الحمد لله وصلى الله على عبده نبي الرحمة ومنقذ الأمة وبعد:
أيها الناس إن الذنوب والمعاصي كما قال ابن القيم : تعمي بصر القلب وتطمس نوره وتسد طرق العلم وتحجب مواد الهداية وقد قال مالك للشافعي رحمهما الله تعالى لما اجتمع به ورأى تلك المخايل إني أرى الله تعالى قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمه المعصية ولايزال هذا النور يضعف ويضمحل وظلام المعصية يقوى حتى يصير القلب في مثل الليل البهيم فكم من مهلك يسقط فيه وهو لا يبصر كأعمى خرج بالليل في طريق ذات مهالك ومعاطب..فلنسارع أيها الناس إلى العلاج قبل استفحال الأمر وتعذرالسيطرة على العطب فوسائله متاحة بين يديك سهلة المرام ستسمعها مفصلة إن كنت ممن يرغب في الفوز برضاه واحذروا هذه الفتن المتلاطمة التي تضلنا بحممها السودة الكالحة ولقد غاب عن الجم الكبير رضا الله فسارعوا لإرضاء أهوائهم ونزواتهم فمن أجل لعاع الدنيا هدموا السنن واحيوا البدع وشاركوا في النزوات أماتوا وتناسوا هدي النبوات وعضوا على بناة أفكار أهل النزوات.فإن شئت أن ترى الباطل لابسا لبوس الحق فإنك تلمسه في عصرنا وإن أغمضت عينك عن باطل في ممشاك فإنه يدخل عليك في عقر بيتك شئت أم أبيت وغن تورعت عن الحرام نالك من غباره رغما عنك وإن كنت صريما في أعمالك هالت عليك الأراجيف وسودت صحيفتك ونالك من قومك ما يندى له الجبين إلا إذا راوغت روغان الثعالب فأنت أنت .سبحانك ربنا ماأعدلك وأحلمك عن أمة تهاوت عهودها وشلت أماناتها والآن وبعد هذه الجولة السريعة أعود بحضراتكم إلى بر الأمان وأسباب الوقاية من هذا السرطان المتدفق في هذه الأوعية الطرية
المطهر الأول :ابتلاء المرء بالهموم والأحزان لحديث : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ قُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا> البخاري .في الفتح : قَوْله : ( حَتَّى الشَّوْكَة )
جَوَّزُوا فِيهِ الْحَرَكَات الثَّلَاث ، فَالْجَرّ بِمَعْنَى الْغَايَة أَيْ حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الشَّوْكَة أَوْ عَطْفًا عَلَى لَفْظ مُصِيبَة ، وَالنَّصْب بِتَقْدِيرِ عَامِل أَيْ حَتَّى وَجَدَ أَنَّهُ الشَّوْكَة ، وَالرَّفْع عَطْفًا عَلَى الضَّمِير فِي تُصِيب .وفي الترمذي : وَفِي كُلِّ مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ كَفَّارَةٌ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا أَوْ النَّكْبَةَ يُنْكَبُهَا>. قَوْله : ( يُشَاكُهَا ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ، أَيْ يُشَاكُ الْمُؤْمِنُ تِلْكَ الشَّوْكَةَ بِضَمِّ أَوَّله أَيْ يَشُوكهُ غَيْره بِهَا ، وَفِيهِ وَصْل الْفِعْل لِأَنَّ الْأَصْل يُشَاك بِهَا . وَقَالَ اِبْن التِّين : حَقِيقَة هَذَا اللَّفْظ - يَعْنِي قَوْله : يُشَاكُهَا - أَنْ يُدْخِلهَا غَيْره . ...قَوْله :( إِلَّا كَفَّرَ اللَّه بِهَا عَنْهُ )أَيْ يَكُون ذَلِكَ عُقُوبَة بِسَبَبِ مَا كَانَ صَدَرَ مِنْهُ مِنْ الْمَعْصِيَة ، وَيَكُون ذَلِكَ سَبَبًا لِمَغْفِرَةِ ذَنْبه
قَالَ الْقَرَافِيّ : الْمَصَائِب كَفَّارَات جَزْمًا سَوَاء اِقْتَرَنَ بِهَا الرِّضَا أَمْ لَا ، لَكِنْ إِنْ اِقْتَرَنَ بِهَا الرِّضَا عَظُمَ التَّكْفِير وَإِلَّا قَلَّ ، كَذَا قَالَ ، وَالتَّحْقِيق أَنَّ الْمُصِيبَة كَفَّارَة لِذَنْبٍ يُوَازِيهَا
، وَبِالرِّضَا يُؤْجَر عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَابِ ذَنْب عُوِّضَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الثَّوَاب بِمَا يُوَازِيه . وَزَعَمَ الْقَرَافِيّ أَنَّهُ لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَقُول لِلْمُصَابِ : جَعَلَ اللَّه هَذِهِ الْمُصِيبَة كَفَّارَة لِذَنْبِك ، لِأَنَّ الشَّارِع قَدْ جَعَلَهَا كَفَّارَة ، فَسُؤَال التَّكْفِير طَلَب لِتَحْصِيلِ الْحَاصِل ، وَهُوَ إِسَاءَة أَدَب عَلَى الشَّارِع . كَذَا قَالَ . وَتُعُقِّبَ بِمَا وَرَدَ مِنْ جَوَاز الدُّعَاء بِمَا هُوَ وَاقِع كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُؤَال الْوَسِيلَة لَهُ . وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْكَلَام فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْء ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فَهُوَ مَشْرُوع ، لِيُثَابَ مَنْ اِمْتَثَلَ الْأَمْر فِيهِ عَلَى ذَلِكَ .اهـ.
