ا
لحمد لله رحمن السماوات والأرض ورحيمهما حمدا يليق بكرمه ومزيد فضله وتوالي إحسانه نحمده ونشكره ونثني الخير كله عليه ونصلي ونسلم على الرحمة المهدات والنعمة المسدات على من بعثه الله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا
وبعد موضوعنا< الرحمة وفضائلها > عندما غابت الرحمة من القلوب اندفع الناس نحو الجريمة والقتل أنظروا أيها الناس إلى صور نزع الرحمة في الدول التي تتصارع على كرسي الإمارة كيف تحصد فيها الأرواح البريئة نكاية وتشفيا كيف يكون الطفل الصغير والشيخ الكبير ضحية الصراع المصحوب بالقسوة الذي لم يسبق له مثيل في الأرض على ما أزعم ــ الصراع القائم الآن في بلاد الشام يموت في اليوم الواحد المائة والمائتين ـ إن نزع الرحمة من القلوب تضطرب في ظله الأمور وتلتبس على الناس المفاهم وتستباح فيه الحرمات وتهون على الناس الدماء كما هو واقع الآن .من هنا حذر الشرع من الاستهانة بالدماء حتى في وقت الحرب فروى مسلم عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ وُجِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَغَازِي فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ>قال النووي : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى الْعَمَل بِهَذَا الْحَدِيث ، وَتَحْرِيم قَتْل النِّسَاء وَالصِّبْيَان إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوا ، فَإِنْ قَاتَلُوا قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء : يُقْتَلُونَ ، وَأَمَّا شُيُوخ الْكُفَّار فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ رَأْي قُتِلُوا ، وَإِلَّا فَفِيهِمْ وَفِي الرُّهْبَان خِلَاف ، قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة : لَا يُقْتَلُونَ
**وفي المعجم الكبير عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ"إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً، قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، لا تَغُلُّوا وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَلا شَيْخًا كَبِيرًا"، لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، إِلا إِسْرَائِيلُ، وَلا عَنْهُ إِلا عُثْمَانُ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ بن عُثْمَانَ بن حَكِيمٍ...وفي السنن الكبرى للبيهقي : ر عن أبى عمران الجونى ان ابا بكر رضى الله عنه بعث يزيد بن أبى سفيان إلى الشام فمشى معه يشيعه قال يزيد بن أبى سفيان إنى اكره ان تكون ماشيا وانا راكب قال فقال انك خرجت غازيا في سبيل الله وإنى احتسب في مشيى هذا معك ثم اوصاه فقال لا تقتلوا صبيا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا ولا مريضا ولا راهبا ولا تقطعوا مثمرا ولا تخربوا عامرا ولا تذبحوا بعيرا ولا بقرة الا لمأكل ولا تغرقوا نخلا ولا تحرقوه - (وقد روى في ذلك) عن النبي صلى الله عليه وسلم
أين هذه الرحمة اليوم في ظل العولمة والتبجح بالعدالة القائمة على المصالح فكل خلاف قام لم تحضر فيه الرقابة الإلهية إلا وتكون النكاية فيه للقوي.يوم طبق الإسلام على الأرض كما أراد الله له لم ير الناس فيه ما نرى اليوم من مسخ للحقائق حيث تلاحظ في عقول الأكثرين الصادق مكذبا والكاذب مصدقا والسنة بدعة والبدعة سنة وقلة ذات اليد نقصا والثراء الفاحش رجولة وذالك ناتج عن المرج والهرج الذي تعيش في ظل تزاحمه البشرية. يقول الشيخ الغزالي رحمه الله في خلق المسلم، ، . روى الطبراني عن أبي هريرة أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال:"امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين"رواه أحمد..وفي رواية: أن رجلاً جاءه يشكو قسوة قلبه فقال له: "أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟! ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلِن قلبك وتدرك حاجتك".
وذلك أن القلب يتبلَّد في المجتمعات التي تضجّ بالمرح الدائم، والتي تصبح وتمسي وهي لا ترى من الحياة غير آفاقها الزاهرة، ونعمها الباهرة، والمترفون إنما يتنكرون لآلام الجماهير؛ لأن الملذات التي تُيسَّر لهم تغلف أفئدتهم، وتطمس بصائرهم، فلا تجعلهم يشعرون بحاجة المحتاج، وألم المتألم، وحزن المحزون، والناس إنما يرزقون الأفئدة النبيلة، والمشاعر المرهفة، عندما يتقلبون في أحوال الحياة المختلفة، ويبلون من السراء والضراء.. عندئذ يُحسُّون بالوحشة مع اليتيم، وبالفقدان مع الثكلى، وبالتبعية مع البائس الفقير .اهـ
إن من حباه الله بالرحمة في قلبه ففيه صفة للرحمن .والرحمة صفةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسنة ، و (الرحمن) و (الرحيم) من أسماءه تعالى تكررا في الكتاب والسنة مراتٍ عديدة .? الدليل من الكتاب :... 1- قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } [الفاتحة : 1و2].2- قوله تعالى : { أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحيمٌ } [البقرة : 218].? الدليل من السنة :1- تحية الإسلام : ((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)) ، وقد وردت في أحاديث صحيحة كثيرة.2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه ؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لما خلق الله الخلق ، كتب في كتاب ، فهو عنده فوق العرش : إنَّ رحمتي تغلب (أو : غلبت) غضبي)).رواه البخاري (3194) ، ومسلم (2751).
كما فيه صفة وخلق من أخلاق من سلف الذين امتازوا برقة القلب ورهافة الإحساس وهذا أبو بكر أحدهم ففي الموطإ عنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُنْ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا>
إن خلق الرحمة من أرفع الأخلاق ولن تضمحل الرحمة من هذه الأمة إن شاء الله فقد رأينا على شاشة الإعلام أ ناسا من بلدنا امتازوا بهذا الخلق مايعرفون عندما يسألون عن شيءما أن يقولوا لا.وهذا الخلق عظيم كثر الله من أمثالهم
اولا > دعوة الشرع إلى الرحمة دعا إليها المولى ودعا إليها رسوله في قوله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم:((الراحمون يرحمهم الرحمان ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء))رواه أبو داود و الترمذي وقال أيضا:((لا تنزع الرحمة إلا من شقي))رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما .
ثانيا >> فضلها قال صلى الله عليه وسلم (ص): "إن بغيا من بغايا بني إسرائيل سقت كلبا كان يأكل الثرى من العطش فغفر الله لها"متفق عليه.ومن فضلها ما جاء في الرحمة بالعجماوات وسائر المخلوقات:لما رواه البخاري وغيره نْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ إِذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ > البخاري الموطأ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَنِي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ فَأَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا فَقَالَ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ> أبو داودعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا> مسلم .
.قال النووي : أَمَّا ( الْبَغِيّ )فَهِيَ الزَّانِيَة ، وَالْبِغَاء بِالْمَدِّ هُوَ الزِّنَا ....وَمَعْنَى ( يَطِيف )أَيْ يَدُور حَوْلهَا بِضَمِّ الْيَاء ، وَيُقَال : طَافَ بِهِ ، وَأَطَافَ إِذَا دَار حَوْله . وَأَدْلَعَ لِسَانه وَدَلَعَهُ لُغَتَانِ أَيْ أَخْرَجَهُ لِشِدَّةِ الْعَطَش ....وَ ( الْمُوق ) بِضَمِّالْمِيم هُوَ الْخُفّ ، فَارِسِيّ مُعَرَّب . وَمَعْنَى ( نَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا ) أَيْ اِسْتَقَتْ ، يُقَال : نَزَعْت بِالدَّلْوِ إِذَا اِسْتَقَيْت بِهِ مِنْ الْبِئْر وَنَحْوهَا ، وَنَزَعْت الدَّلْو أَيْضًا . ***ومن فضلها ما جاء في رحمة وحسن صحبة البنات: عَنْ عَوْفِ بن مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَكُونُ لَهُ ثَلاثُ بناتٍ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَبِنَّ أَوْ يَمُتْنَ إِلا كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ", فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: أَوِ اثْنَتَانِ؟ قَالَ:"وَثِنْتَانِ".المعجم الكبير للطبراني.. يبن : يفارقنَ بالزواج ...وروى الترمذي واللفظ له عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ>
ثالثا>>ـ علاماتها وهي تتجسد فيما يلي :
1-إطعام الطعام لقوله(ص):{إن الله عز وجل يباهي ملائكة بالذين يطعمون الطعام من عبيده}قال المنذري رواه أبو الشيخ مرسلا
2- حسن الاستقبال لقوله(ص):{لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق رواه مسلم :وقال أيضا {تبسمك في وجه أخيك صدقة}رواه الترمذي وحسنه ابن حيان في صحيحه
3- من علاماتها العفو عند المقدرة لقوله(ص)إذا وقف العباد للحساب ينادي مناد ليقم من أجره على الله فيقال ومن أجره على الله فيقول:العافون عن الناس فقام كذا وكذا فدخلوها بغير حساب}رواه الطبراني في مكارم الأخلاق ..4ـ> ومن صورها ما رواه البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ>
ففِي الْحَدِيث جَوَاز اِسْتِخْدَام الْمُشْرِك ، وَعِيَادَته إِذَا مَرِضَ ، وَفِيهِ حُسْن الْعَهْد ، وَاسْتِخْدَام الصَّغِير ، وَعَرْض الْإِسْلَام عَلَى الصَّبِيّ وَلَوْلَا صِحَّته مِنْهُ مَا عَرَضَهُ عَلَيْهِ . وَفِي قَوْله " أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّار " دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ صَحَّ إِسْلَامه ، وَعَلَى أَنَّ الصَّبِيّ إِذَا عَقَلَ الْكُفْر وَمَاتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُعَذَّب .
رابعا>>ـ مظاهرها وهي كالتالي :
1-روى الشيخان وغيرهما قال(ص){إني لأ دخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فاسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي لما أعلم من وجد أمه من بكائه}
2- ومن مظاهرها أيضا ما رواه المؤرخون أن عمرو بن العاصي في فتح مصر نزلت حمامة بفسطاطه - أي خيمته - فاتخذت من أعلاه عشا وحيث أراد عمرو الرحيل رآها فلم يشأ أن يهيجها بتقويضه فتركه وتكاثر العمران حوله فكانت مدينة {الفسطاط }3- ومنها ما جاء في السيرة أن أبا بكر لما ودع جيش أسامة بن زيد قال:{لا تقتلوا امرأة ولا شيخا ولا طفلا ولا تعقروا نخلا ولا تقطعوا شجرة مثمرة وستجدون رجالا فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما أفرغوا أنفسهم له}السنن الكبرى للبيهقي . 4-نفع الناس وقت الحاجة ففي عهد عمر أصاب الناس مجاعة وقحط وشدة وكانت قافلة من الشام مكونة من ألف جمل عليها أصناف الطعام واللباس قد حلت لعثمان رضي الله عنه فتراكض التجار عليه يطلبون أن يبيعهم هذه القافلة فقال لهم كم تعطوني ربحا فقالوا خمسة في المائة قال إني وجدت من يعطيني أكثر فقالوا ما نعلم في التجار من يدفع أكثر من هذا الربح فقال لهم عثمان إني وجدت من يعطيني على الدرهم سبعمائة فأكثر إني وجدت الله يقول:((مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء))أشهدكم يا معشر التجار أن القافلة وما فيها من بر ودقيق وزيت وسمن وهبتها لفقراء المدينة وأنها صدقة على المسلمين
خامسا>>ـ الترهيب من القسوة فقدعاتب النبي صلى الله عليه وسلم بعض الناس على قسوته وترك رحمة الصغير والضعيف، كما فعل مع الأقرع بن حابس،1>>ـ روى مسلم والبخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ أَبْصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ إِنَّ لِي عَشْرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ>وإليكم شرح هذا الحديث باختصار
1>ـ مفردات الحديث:
قوله: (وعنده الأقرع بن حابس): الأقرع لقب واسمه فيما نقل ابن دريد: فراس بن حابس بن عقال -بكسر المهملة وتخفيف القاف-، وكانت وفاة الأقرع بن حابس في خلافة عثمان، وهو من المؤلفة، وممن حسن إسلامه.3
قوله: (إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً): زاد الإسماعيلي في روايته (ما قبلت إنساناً قط).4
شرح الحديث:
الرحمة: لغة: الرِّقَّة، والتَّعَطُّف، و "الرحمة": المغفرة، يقول الله تعالى {... وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (57) سورة يونس، أي فصلناه هادياً وذا رحمة، يقول تعالى {....وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا...} (61) سورة التوبة.
واصطلاحا: اللطف والإحسان، أي التخلص من كل آفة أو نزعة تدفع الإنسان إلى الشر، مع إيصال الخير إلى الناس، فمساعدة الضعيف رحمة، ومد يد العون للمحتاج رحمة، وتخفيف آلام الناس رحمة، وعدم القسوة على من -وما- تحت يد المرء، ومعاملة الأرحام -وخاصة الوالدين- بالحسنى.
وقد ذكرت كلمة "رحمة" في القرآن الكريم (79) مرة توزعت في سوره، ابتداء من قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (157) سورة البقرة، وحتى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} (27) سورة الحديد، وتدور معانيها حول رحمة الله بعباده، وذلك بإنزال النعم عليهم في الدنيا والآخرة، وفى مقدمتها بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم لهم بالهدى والرحمة، يقول تعالى: {فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} (157) سورة الأنعام، وغيرها من آيات الكتاب العزيز.
وردت كلمة "رحمة" ومشتقاتها في أحاديث عديدة، وكلها تدور حول: التواصل بين الناس، ووصف المؤمنين بالتراحم والتعاطف فيما بينهم، مثل: (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى)5، و (الراحمون يرحمهم الرحمن)6. كما تنفرهم من القسوة وعدم الرحمة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)7، ولهذا نص عليها في رد السلام: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"، ليتذكرها الناس دائما فيسود التعاطف والتآلف بينهم.8
وجاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة) 9 فهذا الحديث وحديث أبي هريرة السابق في الأقرع بن حابس يبين مدى قلة الرحمة وقسوة القلب عند بعض أهل البادية.
يقول ابن حجر- رحمه الله- في الفتح: لقد أجاب النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -الأقرع بن حابس أن تقبيل الولد وغيره من الأهل والمحارم وغيرهم من الأجانب، إنما يكون للشفقة والرحمة.والأقرع بن حابس استغرب من النبي صلى الله عليه وسلم أن قبَّل الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، وذكر أنه لم يقبَّل واحداً من أولاده العشرة، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه بأبلغ رد وأحسنه.
فمن هذا الحديث نتعلم الرحمة بالأولاد، وكيف ينبغي أن يعامل الأب الأبناء، فهم يقبلونهم صغاراً، ويحسنون إليهم كباراً، والولد ريحانة الوالد.
قال بعض الحكماء: ذهبت من الدنيا ملذاتها إلا من ثلاث: شم الصبيان، وملاقاة الإخوان، والخلوة مع النسوان.
قال الأحنف بن قيس: أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، وبهم نصول على كل جليلة، فإن غضبوا فارضهم، وإن سألوا فأعطهم، وإن لم يسألوا فابتدئهم، ولا تنظر إليهم شزراً فيملون حياتك، ويتمنون وفاتك.
من رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصغار:
ومما يذكر من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالصغار ما روي عن أبي بكرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فيجيء الحسن وهو ساجد -صبي صغير- حتى يصير على ظهره أو رقبته، فيرفعه رفعاً رفيقاً، فلما صلى صلاته قالوا: يا رسول الله، إنك لتصنع بهذا الصبي شيئاً لا تصنعه بأحد؛ فقال: (إن هذا ريحانتي، وإن ابني هذا سيد، وعسى أن يصلح الله تبارك وتعالى به بين فئتين من المسلمين) فقال الحسن: فوالله والله بعد أن ولي لم يهرق في خلافته ملء محجمة من دم)...
وعن أنس قال: ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ...وعن ابن مسعود قال: كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- يصلَّي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما، أشار إليهم أن دعوهما، فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره، وقال: (من أحبني فليحبَّ هذين).13
وعن أنس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مرفوعاً: (إني لأدخل في الصلاة، وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبيِّ، فأجوز في صلاتي، مما أعلم من شدةِ وجد أمه ببكائه).14
وعنه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: (من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامةِ أنا وهو) وضمَّ أصابعه...وكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- يُقبِّلُ الأطفال، ويمازحهم، ويعطيهم، بل ويبكي ويتأثر عندما يموت أحدهم،
ففي مصنف ابن أبي شيبة : عن أسامة بن زيد قال دمعت عين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتي بابنة زينب ونفسها تقعقع كأنها في شن قال فبكى قال فقال له رجل تبكي وقد نهيت عن البكاء فقال : " إنما هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ".
وفي معنى الرحمة العام يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله: اللهم إن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك فإن رحمتك أهل أن تبلغني رحمتك وسعت كل شيء، وأنا شيء، فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنك خلقت قوماً فأطاعوك فيما أمرته، وعملوا في الذي خلقتهم له، فرحمتك إياهم كانت قبل طاعتهم لك يا أرحم الراحمين.19
من فوائد الحديث:
1- أنه لا يستحق الرحمة من الله تعالى إلا الراحمون الموفقون.
2- تثمر الرحمة محبة الله تعالى ومحبة الناس.
3- الرحمة دليل رقة القلب وسمو النفس.
