سلاماً لنّيفٍ وستين طفلاً
يمدّون أعناقَهم للمشانق مشتعلين برغبتهم في الحياة
وفي رونق الخبزِ والمعرفه .
سلاماً لعشرين يونيو الجميلِ الرهيب الفسيح العميقِ
سلاماً لأغنية الصمتِ والطلقات الحقود).
"محمد الأشعري" الذي كان ....

كانت ابن جرير في زمنها الثمانيني والتسعيني، تعرف معسكرين اثنين واضحين لا التباس بينهما: معسكر الاستغلال الاقتصادي والسياسي والانتخابي مسنودا بالسلطة، ومعسكر النضال والممانعة ممثلا في أحزاب اليسار ونقاباته في التعليم والفوسفاط والسكك الحديدية، وإعلامه ممثلا في جرائد الاتحاد الاشتراكي وأنوال والطريق. ولم يكن ثمة طابور خامس واضح كما هي عليه الحال اليوم، وحتى وإن وجد وبشكل ضعيف، فإنه كان يشتغل في الظل والظلام.
ومن قلب حي "لفريقية" الهامشي المهمش الذي كان يطلق عليه "الكاريان" سينبعث مناضل كادح، اسمه ادريس كاكا (ولد السي قدور) الذي لما غادر مقاعد الدراسة مبكرا، اشتغل (حدادا) في الشركة التي كانت تسمى ّصوماجيك" وكانت تعمل في أوراش بناء القرية الفوسفاطية بابن جرير.
انخرط الشهيد ادريس كاكا في صفوف الشبيبة الاتحادية، وكان يحضر الأنشطة التي كانت تنظمها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وكان على علاقة مميزة بأبناء حي "البشريين" بحكم قرب الجوار السكني، كما كانت له نفس العلاقة المميزة بأبناء حي "لفريقية" ومنهم أبناء "المشعل" وبعض ممن جلس وإياه على مقاعد الدراسة ككاتب هذه السطور، في إطار لقاءات نضالية كانت مواضيعها لا تخرج غالبا عن قضايا الوطن والشأن العام إضافة إلى لحظات المرح والفرفشة.
في يوم أحد من أيام يونيو 1981، أذكر جيدا أنه ولج الملعب البلدي على متن دراجته "بوجو 103"، ليتابع مقابلة ودية في كرة القدم بين فريق المشعل وفريق آخر قد يكون من آسفي أو اليوسفية. لا أدري إن كان واصل متابعة المباراة أو غادر قبل النهاية، إلا أن المؤكد أن ذلك اليوم هو آخر يوم له بابن جرير، وآخر مرة سأرى فيها وجه السي ادريس وآخر مرة سأسمع صوته، كما سيكون آخر يوم له مع عائلته وأصدقائه ووالديه على وجه الخصوص.
تأكد بعد ذلك أنه التحق بآسفي ومعه دراجته حيث مكث هناك عند أحد أصدقائه، ومن تم غادر إلى الدارالبيضاء التي صادف فيها انتفاضة ال 20 من يونيو 1981، وفيها اختفى ولم تعد أسرته بابن جرير تعلم عنه شيئا، سوى أن دراجته كانت بإحدى محطات القطار.
عانى أقرباؤه وإخوانه وخاصة والدته مرارة فقدان ابنها الذي لا تعرف مصيره إن كان معتقلا أو ميتا أو مختطفا، وكل ما تعرفه أنه ترك غصة وحرقة في القلب والكبد كما تردد والدته التي لم تتخلف عن كل ذكرى الفاجعة.
وخلال نشاط نظمه الفرع المحلي لحزب الطليعة الاشتراكي بابن جرير سنة 2005 بدار الشباب حول موضوع: ( طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أية حلول ممكنة)، أثار الصديق خالد مصباح الذي كان يسير اللقاء ملف الشهيد كاكا وأعلم الحضور والسيد محمد الصبار رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف آنذاك ، أن أخ الفقيد يتواجد بالقاعة، وبعد انتهاء العرض تم اللقاء وعرض حميد كاكا ملف شقيقه.
ولما تم اكتشاف المقبرة الجماعية بثكنة الوقاية المدنية بالدار البيضاء وما تحتويه من الضحايا، طلب الأستاذ الصبار من عائلة الشهيد الحضور من أجل القيام بالفحص الجيني والذي كان من نتائجه تأكيد وجود جثة الشهيد ضمن الجثت.
تم قبول الملف، وصدار مقرر تحكيمي يقضي بجبر ضرر العائلة مع التعويض وتسليم الرفاة وجبر الضرر الفردي عبر الادماج.
كان الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بابن جرير، لا تفوته فرصة تخليد ذكرى الشهيد والمطالبة بالكشف عن مصيره، وسبق له في هذا الإطار أن نظم قافلة إلى مدينة الدارالبيضاء ووقف إلى جانب جمعية بالحي المحمدي دعما لعائلة الشهيد.
لم تطو معرفة مصير الشهيد ملفه المأساوي، ولم تطو دراهم الإنصاف والمصالحة جروح الألم وغصة فقد الأم لابنها الشهيد ادريس، والتي لازالت تطالب بتسليمها رفاته من أجل دفنه وزيارة قبره والترحم عليه خلال ما تبقى لها من هذا العمر الذي بلغت مراحله الأخيرة.
مات الشهيد ادريس، عاش الشهيد ادريس
لست ربوت