المطهر الثاني : الصَّلَوَاتِ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصَّلَاةُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ> مسلم وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات ) الْمُرْجِئَةُ وَقَالُوا : إِنَّ الْحَسَنَات تُكَفِّرُ كُلّ سَيِّئَة كَبِيرَة كَانَتْ أَوْ صَغِيرَة ، وَحَمَلَ الْجُمْهُور هَذَا الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد فِي الْحَدِيث الصَّحِيح " إِنَّ الصَّلَاة إِلَى الصَّلَاة كَفَّارَة لِمَا بَيْنَهُمَا مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِر " فَقَالَ طَائِفَة : إِنْ اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِر كَانَتْ الْحَسَنَات كَفَّارَة لِمَا عَدَا الْكَبَائِر مِنْ الذُّنُوب ، وَإِنْ لَمْ تُجْتَنَب الْكَبَائِر لَمْ تَحُطّ الْحَسَنَات شَيْئًا . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنْ لَمْ تُجْتَنَب الْكَبَائِر لَمْ تَحُطّ الْحَسَنَات شَيْئًا مِنْهَا وَتَحُطّ الصَّغَائِر . وَقِيلَ : الْمُرَاد أَنَّ الْحَسَنَات تَكُون سَبَبًا فِي تَرْك السَّيِّئَات كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنَّ الصَّلَاة تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر ) لَا أَنَّهَا تُكَفِّر شَيْئًا حَقِيقَةً ، وَهَذَا قَوْل بَعْض الْمُعْتَزِلَة . وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : ذَهَب بَعْض أَهْل الْعَصْر إِلَى أَنَّ الْحَسَنَات تُكَفِّرُ الذُّنُوب ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة وَغَيْرهَا مِنْ الْآيَات وَالْأَحَادِيث الظَّاهِرَة فِي ذَلِكَ . قَالَ : وَيَرِد الْحَثّ عَلَى التَّوْبَة فِي أَيّ كَبِيرَة ، فَلَوْ كَانَتْ الْحَسَنَات تُكَفِّر جَمِيع السَّيِّئَات لَمَا اِحْتَاجَ إِلَى التَّوْبَة . وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى عَدَم وُجُوب الْحَدّ فِي الْقُبْلَة وَاللَّمْس وَنَحْوهمَا ، وَعَلَى سُقُوط التَّعْزِيز عَمَّنْ أَتَى شَيْئًا مِنْهَا وَجَاءَ تَائِبًا نَادِمًا . وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ اِبْن الْمُنْذِر أَنَّهُ لَا حَدّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مَعَ اِمْرَأَة أَجْنَبِيَّة فِي ثَوْب وَاحِد .اهـ فتح الباري .عن حذيفة قال: « كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا، كَمَا قَالَهُ، قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ - أَوْ عَلَيْهَا - لَجَرِيءٌ قُلْتُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالأمْرُ، وَالنَّهْيُ » ،البخاري قوله: « فتنة الرجل فى أهله وماله » يصدقه، قوله تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} [التغابن: 15]، والمعنى فى ذلك أن يأتى من أجلهم ما لا يحل له من القول والعمل ما لم يبلغ كبيرة، كالقُبْلة التى أصابها الرجل من المرأة وشبهها، فذلك الذى يكفرها الصلاة والصوم، ومثله قوله عليه السلام: « الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر » . قال المهلب: قوله: « فتنة الرجل فى أهله وماله وولده وجاره » ، يريد ما يعرض له معهم من شرٍّ أو حزنٍ وشبه ذلك. عن ابْنِ مَسْعُودٍ: « أَنَّ رَجُلا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ
الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [ هود 114]، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِي هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ »البخاري .اهـ شرح ابن بطال
المطهر الثالث : الوضوء عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ
أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ نَاسًا يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ لَا أَدْرِي مَا هِيَ إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً> مسلم.وفي صحيح مسلم أيضا عن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ عن رسول الله <........ مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ>
قال النووي : وَقَدْ يُقَال : إِذَا كَفَّرَ الْوُضُوء فَمَاذَا تُكَفِّر الصَّلَاة ؟ وَإِذَا كَفَّرَتْ الصَّلَاة فَمَاذَا تُكَفِّر الْجُمُعَات وَرَمَضَان ، وَكَذَلِكَ صَوْم يَوْم عَرَفَة كَفَّارَة سَنَتَيْنِ وَيَوْم عَاشُورَاء كَفَّارَة سَنَة ؟ وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه ؟ وَالْجَوَاب مَا أَجَابَهُ الْعُلَمَاء أَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَات صَالِح لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرهُ مِنْ الصَّغَائِر كَفَّرَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَادِف صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَات وَرُفِعَتْ بِهِ دَرَجَات ، وَإِنْ صَادَفَتْ كَبِيرَة أَوْ كَبَائِر وَلَمْ يُصَادِف صَغِيرَة رَجَوْنَا أَنْ يُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِر . وَاَللَّه أَعْلَم .اهـ وفي تحفة الأحوذي وَهَذَا التَّكْفِيرُ إِنَّمَا هُوَ لِلذُّنُوبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، وَأَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَإِنَّمَا يَقَعُ النَّظَرُ فِيهَا بِالْمُقَاصَّةِ مَعَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ .
المطهر الرابع : صوم عرفة وعاشوراء : عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ> مسند أحمد . عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ مَاضِيَةً وَمُسْتَقْبَلَةً وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً> أحمد
المطهر الخامس : الحج . عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ>البخاري . وَالرَّفَث : اِسْم لِلْفُحْشِ. وَمَعْنَى ( كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه ) : أَيْ بِغَيْرِ ذَنْب . وَأَمَّا الْفُسُوق فَالْمَعْصِيَة . وَاَللَّه أَعْلَماهـ النووي
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّة> متفق عليه . أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ وَغَيْره مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود مَرْفُوعًا " تَابِعُوا بَيْن الْحَجّ وَالْعُمْرَة فَإِنَّ مُتَابَعَة بَيْنهمَا تَنْفِي الذُّنُوب وَالْفَقْر كَمَا يَنْفِي الْكِير خَبَث الْحَدِيد . وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَة ثَوَاب
