توصلا إلى التقريب والألفة عن أم كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ ُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا} البخاري ومسلم
.قال النووي : قَالَ الْقَاضِي : لَا خِلَاف فِي جَوَاز الْكَذِب فِي هَذِهِ الصُّوَر ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَاد بِالْكَذِبِ الْمُبَاح فِيهَا مَا هُوَ ؟ فَقَالَتْ طَائِفَة : هُوَ عَلَى إِطْلَاقه ، وَأَجَازُوا قَوْل مَا
<1198>
لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِع لِلْمَصْلَحَةِ ، وَقَالُوا : الْكَذِب الْمَذْمُوم مَا فِيهِ مَضَرَّة ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ } وَ { إِنِّي سَقِيم } وَقَوْله : إِنَّهَا أُخْتِي وَقَوْل مُنَادِي يُوسُف صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَيَّتهَا الْعِير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } قَالُوا : وَلَا خِلَاف أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ ظَالِم قَتْل رَجُل هُوَ عِنْده مُخْتَفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَذِب فِي أَنَّهُ لَا يَعْلَم أَيْنَ هُوَ ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ الطَّبَرِيُّ : لَا يَجُوز الْكَذِب فِي شَيْء أَصْلًا . قَالُوا : وَمَا جَاءَ مِنْ الْإِبَاحَة فِي هَذَا الْمُرَاد بِهِ التَّوْرِيَة ، وَاسْتِعْمَال الْمَعَارِيض ، لَا صَرِيح الْكَذِب ، مِثْل أَنْ يَعِد زَوْجَته أَنْ يُحْسِن إِلَيْهَا وَيَكْسُوهَا كَذَا ، وَيَنْوِي إِنْ قَدَّرَ اللَّه ذَلِكَ . وَحَاصِله أَنْ يَأْتِي بِكَلِمَاتٍ مُحْتَمَلَة ، يَفْهَم الْمُخَاطَب مِنْهَا مَا يُطَيِّب قَلْبه . وَإِذَا سَعَى فِي الْإِصْلَاح نَقَلَ عَنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَلَامًا جَمِيلًا ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَذَلِكَ وَوَرَّى وَكَذَا فِي الْحَرْب بِأَنْ يَقُول لِعَدُوِّهِ : مَاتَ إِمَامكُمْ الْأَعْظَم ، وَيَنْوِي إِمَامهمْ فِي الْأَزْمَان الْمَاضِيَة : أَوْ غَدًا يَأْتِينَا مَدَد أَيْ طَعَام وَنَحْوه . هَذَا مِنْ الْمَعَارِيض الْمُبَاحَة ، فَكُلّ هَذَا جَائِز . وَتَأَوَّلُوا قِصَّة إِبْرَاهِيم وَيُوسُف وَمَا جَاءَ مِنْ هَذَا عَلَى الْمَعَارِيض . وَاَللَّه أَعْلَم .
