الحمد لله كاشف الغم ومزيل الهم رفيع الدرجات ومذهب السيئات نحمده وهو أجل من حمد وأرف من أعطى واحق من ذكر له الثناء الحسن ونصلي ونسلم على من بعثه الله بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا وبعد موضوع اليوم : < أسباب ووسائل الثبات على الدين >>
أيها الناس إن مما يذهل اللبيب ويحير العاقل سرعة سقوط الكثيرين في هذه الأزمان في أحضان الفتن وتغير أحوالهم رأسا على عقب طلبا للجاه والحظوة والمال وافتتانهم بالعشق والدرهم وتكالبهم على طلب الأمانة لإشباع رغباتهم والوصول إلى قضاء وطرهم المادي وكل هذا يتم وإن ضاع منهم دينهم بل منهم من يبيعوه بثمن رخص وفتاة لايساوي جناح بعوضة ألا ما أصدق الحبيب المصطفى فيما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا>
قال النووي \مَعْنَى الْحَدِيث الْحَثّ عَلَى الْمُبَادَرَة إِلَى الْأَعْمَال الصَّالِحَة قَبْل تَعَذُّرهَا وَالِاشْتِغَال عَنْهَا بِمَا يَحْدُث مِنْ الْفِتَن الشَّاغِلَة الْمُتَكَاثِرَة الْمُتَرَاكِمَة كَتَرَاكُمِ ظَلَام اللَّيْل الْمُظْلِم لَا الْمُقْمِر . وَوَصَفَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْعًا مِنْ شَدَائِد تِلْك الْفِتَن ، وَهُوَ أَنَّهُ يُمْسِي مُؤْمِنًا ثُمَّ يُصْبِح كَافِرًا أَوْ عَكْسه.
إن سرعة حب الجاه مكنت العدو الخارجي من رقاب المسلمين وضرب بعضهم ببعض حتى اختلف الناس اختلافا لم يعهد في تاريخ المسلمين على مر الأزمان من ثم ترى صراعا مشئوما واختلافا قل نظيره في معظم الأقطار الإسلامية حيث نتج عنه سفك الدماء وتشريد الآمنين وذبح الأبرياء وتخريب الحضارة التي لها مئات السنين .روى أبوداود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ أَوْ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنْ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَقَالُوا وَكَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ وَتَذَرُونَ مَا تُنْكِرُونَ وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ.
.قوله \\ قَدْ مَرِجَتْ ): أَيْ اِخْتَلَطَتْ وَفَسَدَتْ .قَالَ الْقَارِي بِفَتْحِ الْمِيم وَكَسْر الرَّاء أَيْ فَسَدَتْ.قوله\\( عُهُودهمْ وَأَمَانَاتهمْ ): أَيْ لَا يَكُون أَمْرهمْ مُسْتَقِيمًا بَلْ يَكُون كُلّ وَاحِد فِي كُلّ لَحْظَة عَلَى طَبْع وَعَلَى عَهْد يَنْقُضُونَ الْعُهُود وَيَخُونُونَ الْأَمَانَات.قوله\\( وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْن أَصَابِعه ): أَيْ يُمْزَج بَعْضهمْ بِبَعْضٍ وَتَلَبَّسَ أَمْر دِينهمْ فَلَا يُعْرَف الْأَمِين مِنْ الْخَائِن وَلَا الْبَرّ مِنْ الْفَاجِر كَذَا فِي الْمَجْمَع .قوله\\( فَقَالُوا كَيْف بِنَا يَا رَسُول اللَّه ): أَيْ فَمَا نَفْعَل عِنْد ذَلِكَ وَبِمَ تَأْمُرنَا.قوله \\( مَا تَعْرِفُونَ ): أَيْ مَا تَعْرِفُونَ كَوْنه حَقًّا.قوله \\ ( وَتَذَرُونَ ): أَيْ تَتْرُكُونَ .قوله \\ ( مَا تُنْكِرُونَ ): أَيْ مَا تُنْكِرُونَ أَنَّهُ حَقّ.
إن الثبات على الدين والعض عليه بالنواجذ مطلب شرعي لحديث الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا
\2457
تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ> رواه الترمذي.قال في تحفة الأحوذي \ وَالْعَضُّ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ مُلَازَمَةِ السُّنَّةِ وَالتَّمَسُّكِ بِهَا فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا أَخْذًا شَدِيدًا يَأْخُذُ بِأَسْنَانِهِ أَوْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالصَّبْرِ عَلَى مُقَاسَاةِ الشَّدَائِدِ كَمَنْ أَصَابَهُ أَلَمٌ لَا يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَهُ فَيَشْتَدُّ بِأَسْنَانِهِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ .
.فالمفتونون من الناس كثر منهم من افتتن بعشق النسوان والمردان.ذالك أن فتنة النساء على الرجال هي أعظم فتنة على وجه الأرض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ )رواه البخاري ومسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وفي سنن الترمذي(عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ) ولم يستثنِ النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث لا وجهاً ولا كفاً ولا ساعداً ولا ساقاً ولا شعراً ولا غيره،و فتنة النساء فتنة قديمة، والرسول صلى الله عليه وسلم حذر من فتنة النساء في زمنه، وقالت عائشة كما في صحيح البخاري: { لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن من المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل }
++ومنهم من افتتن بسفك الدماء والعزلة في هذه الحال أي في الفتنة بين المسلمين والاقتتال المحتذم مشروعة لما رواه ععَمْرو بْن وَابِصَةَ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
إِنِّي بِالْكُوفَةِ فِي دَارِي إِذْ سَمِعْتُ عَلَى بَابِ الدَّارِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَلِجُ قُلْتُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَلِجْ فَلَمَّا دَخَلَ فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيَّةُ سَاعَةِ زِيَارَةٍ هَذِهِ وَذَلِكَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ طَالَ عَلَيَّ النَّهَارُ فَذَكَرْتُ مَنْ أَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ قَالَ فَجَعَلَ يُحَدِّثُنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُحَدِّثُهُ قَالَ ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنِي قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَكُونُ فِتْنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمُضْطَجِعِ وَالْمُضْطَجِعُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَاعِدِ وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنْ الرَّاكِبِ وَالرَّاكِبُ خَيْرٌ مِنْ الْمُجْرِي قَتْلَاهَا كُلُّهَا فِي النَّارِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَتَى ذَلِكَ قَالَ ذَلِكَ أَيَّامَ الْهَرْجِ قُلْتُ وَمَتَى أَيَّامُ الْهَرْجِ قَالَ حِينَ لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ قَالَ قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ اكْفُفْ نَفْسَكَ وَيَدَكَ وَادْخُلْ دَارَكَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَيَّ دَارِي قَالَ فَادْخُلْ بَيْتَكَ قَالَ قُلْتُ أَفَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي قَالَ فَادْخُلْ مَسْجِدَكَ وَاصْنَعْ هَكَذَا وَقَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى الْكُوعِ وَقُلْ رَبِّيَ اللَّهُ حَتَّى تَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ> قوله ، أألج؟ أي أأدخل...، قوله : ادخل بيتك، -والبيت أخص من الدار كأنه غرفة تكون في أقصى الدار-.... قوله وقبض بيمينه على الكوع -علامة على الاستسلام وعدم القتال- .
قال عمرو بن وابصة وهو يروي عن أبيه قال: [[فلما قتل عثمان رضي الله عنه طار قلبي مطاره تذكر هذا الحديث، فذهبت إلى الشام فلقيت خريم بن فاتك رضي الله عنه فأخبرته بما قال لي عبد الله بن مسعود ، فأقسم لي بالله والله الذي لا إله إلا هو لسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثك ابن مسعود -رضي الله عنه
\2458
وأرضاه]]- وهذا الحديث رواه أبو داود والإمام أحمد و الحاكم والزيادة التي فيه من قوله فلما قتل عثمان هي من رواية أحمد .اهـ سلمان العودة ومن كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله كما في حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما: قال عمر بن عبد العزيز: تلك دماء طهر الله منها يدي فلا أحب أن أخضب بها لساني، وقال آخر: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وفي غيرهما: تلك دماء طهر الله منها أيدينا فلا نلوث بها ألسنتنا. وقد رويت عنه رحمه الله تعالى بألفاظ مختلفة غير هذه الألفاظ. وفي المعجم الكبير للطبراني : عَنْ حَبِيبِ بن أَبِي ثَابِتٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قُتِلَ قَتِيلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُعْلَمُ قَاتِلُهُ , فَصَعِدَ مِنْبَرَهُ , فَقَالَ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُقْتَلُ قَتِيلٌ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ لا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ؟ لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَعَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِلا عَدَدٍ وَلا حِسَابٍ.> المعجم الكبير للطبراني .