إِلَّا الْجَنَّة " .في الفتح : ُ وَيُسْتَفَاد مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود الْمَذْكُور الْمُرَاد بِالتَّكْفِيرِ الْمُبْهَم فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة ، وَفِي حَدِيث الْبَاب دَلَالَة عَلَى اِسْتِحْبَاب الِاسْتِكْثَار مِنْ الِاعْتِمَار خِلَافًا لِقَوْلِ مَنْ قَالَ يُكْرَه أَنْ يَعْتَمِر فِي السَّنَة أَكْثَر مِنْ مَرَّة كَالْمَالِكِيَّةِ وَلِمَنْ قَالَ مَرَّة فِي الشَّهْر مِنْ غَيْرهمْ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلهَا إِلَّا مِنْ سَنَة إِلَى سَنَة ، وَأَفْعَاله عَلَى الْوُجُوب أَوْ النَّدْب ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَنْدُوب لَمْ يَنْحَصِر فِي أَفْعَاله ، فَقَدْ كَانَ يَتْرُك الشَّيْء وَهُوَ يَسْتَحِبّ فِعْله لِرَفْعِ الْمَشَقَّة عَنْ أُمَّته ، وَقَدْ نَدَبَ إِلَى ذَلِكَ بِلَفْظِهِ فَثَبَتَ الِاسْتِحْبَاب مِنْ غَيْر تَقْيِيد . وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازهَا فِي جَمِيع الْأَيَّام لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَلَبِّسًا بِأَعْمَالِ الْحَجّ
المطهر السادس : التسبيح والتحميد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ>مالك وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ>قال النووي : هَذَا فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا التَّهْلِيل أَكْثَر مِنْ مِائَة مَرَّة فِي الْيَوْم ، كَانَ لَهُ هَذَا الْأَجْر الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث عَلَى الْمِائَة ، وَيَكُون لَهُ ثَوَاب آخَر عَلَى الزِّيَادَة ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْحُدُود الَّتِي نُهِيَ عَنْ اِعْتِدَائِهَا وَمُجَاوَزَة أَعْدَادهَا ، وَإِنَّ زِيَادَتهَا لَا فَضْل فِيهَا أَوْ تُبْطِلهَا ، كَالزِّيَادَةِ فِي عَدَد الطَّهَارَة ، وَعَدَد رَكَعَات الصَّلَاة ، وَظَاهِر إِطْلَاق الْحَدِيث أَنَّهُ يُحَصِّلُ هَذَا الْأَجْر الْمَذْكُور فِي هَذَا الْحَدِيث مَنْ قَالَ هَذَا التَّهْلِيل مِائَة مَرَّة فِي يَوْمه ، سَوَاء قَالَهُ مُتَوَالِيَة أَوْ مُتَفَرِّقَة فِي مَجَالِس ، أَوْ بَعْضهَا أَوَّل النَّهَار وَبَعْضهَا آخِره ، لَكِنَّ الْأَفْضَل أَنْ يَأْتِي بِهَا مُتَوَالِيَة فِي أَوَّل النَّهَار ، لِيَكُونَ حِرْزًا لَهُ فِي جَمِيع نَهَاره . مَعْنَى التَّسْبِيح التَّنْزِيه عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى مِنْ الشَّرِيك وَالْوَلَد وَالصَّاحِبَة ، وَالنَّقَائِص مُطْلَقًا ، وَسِمَات الْحُدُوث مُطْلَقًا .اهـ وروى أبو داود : عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَلَهُمْ فُضُولُ أَمْوَالٍ يَتَصَدَّقُونَ بِهَا وَلَيْسَ لَنَا مَالٌ نَتَصَدَّقُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تُدْرِكُ بِهِنَّ مَنْ سَبَقَكَ وَلَا يَلْحَقُكَ مَنْ خَلْفَكَ إِلَّا مَنْ أَخَذَ بِمِثْلِ عَمَلِكَ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكَبِّرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَحْمَدُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتُسَبِّحُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَخْتِمُهَا بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ>في عون المعبود : قَالَ النَّوَوِيُّ : فِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيلٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْغَنِيَّ الشَّاكِرَ عَلَى الْفَقِيرِ الصَّابِرِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُور بَيْن السَّلَف وَالْخَلَف مِنْ الطَّوَائِف وَاَللَّه أَعْلَم
المطهر السابع : الاستغفار عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ فَإِنْ زَادَ زَادَتْ فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }ابن ماجه. أحمد . قَوْله ( صُقِلَ قَلْبه )عَلَى بِنَاء الْمَفْعُول مِنْ صَقَلَهُ جَلَّاهُ مِنْ بَاب نَصَرَ وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون عَلَى بِنَاء الْفَاعِل وَضَمِيره رَاجِع لِلتَّائِبِ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلًا يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِي قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي قَالُوا لَا أَيْ رَبِّ قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي قَالُوا مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِي قَالُوا لَا قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ قَالَ فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا قَالَ فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ> البخاري ومسلم .قال النووي : قَوْله : ( عَبْد خَطَّاء ) أَيْ : كَثِير الْخَطَايَا . وَفِي هَذَا الْحَدِيث : فَضِيلَة الذِّكْر ، وَفَضِيلَة مَجَالِسه ، وَالْجُلُوس مَعَ أَهْله ، وَإِنْ لَمْ يُشَارِكهُمْ ، وَفَضْل مَجَالِس الصَّالِحِينَ وَبَرَكَتهمْ . وَاَللَّه أَعْلَم .في الفتح : وَيُؤْخَذ مِنْ مَجْمُوع هَذِهِ الطُّرُق الْمُرَاد بِمَجَالِس الذِّكْر وَأَنَّهَا الَّتِي تَشْتَمِل عَلَى ذِكْر اللَّه بِأَنْوَاعِ الذِّكْر الْوَارِدَة مِنْ تَسْبِيح وَتَكْبِير وَغَيْرهمَا وَعَلَى تِلَاوَة كِتَاب اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَعَلَى الدُّعَاء بِخَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ، وَفِي دُخُول قِرَاءَة الْحَدِيث النَّبَوِيّ وَمُدَارَسَة الْعِلْم الشَّرْعِيّ وَمُذَاكَرَته وَالِاجْتِمَاع عَلَى صَلَاة النَّافِلَة فِي هَذِهِ الْمَجَالِس نَظَر ، وَالْأَشْبَه اِخْتِصَاص ذَلِكَ بِمَجَالِس التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَنَحْوهمَا وَالتِّلَاوَة حَسْب ، وَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَة الْحَدِيث وَمُدَارَسَة الْعِلْم وَالْمُنَاظَرَة فِيهِ مِنْ جُمْلَة مَا يَدْخُل تَحْت مُسَمَّى ذِكْر اللَّه تَعَالَى .اهـ
المطهر الثامن الخوف من الجليل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ .وَقَالَ غَيْرُهُ مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ> البخاري ومسلم قال النووي رحمه الله : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث ، فَقَالَتْ طَائِفَة : لَا يَصِحّ حَمْل هَذَا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ قُدْرَة اللَّه ، فَإِنَّ الشَّاكّ فِي قُدْرَة اللَّه تَعَالَى كَافِر ، وَقَدْ قَالَ فِي آخِر الْحَدِيث : إِنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا مِنْ خَشْيَة اللَّه تَعَالَى ، وَالْكَافِر لَا يَخْشَى اللَّه تَعَالَى ، وَلَا يُغْفَر لَهُ ، قَالَ هَؤُلَاءِ : فَيَكُون لَهُ تَأْوِيلَانِ أَحَدهمَا أَنَّ مَعْنَاهُ : لَئِنْ قَدَّرَ عَلَيَّ الْعَذَاب ، أَيْ : قَضَاهُ ، يُقَال مِنْهُ
