الحمد لله وحده والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسول المجتبى وعلى آله وبعد موضوع اليوم {الأسباب الخ}أيها الناس إن كثيرا من المصلين يتساءلون عما يحقق لهم الخشوع في صلواتهم ويشكون من شروذ الذهب وندرة توفر الخشوع الذي هو السكون والطمأنينة و والوقار والحامل عليه الخوف من الله ومراقبة والخشوع أيضا هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل ومحل الخشوع في القلب وتمزقه وتظهر على الجوارح والأعضاء تابعة للقلب فإذا فسد خشوعه بالغفلة والوساوس فسدت عبودية الأعضاء والجوارح فإن القلب كالملك والأعضاء كالجنود له فإن فقد العبودية ضاعت الرعية وهي الجوارح ومن هنا فالصلاة صلة بين العبد وربه وليس تكفي فيها الحركات والألفاظ وروح الصلاة هو الخشوع ولذلك أثبت ربنا صفة الفلاح للمؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون وقبل الدخول في صلب الموضوع أنقل إليكم الأدلة على
وجوب الخشوع في الصلاة:لقد ذهب ابن تيمية والإمام الغزالي رحمهما الله إلى وجوب الخشوع في الصلاة وحضور القلب قال أبو حامد (بيان اشتراط الخشوع وحضور القلب أعلم أن أدلة ذلك كثيرة فمن ذلك{وأقم الصلاة لذكرى}وظاهر الأمر الوجوب والغفلة تضاد الذكر فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيما للصلاة لذكره
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية{واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين والذم لا يكون إلا لترك واجب أو فعل محرم وإذا كان غير الخاشعين مذمومين ذلك علة وجوب بالخشوع ومن الأدلة وجوب الخشوع قوله تعالى{ولا تكن من الغافلين}نهي وظاهره التحريم وقوله عز وجل{حتى تعلموا ما تقولون}تعليل لنهي السكران وهو مطرد في الغافل المستغرق الهم بالوساوس
وأفكار الدنيا والتحقيق فيه أن المصلي مناج ربه لقوله(المصلي يناجي ربه}
متفق عليه والكلام مع الغفلة ليس بمناجاة البتة
ومن الأدلة علة وجوبه قوله تعالى{قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلواتهم خاشعون}إلى قوله{أولئك الوارثون الذين يرثون الفردوس}أخبر سبحانه أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة وذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم وقد دل هذا على وجوب هذه الخصال إذ لو كان فيها ما هو مستحب لكانت جنة الفردوس تورث بدونها لأن الجنة تنال بفعل الواجبات دون المستحبات ولهذا لم يذكر في هذه الخصال إلا ما هو واجب اهـ فتاوى بن تيمية
أما الأسباب التي يتحقق بوجدها الخشوع فهي كما يلي:
أولا:تذكر الموت أثناءها لقوله(ص){أذكر الموت في صلاتك فإن الرجل إذا أذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته وصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها وأوصى النبي(ص)أبا أيوب حيث قال له:{إذا أقمت في صلاتك فصل صلاة مودع}يعني صلاة من يظن أنه لن يصلي غيرها فالمرء إذا صلى على هذا الأساس حري به أن يؤديها على أكمل وجوههما
ثانيا:تدبر الآيات والتفكير في معانيها:وهذا الأمر من أهم الأمور التي توفر لك الخشوع فقد جاء أن النبي(ص)قام ليلة بئاته يرددها حتى أصبح وهي:{أن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإن أنت العزيز الحكيم}
وكذلك مما يجلب الخشوع التفاعل مع الآيات روى حذيفة قال(صليت مع رسول الله ذات ليلة يقرأ مسترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ}وقان قتادة بن النعان الليل كان لا يقرأ إلا{قل هو الله أحد}يرددها لا يزيد عليها ولا يحصل التدبر إلا يفهم معان الآيات وهنا يتبين أهمية الاعتناء بالتفسير قال ابن جرير رحمه الله{إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله ــ أي تفسيره كيف يلتذ بقراءته ومن التفاعل مع الآيات والتجاوب معها قول المأموم(ربنا لك الحمد)بعد قول الإمام سمع الله لمن جاء عن رفاعة بن رافع الرزقي قال:{كن يوما نصلي وراء النبي (ص) فلما رفع رأسه من الركعة قال:سمع الله لمن حمده قال رجل وراءه ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف قال:{من المتكلم}قال أنا قال {رأيت بضعة وثلاثين ملكا يتبدرونها أيهم يكتبها أول}
ثالثا:ترديد آيات المعاد وأهوال الساعة:مثل قوله تعالى:{أتا أنذركم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا}
وقوله:{فكيف إذا جيئنا من كل أمن بشهيد وجيئنا بك على هؤلاء شهيدا}
وقوله:{يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم}
وقوله:{فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شان يغنيه}وقوله:{وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يليتني قدمت لحياتي }وقوله
{وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملقوا ربهم وأنهم إليه راجعون}فالإيقان بلقاء الله يبعث على الخوف ومن ثم الاستقامة في السلوك والإحسان في العمل
فإن لترديد أمثال هذا الآيات إيقاعا في النفوس وإن كان القرآن كله يأخذ وبمجامع قلوب ذوي السرائر النيرة فلقد قرأ عمر قوله تعالى{سائل بعذاب واقع}فمرض على أثرها ثلاثة أيام ومات بن الفضيل قراءته لقوله المولى{ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يليتنا نرد}