+++ومن الناس من افتتن بالأمانة والمسئولية وهو عاجزعن حملها, وخاف منها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, مع أنهم قادرون عليها, وخافها أولو العلم من سلف الأمة اقتداء بالصحابة لأنهم يعلمون ما فيها, وما ذاك إلا خوفاً من أن يظلم أحدهم قيد أنمله، فيلقى الله وهو متحمل لها، ففضل بعضهم -مع أن لديه خصال الولاية من القوة والأمانة- أن يجلد على أن يولى. ففي تاريخ بغداد وحدثني عمي مصعب قال: أخبرني الفضل بن الربيع قال: دعاه أمير المؤمنين المهدي إلى قضاء المدينة فلم أرى رجلاً قط كان أصح استعفاء منه قال: لأمير المؤمنين إني كنت وليت ولاية فخشيت أن لا أكون سلمت منها وأعطيت الله عهداً أن لا ألي ولاية أبداً وأنا أعيذ أمير المؤمنين بالله ونفسي أن لا يحملني على أن أخيس بعهد الله قال: له المهدي فوالله لقد أعطيت هذا من نفسك قبل أن أدعوك؟ والله لقد أعطيت هذا من نفسي قبل أن تدعوني قال: فقد أعفيتك.وفي صحيح مسم \عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا.>
+و من الناس من افتتن بالمال فتنة عظيمة حتى أنه أصبح عبدا لذلك المال وللدرهم والدينار فانطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم :[تعس عبد الدينار والدرهم ], فلم يعد لهم هم إلا جمع المال دون النظر من أي طريق يجمع وفي أي طريق ينفق, فترك دينه وتفرغ لدنياه, فابتعد عن ذكر الله وترك صلاته وعبادته , وانشغل بالأدنى عن الذي هو خير , واستعمل ماله في سخط الله فتعس وانتكس , وبخل بما أعطاه الله ظانا أن ذلك خيرا له ,ولم يسمع قول الله تعالى : {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير }.و قال الحق جل جلاله:{إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم }, ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : [إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي بالمال ],
\2459
++ ومن الناس من افتتن بالمشعوذين والدجاجلة الأفاكين ، الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، بدعوى أنهم يكاشفونهم بأمور الغيب، فيما يسمى مجالس تحضير الأرواح، أو قراءة الكف والفنجان، ليكاشفوا الناس على حد زعمهم، عما سيحدث في العالم، خلال يوم جديد، أو أسبوع قال تعالى \قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى السَّمَاواتِ والأرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65]. قال رسول الله : ((من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد )) [رواه الأربعة والحاكم](8)[8].. وجاء في الصحيحين عن ابن مسعودٍ قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: ((أن تجعل لله ندا، وهو خلقك)) . . الحديث......
ومن الوصايا في التحذير من الفتن ما يلي \
عن ابن عباس قال<بينما نحن حول رسول الله إذ ذكر الفتنة فقال:إذا رأيتم الناس قد مرحت أي فسدت عهودهم وخفت أي قلت آمانتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه قال فقمت إليه فقلت كيف أفعل عند ذلك جعلني الله تبارك وتعالى فذاك قال إلزم بيتك و على نفسك واملك عليك لسانك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة>رواه أبو داود النساءي بإسناد حسن أخي المسلم يوصيك رسول بعدم المشاركة في الفتنة وأحداث الضجة والأضرار بالناس عندما يكون حال الناس ما سمعت من خيانة العهود وعدم المخاطبة على الأمانة وتفرق القلوب وتحزب القبائل والعشائر والدعوة إلى العصبية والغض عليها والدفاع من أجلها حينئذ يلزم المسلم العزلة ويفر بدينه من الفتن فقد كان أحد الصحابة وهو لا يشارك في الحروب التي وقعت بين علي ومعاوية هروبا من الفتن وهكذا ينبغي لك أيها المسلم وأنت اليوم ترى التحزبات السياسية والدينية وكلا يدعي وصلا ليلى لا تعزلهم بذلك
ومن الوصايا ما روي عن أبي هريرة قال رسول الله<ص>يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من هرب بدينه من شاهق إلى شاهق ومن حجر إلى حجر فإن كان ذلك كذلك لم تنل المعيشة إلا بسخط الله عصيانه وإتيان أماكن الفسوق فإن كان ذلك كذلك كان هلاك الرجل على يدي زوجته وولده فإن لم يكن له زوجة ولا ولد كان هلاكه على يدي أبويه فإن لم يكن له أبوان كان هلاكه على يدي قرابته أو الجيران قال كيف ذلك يا رسول الله قال يعبرونه بضيق المعيشة فعند ذلك يورذ نفسه الموارد التي يهلك فيها نفسه>رواه البيهقي في كتاب الزهد والإشارة يروى تدين بضعف الحديث لكن ما يحمله أصبحنا نلمسه في عصرنا فضغط الزوجة والأولاد يضطر معهم المرء إلى أكل الحرام لاسيما والأسعار ارتفعت والمتطلبات تأكدت والاستهلاك أكثر من الإنتاج فإلى الله المشتكى فلقد أصبح التعبير يضيق المعيشة ساري المفعول بين فئات مجتمعاتنا ولذا أعظم رب المال وعب الناس الدينار والدرهم وأمام هذه الفتن لا يسع المسلم إلا أن ينصاع لوصية نبيه<ص>بالعزلة والهروب ما أمكن ليتخلص من الوقوع في الفتنة أو أشغال فتليها ورحم الله الربيع بن خيثم لا خير في الكلام إلا في سبع <تهليل وتسبيح وسؤالك من الخير وتعوذك من الشر وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر وقراءتك للقرآن>اهـ أبو نعيم في الحيلة
\2460