ثانيا : الوصاية بالأقربين وغيرهم : قال تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا أما يبلغن الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما> .فبدأ بالوالدين حماية لهما في كبرهما.وقدم الإسلام الأم منهما لما كانت تكابد من مشاق وسهر فعن أبي هريرة ض} قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ قَالَ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ} البخاري واللفظ لمسلم. . وثنى الوصية بالأرحام في قوله : { ثم أدناك أدناك } وفي قوله تعالى : { اعبدوا والله لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمنكم } ... ثم ثلث باليتامى وربع بالمساكين وخمس بالجار القريب وسدس بالجار البعيد وسبع بالمسافر الغريب الذي انقطع عن بلده وأهله وثمن بالممالك والعبيد
....... وأوصى الإسلام بالنساء خيرا فقال جل علاه في كتابه { وعاشروهن بالمعروف } وفصل النبي ص} هذه المعاشرة في حجه ــ الوداع عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةً فَقَالَ أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ يَعْنِي أَسْرَى فِي أَيْدِيكُمْ} أخراجه الترمذي وابن ماجه .قوله( وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا )قَالَ الْقَاضِي : الِاسْتِيصَاءُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ وَالْمَعْنَى أُوصِيكُمْ بِهِنَّ خَيْرًا فَاقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ .قوله (
فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ ) جَمْعُ عَانِيَةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَانِي الْأَسِيرُ>.قوله { فَلَا يُوطِئْنَ )بِهَمْزَةٍ أَوْ بِإِبْدَالِهَا مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ قَالَهُ الْقَارِي قوله( فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ )
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا يَأْذَنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ مَنَازِلَ الْأَزْوَاجِ . وَالنَّهْيُ يَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ اِنْتَهَى .عون المعبود. وتتضمن هذه أيضا الوصاية بالزوج والقيام بحقوقه فهذه عشرة ........ وأوصى بالضيف لحديث أبي هريرة مرفوعا { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه} أخرجه البخاري مسلم
ثالثا : فضائل صلة الرحم :
.من فضائلها أنها من أسباب الرحمة من الله لحديث عبد الرحمن بن عوف قال سمعت رسول الله يقول : { قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا اللَّهُ وَأَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنْ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ} حديث صحيح أخرجه أبو داوود وابن حيان والحاكم بإسناد صحيح وله متابعات وشواهد قاله عبد المنان فيه :تَعْظِيم أَمْر الرَّحِم ، وَأَنَّ صِلَتهَا مَنْدُوب مُرَغَّب فِيهِ وَأَنَّ قَطْعهَا مِنْ الْكَبَائِر لِوُرُودِ الْوَعِيد الشَّدِيد فِيهِ.
ومن فضائلها : البشارة بالجنة لمن قارتها بسائر الوجبات الأخرى فعن ابن أيوب الأنصاري أن أعرابيا عرض للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذ بزمام ناقته ، فقال : يا رسول الله ، أخبرني بأمر يدخلني الجنة وينجيني من النار ؟ ، قال : فنظر إلى وجوه أصحابه وكف عن ناقته وقال : « لقد وفق ، أو هدي ، لا تشرك بالله شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم دع الناقة »صحيح ابن حبان .
. ومنها أنها مكفرات للذنوب : لحديث ابْنِ عُمَرَأَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ قَالَ لَا قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَبِرَّها> الترمذي في تحفة الأحوذي وَالْمَعْنَى أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مِنْ جُمْلَةِ الْحَسَنَاتِ الَّتِي يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ . وَحَدِيثُ اِبْنِ عُمَرَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا اِبْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا : هَلْ لَك وَالِدَانِ بِالتَّثْنِيَةِ ؟ وَقَالَ الْحَاكِمُ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا ، كَذَا فِي التَّرْغِيبِ .