قال ابن حجر -رحمه الله- معلقاً على الحديث: قال ابن بطال: فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب.20اهـ الشبكة مقال لأحد الإخوة
2>ـ من الأحاديث التي ترهب من القسوة .روى البخاري ومسلم عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ>وفي رواية لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا"قَالَ الزُّهْرِيُّ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَّكِلَ رَجُلٌ وَلَا يَيْأَسَ رَجُلٌ" قال النووي : مَعْنَاهُ : أَنَّ اِبْن شِهَاب لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيث الْأَوَّل خَافَ أَنَّ سَامِعه يَتَّكِل عَلَى مَا فِيهِ مِنْ سَعَة الرَّحْمَة ، وَعِظَم الرَّجَاء ، فَضَمَّ إِلَيْهِ حَدِيث الْهِرَّة الَّذِي فِيهِ مِنْ التَّخْوِيف ضِدّ ذَلِكَ ، لِيَجْتَمِع الْخَوْف وَالرَّجَاء ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله : لِئَلَّا يَتَّكِل وَلَا يَيْأَس ، وَهَكَذَا مُعْظَم آيَات الْقُرْآن الْعَزِيز ، يَجْتَمِع فِيهَا الْخَوْف وَالرَّجَاء ، وَكَذَا قَالَ الْعُلَمَاء : يُسْتَحَبّ لِلْوَاعِظِ أَنْ يَجْمَع فِي مَوْعِظَته بَيْن الْخَوْف وَالرَّجَاء ؛ لِئَلَّا يَقْنَط أَحَد ، وَلَا يَتَّكِل ، قَالُوا : وَلْيَكُنْ التَّخْوِيف أَكْثَر ؛ لِأَنَّ النُّفُوس إِلَيْهِ أَحْوَج ؛ لِمَيْلِهَا إِلَى الرَّجَاء وَالرَّاحَة وَالِاتِّكَال ، وَإِهْمَال بَعْض الْأَعْمَال .
3>>ـ روى البخاري ومالك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ
أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ>
سادسا >>ـــ نماذج من تطبيقات الرحمة:
لقد أمر الإسلام بالتراحم العام، وجعله من دلائل الإيمان الكامل،فالمسلم يلقى الناس قاطبة، وفي قلبه لهم عطف مذخور وبر مكنون، فهو يوسع لهم ويخفف عنهم جهد ما يستطيع.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَرَاحَمُوا. قالوا يا رسول الله كلنا رحيم. قال:إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ ، وَلَكِنَّهَا رَحْمَةُ النَّاسِ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ"رواه الطبراني ..وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"صحيح مسلم .فمن النماذج التطبيقية للرحمة :: 1->> الرحمة بالوالدين:
ويكون ذلك بخفض الجناح لهما، والقيام على خدمتهما، وحسن رعايتهما، والتذلل لهما لكسب ودهما.. يقول تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)﴾(الإسراء).وقال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)﴾
(لقمان).وقد حثت السنة النبوية الشريفة على بر الوالدين،فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال:"الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" البخاري .وروى عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي، قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبويَّ شيء أَبرُّهُما به بعد موتهما؟
قال:"نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا ، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا ، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إلَّا بِهِمَا ، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا"سنن أبي داود ويمكن أن نعدد أنواع البر بالوالدين في النقاط التالية:
أولا>>- عدم التضجر منهما ولو بكلمة "أف"،بل يجب الخضوع لأمرهما وخفض الجناح لهما، ومعاملتهما باللطف، وعدم الترفع عليهما.....ثانيا>>- الشكر لهما، وهذا الشكر الذي جاء مقرونًا بشكر الله والدعاء لهما:﴿ وقٍل رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرًا ﴾ (الإسراء: 24).....ثالثا>>ـ - الإحسان إليهما في القول والعمل، والأخذ والعطاء، وتفضيلهما على النفس والزوجة، ومجاهدة النفس برضاهما حتى وإن كانا غير مسلمَين :﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)﴾ (لقمان: 15). ....رابعا>>- رعايتهما ولاسيما عند الكبر، وإدخال السرور عليهما وحفظهما من كل سوء. .. خامسا>>ـ ـ- الإنفاق عليهما عند الحاجة :﴿ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ ﴾ (البقرة: 215). .سادسا>>ـ - استئذانهما قبل السفر، وأخذ موافقتهما إلا في حج فرض.سابعا>>- اختصاص الأم بمزيد البر لحاجتها وعظم شأنها وتعبها، والبر يكون بمعنى حسن الصحبة، والعشرة، وبمعنى الطاعة والصلة.....ثامنا>>ـ - الدعاء لهما بعد موتهما، وإنفاذ عهدهما، وبر صديقهما
(أصول المنهج الإسلامي) ...2- الرحمة بالأولاد:
ويكون ذلك بحسن تربيتهم، انطلاقًا من مسئوليته عنهم أمام الله تعالى، يقول عز وجل:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾
(التحريم: 6).كما تكون الرحمة بهم بإشباعهم من العطف والحب والحنان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن أو الحسين بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي"، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا قط: فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"من لا يرحم لا يُرحم" رواه البخاري وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من كان له ثلاث بنات، وصبر عليهن، وكساهن من جدته، كُنَّ له حجابًا من النار" رواه البخاري ولتحقيق الرحمة بالأولاد يمكن اتباع ما يلي:
أ- الحرص على تعليم ما ينفع الولد، وعدم تركه سدى، فليس من الرحمة إهمالهم بما يترتب على ذلك فسادهم.... ب- البعد عن مجالس اللهو والباطل وسماع الفحش والبدع، فليس من الرحمة تعليمهم هذه الموبقات. ج- تجنيب الولد الكذب والخيانة.
د- تجنيبه الكسل والبطالة والدعة والراحة. ...هـ- تجنيبه مظانّ الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج ، ..3- صلة الرحم:
الرحم مشتقة من الرحمة في مبناها، فيجب أن تستقيم معها في معناها، ويطلق الرحم على الأقارب من جهة الأبوة أو الأمومة.وقد حث القرآن الكريم على صلة الرحم، قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)﴾ (النساء)،وقال عز وجل :﴿ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)﴾(الأنفال).
وقد حثت السنة النبوية على صلة الرحم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَهُوَ لَكِ"،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقرؤوا إن شئتم:
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (19)﴾(محمد)، وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " صحيح البخاري، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" صحيح البخاري، هذه الوجيهات الإسلامية تحثُّ المسلم على صلة الرحم، وتدفعه إلى أن يؤدي حقوق أقاربه، وأن يقوِّيَ بالمودة الدائمة صلات الدم القائمة. .......4- الرحمة باليتامى:
وممن تجب الرحمة بهم اليتامى؛ فإن الإحسان إليهم، والبر بهم، وكفالة عيشهم، وصيانة مستقبلهم من أزكى القربات، بل إن العواطف المنحرفة تعتدل في هذا المسلك وتلزم الجادَّة، فعن أبي هريرة أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال:"امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين"رواه أحمد..وفي رواية: أن رجلاً جاءه يشكو قسوة قلبه فقال له: "أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟! ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلِن قلبك وتدرك حاجتك" رواه الطبراني.
وذلك أن القلب يتبلَّد في المجتمعات التي تضجّ بالمرح الدائم، والتي تصبح وتمسي وهي لا ترى من الحياة غير آفاقها الزاهرة، ونعمها الباهرة، والمترفون إنما يتنكرون لآلام الجماهير؛ لأن الملذات التي تُيسَّر لهم تغلف أفئدتهم، وتطمس بصائرهم، فلا تجعلهم يشعرون بحاجة المحتاج، وألم المتألم، وحزن المحزون، والناس إنما يرزقون الأفئدة النبيلة، والمشاعر المرهفة، عندما يتقلبون في أحوال الحياة المختلفة، ويبلون من السراء والضراء.. عندئذ يُحسُّون بالوحشة مع اليتيم، وبالفقدان مع الثكلى، وبالتبعية مع البائس الفقير .خلق المسلم، الشيخ الغزالي،
5- الرحمة بالحيوان:
فالرحمة في الإسلام لا تقتصر على البشر فحسب، بل تتعدَّاها لتشمل جميع خلق الله حتى الحيوان، وقد شرعت السنة المشرفة، ودعت إلى الرحمة بالحيوان، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإحسان في القتل والذبح، فقال صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"رواه مسلم ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ركوبها لغير غرض ومنفعة، وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل،فقال لهم:"اركبوها سالمة ودعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فربَّ مركبة خيرٌ من راكبها، وأكثر ذكرًا لله منه" رواه أحمد وأبو داود بل جعلت السنة المشرِّفة إيذاء الحيوان سببًا في دخول النار، فقال صلى الله عليه وسلم:
"عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ(هوامّ الأرض وحشراتها)الأرض"
صحيح مسلم،
7>>الرحمة بالأرملة
روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ>
وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ
قَوْله : ( بَاب السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَة )أَيْ فِي مَصَالِحهَا .
