
لعل الميزة التي يتميز بها هذا المشروع الذي نحاول من خلاله لملمة بعض من ذاكرة ابن جرير، هو أن مسوداته الخام تنشر للعموم ليطلع عليها ويبدي رأيه فيها وينتقدها، ويشارك في تصحيح الأخطاء التي قد تعتريها، ويعيد تصويب التواريخ والأحداث والأشخاص والأمكنة المعوجة فيها، ويشذب ما يراه زائدا فيها أو يسد ما يراه ناقصا فيها. وهذا النوع من الكتابة أردته يشبه ـ حسب تقديري ـ أن يكون قريبا مما يسمى بإشراك الجمهور وكسر الجدار الرابع في صناعة المسرح كما هو الشأن عند الأديب والمسرحي الألماني الشهير "برتولد بريخت".
قوس ثان للتذكير: هذا المشروع مساهمة في كتابة الذاكرة، وبما أنه كذلك ولأجل ذلك، فهو لا يستعدي أحدا، ولا يجامل أحدا، ولا يصفي الحساب مع أحد، ولا يتحامل على أحد، ولا يرفع من قيمة أحد، ولا يحط من قيمة أحد، ولا يُسَوِّدُ تاريخ أحد كما لا يُبَيِّضُ تاريخ أحد.
لا ينفصل الحديث عن تلك التجربة الجماعية 2009/ 2015، عن السياق الوطني الذي ولدت فيه أو خرجت من أحشائه، أو كانت من تحصيل حاصله. بحيث أن ما جرى في 2007 بعد "استقالة" السيد الهمة من منصبه وقدومه إلى بلدته "ابن جرير" ليخدم بلده وملكه من موقع آخر في إطار مشروع الدولة الذي توج بصناعة حزب الأصالة والمعاصرة، هو المقدمات التي ستقود إلى النتائج التي كان من أبرزها تلك "العاصفة" الهوجاء التي مرت فيها الانتخابات التشريعية وما صاحبها من أجواء الدعاية غير المسبوقة بكل الطرق والأشكال التي تم فيها تجنيد الرياضيين والفنانين والإعلاميين والمثقفين والسياسيين من مختلف أنحاء المغرب، وتحولت بموجبها المنطقة إلى ما يشبه مكانا مقدسا قصده الناس من كل حدب وصوب ومن كل فج عميق.
إلا أن ما يعتبر ذا أهمية بالغة في ذلك السياق السابق عن 2009، هو زيارات الملك محمد السادس ومنها زيارة 12 ماي 2008، والتي تم فيها التوقيع على اثنتي عشرة اتفاقية همت عدة مجالات بملايير الدراهم. فكان من الطبيعي أن تكون انتخابات 2009 الجماعية مجرد صعود شرفي إلى البوديوم لتسلم المقاعد التي تم حصدها عبر غالبية جماعات الإقليم ومنها الجماعة الحضرية لابن جرير التي حصدت (30) مقعدا فيما فَضُلَت ال (5) المتبقية للائحة "الحمامة". وهكذا تشكل المجلس من الآتية أسماؤهم:
عن لائحة الجرار:
فؤاد عالي الهمة ـ التهامي محب ـ عبد العاطي بوشريط ـ الحجاج مساعيد ـ عبد الرحمان البصري ـ عبد الخليد البصري ـ الحاج علي جبوج ـ عبد الرحيم مستبسط ـ رشيد العلام ـ عبد الخالق مجدول ـ عبد المالك بوسلهام ـ محمد بوخار ـ عبد النبي القبية ـ عبيدة أحمد ـ عبد العزيز بنيعيش ـ ميلود الزطوطي ـ عمر براكش ـ عبد الخالق جوهري ـ عبد العزيز الدحاني ـ عبد اللطيف الوردي ـ الزوهرة الغندور ـ فوزية بودركة ـ فوزية شطو ـ حسن العزوزي ـ عبد الكريم مصطلح ـ عبد الكريم رحو ـ سعيد ملوك ـ جميعة ناجيح ـ عائشة عبودي ـ بوشتة الكريمي.
عن لائحة الحمامة:
محمد العيادي ـ إيماين العيادي ـ محمد فرتات ـ عبد الرحيم لمهيمر ـ ادريس الادريسي.
وما النتيجة التي حصلت عليها لائحة الجرار، إلا تحصيل حاصل لما سلف ذكره من سياقات ومؤثرات، لم يكن بإمكان بقية اللوائح المتنافسة أن تجاريها ولا حتى تضمن معها مجرد مقعد خشبي، لأن الأمر كان شبيها ب" العين التي تحاول أن تقاوم المخرز"، ما يعني أنها تجربة لم تولد من صراع طبيعي بين الفرقاء السياسيين على قدر يكاد على الأقل أن يقترب مما كانت عليه الحال في التجارب السابقة، وذلك يجعل كل تقييم لها خارج تلك الاعتبارات، غير ذي موضوع.