قَدَرَ بِالتَّخْفِيفِ ، وَقَدَّرَ بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنًى وَاحِد . وَالثَّانِي : إِنْ قَدَرَ هُنَا بِمَعْنَى ضَيَّقَ عَلَيَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى : { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقه } وَهُوَ أَحَد الْأَقْوَال فِي قَوْله تَعَالَى : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } وَقَالَتْ طَائِفَة : اللَّفْظ عَلَى ظَاهِره ، وَلَكِنْ قَالَهُ هَذَا الرَّجُل وَهُوَ غَيْر ضَابِط لِكَلَامِهِ ، وَلَا قَاصِد لِحَقِيقَةِ مَعْنَاهُ ، وَمُعْتَقِد لَهَا ، بَلْ قَالَهُ فِي حَالَة غَلَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الدَّهْش وَالْخَوْف وَشِدَّة الْجَزَع ، بِحَيْثُ ذَهَبَ تَيَقُّظه وَتَدَبُّر مَا يَقُولهُ ، فَصَارَ فِي مَعْنَى الْغَافِل وَالنَّاسِي ، وَهَذِهِ الْحَالَة لَا يُؤَاخَذ فِيهَا ، وَهُوَ نَحْو قَوْل الْقَائِل الْآخَر الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ الْفَرَح حِين وَجَدَ رَاحِلَته : أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبّك ، فَلَمْ يَكْفُر بِذَلِكَ الدَّهْش وَالْغَلَبَة وَالسَّهْو . وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيث فِي غَيْر مُسْلِم " فَلَعَلِّي أَضِلّ اللَّه " أَيْ : أَغِيب عَنْهُ ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ قَوْله : ( لَئِنْ قَدَرَ اللَّه ) عَلَى ظَاهِره ، وَقَالَتْ طَائِفَة : هَذَا مِنْ مَجَاز كَلَام الْعَرَب ، وَبَدِيع اِسْتِعْمَالهَا ، يُسَمُّونَهُ مَزْج الشَّكّ بِالْيَقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لِعَلَى هُدًى } فَصُورَته صُورَة شَكّ وَالْمُرَاد بِهِ الْيَقِين ، وَقَالَتْ طَائِفَة : هَذَا الرَّجُل جَهِلَ صِفَة مِنْ صِفَات اللَّه تَعَالَى ، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَكْفِير جَاهِل الصِّفَة ، قَالَ الْقَاضِي : وَمِمَّنْ كَفَّرَهُ بِذَلِكَ اِبْن جَرِير الطَّبَرِيُّ ، وَقَالَهُ أَبُو الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ ، أَوَّلًا ، وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يَكْفُر بِجَهْلِ الصِّفَة ، وَلَا يَخْرُج بِهِ عَنْ اِسْم الْإِيمَان بِخِلَافِ جَحْدهَا ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَبُو الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ ، وَعَلَيْهِ اِسْتَقَرَّ قَوْله ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِد ذَلِكَ اِعْتِقَادًا يَقْطَع بِصَوَابِهِ ، وَيَرَاهُ دِينًا وَشَرْعًا ، وَإِنَّمَا يَكْفُر مَنْ اِعْتَقَدَ أَنَّ مَقَالَته حَقٌّ ، قَالَ هَؤُلَاءِ : وَلَوْ سُئِلَ النَّاس عَنْ الصِّفَات لَوُجِدَ الْعَالِم بِهَا قَلِيلًا ، وَقَالَتْ طَائِفَة : كَانَ هَذَا الرَّجُل فِي زَمَن فَتْرَة حِين يَنْفَع مُجَرَّد التَّوْحِيد ، وَلَا تَكْلِيف قَبْل وُرُود الشَّرْع عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا } وَقَالَتْ طَائِفَة : يَجُوز أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَن شَرْعهمْ فِيهِ جَوَاز الْعَفْو عَنْ الْكَافِر ، بِخِلَافِ شَرْعنَا ، وَذَلِكَ مِنْ مُجَوَّزَات الْعُقُول عِنْد أَهْل السُّنَّة ، وَإِنَّمَا مَنَعْنَاهُ فِي شَرْعنَا بِالشَّرْعِ ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ } وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّة ، وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : إِنَّمَا وَصَّى بِذَلِكَ تَحْقِيرًا لِنَفْسِهِ ، وَعُقُوبَة لَهَا لِعِصْيَانِهَا ، وَإِسْرَافهَا ، رَجَاء أَنْ يَرْحَمهُ اللَّه تَعَالَى .
المطهر التاسع رحمة الناس والبهائم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا فَقَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ> مسلم
قال النووي فَفِي الْحَدِيث الْحَثّ عَلَى الْإِحْسَان إِلَى الْحَيَوَان الْمُحْتَرَم ، وَهُوَ مَا لَا يُؤْمَر بِقَتْلِهِ . فَأَمَّا الْمَأْمُور بِقَتْلِهِ فَيَمْتَثِل أَمْر الشَّرْع فِي قَتْله ، وَالْمَأْمُور بِقَتْلِهِ كَالْكَافِرِ الْحَرْبِيّ وَالْمُرْتَدّ وَالْكَلْب الْعَقُور وَالْفَوَاسِق الْخَمْس الْمَذْكُورَات فِي الْحَدِيث وَمَا فِي مَعْنَاهُنَّ . وَأَمَّا الْمُحْتَرَم فَيَحْصُل الثَّوَاب بِسَقْيِهِ وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ أَيْضًا بِإِطْعَامِهِ وَغَيْره. قَوْله : ( فَشَكَرَ اللَّه لَهُ فَغَفَرَ لَهُ )مَعْنَاهُ قَبِلَ عَمَله ، وَأَثَابَهُ ، وَغَفَرَ لَهُ .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ> مسلم قَوْله : ( يُطِيف )بِضَمِّ أَوَّله مِنْ أَطَافَ يُقَال أَطَفْت بِالشَّيْءِ إِذَا أَدَمْت الْمُرُور حَوْله .قَوْله : ( بِرَكِيَّةٍ )بِفَتْحِ الرَّاء وَكَسْر الْكَاف وَتَشْدِيد التَّحْتَانِيَّة : الْبِئْر مَطْوِيَّة أَوْ غَيْر مَطْوِيَّةقَوْله : ( بَغِيّ )بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَكَسْر الْمُعْجَمَة هِيَ الزَّانِيَة ، وَتُطْلَق عَلَى الْأَمَة مُطْلَقًا .قَوْله : ( مُوقهَا )بِضَمِّ الْمِيم وَسُكُون الْوَاو بَعْدهَا قَاف هُوَ الْخُفّ ، وَقِيلَ مَا يُلْبَس فَوْق الْخُفّ .اهـ فتح الباري
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ> مسلم
المطهر العاشر : المسامحة في المعاملة .عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ حَدَّثَهُمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا أَعَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا قَالَ لَا قَالُوا تَذَكَّرْ قَالَ كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنْ الْمُوسِرِ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَجَوَّزُوا عَنْهُ> مسلم .وقال النووي : وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث فَضْل إِنْظَار الْمُعْسِر ، وَالْوَضْع عَنْهُ إِمَّا كُلّ الدَّيْن ، وَإِمَّا بَعْضه مِنْ كَثِير أَوْ قَلِيل ، وَفَضْل الْمُسَامَحَة فِي الِاقْتِضَاء وَفِي الِاسْتِيفَاء ؛ سَوَاء اُسْتُوْفِيَ مِنْ مُوسِر أَوْ مُعْسِر ، وَفَضْل الْوَضْع مِنْ الدَّيْن ، وَأَنَّهُ لَا يَحْتَقِر شَيْء مِنْ أَفْعَال الْخَيْر ؛ فَلَعَلَّهُ سَبَب السَّعَادَة وَالرَّحْمَة .