.ومن فضائل الصلة أنها تبسط الرزق وتزيد في العمر لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ} أخرجه البخاري والترمذي . قَوْله : ( وَيُنْسَأ )بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ ثُمَّ هَمْزَة أَيْ يُؤَخَّر لَهُ ، وَالْأَثَر هُنَا بَقِيَّةُ الْعُمُرِ قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَى الْبَسْطِ فِي الرِّزْق الْبَرَكَة فِيهِ ، وَفِي الْعُمُر حُصُولُ الْقُوَّةِ فِي الْجَسَدِ ، لِأَنَّ صِلَةَ أَقَارِبِهِ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ تُرَبِّي الْمَالَ وَتَزِيدُ فِيهِ فَيَنْمُو بِهَا وَيَزْكُو ، لِأَنَّ رِزْق الْإِنْسَان يُكْتَبُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَلِذَلِكَ اُحْتِيجَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ، أَوْ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُكْتَبُ مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ كَأَنْ يُقَالَ إِنْ وَصَلَ رَحِمَهُ فَلَهُ كَذَا وَإِلَّا فَكَذَا ، أَوْ الْمَعْنَى بَقَاءُ ذِكْرِهِ الْجَمِيلِ بَعْدَ الْمَوْتِ.اهـ الفتح.و عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ} أخرجه أحمد من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن محمد بن مهزم عن عبد الرحمان بن القاسم عن
القاسم عن عائشة . وهذا الإسناد ظاهره الصحة ولم أجده في نسختي من أطراف ابن حجر وهذا الإسناد مخالفة فإنه معروف بعبد الرحمان أبي بكر المليكي وهو منكر الحديث . هكذا رواه جمع عنه منهم علي بن الجعد والقعنبي والشافعي وغيرهم ولعل الوهم في إسناد أحمد بين محمد بن مهزم ولبعضه يشهد السابق . وفات الشيخ الألباني فجعل الحديث كله في الصحيحة اهـ حسان عبد المنان في كتابه صلة الأرحام ص76 ولا يعترض بأن يقال بأن الآجال والأرزاق لا تزيد ولا تنقص لقوله تعالى : { فإذا جاء أجلهم لا يستاخرون ساعة } فكيف يؤخر في أجله ويزاد في عمره ما ليس فيه فقد أجاب العلماء بأجوبة على هذا الحديث أصحها قولان : 1} أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق للطاعة الذي يحصل بالصلة 2} أن الزيادة على حقيقتها وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمرأما الي دلت عليه الآية فبالنسبة إلى علم الله كأن يقال للملك مثلا : إن عمر فلان مائة مثلا إن وصل رحمه وستون إن قطعها وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص وإليه الإشارة بقوله تعالى { يمحو الله ما يشاء ويثبت } فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله فلا محو فيه انظر الفتح وشرح مسلم وبدخل في هذا الباب حديث فيه زيادة : أن البركة تلحقهم وإن كانوا فجارا .عن أبي بكرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم ، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة ، فتنمو أموالهم ، ويكثر عددهم إذا تواصلوا ، وما من أهل بيت يتواصلون فيحتاجون »} أخرجه ابن حبان وهو حديث ضعيف قال عبد المنان وأخرجه عبد الرزاق عن معمر ثم ساق الحديث فقال مرسل معضل ولا أدري كيف وقع للشيخ الألباني : أن حكم على إسناده بقوله : وهذا متصل صحيح الإسناد . ثم قال عبد المنان { ولا يصح بهذا اللفظ بزيادة { إن أهل البيت ليكونون فجرة } بشهد له ما ذكرنا قبل اهـ
. ومن فضائلها أنها تبقى لصاجها الذكر الحسن في الحياة وبعد الممات : فهاهي عائشة تمدح زينب لأنها كانت تصل الرحم وكلاهما من أزواج النبي ص} قالت في حديث طويل ــ : فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ وَأَتْقَى لِلَّهِ وَأَصْدَقَ حَدِيثًا وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ وَأَعْظَمَ صَدَقَةً وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى } مسلم