ثالثا:استحضارك في صلاتك إنك تقف أمام ملك الموت:وذلك لما جاء في الحديث:{الإحسان إن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تراه فإنه يراك} رواه مسلم فالحامل على الخشوع هو الخوف من الله ومراقبته وأيضا فالتأمل في حال السلف وكيف يصلون على المزيد من الخشوع فروى عن علي بن الحسين أنه كان إذا توضأ اصفر لونه فيقول له أهله:ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء فيقول {أتدرون بين يدي من أقوم}
ويروى عن خاتم الأمم:أنه سئل عن صلاته فقال:إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتت الموضع الذي أريد الصلاة فيه فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي ثم أقوم إلى صلاتي وأجعل الكعبة بين حاجتي والصراط تحت قدمي والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت وراءي وأظنها أخر صلاتي ثم أقوم بين الرجاء والخوف وأكبر تكبيرا بتخفيف واقرأ قراءة بترتيل وأركع ركوعا بتواضع وأسجد سجودا بتخشع واتبعها الإخلاص ثم لا أدري
أقبلت مني أولا}قال رسول الله (ص){ما من امرئ تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت له كفارة من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله}رواه مسلم
وكان ابن الزبير:إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع وكان يسجد فأتى ال فأخذ طائفة من ثوبه وهو في الصلاة لا يرفع رأسه}وكان مسلمة بن بشار يصلي في المسجد فإنهدم طائفة منه فقام الناس وهو في الصلاة لم يشعر وهذا عروة بن الزبير أصابت إلا كله ركبته فأمره الأطباء بقطعها لكن بعد عملية التخدير وهي عبارة عن شرب الخمر فقال لهم أذن إذ هل عن ذكر الله قالوا نعم قال لهم:{حتى أدخل إلى الصلاة فإني إن دخلتهما أحسن بأي ألم فقطعوا ركبته وهو فيها ثم أغمي عليه وفي هذه الأثناء مات ولده فلما أفاق قالوا له أجرك الله ف رجلك وفي ابنك ثم قال{اللهم إن كنت أخذت عضوا فقد أبقيت أعضاء وإن كنت أخذت ولدا فقد أولاد فلك الشكر على ما أخذت ولك الحمد على ما أبقيت}
رابعا:إطابة المطعم فإنه يرفق القلب ويجلب الخشية ويقربك من ربك ويجعلك مجاب الدعوة وكان ذلك يبلغك الخشوع وفي الحديث(إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا}ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعت أغبر يمد يديه إلى السماء يقول:يا رب ومطعمة حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فإني يستجاب لذلك}وسئل الإمام أحمد
{لم تلين القلوب قال:يأكل الحلال ولا يبلغ المؤمن درجة الورع والتقوى حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس}
ويقول أحد السلف:{تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام}
وقال وهب بن الورد:{لو قمت مقام هذه السارية لم ينفعك شيء حتى تنر ما يدخل في بطنك حلال أو حرام}
خامسا:الابتعاد عن الذنوب الصغائر والكبائر:فإنما من أكبر العوائق عن الكمال فالخشوع لا يجتمع مع المعصية قال سفيان الثوري :{حرمت قيام الليل بسبب ذنب أذنبته}ولما جلس الشافعي
بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وقور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فقال:{إني أرى الله قد ألقي على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمه المعصية}وقال (ص){إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء إذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم وإن المحقرات متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه}رواه الطبراني وأحمد البهيقي
سادسا:الاجتهاد في الدعاء خاصة في السجود:بلا شك إن مناجاة الله والتذلل إليه والطلب منه والإلحاح عليه مما يزيد العبد ضلة بربه فيعظم خشوعه لاسيما وإن العبد أمر بالدعاء كما في قوله تعالى:{أدعوا ربكم تضرعا وخيفة}وقال(ص){أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء}وقال{أما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن ـــ أي حري ـــ أن يستجاب لكم}وكان(ص)يدعوا في السجود بقوله:{اللهم لك سجدت وبك أمنت ولك أسلمت اللهم أنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقية }رواه مسلم
سابعا:الأناة والتمهل وعدم العجلة فيها:لأن ذلك سبب في إفسادها فقد صلى رجل إمام النبي(ص)فأساء صلاته فقال له:
{ارجع فصل فإنك لم تصل}رواه البخاري ,,,,,وغالبا ما تكون العجلة سببا في ضياع معنى الخشوع فقد روى أصحاب السنن (ص)قال:{لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبة في الركوع والسجود}ابن ماجه وغيره وروى مسلم قال (ص):{تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا}رواه مسلما
قال ابن تيمية:{وإذا كان الخشوع في الصلاة واجبا وهو متضمن للسكون والخشوع فمن نقر نقر الغراب لم يخشع في سجوده فمن لم يطمئن لم يسكن ومن لم يسكن لم يخشع في ركوعه ولا في سجوده ومن لم يخشع كان آثما عاصيا}الفتوى
ثامنا:استجماع النفس وإحضار القلب وتدبر الفكر قبل الدخول في الصلاة:والدخول على هذا النحو يمكن من الخشوع ويدفع منازعة النفس ومشاغل القلب ويهيئ العبد للوقوف بين يدي الله على أكمل وجه فإذا كنا لا نسارع في مقابلة مسئول كبير ملك أو وزير دون أن نعد أنفسنا لهذه المقابلة أليس من الأليف بنابل من الأوكد أن يكون ذلك في مناجاة ملك الملوك
ومما يحقق الخشوع حضور صلاة الجمعة والجماعة في المساجد وكلما بكرت إلى المساجد كمال عت إلى ذلك السنة المطهرة أتحت لنفسك جورا وحيا يجمع شتاتها ويغمرك بالخشوع
لست ربوت