وفي الفتح : قَوْله : ( تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ )أَيْ اِسْتَقْبَلَتْ رُوحَهُ عِنْد الْمَوْتِ ، وَفِي رِوَايَة عَبْد الْمَلِكِ بْن عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيٍّ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيل " أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَتَاهُ الْمَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ " قَوْله : ( فِتْيَانِي )بِكَسْرِ أَوَّلِهِ جَمْعُ فَتًى وَهُوَ الْخَادِم حُرًّا كَانَ أَوْ مَمْلُوكًا .عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ> البخاري في الفتح : قَوْله : ( تَجَاوَزُوا عَنْهُ )زَادَ النَّسَائِيُّ " فَيَقُول لِرَسُولِهِ خُذْ مَا يَسِرَ وَاتْرُكْ مَا عَسِرَ وَتَجَاوَزْ " وَيَدْخُل فِي لَفْظ التَّجَاوُز الْإِنْظَار وَالْوَضِيعَة وَحُسْنُ التَّقَاضِي . وَفِي حَدِيث الْبَابِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْحَسَنَاتِ إِذَا كَانَ خَالِصًا لِلَّهِ كَفَّرَ كَثِيرًا مِنْ السَّيِّئَات ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَجْرَ يَحْصُلُ لِمَنْ يَأْمُرُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ ، وَهَذَا كُلّه بَعْدَ تَقْرِيرِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا إِذَا جَاءَ فِي شَرْعِنَا فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ كَانَ حَسَنًا عِنْدَنَا .اهـ نسال الله أن يطهر ذنوبنا ويجعلنا من المغفور لهم آمين
المطهر الأول :ابتلاء المرء بالهموم والأحزان لحديث : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ قُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا> البخاري .في الفتح : قَوْله : ( حَتَّى الشَّوْكَة )
جَوَّزُوا فِيهِ الْحَرَكَات الثَّلَاث ، فَالْجَرّ بِمَعْنَى الْغَايَة أَيْ حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الشَّوْكَة أَوْ عَطْفًا عَلَى لَفْظ مُصِيبَة ، وَالنَّصْب بِتَقْدِيرِ عَامِل أَيْ حَتَّى وَجَدَ أَنَّهُ الشَّوْكَة ، وَالرَّفْع عَطْفًا عَلَى الضَّمِير فِي تُصِيب .وفي الترمذي : وَفِي كُلِّ مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ كَفَّارَةٌ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا أَوْ النَّكْبَةَ يُنْكَبُهَا>. قَوْله : ( يُشَاكُهَا ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ، أَيْ يُشَاكُ الْمُؤْمِنُ تِلْكَ الشَّوْكَةَ بِضَمِّ أَوَّله أَيْ يَشُوكهُ غَيْره بِهَا ، وَفِيهِ وَصْل الْفِعْل لِأَنَّ الْأَصْل يُشَاك بِهَا . وَقَالَ اِبْن التِّين : حَقِيقَة هَذَا اللَّفْظ - يَعْنِي قَوْله : يُشَاكُهَا - أَنْ يُدْخِلهَا غَيْره . ...قَوْله :( إِلَّا كَفَّرَ اللَّه بِهَا عَنْهُ )أَيْ يَكُون ذَلِكَ عُقُوبَة بِسَبَبِ مَا كَانَ صَدَرَ مِنْهُ مِنْ الْمَعْصِيَة ، وَيَكُون ذَلِكَ سَبَبًا لِمَغْفِرَةِ ذَنْبه
قَالَ الْقَرَافِيّ : الْمَصَائِب كَفَّارَات جَزْمًا سَوَاء اِقْتَرَنَ بِهَا الرِّضَا أَمْ لَا ، لَكِنْ إِنْ اِقْتَرَنَ بِهَا الرِّضَا عَظُمَ التَّكْفِير وَإِلَّا قَلَّ ، كَذَا قَالَ ، وَالتَّحْقِيق أَنَّ الْمُصِيبَة كَفَّارَة لِذَنْبٍ يُوَازِيهَا
، وَبِالرِّضَا يُؤْجَر عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَابِ ذَنْب عُوِّضَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الثَّوَاب بِمَا يُوَازِيه . وَزَعَمَ الْقَرَافِيّ أَنَّهُ لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَقُول لِلْمُصَابِ : جَعَلَ اللَّه هَذِهِ الْمُصِيبَة كَفَّارَة لِذَنْبِك ، لِأَنَّ الشَّارِع قَدْ جَعَلَهَا كَفَّارَة ، فَسُؤَال التَّكْفِير طَلَب لِتَحْصِيلِ الْحَاصِل ، وَهُوَ إِسَاءَة أَدَب عَلَى الشَّارِع . كَذَا قَالَ . وَتُعُقِّبَ بِمَا وَرَدَ مِنْ جَوَاز الدُّعَاء بِمَا هُوَ وَاقِع كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُؤَال الْوَسِيلَة لَهُ . وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْكَلَام فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْء ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فَهُوَ مَشْرُوع ، لِيُثَابَ مَنْ اِمْتَثَلَ الْأَمْر فِيهِ عَلَى ذَلِكَ .اهـ.
المطهر الثاني : الصَّلَوَاتِ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصَّلَاةُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ> مسلم وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات ) الْمُرْجِئَةُ وَقَالُوا : إِنَّ الْحَسَنَات تُكَفِّرُ كُلّ سَيِّئَة كَبِيرَة كَانَتْ أَوْ صَغِيرَة ، وَحَمَلَ الْجُمْهُور هَذَا الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد فِي الْحَدِيث الصَّحِيح " إِنَّ الصَّلَاة إِلَى الصَّلَاة كَفَّارَة لِمَا بَيْنَهُمَا مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِر " فَقَالَ طَائِفَة : إِنْ اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِر كَانَتْ الْحَسَنَات كَفَّارَة لِمَا عَدَا الْكَبَائِر مِنْ الذُّنُوب ، وَإِنْ لَمْ تُجْتَنَب الْكَبَائِر لَمْ تَحُطّ الْحَسَنَات شَيْئًا . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنْ لَمْ تُجْتَنَب الْكَبَائِر لَمْ تَحُطّ الْحَسَنَات شَيْئًا مِنْهَا وَتَحُطّ الصَّغَائِر . وَقِيلَ : الْمُرَاد أَنَّ الْحَسَنَات تَكُون سَبَبًا فِي تَرْك السَّيِّئَات كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنَّ الصَّلَاة تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر ) لَا أَنَّهَا تُكَفِّر شَيْئًا حَقِيقَةً ، وَهَذَا قَوْل بَعْض الْمُعْتَزِلَة . وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : ذَهَب بَعْض أَهْل الْعَصْر إِلَى أَنَّ الْحَسَنَات تُكَفِّرُ الذُّنُوب ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة وَغَيْرهَا مِنْ الْآيَات وَالْأَحَادِيث الظَّاهِرَة فِي ذَلِكَ . قَالَ : وَيَرِد الْحَثّ عَلَى التَّوْبَة فِي أَيّ كَبِيرَة ، فَلَوْ كَانَتْ الْحَسَنَات تُكَفِّر جَمِيع السَّيِّئَات لَمَا اِحْتَاجَ إِلَى التَّوْبَة . وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى عَدَم وُجُوب الْحَدّ فِي الْقُبْلَة وَاللَّمْس وَنَحْوهمَا ، وَعَلَى سُقُوط التَّعْزِيز عَمَّنْ أَتَى شَيْئًا مِنْهَا وَجَاءَ تَائِبًا نَادِمًا . وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ اِبْن الْمُنْذِر أَنَّهُ لَا حَدّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مَعَ اِمْرَأَة أَجْنَبِيَّة فِي ثَوْب وَاحِد .اهـ فتح الباري .عن حذيفة قال: « كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا، كَمَا قَالَهُ، قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ - أَوْ عَلَيْهَا - لَجَرِيءٌ قُلْتُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالأمْرُ، وَالنَّهْيُ » ،البخاري قوله: « فتنة الرجل فى أهله وماله » يصدقه، قوله تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} [التغابن: 15]، والمعنى فى ذلك أن يأتى من أجلهم ما لا يحل له من القول والعمل ما لم يبلغ كبيرة، كالقُبْلة التى أصابها الرجل من المرأة وشبهها، فذلك الذى يكفرها الصلاة والصوم، ومثله قوله عليه السلام: « الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر » . قال المهلب: قوله: « فتنة الرجل فى أهله وماله وولده وجاره » ، يريد ما يعرض له معهم من شرٍّ أو حزنٍ وشبه ذلك. عن ابْنِ مَسْعُودٍ: « أَنَّ رَجُلا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ
الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [ هود 114]، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِي هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ »البخاري .اهـ شرح ابن بطال
المطهر الثالث : الوضوء عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ
أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ نَاسًا يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ لَا أَدْرِي مَا هِيَ إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً> مسلم.وفي صحيح مسلم أيضا عن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ عن رسول الله <........ مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ>
قال النووي : وَقَدْ يُقَال : إِذَا كَفَّرَ الْوُضُوء فَمَاذَا تُكَفِّر الصَّلَاة ؟ وَإِذَا كَفَّرَتْ الصَّلَاة فَمَاذَا تُكَفِّر الْجُمُعَات وَرَمَضَان ، وَكَذَلِكَ صَوْم يَوْم عَرَفَة كَفَّارَة سَنَتَيْنِ وَيَوْم عَاشُورَاء كَفَّارَة سَنَة ؟ وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه ؟ وَالْجَوَاب مَا أَجَابَهُ الْعُلَمَاء أَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَات صَالِح لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرهُ مِنْ الصَّغَائِر كَفَّرَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَادِف صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَات وَرُفِعَتْ بِهِ دَرَجَات ، وَإِنْ صَادَفَتْ كَبِيرَة أَوْ كَبَائِر وَلَمْ يُصَادِف صَغِيرَة رَجَوْنَا أَنْ يُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِر . وَاَللَّه أَعْلَم .اهـ وفي تحفة الأحوذي وَهَذَا التَّكْفِيرُ إِنَّمَا هُوَ لِلذُّنُوبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، وَأَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَإِنَّمَا يَقَعُ النَّظَرُ فِيهَا بِالْمُقَاصَّةِ مَعَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ .
المطهر الرابع : صوم عرفة وعاشوراء : عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ> مسند أحمد . عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ مَاضِيَةً وَمُسْتَقْبَلَةً وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً> أحمد
المطهر الخامس : الحج . عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ>البخاري . وَالرَّفَث : اِسْم لِلْفُحْشِ. وَمَعْنَى ( كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه ) : أَيْ بِغَيْرِ ذَنْب . وَأَمَّا الْفُسُوق فَالْمَعْصِيَة . وَاَللَّه أَعْلَماهـ النووي
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّة> متفق عليه . أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ وَغَيْره مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود مَرْفُوعًا " تَابِعُوا بَيْن الْحَجّ وَالْعُمْرَة فَإِنَّ مُتَابَعَة بَيْنهمَا تَنْفِي الذُّنُوب وَالْفَقْر كَمَا يَنْفِي الْكِير خَبَث الْحَدِيد . وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَة ثَوَاب
إِلَّا الْجَنَّة " .في الفتح : ُ وَيُسْتَفَاد مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود الْمَذْكُور الْمُرَاد بِالتَّكْفِيرِ الْمُبْهَم فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة ، وَفِي حَدِيث الْبَاب دَلَالَة عَلَى اِسْتِحْبَاب الِاسْتِكْثَار مِنْ الِاعْتِمَار خِلَافًا لِقَوْلِ مَنْ قَالَ يُكْرَه أَنْ يَعْتَمِر فِي السَّنَة أَكْثَر مِنْ مَرَّة كَالْمَالِكِيَّةِ وَلِمَنْ قَالَ مَرَّة فِي الشَّهْر مِنْ غَيْرهمْ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلهَا إِلَّا مِنْ سَنَة إِلَى سَنَة ، وَأَفْعَاله عَلَى الْوُجُوب أَوْ النَّدْب ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَنْدُوب لَمْ يَنْحَصِر فِي أَفْعَاله ، فَقَدْ كَانَ يَتْرُك الشَّيْء وَهُوَ يَسْتَحِبّ فِعْله لِرَفْعِ الْمَشَقَّة عَنْ أُمَّته ، وَقَدْ نَدَبَ إِلَى ذَلِكَ بِلَفْظِهِ فَثَبَتَ الِاسْتِحْبَاب مِنْ غَيْر تَقْيِيد . وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازهَا فِي جَمِيع الْأَيَّام لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَلَبِّسًا بِأَعْمَالِ الْحَجّ
المطهر السادس : التسبيح والتحميد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ>مالك وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ>قال النووي : هَذَا فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا التَّهْلِيل أَكْثَر مِنْ مِائَة مَرَّة فِي الْيَوْم ، كَانَ لَهُ هَذَا الْأَجْر الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث عَلَى الْمِائَة ، وَيَكُون لَهُ ثَوَاب آخَر عَلَى الزِّيَادَة ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْحُدُود الَّتِي نُهِيَ عَنْ اِعْتِدَائِهَا وَمُجَاوَزَة أَعْدَادهَا ، وَإِنَّ زِيَادَتهَا لَا فَضْل فِيهَا أَوْ تُبْطِلهَا ، كَالزِّيَادَةِ فِي عَدَد الطَّهَارَة ، وَعَدَد رَكَعَات الصَّلَاة ، وَظَاهِر إِطْلَاق الْحَدِيث أَنَّهُ يُحَصِّلُ هَذَا الْأَجْر الْمَذْكُور فِي هَذَا الْحَدِيث مَنْ قَالَ هَذَا التَّهْلِيل مِائَة مَرَّة فِي يَوْمه ، سَوَاء قَالَهُ مُتَوَالِيَة أَوْ مُتَفَرِّقَة فِي مَجَالِس ، أَوْ بَعْضهَا أَوَّل النَّهَار وَبَعْضهَا آخِره ، لَكِنَّ الْأَفْضَل أَنْ يَأْتِي بِهَا مُتَوَالِيَة فِي أَوَّل النَّهَار ، لِيَكُونَ حِرْزًا لَهُ فِي جَمِيع نَهَاره . مَعْنَى التَّسْبِيح التَّنْزِيه عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى مِنْ الشَّرِيك وَالْوَلَد وَالصَّاحِبَة ، وَالنَّقَائِص مُطْلَقًا ، وَسِمَات الْحُدُوث مُطْلَقًا .اهـ وروى أبو داود : عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَلَهُمْ فُضُولُ أَمْوَالٍ يَتَصَدَّقُونَ بِهَا وَلَيْسَ لَنَا مَالٌ نَتَصَدَّقُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تُدْرِكُ بِهِنَّ مَنْ سَبَقَكَ وَلَا يَلْحَقُكَ مَنْ خَلْفَكَ إِلَّا مَنْ أَخَذَ بِمِثْلِ عَمَلِكَ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكَبِّرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَحْمَدُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتُسَبِّحُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَخْتِمُهَا بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ>في عون المعبود : قَالَ النَّوَوِيُّ : فِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيلٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْغَنِيَّ الشَّاكِرَ عَلَى الْفَقِيرِ الصَّابِرِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُور بَيْن السَّلَف وَالْخَلَف مِنْ الطَّوَائِف وَاَللَّه أَعْلَم