رابعا : التحذير من القطيعة وما يلحق صاحبها من العقوبة قال ص} : { لا يدخل الجنة قاطع } وزيد في بعض الروايات { يعني قاطع رحم } البخاري ومسلم . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَقَالَ اللَّهُ مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ } أخرجه البخاري ومسلم وليس معنى هذا أنه يخلد في النار وإنما معناه أنه لا يدخلها مع
السابقين في أول الأمر وفي هذا زجر شديد للقاطع .في الفتح : قَوْله : ( الرَّحِم شِجْنَة )
بِكَسْرِ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْجِيم بَعْدهَا نُون ، وَجَاءَ بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْحه رِوَايَة وَلُغَة . وَأَصْل الشِّجْنَة عُرُوق الشَّجَر الْمُشْتَبِكَة ، وَالشَّجَن بِالتَّحْرِيكِ وَاحِد الشُّجُون وَهِيَ طُرُق الْأَوْدِيَة ، وَمِنْهُ قَوْلهمْ : " الْحَدِيث ذُو شُجُون " أَيْ يَدْخُل بَعْضه فِي بَعْض . وَقَوْله : " مِنْ الرَّحْمَن " أَيْ أُخِذَ اِسْمهَا مِنْ هَذَا الِاسْم كَمَا فِي حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف فِي السُّنَن مَرْفُوعًا " أَنَا الرَّحْمَن ، خَلَقْت الرَّحِم وَشَقَقْت لَهَا اِسْمًا مِنْ اِسْمِي " وَالْمَعْنَى أَنَّهَا أَثَر مِنْ آثَار الرَّحْمَة مُشْتَبِكَة بِهَا ؛ فَالْقَاطِع لَهَا مُنْقَطِع مِنْ رَحْمَة اللَّه . وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الرَّحِم اُشْتُقَّ اِسْمهَا مِنْ اِسْم الرَّحْمَن فَلَهَا بِهِ عَلَقَة ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مِنْ ذَات اللَّه . تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ . قَالَ الْقُرْطُبِيّ : الرَّحِم الَّتِي تُوصَل عَامَّة وَخَاصَّة ، فَالْعَامَّة رَحِم الدِّين وَتَجِب مُوَاصَلَتهَا بِالتَّوَادُدِ وَالتَّنَاصُح وَالْعَدْل وَالْإِنْصَاف وَالْقِيَام بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَة وَالْمُسْتَحَبَّة . وَأَمَّا الرَّحِم الْخَاصَّة فَتَزِيد لِلنَّفَقَةِ عَلَى الْقَرِيب وَتَفَقُّد أَحْوَالهمْ وَالتَّغَافُل عَنْ زَلَّاتهمْ . وَتَتَفَاوَت مَرَاتِب اِسْتِحْقَاقهمْ.. وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة : تَكُون صِلَة الرَّحِم بِالْمَالِ ، وَبِالْعَوْنِ عَلَى الْحَاجَة ، وَبِدَفْعِ الضَّرَر ، وَبِطَلَاقَةِ الْوَجْه ، وَبِالدُّعَاءِ . وَالْمَعْنَى الْجَامِع إِيصَال مَا أَمْكَنَ مِنْ الْخَيْر ، وَدَفْع مَا أَمْكَن مِنْ الشَّرّ بِحَسَبِ الطَّاقَة ، وَهَذَا إِنَّمَا يَسْتَمِرّ إِذَا كَانَ أَهْل الرَّحِم أَهْل اِسْتِقَامَة ، فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا أَوْ فُجَّارًا فَمُقَاطَعَتهمْ فِي اللَّه هِيَ صِلَتهمْ ، بِشَرْطِ بَذْل الْجَهْد فِي وَعْظهمْ ، ثُمَّ إِعْلَامهمْ إِذَا أَصَرُّوا أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَخَلُّفهمْ عَنْ الْحَقّ ، وَلَا يَسْقُط مَعَ ذَلِكَ صِلَتهمْ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ بِظَهْرِ الْغَيْب أَنْ يَعُودُوا إِلَى الطَّرِيق الْمُثْلَى . عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ} أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن جبان بإسناد حسن .وأبو داود. وهناك أحاديث أخرى في الترهيب لا يصح منها شيء مثل حديث عيد الله بن أبي مرفوعا : { أن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم } أخرجه البخاري في الأدب المفرد ولا يصح