وابن أبي الدنيا في الصمت..... <ظهور الفتن>روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي<ص>قال:<يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج>قالوا يا رسول الله أيما هو قال:<القتل القتل>أخي المسلم فلو أمعنت النظر في ألفاظ الحديث وقارنت الأحوال فالألفاظ لوجدت المطابقة لم تتخلف فأما قوله<ص>في تقارب الزمان فقد قال في الفتح فالذي تضمنه الحديث قد وجد في زماننا هذا فإنا نجد من سرعة مر الأيام ما لم تكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا وإن لم يكن هناك عيش مستلذ والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء حتى من الزمان وذلك من علامة قرب الساعة اهـ ويؤيد هذا حديث أبي هريرة مرفوعا لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كاحتراق السعفة وربما يشير <ص>يتقارب الزمان إلى ما أصبح لدينا من وسائل النقل التي كان بسببه تقارب المسافات مثلا قديما كان الناس يحجون من الغرب في ظرف ستة واليوم على متن الطائرات ست ساعات إلى الديار المقدسة والله أعلم وأما نقص العمل قال أيضا في الفتح فيتحمل أن يكون بالنسبة لكل فرد فإن العامل إذا دهمته الخطوب ال عن أوراده وعبادته ويحتمل أن يراد به ظهور الخيانة في الأمانات اهـ ص 508 ج 14 وأما القتل فإننا نسمع كل يوم من مختلف أجهزة الإعلام تتحدث عن المجازر الدامية في الجزائر كل يوم يذبح فيه الأطفال والنساء والشيوخ على يد عصابات والعلم لله ونرى على الشاشة القتل في أطفال الحجارة بفلسطين على يد الصهاينة وهكذا نرى القتل بالمئات كل يوم نسأله أن يعصمنا من كل بلية.إن القلب إذا افتتن عرض له مرضان خطيرانأحدهما اشتباه المعروف عليه بالمنكر . والثاني انقياده لهواه واتباعه لها وتقديمها على ما جاء به النبي <ص) .
والخلاصة\\\\ أن المومن واجب عليه أن يكون دائم الخشية لله قال تعالى : {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ }
قال ابن القيم : ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الخوف وهى من أجل منازل الطريق وأنفعها للقلب وهي فرض على كل أحد قال الله تعالى فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين وقال تعالى فإياى فارهبون آل عمران : 175 وقال فلا تخشوا الناس واخشون المائده : 44 ومدح أهله فى كتابه وأثنى عليهم فقال": إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون الى قوله أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون المؤمنون : 5761 وفي المسند والترمذي عن عائشة زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم رضي الله عنها َ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } قَالَتْ عَائِشَةُ أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ قَالَ لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ>
قال الحسن : عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم إن المؤمن جمع إحسانا وخشية والمنافق جمع إساءة وأمنا و الوجل و الخوف و الخشية و الرهبة
\2461
ألفاظ متقاربة غير مترادفة قال أبو القاسم الجنيد : الخوف توقع العقوبة على مجارى الانفاس وقيل : الخوف اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف اهـ
وقال السعدي معقبا على قوله تعالى : { فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }: فإن من أمن من عذاب اللّه، فهو لم يصدق بالجزاء على الأعمال، ولا آمن بالرسل حقيقة الإيمان.وهذه الآية الكريمة فيها من التخويف البليغ، على أن العبد لا ينبغي له أن يكون آمنا على ما معه من الإيمان.بل لا يزال خائفا وجلا أن يبتلى ببلية تسلب ما معه من الإيمان، وأن لا يزال داعيا بقوله: ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) وأن يعمل ويسعى، في كل سبب يخلصه من الشر، عند وقوع الفتن، فإن العبد - ولو بلغت به الحال ما بلغت - فليس على يقين من السلامة.اهـ .... عن أم سلمة، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "يا مُقَلِّبَ القلوب ثَبِّتْ قلبي على دينك" ثم قرأ: { رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } رواه ابن مردويه. عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يدعو: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك"، قلت: يا رسول الله، ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء. فقال: "ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه، أما تسمعين قوله: { رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } . غريب من هذا الوجه، ولكن أصله ثابت في الصحيحين، وغيرهما من طرق كثيرة بدون زيادة ذكر هذه الآية الكريمة.اهـ ابن كثير.....ونحن نقول ربنا احفظ علينا إيماننا ولا تفتنا فيمن مكرت بهم سبحانك سبحانك ولعظم هذا الموضوع وضعناأهم الأسباب والوسائل التي تعين على الثبات على دين الله على الشكل الآتي \\:
1- الوسيلة الأولى:تلاوة القرآن الكريم؛ لأن الله تعالى يقول: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } [الفرقان:32] وما عرفنا أن أحداً اعتصم بالقرآن وتلا القرآن وتدبره فضل، الذي يضل؟ هو من يهجر القرآن تلاوة، أو يهجره عملاً، أو تدبراً، أو احتكاماً، أو استشفاء؛ يضله الله؛ لأنه جاء في حديث الترمذي حديث الأعور عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ فَقُلْتُ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا{ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ }مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ..>.قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ وَفِي الْحَارِثِ مَقَالٌ) الزم القرآن الكريم، قال تعالى: { فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ } [الزخرف:43-44] فاقرأ القرآن باستمرار، واجعل المصحف في جيبك، وفي السيارة، وفي المكتب،
\2462
وعند سرير نومك، وكلما وجدت فرصة من الفرص فاقرأ القرآن وتدبر، قراءة تدبر يقول الله تعالى: { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً } [النساء:82] ويقول جل ذكره: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [ص:29].
