شكل حادث سقوط الطفل ريان في بئر ووفاته على إثر ذلك، بالقرب من مدينة شفشاون شمالي المغرب، وما رافق تلك الفاجعة من متابعة إعلامية محلية ودولية غير مسبوقة، مناسبة لعودة النقاش حول واقع ومصداقية الصحافة في المغرب إلى الواجهة من جديد.
واحتدم النقاش بعد أن وُجهت أصابع الاتهام لعدد من وسائل الإعلام المغربية، خصوصا المواقع الإلكترونية، بنشر أخبار تبين لاحقا أنها زائفة ومجرد إشاعات وهو ما زاد من حدة الجدل حول مصداقية ما تنشره الصحافة، ومدى التزامها بأخلاقيات المهنة.
ولم يتوقف الأمر عند نشر عدد من الشائعات حول انتشال الطفل ريان وتعرضه لكسور وغيرها حتى قبل الوصول إليه من قبل فرق الإنقاذ بساعات، بحسب منتقدي أداء وسائل الإعلام المغربية، وإنما طال انتهاك حق ريان (5 سنوات) في الخصوصية.
فقد أقبلت منصات ومنابر كثيرة على نشر صور ومشاهد تدعي أنها للطفل العالق في البئر، كما تم نشر صور جثته، في حين يقول آخرون إن وسائل الإعلام الكبرى في البلاد احترمت أخلاقيات الصحافة وعملت على نشر الأخبار المؤكدة فقط.
البقالي: الإعلام المهني كان متميزا
وعلق رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، عبد الله البقالي، على هذا الموضوع، بالقول إن الشائعات تمثل جزءا من المشهد الإعلامي بشكل عام، مشيرا إلى أن المؤسسات ذات المهنية العالية لم تقترف أي خطأ في واقعة ريان، وكان أداؤها متميزا، وكذلك خلال جائحة كورونا.
وأضاف البقالي في حديث لـ"أصوات مغاربية"، أن المؤسسات الإعلامية القوية عملت بشكل متميز خلال اللحظات الصعبة مثل الكوارث والفواجع، مضيفا أن ما وصفه ب "القطاع غير المهيكل" لا يؤثر على هذه الجودة، شارحا بالقول إن"هناك مئات المواقع الإلكترونية التي لا يحمل أصحابهم بطاقة الصحافة المهنية وليسوا صحفيين أصلا، ولا يمكن أن نحسبهم على قطاع الصحافة".
في المقابل، أشار البقالي إلى أن هناك بعض المؤسسات الإعلامية المغربية اقترفت خروقات خلال جائحة كورونا وخلال مأساة الطفل ريان، وقال إن المجلس الوطني للصحافة (مؤسسة عمومية تعني بضبط قطاع الصحافة) بصدد تحريك الإجراءات القانونية لاتخاذ قرارات بهذا الشأن، مشددا على أنه لا يمكن قياس مهنية جميع المؤسسات الإعلامية بناء على المواقع غير المهنية وشبكات التواصل الاجتماعي.
العلالي: ارتباك وضعف التنظيم
ويرى أستاذ التواصل في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، محمد عبد الوهاب العلالي، أن وسائل التواصل الاجتماعي زادت من انتشار الإشاعات بشكل كبير، سواء في حادثة ريان أو غيرها من الوقائع، كما قوضت نوعا ما عمل الصحافة المهنية، وقلصت من تأثيرها، كما أدخلت فاعلين جدد مثل ما يعرف بـ"المواطن الصحفي"، إلى المجال الإعلامي، وأصبح الجميع قادرا على نشر الأخبار بعيدا عن الممارسات التي تلتزم بها الصحافة المهنية، من تدقيق هذه الأخبار والتأكد من صحتها.
وأضاف العلالي، في حديث لـ"أصوات مغاربية"، أن حادثة ريان وقعت في منطقة نائية شمال المغرب وتعذر وصول ممثلي وسائل الإعلام الكبرى إليها خصوصا خلال الأيام الأولى، فكان هناك نوع من الفراغ في المتابعة فغطته وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت هي المصدر الأساسي للمعلومات.
ورغم وصول وسائل الإعلام إلى مكان الحادث، أشار العلالي إلى وجود ارتباك وعدم تنظيم في تدبير الأزمة، وكان من الضروري تعيين متحدث رسمي يقدم المعلومات الخاصة بعملية الإنقاذ بين الفينة والأخرى، والتفاعل مع الأخبار المتداولة، ووضع بعض الإجراءات التنظيمية مثل وضع حزام عازل يحول دون الاقتراب من المكان.
ودعا المتحدث ذاته، إلى استخلاص الدروس من هذا الحادث لتحسين إدارة الأزمات على الصعيد الإعلامي، وتقديم المعلومات الصحيحة للجمهور.
لست ربوت