خامسا:قصاص الرحم من قاطعها يوم القيامة:ولما كان للرحم تلك المكانة العظيمة توعد الشارع قاطعها بأنها ترسل يوم القيامة جنب الصراط لتطالب بحقها من كل من قطعها ممن يمر على الصراط .فعن ابن هريرة وصديقه مرفوعا:> وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيْ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ <أخرجه مسلم .قال النووي : وَأَمَّا ( إِرْسَال الْأَمَانَة وَالرَّحِم ) فَهُوَ لِعِظَمِ أَمْرهمَا وَكِبَر مَوْقِعهمَا فَتُصَوَّرَانِ مُشَخَّصَتَيْنِ عَلَى الصِّفَة الَّتِي يُرِيدهَا اللَّه تَعَالَى ، قَالَ صَاحِب ( التَّحْرِير ) فِي الْكَلَام اِخْتِصَار ، وَالسَّامِع فَهِمَ أَنَّهُمَا تَقُومَانِ لِتُطَالِبَا كُلّ مَنْ يُرِيد الْجَوَاز بِحَقِّهِمَا . ...وبمعنى حديث مسلم يقول ابن عباس:< « احفظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم ، فإنه لا بعد للرحم إذا قربت ، وإن كانت بعيدة ، ولا قرب لها إذا بعدت وإن كانت قريبة ، وإن كل رحم آتية أمام صاحبها يوم القيامة تشهد له بصلة إن كان وصلها ، وفي قطيعة إن كان قطعها »>أخرجه البخاري في الأدب المفرد .شعب
الإيمان للبيهقي ...وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوضَعُ الرَّحِمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا حُجْنَةٌ كَحُجْنَةِ الْمِغْزَلِ تَكَلَّمُ بِلِسَانٍ طَلْقٍ ذَلْقٍ فَتَصِلُ مَنْ وَصَلَهَا وَتَقْطَعُ مَنْ قَطَعَهَا وَقَالَ عَفَّانُ الْمِغْزَلُ وَقَالَ بِأَلْسِنَةٍ لَهَا >أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي ثمامة وثقه ابن حيان وهو كما قال ويشهد لبعضه ما تقدم اهـ عبد المنان
سادسا:لا يمين في قطيعة الرحم فالذي يحلف على مقاطعة أقربائه وجب عليه الحنث وهو التخلف عن اليمين والتكفير على يمينه بالصوم لحديث عَبْدالرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ > البخاري ومسلم والتكفير يكون بما أخبر الله قال تعالى <فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانيكم إذا حلفتم> .....ومن المناسبات على قطيعة الرحم واستحباب وصلها حديث عائشة زوج النبي<ص>حين قال لها أهل الافك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا فأنزل الله <إن الذين جاءو بالافك الخ>العشر الآيات كلها في براءتها فقال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح لقرابته منه:والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة فأنزل الله <ولا ياتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يوتوا أولي القربى والمساكين>قال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التب كان ينفق عليه وقال : {لاأنزعها عنه أبدا}رواه البخاري أيضا عن عائشة:
سابعا:نوع الصلة التي توصل بها الأرحام
أعلم أن الرحم على وجهين عامة وخاصة فالعامة رحم الدين ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان والمحبة لأهله ونصرتهم والنصيحة وترك مضارتهم والعدل بينهم والنصفة في معاملتهم والقيام بحقوقهم. وأما الرحم الخاصة وهي رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة كالنفقة وتفقد أحوالهم
وقال ابن أبي جمرة تكون صلة الرحم بالمال والعون على الحاجة وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وبالدعاء. وقال القاضي عياض رحمه الله:والصلة درجات أرفع من بعض وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام وهذا المعنى صحيح لكن ما ورد من حديث ابن عباس مرفوعا <بلوا أرحامكم ولو بالسلام>ففي إسناده من هو متهم بالكذب كمحمد بن يونس الكديمي. ومن هو ضعيف كالبراء بن عبد الله بن يزيد الغنوي .أما الصلة بالمال:فهي أن لا تدع في رحمك من هو محتاج إن كانت لك قدرة وهي لك من باب الصدقة فيكون لك فيها أجران أجر الصدقة وأجر الصلة لذلك أمر رسول الله<ص>أبا طلحة أن يجعل صدقته في قرابته
فعن أنس قَالَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ }قَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَرَى رَبَّنَا يَسْأَلُنَا مِنْ أَمْوَالِنَا فَأُشْهِدُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ أَرْضِي بَرِيحَا لِلَّهِ قَالَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلْهَا فِي قَرَابَتِكَ قَالَ فَجَعَلَهَا فِي حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْب>مسلمٍ . وفي هذا دليل أن الصدقة على الأقارب أفضل من الأجانب إذا كانوا محتاجين .....ويدخل في هذا الباب حديث كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً وَلَمْ تَسْتَأْذِنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ قَالَتْ أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي قَالَ أَوَفَعَلْتِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ >البخاري ومسلم ويؤيده ما رواه سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ<الترمذي وبان ماجه وهو صحيح .والنساءي