المطهر السابع : الاستغفار عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ فَإِنْ زَادَ زَادَتْ فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }ابن ماجه. أحمد . قَوْله ( صُقِلَ قَلْبه )عَلَى بِنَاء الْمَفْعُول مِنْ صَقَلَهُ جَلَّاهُ مِنْ بَاب نَصَرَ وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون عَلَى بِنَاء الْفَاعِل وَضَمِيره رَاجِع لِلتَّائِبِ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلًا يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِي قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي قَالُوا لَا أَيْ رَبِّ قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي قَالُوا مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِي قَالُوا لَا قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ قَالَ فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا قَالَ فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ> البخاري ومسلم .قال النووي : قَوْله : ( عَبْد خَطَّاء ) أَيْ : كَثِير الْخَطَايَا . وَفِي هَذَا الْحَدِيث : فَضِيلَة الذِّكْر ، وَفَضِيلَة مَجَالِسه ، وَالْجُلُوس مَعَ أَهْله ، وَإِنْ لَمْ يُشَارِكهُمْ ، وَفَضْل مَجَالِس الصَّالِحِينَ وَبَرَكَتهمْ . وَاَللَّه أَعْلَم .في الفتح : وَيُؤْخَذ مِنْ مَجْمُوع هَذِهِ الطُّرُق الْمُرَاد بِمَجَالِس الذِّكْر وَأَنَّهَا الَّتِي تَشْتَمِل عَلَى ذِكْر اللَّه بِأَنْوَاعِ الذِّكْر الْوَارِدَة مِنْ تَسْبِيح وَتَكْبِير وَغَيْرهمَا وَعَلَى تِلَاوَة كِتَاب اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَعَلَى الدُّعَاء بِخَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ، وَفِي دُخُول قِرَاءَة الْحَدِيث النَّبَوِيّ وَمُدَارَسَة الْعِلْم الشَّرْعِيّ وَمُذَاكَرَته وَالِاجْتِمَاع عَلَى صَلَاة النَّافِلَة فِي هَذِهِ الْمَجَالِس نَظَر ، وَالْأَشْبَه اِخْتِصَاص ذَلِكَ بِمَجَالِس التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَنَحْوهمَا وَالتِّلَاوَة حَسْب ، وَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَة الْحَدِيث وَمُدَارَسَة الْعِلْم وَالْمُنَاظَرَة فِيهِ مِنْ جُمْلَة مَا يَدْخُل تَحْت مُسَمَّى ذِكْر اللَّه تَعَالَى .اهـ
المطهر الثامن الخوف من الجليل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ .وَقَالَ غَيْرُهُ مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ> البخاري ومسلم قال النووي رحمه الله : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث ، فَقَالَتْ طَائِفَة : لَا يَصِحّ حَمْل هَذَا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ قُدْرَة اللَّه ، فَإِنَّ الشَّاكّ فِي قُدْرَة اللَّه تَعَالَى كَافِر ، وَقَدْ قَالَ فِي آخِر الْحَدِيث : إِنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا مِنْ خَشْيَة اللَّه تَعَالَى ، وَالْكَافِر لَا يَخْشَى اللَّه تَعَالَى ، وَلَا يُغْفَر لَهُ ، قَالَ هَؤُلَاءِ : فَيَكُون لَهُ تَأْوِيلَانِ أَحَدهمَا أَنَّ مَعْنَاهُ : لَئِنْ قَدَّرَ عَلَيَّ الْعَذَاب ، أَيْ : قَضَاهُ ، يُقَال مِنْهُ
قَدَرَ بِالتَّخْفِيفِ ، وَقَدَّرَ بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنًى وَاحِد . وَالثَّانِي : إِنْ قَدَرَ هُنَا بِمَعْنَى ضَيَّقَ عَلَيَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى : { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقه } وَهُوَ أَحَد الْأَقْوَال فِي قَوْله تَعَالَى : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } وَقَالَتْ طَائِفَة : اللَّفْظ عَلَى ظَاهِره ، وَلَكِنْ قَالَهُ هَذَا الرَّجُل وَهُوَ غَيْر ضَابِط لِكَلَامِهِ ، وَلَا قَاصِد لِحَقِيقَةِ مَعْنَاهُ ، وَمُعْتَقِد لَهَا ، بَلْ قَالَهُ فِي حَالَة غَلَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الدَّهْش وَالْخَوْف وَشِدَّة الْجَزَع ، بِحَيْثُ ذَهَبَ تَيَقُّظه وَتَدَبُّر مَا يَقُولهُ ، فَصَارَ فِي مَعْنَى الْغَافِل وَالنَّاسِي ، وَهَذِهِ الْحَالَة لَا يُؤَاخَذ فِيهَا ، وَهُوَ نَحْو قَوْل الْقَائِل الْآخَر الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ الْفَرَح حِين وَجَدَ رَاحِلَته : أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبّك ، فَلَمْ يَكْفُر بِذَلِكَ الدَّهْش وَالْغَلَبَة وَالسَّهْو . وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيث فِي غَيْر مُسْلِم " فَلَعَلِّي أَضِلّ اللَّه " أَيْ : أَغِيب عَنْهُ ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ قَوْله : ( لَئِنْ قَدَرَ اللَّه ) عَلَى ظَاهِره ، وَقَالَتْ طَائِفَة : هَذَا مِنْ مَجَاز كَلَام الْعَرَب ، وَبَدِيع اِسْتِعْمَالهَا ، يُسَمُّونَهُ مَزْج الشَّكّ بِالْيَقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لِعَلَى هُدًى } فَصُورَته صُورَة شَكّ وَالْمُرَاد بِهِ الْيَقِين ، وَقَالَتْ طَائِفَة : هَذَا الرَّجُل جَهِلَ صِفَة مِنْ صِفَات اللَّه تَعَالَى ، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَكْفِير جَاهِل الصِّفَة ، قَالَ الْقَاضِي : وَمِمَّنْ كَفَّرَهُ بِذَلِكَ اِبْن جَرِير الطَّبَرِيُّ ، وَقَالَهُ أَبُو الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ ، أَوَّلًا ، وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يَكْفُر بِجَهْلِ الصِّفَة ، وَلَا يَخْرُج بِهِ عَنْ اِسْم الْإِيمَان بِخِلَافِ جَحْدهَا ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَبُو الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ ، وَعَلَيْهِ اِسْتَقَرَّ قَوْله ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِد ذَلِكَ اِعْتِقَادًا يَقْطَع بِصَوَابِهِ ، وَيَرَاهُ دِينًا وَشَرْعًا ، وَإِنَّمَا يَكْفُر مَنْ اِعْتَقَدَ أَنَّ مَقَالَته حَقٌّ ، قَالَ هَؤُلَاءِ : وَلَوْ سُئِلَ النَّاس عَنْ الصِّفَات لَوُجِدَ الْعَالِم بِهَا قَلِيلًا ، وَقَالَتْ طَائِفَة : كَانَ هَذَا الرَّجُل فِي زَمَن فَتْرَة حِين يَنْفَع مُجَرَّد التَّوْحِيد ، وَلَا تَكْلِيف قَبْل وُرُود الشَّرْع عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا } وَقَالَتْ طَائِفَة : يَجُوز أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَن شَرْعهمْ فِيهِ جَوَاز الْعَفْو عَنْ الْكَافِر ، بِخِلَافِ شَرْعنَا ، وَذَلِكَ مِنْ مُجَوَّزَات الْعُقُول عِنْد أَهْل السُّنَّة ، وَإِنَّمَا مَنَعْنَاهُ فِي شَرْعنَا بِالشَّرْعِ ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ } وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّة ، وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : إِنَّمَا وَصَّى بِذَلِكَ تَحْقِيرًا لِنَفْسِهِ ، وَعُقُوبَة لَهَا لِعِصْيَانِهَا ، وَإِسْرَافهَا ، رَجَاء أَنْ يَرْحَمهُ اللَّه تَعَالَى .