2-الوسيلة الثانية\فعل الأمر وترك النهي: وفي هذا يقول الله عز وجل: { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } [النساء:66] أشد هنا: أفعل للتفضيل، أفضل ما تثبت به نفسك أن تفعل ما وعظك الله به: { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ } [النساء:66] نوعظ بفعل أوامر الله وترك نواهيه،
3- الوسيلة الثالثة\قراءة قصص الأنبياء: فالأنبياء ذكر الله قصصهم في القرآن للعبرة والعظة، قال تعالى: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ } [يوسف:3] وقال عز وجل: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ } [يوسف:111] وقال جل ذكره: { وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } [هود:120] فكلما قرأت قصة نبي ثبتتك على الإيمان، إذا كنت شاباً وجميلاً ووسيماً وما عندك زوجة والمنكرات من حولك، وسبل الفساد تفتح لك ثم دعيت إلى جريمة، فاذكر يوسف لما دعته المرأة ذات المنصب والجمال فقال: { مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ } [يوسف:23] فتقول: لا والله لا أعمل، إذا رأيت الدنيا تكالبت عليك من كل جانب وضاقت الأرض من كل مكان فتقول كما قال موسى: { كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الشعراء:62] وإذا ضاقت بك الدنيا فتقول كما قال عليه الصلاة والسلام: { لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } [التوبة:40] هكذا تثبتك هذه القصص، فليست مجرد كلام، القرآن ما نزل من أجل أن نتسلى به، بل هو قصص ودروس عملية تربوية، ننتفع بها في حياتنا، وكل قصة ذكرت في القرآن فلها أهداف عظيمة، فاقرأ قصص القرآن، وبعد ذلك اعتبر منه وارجع منه بفوائد ونتائج ودروس في حياتك تمتثلها، وهذا سبب تثبيتك، قال الله تعالى: { وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ } [هود:120].
4- الوسيلة الرابعة \ الدعاء: فتدعو الله في كل وقتٍ وفي كل حين تقول: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، وقد ذكر الله عز وجل أن هذا من صفات عباد الله الذين يخشون الافتتان في دينهم، حكى الله قولهم: { رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } [آل عمران:8].وقولهم: < والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما > اخـ دروس للشيخ بن مسفر .روى الترمذي\\ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ>
قوله\\( فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا )يَعْنِي أَنَّ قَوْلَك هَذَا لَيْسَ لِنَفْسِك لِأَنَّك فِي عِصْمَةٍ مِنْ الْخَطَأِ وَالزِّلَّةِ ، خُصُوصًا مِنْ تَقَلُّبِ الْقَلْبِ عَنْ الدِّينِ وَالْمِلَّةِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَعْلِيمُ الْأُمَّةِ ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا مِنْ زَوَالِ نِعْمَةِ الْإِيمَانِ أَوْ الِانْتِقَالِ مِنْ الْكَمَالِ إِلَى النُّقْصَانِ..قوله\\( قَالَ .
\2463
َنعَمْ )يَعْنِي أَخَافُ عَلَيْكُمْ..قوله \( يُقَلِّبُهَا )أَيْ الْقُلُوبَ ..قوله\( كَيْفَ يَشَاءُ )مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ ، أَيْ تَقْلِيبًا يُرِيدُهُ
5>- الوسيلة الخامسة\ ـ الصدقة من أسباب الثبات على الدين:في شعب الإيمان للبيهقي عن الحسن ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الصدقة تطفئ غضب الرب ، وتدفع ميتة السوء »فالصدقة تكون سببا لعدم الفتتان وسوء الخواتم فهي بمثابة مثبت لصاحبها .