ستتشكل هياكل المجلس بعد انتخاب الرئيس فؤاد عالي الهمة، وسيشغل المحرك، و وتتحرك العجلات، لكن في غياب الرئيس الذي اختفى وغاب عن الأنظار بعد أن فوض كل اختصاصاته لنوابه، ولم يحضر أية دورة خلال كل مدة الانتداب، ما طرح كثيرا من الإشكاليات القانونية عند البعض القليل من نخبة ابن جرير، فيما كان الاتجاه العام داخل البلدة لا يعير هذا الأمر أي اعتبار، ولم يكن المجلس ذاته يملك الجرأة لمناقشة ذلك الوضع الغريب الذي يتعلق بغياب الرئيس وتفويضات الجملة التي تخلى عنها لفائدة نوابه. وكانت لي ساعتها وجهة نظر في الموضوع نشرت بالبوابة الإلكترونية (ابن جرير.نت) وقوبلت بالاستحسان عند البعض القليل وبالاستهجان عند الأغلبية الساحقة ممن كانوا يعتبرون أي ملاحظة أو نقد، هو تجريح في شخص السيد فؤاد وتبخيس للتجربة الجماعية، ومساهمة في إفشالها، وقصر نظر ينتمي إلى العدمية ذات النظارات السوداء. وفيما يلي نص وجهة النظر التي تعتبر تلخيصا للعطب الجوهري الذي كان ينبغي أن يكون موضوعا للنقاش والسجال، وليس ما أعقب غياب السيد الهمة من تصدع داخل المجلس وفي قلبه نفس الأغلبية التي انقسمت إلى ملل ونحل على عهد السيد التهامي محب الذي أضحى بعدها رئيسا للمجلس بعد حسم الهمة لمهمته كرئيس، وعلى عهد السيد عبد العاطي بوشريط بدءا من الولاية الجماعية 2015 والتي لازالت جارية إلى اليوم.
1 ـ في البدء كان السيد فؤاد يسود:
بعد انتخابه رئيسا لمجلس بلدية ابن جرير ، ألقى السيد عالي الهمة بكل اختصاصاته بين أيدي نوابه ، واختفى عن كل التفاصيل اليومية لسير أعمال بلديته وكأنه تخلص من عبء اضطر لحمله وهو الذي كان لا يرغب في ترشيح نفسه ،لولا إدراكه في آخر لحظة لما سيؤول إليه مصير لائحته التي كانت تحظى بكثير من التحفظ من لدن جمهور كثير من الناس، حتى من لدن ذلك الكوكتيل غير المتجانس الذي وضع في خلاط (mixeur) الجرار.
ولم يكتف السيد الهمة بترك البلدية ومن فيها ، بل جعل له مسافة مع المناوشات والصراعات التي بدأت تسري في مفاصل بعض أعضاء مجلسه .وكانت انتظارات هذا البعض تعول بين الحين والآخر على تدخل جراحي مستعجل لاستئصال مسببات تلك الصراعات ، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث ، ولم يتح لهم السيد الهمة ولو فرصة واحدة للقائهم من أجل حسم الموقف لهذا الطرف أو ذاك بما يسمح بردم الهوة التي ما فتئت تتسع بين بعض الأعضاء الذين يتقاسمون العيش في بيت الأغلبية ، ويتقاسمون امتطاء نفس مقصورة السيد الفاضل الجرار ، ويدينون بنفس الولاء التام للسيد عالي الهمة ، لا تفرق بينهم سوى تفاصيل يمكن اعتبارها بالحساب الكبير في السياسة جزئية ما دامت لا تمس كل المظهر ولا تحاذي الجوهر . وعلى الرغم من الغياب الدائم والمستمر للسيد الهمة ، وعلى الرغم من حالة الاستياء التي تراود أنصاره بين الوقت والآخر ، وعلى الرغم من الشعور الضمني بخيبة الأمل في ما كان جمهور العاطفين والأتباع ينتظرونه في الوجود والتواجد اليومي لرئيسهم وملهمهم ، فالسيد عالي الهمة تستوطن أنفاسه زوايا وأركان الإدارات والمصالح الخارجية ، وعطساته في الرباط يرتد رجع صداها في الاجتماعات المغلقة والمفتوحة ، وسلطانه يعشش في خلايا مريديه ، وطيفه أحلام جميلة تتراءى لهم في الغدو والرواح كما في الغفوة واليقظة . هو الماضي والمضارع والأمر ، هو الأمر والنهي ، هو الاختصاص والاستغاتة ، هو الطاهر الطهور وغيره الأبالسة والمردة ، هو الفضيل الفاضل ، هو الاجماع وغيره الفتنة ، هو الجامع وغيره الشتات ، هو الاستثناء وغيره القاعدة وهو القاعدة وغيره الاستثناء ،هواللاعب وغيره الجمهور ، له’’ انحناءات الخريف ، له وصايا البرتقال ، له تجاعيد الجبال ، له الهتاف ، له الزفاف’’ ، له العز ، له التقدم ، له المجد ، له الأمل ، له الزاوية ، له السلام ، له الفرح ، له النور ، له افريقيا ، له كاسطور ، له آسيا ، له البور ،له الريادة ، له السيادة.