المطهر التاسع رحمة الناس والبهائم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا فَقَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ> مسلم
قال النووي فَفِي الْحَدِيث الْحَثّ عَلَى الْإِحْسَان إِلَى الْحَيَوَان الْمُحْتَرَم ، وَهُوَ مَا لَا يُؤْمَر بِقَتْلِهِ . فَأَمَّا الْمَأْمُور بِقَتْلِهِ فَيَمْتَثِل أَمْر الشَّرْع فِي قَتْله ، وَالْمَأْمُور بِقَتْلِهِ كَالْكَافِرِ الْحَرْبِيّ وَالْمُرْتَدّ وَالْكَلْب الْعَقُور وَالْفَوَاسِق الْخَمْس الْمَذْكُورَات فِي الْحَدِيث وَمَا فِي مَعْنَاهُنَّ . وَأَمَّا الْمُحْتَرَم فَيَحْصُل الثَّوَاب بِسَقْيِهِ وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ أَيْضًا بِإِطْعَامِهِ وَغَيْره. قَوْله : ( فَشَكَرَ اللَّه لَهُ فَغَفَرَ لَهُ )مَعْنَاهُ قَبِلَ عَمَله ، وَأَثَابَهُ ، وَغَفَرَ لَهُ .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ> مسلم قَوْله : ( يُطِيف )بِضَمِّ أَوَّله مِنْ أَطَافَ يُقَال أَطَفْت بِالشَّيْءِ إِذَا أَدَمْت الْمُرُور حَوْله .قَوْله : ( بِرَكِيَّةٍ )بِفَتْحِ الرَّاء وَكَسْر الْكَاف وَتَشْدِيد التَّحْتَانِيَّة : الْبِئْر مَطْوِيَّة أَوْ غَيْر مَطْوِيَّةقَوْله : ( بَغِيّ )بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَكَسْر الْمُعْجَمَة هِيَ الزَّانِيَة ، وَتُطْلَق عَلَى الْأَمَة مُطْلَقًا .قَوْله : ( مُوقهَا )بِضَمِّ الْمِيم وَسُكُون الْوَاو بَعْدهَا قَاف هُوَ الْخُفّ ، وَقِيلَ مَا يُلْبَس فَوْق الْخُفّ .اهـ فتح الباري
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ> مسلم
المطهر العاشر : المسامحة في المعاملة .عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ حَدَّثَهُمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا أَعَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا قَالَ لَا قَالُوا تَذَكَّرْ قَالَ كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنْ الْمُوسِرِ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَجَوَّزُوا عَنْهُ> مسلم .وقال النووي : وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث فَضْل إِنْظَار الْمُعْسِر ، وَالْوَضْع عَنْهُ إِمَّا كُلّ الدَّيْن ، وَإِمَّا بَعْضه مِنْ كَثِير أَوْ قَلِيل ، وَفَضْل الْمُسَامَحَة فِي الِاقْتِضَاء وَفِي الِاسْتِيفَاء ؛ سَوَاء اُسْتُوْفِيَ مِنْ مُوسِر أَوْ مُعْسِر ، وَفَضْل الْوَضْع مِنْ الدَّيْن ، وَأَنَّهُ لَا يَحْتَقِر شَيْء مِنْ أَفْعَال الْخَيْر ؛ فَلَعَلَّهُ سَبَب السَّعَادَة وَالرَّحْمَة .
وفي الفتح : قَوْله : ( تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ )أَيْ اِسْتَقْبَلَتْ رُوحَهُ عِنْد الْمَوْتِ ، وَفِي رِوَايَة عَبْد الْمَلِكِ بْن عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيٍّ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيل " أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَتَاهُ الْمَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ " قَوْله : ( فِتْيَانِي )بِكَسْرِ أَوَّلِهِ جَمْعُ فَتًى وَهُوَ الْخَادِم حُرًّا كَانَ أَوْ مَمْلُوكًا .عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ> البخاري في الفتح : قَوْله : ( تَجَاوَزُوا عَنْهُ )زَادَ النَّسَائِيُّ " فَيَقُول لِرَسُولِهِ خُذْ مَا يَسِرَ وَاتْرُكْ مَا عَسِرَ وَتَجَاوَزْ " وَيَدْخُل فِي لَفْظ التَّجَاوُز الْإِنْظَار وَالْوَضِيعَة وَحُسْنُ التَّقَاضِي . وَفِي حَدِيث الْبَابِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْحَسَنَاتِ إِذَا كَانَ خَالِصًا لِلَّهِ كَفَّرَ كَثِيرًا مِنْ السَّيِّئَات ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَجْرَ يَحْصُلُ لِمَنْ يَأْمُرُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ ، وَهَذَا كُلّه بَعْدَ تَقْرِيرِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا إِذَا جَاءَ فِي شَرْعِنَا فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ كَانَ حَسَنًا عِنْدَنَا .اهـ نسال الله أن يطهر ذنوبنا ويجعلنا من المغفور لهم آمين
لست ربوت