في مصنف عبد الرزاق \ عن يحيى بن أبي كثير قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يبلغهن ويعلمهن بني إسرائيل ، ويعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن ، فكأنه أبطأ ، فقيل لعيسى : مر يحيى أن يأمر بهذه الكلمات وإلا فأمر بهن أنت ، فقال عيسى ليحيى ذلك ، فقال يحيى : لا تفعلل ! فإني أخاف إن أمرت بهن أن أعذب أو يخسف الله بي الارض ، قال : فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس ، حتى امتلا المسجد ، ثم جلسوا على شرفه ، فقال : إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعلمكموهن ، وآمزكم أن تعملوا بهن ، ثم قال : أولا هن ألا تشركوا بالله شيئا ، فإن مثل من يشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا فجعله في داره وقال : هذه داري ، وهذا عملي ، فأد إلي عملك ، فجعل يعمل ويؤدي عمله إلى غير سيده ، فأيكم يحب أن يكون له عبد كذلك ؟ وإن الله هو الذي خلقكم ورزقكم ، فلا تشركوا به شيئا ، وآمركم بالصلاة ، فإذا صليتم فلا تلتفتوا في صلاتكم ، فإن الله ينصب - حسبته قال - وجهه لعبده في صلاته ما لم يلتفت ،
قال : وآمركم بالصدقة ، فإن مثل الصدقة كمثل رجل أخذه العدو فقدموه ليضربوا عنقه ، فقال : ما تصنعون بضرب عنقي ، ألا أفتدي نفسي منكم بكذا وكذا ؟ قالوا : بلي ، فافتدى نفسه منهم ، فكذلك الصدقة تطفئ الخطيئة ،
قال : وآمركم بالصيام ،فإن مثل الصائم كمثل رجل في قوم معه صرة مسك ، ليس مع أحد من القوم مسك غيره ، فكلهم يحب أن يجد ريحه ، فكذلك الصائم عند الله أطيب من ريح المسك ، وآمركم بذكر الله ، إن مثل ذكر الله كمثل رجل انطلق فارا من العدو يطلبونه حتى لجأإلى حصين حصين ، فأفلت منهم ، وكذلك الشيطان لا يحرز منه إلا ذكر الله.قال يحيى : فأخبرني الحارث الاشعري أن النبي صلى الله قال : وأنا آمركم بخمس : بالسمع ، والطاعة ، والجماعة ، والهجرة ، والجهاد
6>ـ الوسيلة السادسة \\:طلب العلم، فطلب العلم يجعل العبد أكمل العباد إيماناً بالله ومعرفة به سبحانه وتعالى؛ وذلك لأن الله جل وعلا وعد أهل العلم بالخير كله، ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ)،
\2464
فإذا اتجهت في سبيل طلب العلم، واتجهت إلى حلق العلماء تريد أن يكرمك الله بالعلم، فاعلم أن الله أراد بك خيراً، وحاشا لعبد أراد اللهُ به خيراً أن يُقلّب قلبه على الشر أبداًَ، لذلك تجدوا أكمل الناس ثباتاً على الهداية طلاب العلم، وأعرفهم بالله وأصدقهم في معاملته وأرجاهم له بعد العلماء، فقد صقلت قلوبهم روحانية الكتاب والسنة أولئك الذين جلسوا مجالس الذكر فحفتهم الملائكة فنجوا من شرور الشياطين ووساوسهم وخطراتهم؛ فكانوا أكمل العباد ثباتاً على طاعة الله عز وجل ومرضاته، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ).
، فيجب علينا أن نسأل الله الثبات، لا سيما في عصر الفتن الذي نعيشه اليوم، هذا العصر الذي يصبح فيه الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، عصر التقلب؛ لذلك نسأل الله دائماً الثبات ولا نغتر؛ لأنّ الغرور أخطر شيء في حياة الإنسان، فهو الذي أخرج إبليس من الجنة، وأدخله النار، بل جعله قائد الكفرة إلى النار، فعلينا أن نستشعر التقصير في جنب الله سبحانه وتعالى، والله تعالى يقول: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } [إبراهيم:27].
7>ـ الوسيلة السابعة من أسباب الثبات والصبر: تذكر العاقبة الحسنة: فإن الذين صبروا وثبتوا سيكونون أبطالاً، وسيخلدهم التاريخ ويدخلون من بابه الواسع، ويُعجب بهم أعداؤهم قبل أصدقائهم، وبذلك سيحققون أكبر المكاسب وأغلاها لدى الناس، ومن المعروف أن كل إنسان لا يزال يتذكر للصابرين الثابتين مقامهم، وهو يرى أنهم من أمثال الجبال الصامدة أو هم أعظم من الجبال، فذلك الإعجاب لا يمكن أن يقع إلا على أساس اتصاف الإنسان بصفة عظيمة تستحق الإشادة والتقدير، وهذه الصفة هي صبره وثباته مع كل ما يصيبه من أنواع الضغوط التي يتعرض لها.