ثامنا:يوصل الأب والأم المشركان ويلحق بهما ذوو الأرحام وذلك بأمر يباح من أمر الدنيا لقوله تعالى<وصاحبهما في الدنيا معروفا>ففي الآية شبه دليل على صلة الوالدين المشركين ولحديث أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُدَّتِهِمْ مَعَ أَبِيهَا فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا قَالَ نَعَمْ صِلِيهَا> أخرجه البخاري ولما أخرجه البخاري أيضا عن ابن مسعود قال: إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنْ الْإِسْلَامِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ فَقَرَأَ{ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ }
ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى{ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ }يَوْمَ بَدْرٍ .قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَزَادَ أَسْبَاطٌ عَنْ مَنْصُورٍ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُقُوا الْغَيْثَ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ الْمَطَرِ قَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَانْحَدَرَتْ السَّحَابَةُ عَنْ رَأْسِهِ فَسُقُوا النَّاسُ حَوْلَهُمْ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ تُبَاعُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ الْحُلَّةَ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهَا حُلَّةً فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ >البخاري ومسلم.الموطأ ......وللشيخ عبدا لمنان بحث حول وجوب مقاطعة الأقارب المشركين وأجاب عن ما تقدم من الأحاديث فأنظره في كتابه <صلة الأرحام>
تاسعا:أسباب القطيعة بين الأقارب ذالك أنه قد تكون الأسباب متعددة منها ما هو مالي كالاعتداء على بعض حقوقهم المقررة في الشرع لقد رأينا كثيرا من القبائل يمنعون المرأة من الإرث باسم أن الأراضي ليست ملكا وإنما هي أراضي <إشاعة > على زعمهم ومن هنا ينشأ الحقد التام بل بعضهم يمنع المرأة منه حتى ما
يسمى بالأراضي {الملك} وإليكم أيها الناس ما يلي:1>التحذير من ظلم الورثة عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِبْ الْأَرْضَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ> البخاري . عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ> مسلم قَوْله : " طُوِّقَهُ " لَهُ وَجْهَانِ :أَحَدهمَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكَلَّفُ نَقْلَ مَا ظَلَمَ مِنْهَا فِي الْقِيَامَةِ إِلَى الْمَحْشَرِ وَيَكُونُ كَالطَّوْقِ فِي عُنُقِهِ ، لَا أَنَّهُ طَوْقٌ حَقِيقَةً .الثَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِالْخَسْفِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ أَيْ فَتَكُونُ كُلّ أَرْضٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ طَوْقًا فِي عُنُقِهِ اِنْتَهَى . وَهَذَا يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ اِبْن عُمَر ثَالِث أَحَادِيث الْبَاب بِلَفْظ " خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ " وَقِيلَ مَعْنَاهُ كَالْأَوَّلِ ، لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَنْقُلَ جَمِيعه يُجْعَلُ كُلّه فِي عُنُقِهِ طَوْقًا وَيَعْظُمُ قَدْر عُنُقهُ حَتَّى يَسَعَ ذَلِكَ كَمَا وَرَدَ فِي غِلَظِ جِلْدِ الْكَافِرِ وَنَحْو ذَلِكَ اهـ الفتح
ومنها ما هو رأي كاختلاف المسلمين في منهج أو مذهب فتجدهما أشد الناس بعدا و انفصالا تعصبا لرأيهما وطريقتهما فتكون هناك والله الحالقة.حعل الله لي ولكم نورا
لست ربوت