الْمُرَاد بِالسَّاعِي الْكَاسِب لَهُمَا : الْعَامِل لِمَئُونَتِهِمَا . وَالْأَرْمَلَة مَنْ لَا زَوْج لَهَا ، سَوَاء كَانَتْ تَزَوَّجَتْ أَمْ لَا ، وَقِيلَ : هِيَ الَّتِي فَارَقَتْ زَوْجهَا . قَالَ اِبْن قُتَيْبَة : سُمِّيَتْ أَرْمَلَة لِمَا يَحْصُل لَهَا مِنْ الْإِرْمَال ، وَهُوَ الْفَقْر وَذَهَاب الزَّاد بِفَقْدِ الزَّوْج ، يُقَال أَرْمَلَ الرَّجُل إِذَا فَنِيَ زَاده .اهـ النووي
سابعا>>، نموذج في الرحمة
أولا>>ـ رب العالمين ولذا وصف نفسه بأنه الرحمن الرحيم روى البخاري ومسلم : عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا>وروى مسلم عن أنس بْنُ مَالِكٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ
2>>ـ سيد الخلق .الذي قال تعالى في حقه : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) وقال : (( عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رءوف رحيم )) . وعن ابن شهاب قال : غزا رسول الله ص) غزوة وذكر حنينا فأعطى رسول الله صفوان بن أمية من النعم مائة ثم مائة ثم مائة قال ابن شهاب حدثنا سعيد بن المسيب أن صفوان قال :والله لقد أعطاني ما أعطاني وإنه لأبغض الخلق إلي فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي .). روى مسلم : عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاقْتَتَلُوا بِحُنَيْنٍ فَنَصَرَ اللَّهُ دِينَهُ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِنْ النَّعَمِ ثُمَّ مِائَةً ثُمَّ مِائَةً
وروى ابن المنكدر أن جبريل عليه السلام قال للنبي {ص) :(( إن الله تعالى أمر السماء والأرض والجبال أن تطيعك فقال أؤخر عن أمتي لعل الله أن يتوب عليهم . قالت عائشة رضي الله عنها ما خير رسول الله ص) بين أمرين إلااختار أيسرهما . )). وروى البخاري عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا
ووصفته خديجة حيث قالت له : ( أبشر فوالله لا يخزك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق )) .وفي صحيح مسلم : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ{ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي }الْآيَةَ وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام{ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ"
3)ـــ زين العابدين بن علي كان يحمل الجراب على ظهره بالليل لبيوت الأرامل فكان ناس بالمدينة يطعمون ولا يدرون من يطعمهم فما عرفوا ذلك حتى مات زين العبدين حيث توقفت عنهم النفقة فعلموا أنه هو .
4)ـــ عبد الله بن المبارك كان كثير الاختلاف إلى طرسوس اسم مكان وكان يأتيه شاب يسمع منه الحديث فقدم عبد الله مرة فلم يره فسأل عنه فقيل له : إنه محبوس على عشرة ءالاف درهم فاستدل على صاحب الدين فأعطاه عشرة ءالاف درهم وسدد ما على الشاب فأخرج من السجن فلقيه بن المبارك فقال له أين كنت قال الشاب : في السجن وجاء رجل وسدد عني ديني ولم أدر من هو فقال عبد الله بن المبارك الحمد لله . ولم يعلم الشاب من سدد عنه إلا بعد وفاة بن المبارك وكان عبد الله بن المبارك:المحدث الكبير كثير الصدقة على من معه من الحجيج وغيرهم وخرج مرة إلى الحج مع أصحابه فاجتاز ببعض البلاد وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم فمر بمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها فأخذت طائرا ميتا منها فسألها عن ذلك فأخبرته أنها وأخاها فقيران لا يعلم بهما أحد و لا يجدان شيئا فأمر ابن المبارك برد الأحمال وقال لوكيله كم معك من النفقة قال:ألف دينار فقال له:عد منها عشرين دينار تكفينا إلى مرو بلد بالعراق وأعطها الباقي فهذا أفضل من حجنا في هذا العام ثم رجع فلم يحج}
فأين هذه الرحمة ممن يحجون كل عام والفقراء والمساكين بجوارهم ولم يبالوا بهم ثم أين هذا ممن يعتمر كل سنة في رمضان وبنو حومته أحوج إلى الدقيق وهو يصرف فوق ما يسد الرمق ولقد حدث لرجل كان يحج كل عام على رجله أن طلبت منه أمه يوما أن يسقيها كوبا من الماء فتكاسل وبعد ساعة فكر في الفرق الذي بين مكة وموطنه وبينه وبين مكان الماء الذي طلبت أمه يرويها منه فوجد فرقا كبيرا ثم تبين له بعد أن الدافع له إلى تحمل الأسفار للديار المقدسة الرياء والشهرة وأن يتبين أمره إلى الناس ولقد وجد في عصرنا هذا من له أربعون عمرة بتكالفها المالية ولم يوجد له في الجانب الإحساني إلى فقراء بلده شيء يذكر فأين فقه الأوليات لدينا ......اهـ السلسلة الذهبية .
5>>ـ روى الطبراني في الكبير أن عمر بن الخطاب أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة ثم قال لغلامه اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تشاغل في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع فذهب بها الغلام إليه فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك فقال أبو عبيدة وصل الله عمر ورحمه ثم قال:أي أبو عبيدة تعالي يا جارة اذهبي بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره ووجده قد عد مثلها لمعاد بن جبل فقال:اذهب بها إلى معاد وتشاغل في البيت حتى تنظر ماذا يصنع فذهب بها إليه فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في حاجتك فقال رحمه الله ووصله تعالى يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا واذهبي إلى بيت فلان بكذا فاطلعت امرأة معاذ وقالت نحن والله مساكين فأعطنا فلم يبق في الخرقة إلا ديناران فرمى بهما إليها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك فقال إنهم إخوة بعضهم من بعض}....وفي عهد عمر أصاب الناس مجاعة وشدة وكانت قافلة من الشام مكونة من ألف جمل عليها أصناف الطعام واللباس قد حلت لعثمان {ض}فتراكض التجار عليا يطلبون أن يبيعهم هذه القافلة فقال لهم كم تعطوني ربحا قالوا خمسة في المائة قال إني وجدت من يعطيني أكثر فقالوا ما نعلم في التجار من يدفع أكثر من هذا الربح فقال لهم عثمان إني وجدت من يعطيني على الدرهم سبعمائة فأكثر وجدت الله يقول{مثل الدين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتث سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء}أشهدكم يا معشر التجار أن القافلة وما فيها من برودقيق وزيت وسمن وهبتها لفقراء المدينة وأنها صدقة على المسلمين
6>>ـ ومن النماذج الرحمة في مجال النصرة ورفع الضيم:ورد ما يلي
بلغ المعتصم بالله أمير من أمراء الخلافة العباسية : أن امرأة هتك أحد الروم عرضها وقالت{وامعتصماه}فتزامن وصول الخبر مع صيامه لأحد الأيام التطوعية فأ قسم بالله ألا يفطر حتى يجهز جيشا يرفع العار عن هذه المرأة وكتب إلى ملك الروم أرسل إلي الجاني وإلا أتيتك بجيش أوله عندك وآخره عندي فخاض بسبب هذه المرأة معركة تسمى عمورية المشهورة.وفي أيام الخلافة العثمانية اعتدى بعض المسلمين بفرنسا فأرسل أحد خلفائها إلى ملك فرنسا بطربوش أي فلنسوة أحمر قائلا له إن لم تكفروا عن المسلمين حولنا فلا ذكر دماء وأشلاء مثل هذا أي الطربوش ****ومن أسباب عزوة بني قينقاع التي خاضها رسول الله (ص)مع اليهود إن إمرأة مسلمة من الأعراب جاءت إلى سوق الصاغة لتشتري بعض الحلي وكان الحجاب قد فرض على النساء فراودها اليهود أن تسفر عن وجهها فأبت فعمد أحد اليهود في غفلة عنها إلى طرف ثوبها فعقدة إلى ظهرها فلما قامت منصرفة انكشفت سوأتها فتضاحكوا ثم صاحت مستنجدة فوثب رجل من المسلمين صادق وجوده هناك على الصائغ فقتله ورد اليهود الحاضرون على المسلم فقتلوه فبلغ الخبر النبي(ص)فقال{ما على هذا }فأنزل الله في شأنهم قرءانا يتلى {يأيها الذين أمنوا لا تتخذوا لليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض}وقال{وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله}فسار لهم (ص) في منتصف شوال السنة الثانية من الهجرة وضرب عليهم الحصار و طوقهم من كل ناحية فكان مصيرهم بالتالي أن أمر بإجلائهم عن المدينة فذهبوا إلى الشام اهـ فأين هذا مما يقع لإخواننا اليوم بأرض الإسراء والمعراج وغيرهم فهل نصرناهم على الخونة شداد الآفاق اللهم لا.