قدم للقائد الصحابي الجليل عبد الرحمان بن عرف طعام طيب له ولأصحابه معه وكان صائما ولكنه نحى الطعام جانبا وأخذ يبكي فقال له:<ما يبكيك في يوم فتح الله على المسلمين فتحا عظيما فقال:<إنكم لم تروا ما رأيت لقد حضرت مع رسول الله <ص>غزواته الأولى فقاتلنا معه ومنا من قتل ومضى إلى ربه ولم يأخذ من أجر الدنيا شيء ومنهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفنه به إلا ثوبة وكان قصيرا فكنا إذا غطينا رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدت رأسه فقال <ص>:<غطوا رأسه واجعلوا على رجليه شيء من نبات إلا دخر>فدفناه هكذا..وها نحن اليوم وما منا من أحد إلا وهو أمير على مصر من الأمصار وبين يديه ما يشتهي من طيبات الدنيا فنخشى أن تكون طيباتنا قد عجلت في حايتنا الدنيا>خرج البخاري عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ :«أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ , أُتِىَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ : قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ , وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّى , وَكُفِّنَ فِى بُرْدَةٍ , إِنْ غُطِّىَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ ، وَإِنْ غُطِّىَ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ , وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّى ، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا , أَوْ قَالَ أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا , وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا وَجَعَلَ يَبْكِى حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ.وهذا رسول صمد وثبت لما ذكر موسى قائلا: .روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَمَّا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِسْمَةَ حُنَيْنٍ
\2465
قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مَا أَرَادَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ
8>ـ الوسيلة الثامنة من أسباب ثبوت القدم على الهداية واستجلاب الولاية: بُعد العبد عن محارم الله وخوفه وخشيته لله عز وجل، إن تنكب العبد عن صراط الله جل وعلا له أسباب تدعو إلى ذلك، وأعظمها: الميل إلى الهوى، وإيثار الشهوات والشبهات؛ .
.9>>ـ الوسيلة التاسعة .من أسباب الثبات على الهداية: معاشرة الصالحين والأخيار، فإن الجلوس معهم والأنس بهم من أعظم الأسباب الموجبة للهداية، وكذلك الحرص على زيارتهم والتأدب بأخلاقهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الله عز وجل غفر لعبد جلس في مجلس ذكر مرة واحدة فقال: (قَالَ فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا قَالَ فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ) رواه مسلم .فالجلوس مع الأخيار وزيارتهم من أهم الأسباب الموجبة للثبات على الهداية، فينبغي للإنسان أن يحرص كل الحرص على الجلوس معهم، فلو سألت القلوب يوماً: من الذي دعاها لمحارم الله؟ من الذي زين لها الشبهات والشهوات، ومهد السبيل لمحارم الله؟ لوجدت وراء ذلك قرين السوء والعياذ بالله! فهو الذي زين كأس الخمر وجعلها ألذ إلى النفس حتى أعرضت عن الله حين شربتها؟ وهو الذي حبب إليك الزنا وقربك منه ومهد السبيل إليه، فهؤلاء هم شياطين الإنس والجن؛ فينبغي للإنسان أن يحرص كل الحرص على البعد عنهم >
10>ـ الوسيلة العاشرة ــ الرجولة من أسباب الثبات قال تعالى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ } [الأحزاب:23] { قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ } [المائدة:23] { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى } [يس:20] أنت تقرأ الآية وتتأمل وتتملى في هذا الرجل الذي وصف بالرجولة جاء يسعى { قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ } [يس:20-21] أما في قصة موسى: { وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ } [القصص:20] من هو الرجل الذي يكون من صفاته الشخصية إغاثة الملهوف والسعي إلى نصرة المظلوم وإنقاذ الآخرين -الذين هم في خطر- فذهب إليه خفية مع المشوار بعيد؛ لأنه جاء من أقصى المدينة { قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } [القصص:20] فإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، وإنقاذ حياة الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، والسعي في تخليصهم وإبعاد الأذى والشرور والأخطار عنهم، هذه من صفات الرجولة التي ينبغي أن تتصف بها شخصياتنا، الرجولة التي تسبب القيام لله بالحق، وغضبة لله في أماكن المنكرات وإذا انتهكت محارم الله، فإن الرجل يغضب لله، والمرأة كذلك تغضب لله سبحانه وتعالى فتغير في مكانها.