2 ـ بعدها لم يعد السيد فؤاد يسود ولا يحكم:
السيد الهمة غائب منذ انتخابه رئيسا. السيد الهمة لم يفوض بعض اختصاصاته فقط ، بل فوضها جميعها مما يعني بكل بساطة أنه تنازل عنها، مما يعني أيضا أنه مس بحق الأغلبية الناخبة التي رفعته إلى درجة المنقذين الأتقياء الصالحين .
ولحدود سبع دورات ( تاريخ كتابة هذه المساهمة) من عمر ولاية المجلس قد انعقدت في غير حضور السيد الهمة، فما عساه يقول حينما يتفحص المادة العاشرة من الميثاق الجماعي التي تقول : يترتب بحكم القانون على انقطاع رئيس الجماعة على مزاولة مهامه لأي سبب من الأسباب وطبقا لأحكام المادة التاسعة حل المكتب، ويستدعى المجلس لانتخاب المكتب الجديد طبقا للكيفيات والأحكام المقررة في المادة السادسة ‘’.
وما عسى السيد الهمة أن يقول حينما يقرأ المادة العشرين من نفس الميثاق الجماعي التي تقول : ( كل عضو من المجلس الجماعي لم يلب الاستدعاء لحضور ثلاث دورات متتالية دون سبب يقبله المجلس، يمكن أن يعلن بعد السماح له بتقديم إيضاحات، عن إقالته بموجب قرار معلل ينشر في الجريدة الرسمية يصدره وزير الداخلية ‘).
قد يقول قائل : إن السيد عالي الهمة فوض اختصاصاته إلى نوابه لتخفيف العبء عن الرئيس من جهة ، ولتحقيق السرعة في أداء الأعمال مما يسهل على المواطنين قضاء مصالحهم من جهة ثانية، ولتدريب الأعضاء المرؤوسين على القيام بأعمال وصلاحيات الرئيس، الشيء الذي ينمي فيهم الثقة والقدرة على القيادة من جهة ثالثة. إلا أن هذا التفويض يطرح هو الآخر أكثر من سؤال ويثير أكثر من إشكال، فهو لا يقتصر على جزء من الاختصاص بل يطول الاختصاص كله وهذا مناف للقواعد العامة، لأن للتفويض شروطا عامة استقر على إيرادها الفقه وأحكام القضاء يجب مراعاتها حتى يكون التفويض صحيحا . ويقول نص الشرط الثاني من تلك القواعد : ‘’ يجب أن يكون التفويض جزئيا، لأن التفويض الشامل الذي يستغرق اختصاصات الرئيس جميعها غير جائز لأنه بمثابة تنازل عن الاختصاص وتخل عن المسؤوليات المنوطة بالرئيس بمقتضى القانون ومس بإرادة الأغلبية التي انتخبته.
وحالة التفويض تستدعي أن يكون المفوِّض ــ بكسر الواوـ الذي هو السيد عالي الهمة حاضرا وليس غائبا كما هو الحال في حالة الحلول أو الإنابة التي يعمل بها في حالة غياب صاحب الاختصاص الأصيل أيا كان سبب الغياب اختياريا كما في حالة الإجازة أو إجباريا كما في حالة المرض . في التفويض أيضا يكون الرئيس مسؤولا عن أخطاء المفوض إليه، لأن الرئيس يمارس الرقابة الرئاسية على المفوض إليه، بينما لا يكون الأصيل الغائب مسؤولا عن أخطاء من حل محله لأنه لا يملك أية سلطة رئاسية بالنسبة لتصرفات الأخير. ولأن مصدر سلطته القانون وليس الأصيل وحيث توجد السلطة توجد المسؤولية .
وفي حالة ابن جرير فإن السيد عالي الهمة باعتباره المفوض الأصيل يبقى مسؤولا عن الأخطاء التي قد يرتكبها المفوض إليه أو إليهم ،بالإضافة طبعا إلى مسؤولية المفوض إليه تطبيقا لمبدإ أن التفويض في السلطة ولا تفويض في المسؤولية .
الصورة من مراسيم تسليم السلط بين الرئيس السابق محمد العيادي و"الرئيس" الجديد فؤاد عالي الهمة.
(يتبع: المجلس البلدي على عهد التهامي محب ).
لست ربوت