7>>ـ عمر رضي الله عنه . :لما ولى عمر النعمان بن مقرن ولاية كسكر ولاية بين البصرة والكوفة أرسل إليه رسالة هذا نصها:من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى النعمان بن مقرن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد فإنه قد بلغني أن جموعا من الأعاجم كثيرة قد جمعوا لهم بمدينة فإذا أتاك كتابي هذا فسر بأمر الله وبعون الله وبنصر الله بمن معك من المسلمين ولا توطئهم وعرا فتؤذيهم ولا تمنعهم حقهم فتكفرهم ولا تدخلهم غيضة مكان فيه ماء تجتمع فيه الأشجار فإن رجلا من المسلمين أحب إلى من مائة ألف دينار.وكان عمر يحب النعمان:كان عمر لا يكاد يذوق النوم ما جاءه رسول المسلمين من نهاوند قال ل عنه ما وراءك قال البشرى والفتح قال وما فعل النعمان قال زلت فرس في دماء القوم فصرع فاستشهد ففزع عمر وهزته الفاجعة وقال:{إنا لله وإنا إليه راجعون}ثم بكى بكاء شديدا وانتحب اهـ والنحب البكاء المتقطع..والله أعلم كتبه الفقير إلى رحمة الله حميد أمين بن أحمد المغربي
**وفي المعجم الكبير عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ"إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً، قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، لا تَغُلُّوا وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَلا شَيْخًا كَبِيرًا"، لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، إِلا إِسْرَائِيلُ، وَلا عَنْهُ إِلا عُثْمَانُ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ بن عُثْمَانَ بن حَكِيمٍ...وفي السنن الكبرى للبيهقي : ر عن أبى عمران الجونى ان ابا بكر رضى الله عنه بعث يزيد بن أبى سفيان إلى الشام فمشى معه يشيعه قال يزيد بن أبى سفيان إنى اكره ان تكون ماشيا وانا راكب قال فقال انك خرجت غازيا في سبيل الله وإنى احتسب في مشيى هذا معك ثم اوصاه فقال لا تقتلوا صبيا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا ولا مريضا ولا راهبا ولا تقطعوا مثمرا ولا تخربوا عامرا ولا تذبحوا بعيرا ولا بقرة الا لمأكل ولا تغرقوا نخلا ولا تحرقوه - (وقد روى في ذلك) عن النبي صلى الله عليه وسلم
أين هذه الرحمة اليوم في ظل العولمة والتبجح بالعدالة القائمة على المصالح فكل خلاف قام لم تحضر فيه الرقابة الإلهية إلا وتكون النكاية فيه للقوي.يوم طبق الإسلام على الأرض كما أراد الله له لم ير الناس فيه ما نرى اليوم من مسخ للحقائق حيث تلاحظ في عقول الأكثرين الصادق مكذبا والكاذب مصدقا والسنة بدعة والبدعة سنة وقلة ذات اليد نقصا والثراء الفاحش رجولة وذالك ناتج عن المرج والهرج الذي تعيش في ظل تزاحمه البشرية. يقول الشيخ الغزالي رحمه الله في خلق المسلم، ، . روى الطبراني عن أبي هريرة أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال:"امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين"رواه أحمد..وفي رواية: أن رجلاً جاءه يشكو قسوة قلبه فقال له: "أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟! ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلِن قلبك وتدرك حاجتك".
وذلك أن القلب يتبلَّد في المجتمعات التي تضجّ بالمرح الدائم، والتي تصبح وتمسي وهي لا ترى من الحياة غير آفاقها الزاهرة، ونعمها الباهرة، والمترفون إنما يتنكرون لآلام الجماهير؛ لأن الملذات التي تُيسَّر لهم تغلف أفئدتهم، وتطمس بصائرهم، فلا تجعلهم يشعرون بحاجة المحتاج، وألم المتألم، وحزن المحزون، والناس إنما يرزقون الأفئدة النبيلة، والمشاعر المرهفة، عندما يتقلبون في أحوال الحياة المختلفة، ويبلون من السراء والضراء.. عندئذ يُحسُّون بالوحشة مع اليتيم، وبالفقدان مع الثكلى، وبالتبعية مع البائس الفقير .اهـ
إن من حباه الله بالرحمة في قلبه ففيه صفة للرحمن .والرحمة صفةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسنة ، و (الرحمن) و (الرحيم) من أسماءه تعالى تكررا في الكتاب والسنة مراتٍ عديدة .? الدليل من الكتاب :... 1- قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } [الفاتحة : 1و2].2- قوله تعالى : { أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحيمٌ } [البقرة : 218].? الدليل من السنة :1- تحية الإسلام : ((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)) ، وقد وردت في أحاديث صحيحة كثيرة.2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه ؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لما خلق الله الخلق ، كتب في كتاب ، فهو عنده فوق العرش : إنَّ رحمتي تغلب (أو : غلبت) غضبي)).رواه البخاري (3194) ، ومسلم (2751).
كما فيه صفة وخلق من أخلاق من سلف الذين امتازوا برقة القلب ورهافة الإحساس وهذا أبو بكر أحدهم ففي الموطإ عنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُنْ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا>
إن خلق الرحمة من أرفع الأخلاق ولن تضمحل الرحمة من هذه الأمة إن شاء الله فقد رأينا على شاشة الإعلام أ ناسا من بلدنا امتازوا بهذا الخلق مايعرفون عندما يسألون عن شيءما أن يقولوا لا.وهذا الخلق عظيم كثر الله من أمثالهم
اولا > دعوة الشرع إلى الرحمة دعا إليها المولى ودعا إليها رسوله في قوله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم:((الراحمون يرحمهم الرحمان ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء))رواه أبو داود و الترمذي وقال أيضا:((لا تنزع الرحمة إلا من شقي))رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما .
ثانيا >> فضلها قال صلى الله عليه وسلم (ص): "إن بغيا من بغايا بني إسرائيل سقت كلبا كان يأكل الثرى من العطش فغفر الله لها"متفق عليه.ومن فضلها ما جاء في الرحمة بالعجماوات وسائر المخلوقات:لما رواه البخاري وغيره نْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ إِذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ > البخاري الموطأ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَنِي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ فَأَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا فَقَالَ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ> أبو داودعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا> مسلم .
.قال النووي : أَمَّا ( الْبَغِيّ )فَهِيَ الزَّانِيَة ، وَالْبِغَاء بِالْمَدِّ هُوَ الزِّنَا ....وَمَعْنَى ( يَطِيف )أَيْ يَدُور حَوْلهَا بِضَمِّ الْيَاء ، وَيُقَال : طَافَ بِهِ ، وَأَطَافَ إِذَا دَار حَوْله . وَأَدْلَعَ لِسَانه وَدَلَعَهُ لُغَتَانِ أَيْ أَخْرَجَهُ لِشِدَّةِ الْعَطَش ....وَ ( الْمُوق ) بِضَمِّالْمِيم هُوَ الْخُفّ ، فَارِسِيّ مُعَرَّب . وَمَعْنَى ( نَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا ) أَيْ اِسْتَقَتْ ، يُقَال : نَزَعْت بِالدَّلْوِ إِذَا اِسْتَقَيْت بِهِ مِنْ الْبِئْر وَنَحْوهَا ، وَنَزَعْت الدَّلْو أَيْضًا . ***ومن فضلها ما جاء في رحمة وحسن صحبة البنات: عَنْ عَوْفِ بن مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَكُونُ لَهُ ثَلاثُ بناتٍ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَبِنَّ أَوْ يَمُتْنَ إِلا كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ", فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: أَوِ اثْنَتَانِ؟ قَالَ:"وَثِنْتَانِ".المعجم الكبير للطبراني.. يبن : يفارقنَ بالزواج ...وروى الترمذي واللفظ له عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ>
ثالثا>>ـ علاماتها وهي تتجسد فيما يلي :
1-إطعام الطعام لقوله(ص):{إن الله عز وجل يباهي ملائكة بالذين يطعمون الطعام من عبيده}قال المنذري رواه أبو الشيخ مرسلا
2- حسن الاستقبال لقوله(ص):{لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق رواه مسلم :وقال أيضا {تبسمك في وجه أخيك صدقة}رواه الترمذي وحسنه ابن حيان في صحيحه
3- من علاماتها العفو عند المقدرة لقوله(ص)إذا وقف العباد للحساب ينادي مناد ليقم من أجره على الله فيقال ومن أجره على الله فيقول:العافون عن الناس فقام كذا وكذا فدخلوها بغير حساب}رواه الطبراني في مكارم الأخلاق ..4ـ> ومن صورها ما رواه البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ>
ففِي الْحَدِيث جَوَاز اِسْتِخْدَام الْمُشْرِك ، وَعِيَادَته إِذَا مَرِضَ ، وَفِيهِ حُسْن الْعَهْد ، وَاسْتِخْدَام الصَّغِير ، وَعَرْض الْإِسْلَام عَلَى الصَّبِيّ وَلَوْلَا صِحَّته مِنْهُ مَا عَرَضَهُ عَلَيْهِ . وَفِي قَوْله " أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّار " دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ صَحَّ إِسْلَامه ، وَعَلَى أَنَّ الصَّبِيّ إِذَا عَقَلَ الْكُفْر وَمَاتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُعَذَّب .
رابعا>>ـ مظاهرها وهي كالتالي :
1-روى الشيخان وغيرهما قال(ص){إني لأ دخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فاسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي لما أعلم من وجد أمه من بكائه}
2- ومن مظاهرها أيضا ما رواه المؤرخون أن عمرو بن العاصي في فتح مصر نزلت حمامة بفسطاطه - أي خيمته - فاتخذت من أعلاه عشا وحيث أراد عمرو الرحيل رآها فلم يشأ أن يهيجها بتقويضه فتركه وتكاثر العمران حوله فكانت مدينة {الفسطاط }3- ومنها ما جاء في السيرة أن أبا بكر لما ودع جيش أسامة بن زيد قال:{لا تقتلوا امرأة ولا شيخا ولا طفلا ولا تعقروا نخلا ولا تقطعوا شجرة مثمرة وستجدون رجالا فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما أفرغوا أنفسهم له}السنن الكبرى للبيهقي . 4-نفع الناس وقت الحاجة ففي عهد عمر أصاب الناس مجاعة وقحط وشدة وكانت قافلة من الشام مكونة من ألف جمل عليها أصناف الطعام واللباس قد حلت لعثمان رضي الله عنه فتراكض التجار عليه يطلبون أن يبيعهم هذه القافلة فقال لهم كم تعطوني ربحا فقالوا خمسة في المائة قال إني وجدت من يعطيني أكثر فقالوا ما نعلم في التجار من يدفع أكثر من هذا الربح فقال لهم عثمان إني وجدت من يعطيني على الدرهم سبعمائة فأكثر إني وجدت الله يقول:((مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء))أشهدكم يا معشر التجار أن القافلة وما فيها من بر ودقيق وزيت وسمن وهبتها لفقراء المدينة وأنها صدقة على المسلمين
خامسا>>ـ الترهيب من القسوة فقدعاتب النبي صلى الله عليه وسلم بعض الناس على قسوته وترك رحمة الصغير والضعيف، كما فعل مع الأقرع بن حابس،1>>ـ روى مسلم والبخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ أَبْصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ إِنَّ لِي عَشْرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ>وإليكم شرح هذا الحديث باختصار
1>ـ مفردات الحديث:
قوله: (وعنده الأقرع بن حابس): الأقرع لقب واسمه فيما نقل ابن دريد: فراس بن حابس بن عقال -بكسر المهملة وتخفيف القاف-، وكانت وفاة الأقرع بن حابس في خلافة عثمان، وهو من المؤلفة، وممن حسن إسلامه.3
قوله: (إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً): زاد الإسماعيلي في روايته (ما قبلت إنساناً قط).4
شرح الحديث:
الرحمة: لغة: الرِّقَّة، والتَّعَطُّف، و "الرحمة": المغفرة، يقول الله تعالى {... وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (57) سورة يونس، أي فصلناه هادياً وذا رحمة، يقول تعالى {....وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا...} (61) سورة التوبة.
واصطلاحا: اللطف والإحسان، أي التخلص من كل آفة أو نزعة تدفع الإنسان إلى الشر، مع إيصال الخير إلى الناس، فمساعدة الضعيف رحمة، ومد يد العون للمحتاج رحمة، وتخفيف آلام الناس رحمة، وعدم القسوة على من -وما- تحت يد المرء، ومعاملة الأرحام -وخاصة الوالدين- بالحسنى.
وقد ذكرت كلمة "رحمة" في القرآن الكريم (79) مرة توزعت في سوره، ابتداء من قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (157) سورة البقرة، وحتى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} (27) سورة الحديد، وتدور معانيها حول رحمة الله بعباده، وذلك بإنزال النعم عليهم في الدنيا والآخرة، وفى مقدمتها بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم لهم بالهدى والرحمة، يقول تعالى: {فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} (157) سورة الأنعام، وغيرها من آيات الكتاب العزيز.
وردت كلمة "رحمة" ومشتقاتها في أحاديث عديدة، وكلها تدور حول: التواصل بين الناس، ووصف المؤمنين بالتراحم والتعاطف فيما بينهم، مثل: (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى)5، و (الراحمون يرحمهم الرحمن)6. كما تنفرهم من القسوة وعدم الرحمة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)7، ولهذا نص عليها في رد السلام: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"، ليتذكرها الناس دائما فيسود التعاطف والتآلف بينهم.8
وجاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة) 9 فهذا الحديث وحديث أبي هريرة السابق في الأقرع بن حابس يبين مدى قلة الرحمة وقسوة القلب عند بعض أهل البادية.
يقول ابن حجر- رحمه الله- في الفتح: لقد أجاب النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -الأقرع بن حابس أن تقبيل الولد وغيره من الأهل والمحارم وغيرهم من الأجانب، إنما يكون للشفقة والرحمة.والأقرع بن حابس استغرب من النبي صلى الله عليه وسلم أن قبَّل الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، وذكر أنه لم يقبَّل واحداً من أولاده العشرة، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه بأبلغ رد وأحسنه.
فمن هذا الحديث نتعلم الرحمة بالأولاد، وكيف ينبغي أن يعامل الأب الأبناء، فهم يقبلونهم صغاراً، ويحسنون إليهم كباراً، والولد ريحانة الوالد.
قال بعض الحكماء: ذهبت من الدنيا ملذاتها إلا من ثلاث: شم الصبيان، وملاقاة الإخوان، والخلوة مع النسوان.
قال الأحنف بن قيس: أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، وبهم نصول على كل جليلة، فإن غضبوا فارضهم، وإن سألوا فأعطهم، وإن لم يسألوا فابتدئهم، ولا تنظر إليهم شزراً فيملون حياتك، ويتمنون وفاتك.
من رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصغار:
ومما يذكر من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالصغار ما روي عن أبي بكرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فيجيء الحسن وهو ساجد -صبي صغير- حتى يصير على ظهره أو رقبته، فيرفعه رفعاً رفيقاً، فلما صلى صلاته قالوا: يا رسول الله، إنك لتصنع بهذا الصبي شيئاً لا تصنعه بأحد؛ فقال: (إن هذا ريحانتي، وإن ابني هذا سيد، وعسى أن يصلح الله تبارك وتعالى به بين فئتين من المسلمين) فقال الحسن: فوالله والله بعد أن ولي لم يهرق في خلافته ملء محجمة من دم)...
وعن أنس قال: ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ...وعن ابن مسعود قال: كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- يصلَّي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما، أشار إليهم أن دعوهما، فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره، وقال: (من أحبني فليحبَّ هذين).13
وعن أنس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مرفوعاً: (إني لأدخل في الصلاة، وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبيِّ، فأجوز في صلاتي، مما أعلم من شدةِ وجد أمه ببكائه).14
وعنه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: (من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامةِ أنا وهو) وضمَّ أصابعه...وكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- يُقبِّلُ الأطفال، ويمازحهم، ويعطيهم، بل ويبكي ويتأثر عندما يموت أحدهم،
ففي مصنف ابن أبي شيبة : عن أسامة بن زيد قال دمعت عين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتي بابنة زينب ونفسها تقعقع كأنها في شن قال فبكى قال فقال له رجل تبكي وقد نهيت عن البكاء فقال : " إنما هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ".
وفي معنى الرحمة العام يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله: اللهم إن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك فإن رحمتك أهل أن تبلغني رحمتك وسعت كل شيء، وأنا شيء، فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنك خلقت قوماً فأطاعوك فيما أمرته، وعملوا في الذي خلقتهم له، فرحمتك إياهم كانت قبل طاعتهم لك يا أرحم الراحمين.19
من فوائد الحديث:
1- أنه لا يستحق الرحمة من الله تعالى إلا الراحمون الموفقون.
2- تثمر الرحمة محبة الله تعالى ومحبة الناس.
3- الرحمة دليل رقة القلب وسمو النفس.
قال ابن حجر -رحمه الله- معلقاً على الحديث: قال ابن بطال: فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب.20اهـ الشبكة مقال لأحد الإخوة
2>ـ من الأحاديث التي ترهب من القسوة .روى البخاري ومسلم عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ>وفي رواية لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا"قَالَ الزُّهْرِيُّ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَّكِلَ رَجُلٌ وَلَا يَيْأَسَ رَجُلٌ" قال النووي : مَعْنَاهُ : أَنَّ اِبْن شِهَاب لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيث الْأَوَّل خَافَ أَنَّ سَامِعه يَتَّكِل عَلَى مَا فِيهِ مِنْ سَعَة الرَّحْمَة ، وَعِظَم الرَّجَاء ، فَضَمَّ إِلَيْهِ حَدِيث الْهِرَّة الَّذِي فِيهِ مِنْ التَّخْوِيف ضِدّ ذَلِكَ ، لِيَجْتَمِع الْخَوْف وَالرَّجَاء ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله : لِئَلَّا يَتَّكِل وَلَا يَيْأَس ، وَهَكَذَا مُعْظَم آيَات الْقُرْآن الْعَزِيز ، يَجْتَمِع فِيهَا الْخَوْف وَالرَّجَاء ، وَكَذَا قَالَ الْعُلَمَاء : يُسْتَحَبّ لِلْوَاعِظِ أَنْ يَجْمَع فِي مَوْعِظَته بَيْن الْخَوْف وَالرَّجَاء ؛ لِئَلَّا يَقْنَط أَحَد ، وَلَا يَتَّكِل ، قَالُوا : وَلْيَكُنْ التَّخْوِيف أَكْثَر ؛ لِأَنَّ النُّفُوس إِلَيْهِ أَحْوَج ؛ لِمَيْلِهَا إِلَى الرَّجَاء وَالرَّاحَة وَالِاتِّكَال ، وَإِهْمَال بَعْض الْأَعْمَال .