\2466 معاني الرجولة عند الناس\\
مع الأسف إن كثيراً من معاني الرجولة قد فقدت بين الناس، وظن بعضهم أن الرجولة هي تطويل الشوارب وحلق اللحى، أو الأخذ بالثارات وقتل الأبرياء، وبعض الناس يظن أن الرجولة هي التدخين
وماذا نفعت الرجولة الذين قال الله فيهم: { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } [الجن:6]؟ وكأني بهذا الدين في هذا الزمان يهتف بأبنائه: أليس منكم رجل رشيد يحملني ويقوم بأمري؟
11>ـ الوسيلة الحادية عشرة . من أسباب الثبات الاستعانة بالله: أن تعلم أن الذي أقامك لعبادته في رمضان هو الله، وهو وحده القادر على أن يعينك على المداومة والاستمرارية فليست الاستقامة قوة منك ولا قدرة فيك، ولا فتوة في جنابك، وإنما هي محض منة الله وفضله أن يوفق عباده للطاعة ثم يتقبلها منهم، وهذا الاعتراف منك هو بداية الاستقامة. أما الناظر إلى عمله المحسن الظن بنفسه الذي يظن أن عبادته إنما هي بقدرته وقوته؛ فهذا يكله الله إلى نفسه، ومن وكله الله لنفسه هلك، ولذلك كان من دعاء النبي - - صلى الله عليه وسلم - : (ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدًا) رواه أبو داود
12>ـ الوسلة الثانية عشرة من أسباب الثبات مجاهدة النفس :\ الاستقامة لا تتحصل بالهجوع في المضاجع، ولا بالاستمتاع بكل ما لذَّ وطاب من الشهوات والملذات، بل تتأتى بالمجاهدة والمثابرة والمصابرة.. مجاهدة للنفس، والهوى، والشيطان، ومثابرة على فعل المأمورات والإكثار من الطاعات، ومصابرة عن الشهوات والمنهيات، حتى تأتي بأمر الله على تمامه. { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } ]العنكبوت:69[ ، { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ } ]السجدة:24[ قيل للإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: إذا وضع قدمه في الجنة. وقال الشافعي: لا ينبغي للرجل ذي المروءة أن يجد طعم الراحة، فإنما هو في هذه الحياة الدنيا في نَصَبٍ حتى يلقى الله. إن الله لا يَمُنُّ عليك بالاستقامة ويذيقك لذتها ويعطيك ثوابها، إلا إذا ثابرت عليها وعملت لها ودعوت الناس إليها، وجاهدت حتى تصل إليها.
13>ـ الوسيلة الثالثة عشرة \ الاستدامة على قول الكلمة الطيبة التي تقرب الأبعد وتجبر الخاطر وتكسر الحواجزفبها ينال العبد رضاء الله ورضاه عنصر فعال في كون العبد في كنف مولاه لاتزيغ به الأهواء .ففي صحيح البخاري \ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ>
في المنتقى للباجي \قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ الْكَلِمَةُ عِنْدَ السُّلْطَانِ الظَّالِمِ لِيَرُدَّهُ بِهَا عَنْ ظُلْمِهِ فِي إرَاقَةِ دَمٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ لِيَصْرِفَهُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ يُعِينَ ضَعِيفًا لَا يَسْتَطِيعُ بُلُوغَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ ، وَرَوَى عَبْدُ الْمُتَعَالِي بْنُ صَالِحٍ قَالَ : قِيلَ لِمَالِكٍ يُدْخَلُ عَلَى السُّلْطَانِ وَهُمْ يَظْلِمُونَ وَيَجُورُونَ قَالَ : يَرْحَمُك اللَّهُ فَأَيْنَ التَّكَلُّمُ بِالْحَقِّوَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى يَعْنِي
\2466
- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي عَوْنِهِ عَلَى الْجَوْرِ وَالْإِثْمِ وَتَزْيِينِهِ لَهُ بِمَا يُسْخِطُ اللَّهَ تَعَالَى ، قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ : بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَ يَقُولُ فِي تَفْسِيرِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ يَتَكَلَّمُ بِهَا الرَّجُلُ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ يُرْضِيهِ بِهَا فِيمَا يُسْخِطُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم هُوَ فِيمَا يُرَى الرَّفَثُ وَالْخَنَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْكَلَامِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ مَنْ جَحَدَ وَلَا كَفَرَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى .وَقَوْلُهُ\\ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يُرِيدُ لَا يَعْبَأُ بِهَا وَيَسْتَخِفُّهَا فَلَا يُعَاجِلُ النَّدَمَ عَلَيْهَا وَالتَّوْبَةَ مِنْهَا ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يُهَالَ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ قَالَ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ لَقَدْ مَنَعَنِي هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ كَلَامٍ كَثِيرٍ .
جمع حميد أمين تولاه الله .
لست ربوت