3>>ـ روى البخاري ومالك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ
أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ>
سادسا >>ـــ نماذج من تطبيقات الرحمة:
لقد أمر الإسلام بالتراحم العام، وجعله من دلائل الإيمان الكامل،فالمسلم يلقى الناس قاطبة، وفي قلبه لهم عطف مذخور وبر مكنون، فهو يوسع لهم ويخفف عنهم جهد ما يستطيع.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَرَاحَمُوا. قالوا يا رسول الله كلنا رحيم. قال:إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ ، وَلَكِنَّهَا رَحْمَةُ النَّاسِ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ"رواه الطبراني ..وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"صحيح مسلم .فمن النماذج التطبيقية للرحمة :: 1->> الرحمة بالوالدين:
ويكون ذلك بخفض الجناح لهما، والقيام على خدمتهما، وحسن رعايتهما، والتذلل لهما لكسب ودهما.. يقول تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)﴾(الإسراء).وقال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)﴾
(لقمان).وقد حثت السنة النبوية الشريفة على بر الوالدين،فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال:"الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" البخاري .وروى عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي، قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبويَّ شيء أَبرُّهُما به بعد موتهما؟
قال:"نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا ، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا ، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إلَّا بِهِمَا ، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا"سنن أبي داود ويمكن أن نعدد أنواع البر بالوالدين في النقاط التالية:
أولا>>- عدم التضجر منهما ولو بكلمة "أف"،بل يجب الخضوع لأمرهما وخفض الجناح لهما، ومعاملتهما باللطف، وعدم الترفع عليهما.....ثانيا>>- الشكر لهما، وهذا الشكر الذي جاء مقرونًا بشكر الله والدعاء لهما:﴿ وقٍل رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرًا ﴾ (الإسراء: 24).....ثالثا>>ـ - الإحسان إليهما في القول والعمل، والأخذ والعطاء، وتفضيلهما على النفس والزوجة، ومجاهدة النفس برضاهما حتى وإن كانا غير مسلمَين :﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)﴾ (لقمان: 15). ....رابعا>>- رعايتهما ولاسيما عند الكبر، وإدخال السرور عليهما وحفظهما من كل سوء. .. خامسا>>ـ ـ- الإنفاق عليهما عند الحاجة :﴿ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ ﴾ (البقرة: 215). .سادسا>>ـ - استئذانهما قبل السفر، وأخذ موافقتهما إلا في حج فرض.سابعا>>- اختصاص الأم بمزيد البر لحاجتها وعظم شأنها وتعبها، والبر يكون بمعنى حسن الصحبة، والعشرة، وبمعنى الطاعة والصلة.....ثامنا>>ـ - الدعاء لهما بعد موتهما، وإنفاذ عهدهما، وبر صديقهما
(أصول المنهج الإسلامي) ...2- الرحمة بالأولاد:
ويكون ذلك بحسن تربيتهم، انطلاقًا من مسئوليته عنهم أمام الله تعالى، يقول عز وجل:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾
(التحريم: 6).كما تكون الرحمة بهم بإشباعهم من العطف والحب والحنان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن أو الحسين بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي"، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا قط: فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"من لا يرحم لا يُرحم" رواه البخاري وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من كان له ثلاث بنات، وصبر عليهن، وكساهن من جدته، كُنَّ له حجابًا من النار" رواه البخاري ولتحقيق الرحمة بالأولاد يمكن اتباع ما يلي:
أ- الحرص على تعليم ما ينفع الولد، وعدم تركه سدى، فليس من الرحمة إهمالهم بما يترتب على ذلك فسادهم.... ب- البعد عن مجالس اللهو والباطل وسماع الفحش والبدع، فليس من الرحمة تعليمهم هذه الموبقات. ج- تجنيب الولد الكذب والخيانة.
د- تجنيبه الكسل والبطالة والدعة والراحة. ...هـ- تجنيبه مظانّ الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج ، ..3- صلة الرحم:
الرحم مشتقة من الرحمة في مبناها، فيجب أن تستقيم معها في معناها، ويطلق الرحم على الأقارب من جهة الأبوة أو الأمومة.وقد حث القرآن الكريم على صلة الرحم، قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)﴾ (النساء)،وقال عز وجل :﴿ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)﴾(الأنفال).
وقد حثت السنة النبوية على صلة الرحم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَهُوَ لَكِ"،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقرؤوا إن شئتم:
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (19)﴾(محمد)، وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " صحيح البخاري، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" صحيح البخاري، هذه الوجيهات الإسلامية تحثُّ المسلم على صلة الرحم، وتدفعه إلى أن يؤدي حقوق أقاربه، وأن يقوِّيَ بالمودة الدائمة صلات الدم القائمة. .......4- الرحمة باليتامى:
وممن تجب الرحمة بهم اليتامى؛ فإن الإحسان إليهم، والبر بهم، وكفالة عيشهم، وصيانة مستقبلهم من أزكى القربات، بل إن العواطف المنحرفة تعتدل في هذا المسلك وتلزم الجادَّة، فعن أبي هريرة أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال:"امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين"رواه أحمد..وفي رواية: أن رجلاً جاءه يشكو قسوة قلبه فقال له: "أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟! ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلِن قلبك وتدرك حاجتك" رواه الطبراني.
وذلك أن القلب يتبلَّد في المجتمعات التي تضجّ بالمرح الدائم، والتي تصبح وتمسي وهي لا ترى من الحياة غير آفاقها الزاهرة، ونعمها الباهرة، والمترفون إنما يتنكرون لآلام الجماهير؛ لأن الملذات التي تُيسَّر لهم تغلف أفئدتهم، وتطمس بصائرهم، فلا تجعلهم يشعرون بحاجة المحتاج، وألم المتألم، وحزن المحزون، والناس إنما يرزقون الأفئدة النبيلة، والمشاعر المرهفة، عندما يتقلبون في أحوال الحياة المختلفة، ويبلون من السراء والضراء.. عندئذ يُحسُّون بالوحشة مع اليتيم، وبالفقدان مع الثكلى، وبالتبعية مع البائس الفقير .خلق المسلم، الشيخ الغزالي،
5- الرحمة بالحيوان:
فالرحمة في الإسلام لا تقتصر على البشر فحسب، بل تتعدَّاها لتشمل جميع خلق الله حتى الحيوان، وقد شرعت السنة المشرفة، ودعت إلى الرحمة بالحيوان، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإحسان في القتل والذبح، فقال صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"رواه مسلم ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ركوبها لغير غرض ومنفعة، وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل،فقال لهم:"اركبوها سالمة ودعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فربَّ مركبة خيرٌ من راكبها، وأكثر ذكرًا لله منه" رواه أحمد وأبو داود بل جعلت السنة المشرِّفة إيذاء الحيوان سببًا في دخول النار، فقال صلى الله عليه وسلم:
"عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ(هوامّ الأرض وحشراتها)الأرض"
صحيح مسلم،
7>>الرحمة بالأرملة
روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ>
وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ
قَوْله : ( بَاب السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَة )أَيْ فِي مَصَالِحهَا .
الْمُرَاد بِالسَّاعِي الْكَاسِب لَهُمَا : الْعَامِل لِمَئُونَتِهِمَا . وَالْأَرْمَلَة مَنْ لَا زَوْج لَهَا ، سَوَاء كَانَتْ تَزَوَّجَتْ أَمْ لَا ، وَقِيلَ : هِيَ الَّتِي فَارَقَتْ زَوْجهَا . قَالَ اِبْن قُتَيْبَة : سُمِّيَتْ أَرْمَلَة لِمَا يَحْصُل لَهَا مِنْ الْإِرْمَال ، وَهُوَ الْفَقْر وَذَهَاب الزَّاد بِفَقْدِ الزَّوْج ، يُقَال أَرْمَلَ الرَّجُل إِذَا فَنِيَ زَاده .اهـ النووي
سابعا>>، نموذج في الرحمة
أولا>>ـ رب العالمين ولذا وصف نفسه بأنه الرحمن الرحيم روى البخاري ومسلم : عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا>وروى مسلم عن أنس بْنُ مَالِكٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ
2>>ـ سيد الخلق .الذي قال تعالى في حقه : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) وقال : (( عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رءوف رحيم )) . وعن ابن شهاب قال : غزا رسول الله ص) غزوة وذكر حنينا فأعطى رسول الله صفوان بن أمية من النعم مائة ثم مائة ثم مائة قال ابن شهاب حدثنا سعيد بن المسيب أن صفوان قال :والله لقد أعطاني ما أعطاني وإنه لأبغض الخلق إلي فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي .). روى مسلم : عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاقْتَتَلُوا بِحُنَيْنٍ فَنَصَرَ اللَّهُ دِينَهُ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِنْ النَّعَمِ ثُمَّ مِائَةً ثُمَّ مِائَةً
وروى ابن المنكدر أن جبريل عليه السلام قال للنبي {ص) :(( إن الله تعالى أمر السماء والأرض والجبال أن تطيعك فقال أؤخر عن أمتي لعل الله أن يتوب عليهم . قالت عائشة رضي الله عنها ما خير رسول الله ص) بين أمرين إلااختار أيسرهما . )). وروى البخاري عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا
ووصفته خديجة حيث قالت له : ( أبشر فوالله لا يخزك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق )) .وفي صحيح مسلم : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ{ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي }الْآيَةَ وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام{ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ"
3)ـــ زين العابدين بن علي كان يحمل الجراب على ظهره بالليل لبيوت الأرامل فكان ناس بالمدينة يطعمون ولا يدرون من يطعمهم فما عرفوا ذلك حتى مات زين العبدين حيث توقفت عنهم النفقة فعلموا أنه هو .
4)ـــ عبد الله بن المبارك كان كثير الاختلاف إلى طرسوس اسم مكان وكان يأتيه شاب يسمع منه الحديث فقدم عبد الله مرة فلم يره فسأل عنه فقيل له : إنه محبوس على عشرة ءالاف درهم فاستدل على صاحب الدين فأعطاه عشرة ءالاف درهم وسدد ما على الشاب فأخرج من السجن فلقيه بن المبارك فقال له أين كنت قال الشاب : في السجن وجاء رجل وسدد عني ديني ولم أدر من هو فقال عبد الله بن المبارك الحمد لله . ولم يعلم الشاب من سدد عنه إلا بعد وفاة بن المبارك وكان عبد الله بن المبارك:المحدث الكبير كثير الصدقة على من معه من الحجيج وغيرهم وخرج مرة إلى الحج مع أصحابه فاجتاز ببعض البلاد وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم فمر بمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها فأخذت طائرا ميتا منها فسألها عن ذلك فأخبرته أنها وأخاها فقيران لا يعلم بهما أحد و لا يجدان شيئا فأمر ابن المبارك برد الأحمال وقال لوكيله كم معك من النفقة قال:ألف دينار فقال له:عد منها عشرين دينار تكفينا إلى مرو بلد بالعراق وأعطها الباقي فهذا أفضل من حجنا في هذا العام ثم رجع فلم يحج}
فأين هذه الرحمة ممن يحجون كل عام والفقراء والمساكين بجوارهم ولم يبالوا بهم ثم أين هذا ممن يعتمر كل سنة في رمضان وبنو حومته أحوج إلى الدقيق وهو يصرف فوق ما يسد الرمق ولقد حدث لرجل كان يحج كل عام على رجله أن طلبت منه أمه يوما أن يسقيها كوبا من الماء فتكاسل وبعد ساعة فكر في الفرق الذي بين مكة وموطنه وبينه وبين مكان الماء الذي طلبت أمه يرويها منه فوجد فرقا كبيرا ثم تبين له بعد أن الدافع له إلى تحمل الأسفار للديار المقدسة الرياء والشهرة وأن يتبين أمره إلى الناس ولقد وجد في عصرنا هذا من له أربعون عمرة بتكالفها المالية ولم يوجد له في الجانب الإحساني إلى فقراء بلده شيء يذكر فأين فقه الأوليات لدينا ......اهـ السلسلة الذهبية .
5>>ـ روى الطبراني في الكبير أن عمر بن الخطاب أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة ثم قال لغلامه اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تشاغل في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع فذهب بها الغلام إليه فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك فقال أبو عبيدة وصل الله عمر ورحمه ثم قال:أي أبو عبيدة تعالي يا جارة اذهبي بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره ووجده قد عد مثلها لمعاد بن جبل فقال:اذهب بها إلى معاد وتشاغل في البيت حتى تنظر ماذا يصنع فذهب بها إليه فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في حاجتك فقال رحمه الله ووصله تعالى يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا واذهبي إلى بيت فلان بكذا فاطلعت امرأة معاذ وقالت نحن والله مساكين فأعطنا فلم يبق في الخرقة إلا ديناران فرمى بهما إليها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك فقال إنهم إخوة بعضهم من بعض}....وفي عهد عمر أصاب الناس مجاعة وشدة وكانت قافلة من الشام مكونة من ألف جمل عليها أصناف الطعام واللباس قد حلت لعثمان {ض}فتراكض التجار عليا يطلبون أن يبيعهم هذه القافلة فقال لهم كم تعطوني ربحا قالوا خمسة في المائة قال إني وجدت من يعطيني أكثر فقالوا ما نعلم في التجار من يدفع أكثر من هذا الربح فقال لهم عثمان إني وجدت من يعطيني على الدرهم سبعمائة فأكثر وجدت الله يقول{مثل الدين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتث سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء}أشهدكم يا معشر التجار أن القافلة وما فيها من برودقيق وزيت وسمن وهبتها لفقراء المدينة وأنها صدقة على المسلمين
6>>ـ ومن النماذج الرحمة في مجال النصرة ورفع الضيم:ورد ما يلي
بلغ المعتصم بالله أمير من أمراء الخلافة العباسية : أن امرأة هتك أحد الروم عرضها وقالت{وامعتصماه}فتزامن وصول الخبر مع صيامه لأحد الأيام التطوعية فأ قسم بالله ألا يفطر حتى يجهز جيشا يرفع العار عن هذه المرأة وكتب إلى ملك الروم أرسل إلي الجاني وإلا أتيتك بجيش أوله عندك وآخره عندي فخاض بسبب هذه المرأة معركة تسمى عمورية المشهورة.وفي أيام الخلافة العثمانية اعتدى بعض المسلمين بفرنسا فأرسل أحد خلفائها إلى ملك فرنسا بطربوش أي فلنسوة أحمر قائلا له إن لم تكفروا عن المسلمين حولنا فلا ذكر دماء وأشلاء مثل هذا أي الطربوش ****ومن أسباب عزوة بني قينقاع التي خاضها رسول الله (ص)مع اليهود إن إمرأة مسلمة من الأعراب جاءت إلى سوق الصاغة لتشتري بعض الحلي وكان الحجاب قد فرض على النساء فراودها اليهود أن تسفر عن وجهها فأبت فعمد أحد اليهود في غفلة عنها إلى طرف ثوبها فعقدة إلى ظهرها فلما قامت منصرفة انكشفت سوأتها فتضاحكوا ثم صاحت مستنجدة فوثب رجل من المسلمين صادق وجوده هناك على الصائغ فقتله ورد اليهود الحاضرون على المسلم فقتلوه فبلغ الخبر النبي(ص)فقال{ما على هذا }فأنزل الله في شأنهم قرءانا يتلى {يأيها الذين أمنوا لا تتخذوا لليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض}وقال{وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله}فسار لهم (ص) في منتصف شوال السنة الثانية من الهجرة وضرب عليهم الحصار و طوقهم من كل ناحية فكان مصيرهم بالتالي أن أمر بإجلائهم عن المدينة فذهبوا إلى الشام اهـ فأين هذا مما يقع لإخواننا اليوم بأرض الإسراء والمعراج وغيرهم فهل نصرناهم على الخونة شداد الآفاق اللهم لا.
7>>ـ عمر رضي الله عنه . :لما ولى عمر النعمان بن مقرن ولاية كسكر ولاية بين البصرة والكوفة أرسل إليه رسالة هذا نصها:من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى النعمان بن مقرن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد فإنه قد بلغني أن جموعا من الأعاجم كثيرة قد جمعوا لهم بمدينة فإذا أتاك كتابي هذا فسر بأمر الله وبعون الله وبنصر الله بمن معك من المسلمين ولا توطئهم وعرا فتؤذيهم ولا تمنعهم حقهم فتكفرهم ولا تدخلهم غيضة مكان فيه ماء تجتمع فيه الأشجار فإن رجلا من المسلمين أحب إلى من مائة ألف دينار.وكان عمر يحب النعمان:كان عمر لا يكاد يذوق النوم ما جاءه رسول المسلمين من نهاوند قال ل عنه ما وراءك قال البشرى والفتح قال وما فعل النعمان قال زلت فرس في دماء القوم فصرع فاستشهد ففزع عمر وهزته الفاجعة وقال:{إنا لله وإنا إليه راجعون}ثم بكى بكاء شديدا وانتحب اهـ والنحب البكاء المتقطع..والله أعلم كتبه الفقير إلى رحمة الله حميد أمين بن أحمد المغربي
لست ربوت